سارع جايدن يتفقدها ليتنهد بارتياح بعد برهة.

- انها بخير ، مجرد انهاك فقط ،ستكون بخير بعد ان تنام قليلا .."

سلمها لكلارا التي سارعت بحملها لغرفتها وكأنها تحمل ريشة .

عاد جايدن بناظريه نحو ثيودور الذي بقي يحدق طويلا في مكان اغمائها السابق .

- اسف لأجلك ..ان تمر بكل هذا بعد وصولك مباشرة "

صمت ثيودور لينفي بعدها

-لا بأس كان واجبي، في النهاية كان هذا اتفاقنا ...بالاضافة .."

شعر بدفئ الدموع التي لا تزال عالقة على ملابسه وتنهد بحزن في قلبه.

- هل هذا كيف يجب أن تشعر الأم تجاه طفلها البعيد عنها ؟ اذن هل تحزن امي على فراقي ايضا ؟ هل هي حقا ميتة كما قالت سيرينا ؟"

عض شفتيه ببعض الإستياء لجهله بأحداث الماضي إلا انه فارقها بعد ان شعر بتربيتٍ فوق رأسه .

- يمكنك التوجه للراحة بغرفتك ، لقد اخبرت " سيلفاتور" بتجهيزها لك وترتيب اغراضك بها "

اومأ له في فهم ليتبع الخادم العجوز نحو ردهة الطابق الثاني .

سارا معا نحو إحدى الغرفتين بآخر الرواق لينتبه على رسم غريب معلق على الباب جوار بابه.

"لا تجرؤ على اختلاس النظر في غرفتي يا سيلفاتور وانا بعيد عن المنزل !!"

بالكاد تعرف على الحروف أنها تخص اللغة القديمة بسبب مدى سوء خط الكاتب والاخطاء العديدة بها.

انتبه الخادم لاتجاه نظره ليقول موضحا .

- تخص هذه الغرفة السيد الأصغر "دايان" ،

إنه يقطن بأكاديمية داخلية ولا يعود هنا الا في العطلات . صحيح أن خطه ركيك إلا ان القوة في تشكيل الكلمات لا يستهان بها لفئته .

انه تشكيل ختم للغرفة، بالإضافة للدفاع ضد المتطفلين فهي تحافظ على المكان نظيفا دائما لحين عودته ."

- تشكيل ختم ؟ هل هو متحكم أثير ؟

- لا ! تم إيقاض السيد الأصغر بالفعل كفارس ، لكنه أحب التشكيلات منذ صغره وكثيرا ما حاول استخدام هالة الشفق لنحتها "

-نحت التشكيلات بهالة الشفق ؟ لم اسمع بشيء كهذا من قبل ! "سأل ثيودور في دهشة .

اومأ الخادم باعجاب في صوته

- لهذا يعتبر السيد "دايان" عبقريا . عبر التاريخ لم ينجح سوى القليل من الاشخاص في استغلال الشفق بهذا الشكل"

شعر ثيودور بالإعجاب ايضا وكأنه يشهد بعينيه قيام اسطورة جديدة .

ذكره الخادم بسعال بسيط

- سيد كلاود غرفتك جاهزة كذلك ..في الواقع لقد تم تحضيرها قبل مغادرتي انا والسيد ، كان عازما منذ ذلك الوقت بالفعل على اعادة شخص معنا "

- شكرا لك " سيلفاتور" انا ممتن لجهودك"

دلف إليها ينظر نحو تأثيثها الذي جمع بين اللونين الازرق الغامق والفضي اللطيف ،

وضع حقيبته التي كان يتمسك بها منذ هروبه على المكتب قرب السرير الوحيد وجلس متسائلا في نفسه عما يجب فعله تاليا .

-حياتي الجديدة تبدأ من الآن ، اولا علي ان اعتاد على اسمي وهذا المكان ،ايضا إن كانت هناك فرصة فعلي اكتشاف سبب موت الفتى آيس، يبدو أن هناك حكاية ما خلف هذا . ولا ٱريد التورط في امور قد لا أستطيع حلها بقوتي الضعيفة "

تذكر رد فعل السيدة قبلا وقرر البحث بجد ، كان من الجيد مساعدة شخص ما مقابل توفير مكان إقامة له لكنه بالتأكيد لن ينتظر المشاكل لتغدر به إن كانت هناك .

-ايضا يجب ان اصبح اقوى ! "

قرر خوض اختبار الايقاض اللأول قريبا ، كانت منصات الأثير المساعدة في الاستيقاظ اشبه بالمستشفيات وتواجدت في كل مدينة .

- لم تتح لي زيارة واحدة في " لويس" بسبب كل الاضطراب الذي حدث ..

كان الأطفال الذين في سن الصبي آيس قد مروا بهذه المرحلة هذا العام ،

يتم إيقاظ عامة الناس من المدن العائمة في العاشرة في حين أن النبلاء يوقضون اطفالهم في السادسة ، أما عن المستعمرات فغالبا ما يكون في الثانية عشرة .

لم تكن هذه التفاوتات بسبب طبقية المجتمع تماما ، انما بسبب مكان العيش والحاجة لأحجار القمر لدعم نمو الطفل .

تخضع المستعمرات لرقابة صارمة على وقت استيقاظ الأشخاص بها بسبب احتمال مرتفع للإصابة بإضطراب الأثير ،

بينما الظروف على الجزر العائمة أفضل، فهناك حاجة للعيش بها لمدة قبل الاعتياد على التفاوت بين قيم الأثير والشفق في المنطقتين، وهذا ما لن يستطيع دعمه الكثير من الأشخاص بالمستعمرات بسبب غلاء المعيشة هنا بالإضافة للقيود على الاقامة التي تفرضها الامبراطورية...

في النهاية كان أطفال النبلاء هم الاكثر حظا بسبب استخدامهم سياسة حرق الأموال المتمثلة في أحجار القمر كدعم لنموهم في سن مبكره .

- لا زلت بحاجة لوقت لاعتياد العيش هنا "

كان يشعر بشكل غامض أن هالته وتنفسه غير مستقر تماما بعض الشيء حتى انه يصاب من وقت لآخر بنوبات صداع متكررة .

-لن انتظر حتى العاشرة هذا وقت بعيد بالنسبة لي ،لنأمل ان اتكيف قريبا ! "

قرر استغلال المدة التي يحتاجها في كسب أحجار القمر دعما لنموه .

- من المفترض أن أستيقظ كفارس مذ أن قالت سيرينا أنني موهوب جدا ، لكن لا زلت لا أفهم لما منعاني من الاستيقاظ رغم كل التدريب القاسي الذي خضته ،

لقد تذكر أن مخزنهم كان مليئا باحجار القمر ولم يكونوا باي حال من الاحوال فقراء .

عبس في تفكير لكنه لم يجد اجابة لهذا السؤال الذي أرقه .

سمع صوت طرق على باب غرفته ليجيب

-ادخل "

- السيد آيس قال السيد جايدن أنك ربما ترغب في أخذ جولة بالقرية لذلك طلب مني مرافقتك . انه وقت الغداء بالفعل ويتمنى منك مشاركته الطعام قبل ذهابك"

أومأ له ثيودور في فهم ونفض نفسه عن السرير لينزل معه نحو قاعة الطعام.

تناولهُ معه بعد أن سأله جايدن عن اشياء روتينية مثل رأيه في غرفته وأي شيء يرغب في تغييره ثم اعتذر ليغادر مع "سيلفاتور" متجهين نحو العربة .

- البلدة هنا صغيرة نوعا ما ولا تحتوي على كثير من الناس اغلب السكان من المزارعين وبالكاد يعيشون على اصطياد الوحوش الضعيفة من الجبل القريب ."

لا تزال الحبوب تشكل صداعا كبيرا للإمبراطورية بسبب عدد سكانها المرتفع. عكس التنانين مثلا، لن يستطيعوا اكل لحوم الوحوش على الدوام !

لذلك رغم أن القطاع الثاني عشر والحادي عشر كانا مهملين بعض الشيء إلا أنهما لا يزالان أحد المداخل الرئيسية لهذه الدولة.

وكان عامة الناس ذوي الكفاءات والمواهب المنخفضة محركا اساسيا لها.

شاهد البنايات المتفرقة بشكل عشوائي وسط الحقول في دهشة .

-انه مكان جميل .. "

- يقع منزل بريتيا أسفل سلسلة الجبال مباشرة لذلك كثيرا ما تمر العائلات هنا بنا وتترك بعض الأنواع من محاصيلها كتجارة مقابل بعض جرعات الشفاء .

- ادوية ؟ "

- الطب هو تخصص كلارا وهي ترافق السيدة منذ زمن طويل .

اومأ ثيودور في فهم ليسأل

- هل يمكنني النزول للتمشي قليلا ؟"

اوقف سيلفاتور العربة لينزلا يرافقه حول الأرجاء بالبلدة.

كان بقية الأطفال ينظرون له باستغراب

- أليس هذا " دايان" ؟ ماذا يفعل هنا ؟

-ألم يقل انه ذاهب للأكاديمية ، هل هرب مجددا ؟ .

-انظر! حتى أنه عاود صبغ شعره ! ضحك احد الفتية مشيرا نحوه .

ابتسم نحوهم سيلفاتور ليشرح لثيودور

- اعتاد أصغر سيد ان يأتي للعب مع هؤلاء الاطفال أحيانا عند عودته .

فهم ثيودور واومأ نحوهم كتحية ليشعروا بالغرابة وهم يرونه يتجه بعيدا مع خادمه.

-ذهب ؟ هل تجاهلنا حقا ؟ "

- همف ،متوقع قالت امي أن جميع النبلاء متشابهون !

-ليس كأننا كنا نحبه ، بالاضافة انه كان يتنمر علينا كثيرا "

- ماذا هناك ليفخر به انه نبيل ساقط ! "

سمع ثيودور همساتهم البعيدة التي لم يعقب عليها سيلفاتور وتساءل عما يجري .

سعل الخادم باحراج قائلا

- لا تلقي بالا لكلامهم يا سيد ، البارونيت كاول هو من معارف سيدي لذلك فإنه لا يريد إيذاء شعبه او تخويفهم، بالاضافة كانت العاب السيد "دايان" غير مقبولة بعض الشيء اتجاههم.

همهم ثيودور قائلا

-فهمت "

كانت طبقية المجتمع في الامبراطورية بالاضافة الى الهوة بين النبلاء والعامة كبيرة ،لذلك غالبا ما اخذوا نظرة سيئة عنهم ودائما ما كانت هناك شائعات .

لفت انتباهه بئر كبيرة تجمع حولها عدة شباب من القرية .

- ما هذا ؟ "

كان للبئر أثر لمرور الزمن الطويل ورائحة خفيفة من التعفن لكن هذا لم يستطع منع النقوش الحجرية عليها من أن تظهر لأي شخص قريب .

- هل هذه لغة التنانين؟ "

كانت النقوش التي تحوي على تخطيط للغة غريبة قد حازت على تركيزه بالكامل .

- نعم " أجاب سيلفاتور عليه مؤكدا تخمينه.

- تقول الٱسطورة أنه قبل وقت طويل كانت هناك بحيرة هنا ، وقد مات بجوارها تنين قوي متأثرا بجروحه وتدفق دمه ممتزجا بمائها .

يقال أن من يشرب دماء التنين يكتسب قوة مهولة بين عشية وضحاها لذلك بعد وصول القرويين هنا أقاموا قرية حول البحيرة لكنها جفت بعد مدة ولم يتبقى منها سوى هذه البئر.

أشار الخادم العجوز للشباب بجوارها قائلا

- تم تداول هذه الحكاية بين الناس عبر السنين في هذه القرية ،لذلك كل شهر تقام مسابقة بسيطة بين القرويين للحصول على بضع دلاء من الماء .

ضحك ثيودور في استنكار

- لقد مر مثل هذا الوقت الطويل ولم يكتشوا زيف الاسطورة ؟؟

نفى "سيلفاتور" برأسه

- لا، في وقت ما تخلى الناس بالقرية عن هذه الحكاية وحتى البئر ،لكن قبل أعوام شرب أحد الشباب بالصدفة الماء منه بعد ان كان منهكا واخترق رتبة كاملة في لحظة.

من حينها عاد السكان لتصديق القصة وٱقيم هذا النوع من المسابقات .

ما كانت رتب الشمس ! كانت شيئا صعبا جدا تحقيقه حتى لو تدرب الامر لسنوات ، اختراق واحدة كاملة !! كان هذا حلما مستحيلا !

- ألم يحاول أحد الغطس أو التحقيق في البئر ؟ "

- حاول جنود البارونيت لكن من دون جدوى ، كانت مجرد بئر عادية "

-ألا يلفت هذا نظر المستويات العليا في الامبراطورية ؟

-حسنا من يدري ، هناك آثار كثيرة غريبة مثل هذه في كل مكان على الجزر او امانيسيا ، سيكون التحقيق فيها جميعا أمرا مستحيلا لهم . بالإضافة، تقع هذه المنطقة تحت سلطة منزل " زينوث" لذلك لن يتدخل الجيش دون سبب وجيه في أراضي النبلاء، في النهاية أنها مجرد فرصة تذهب لمن حصل عليها..

شعر ثيودور بفضوله يتدحرج وقرر العودة هنا للتنافس والتحقيق في الامر مائن يستيقظ..

2022/01/24 · 278 مشاهدة · 1567 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025