المدينة العائمة - أكاديمية إمبرا -01-
حك عيناه بنعاس يحدق خارج العربة لأعداد الناس التي تقل شيئا فشيئا .
لقد أجبرته كلارا على النهوض باكرا بعد شروق الشمس فقط لأجل اعداد نفسه للذهاب للأكاديمية .
تقع هذه الأخيرة في الجزء الشرقي من العاصمة وتحتاج لساعتين للوصول هناك من القصر ثم العودة .
لذا قرر جايدن انه عليهما المكوث هناك والعودة في عطلة آخر الاسبوع.
-الى ماذا تنظر؟ " عبس دايان يتعكر وجهه على مرأى من ثيودور .
كانا الوحيدين بالعربة بالإضافة ل"نيرو" الذي سيرافقهما حتى باب الأكاديمية .
- لا شيء " تذمر ثيودور في نفسه.
كان سعيدا عندما تم تجاهله من قبل "دايان" بزينوث، لكن منذ أن تركا المنزل وركبا هذه العربة تغير الأخير وصار يبحث عن المشاكل معه دون سبب.
نيرو الذي جلس قربهما ابتسم فقط ولم يعقب على مشاجرتهما، بدا أنه يؤدي دوره كخادم جيدا ولم يرغب بالتدخل في شجار سيّديه.
أعاد بصره خارج النافذة عندما لاح لناظره تخطيط لمباني كبيرة فخمة .
امتدت أراضي الأكاديمية على مساحة واسعة وكان سورها الذي يبلغ ارتفاعه السبعة أمتار غير قادر على حجب روعة الفن المعماري داخلها.
سمع من جايدن أن هذه أفضل اكاديمية بين المدارس في الممالك العشر القريبة ،لذا سعى الكثيرون لدخولها عبر إجراء اختبارات مختلفة انتهت باختيار أبرز المواهب منهم فقط .
استطاع أن يقول من هذا أن الشاب سحب خيوطه كنبيل من أجل ادخاله متخطيا الاختبارات.
تم تدريسه من قبل "سيفاتور" عن كل ما يخص المعرفة الأساسية بالمجتمع واللغة والآداب لذا قرر جايدن أنه من الأفضل أن يكمل دراسته بالاكادمية لأنها احتوت على نظام تعليمي منهجي أكثر.
توقفت العربة أمام البوابة الذي طُبع أعلاها باللغة القديمة"أكاديمية إمبرا التحضيرية" ،
يمكن لثيودور تمييز اللمعان الغريب على المعدن وأكد أنه خامة أثير نادرة من أمانيسيا.
-هل وُضعت للدفاع ؟" بعد النظر حوله، أكد من النقوش على الجدار الخارجي أنها لم تكن للزينة وحسب بل تشكيلا كبيرا مع البوابة كأحد اجزائها .
-لندخل ! "
نبهه نيرو ليعود لرشده و يدخل معهما من باب جانبي للطرف الآخر .
كان هناك حجرة داخل الجدار وُضع بها مكتب صغير خلفه كرسي يجلس عليه شخص في منتصف العمر يشخر بخفة .
امتدت وراءه وثائق عديدة لشهادات حصلت عليها الأكاديمية .
-أحم !" سعل نيرو بخفة موقظا الرجل من سباته .
فتح الأخير عيناه بكسل قبل أن ينهض مسرعا يُرحب بالخادم .
- السيد دايان ، لقد عدت كذلك "
-همف، ماذا تقصد بذلك ؟" شخر الصبي بخفة
تسرب العرق من جبين الرجل الأصلع ، كان لديه سجل حافل مع الطفل أمامه لأنه وُبخ عدة مرات بسبب أن دايان كاد يهرب عدة مرات من الأكاديمية تحت ساعته .
تذمر وهو يتذكر أن الصبي قال أنه لن يعود أبدا هنا عندما تم تسريحه قبل شهر وشعر بالأسف لأن هذا لم يكن حقيقيا ! "
لفت انتباهه الطفل الآخر جواره ، كان نسخة أقصر من دايان لكن بعيون زرقاء وشعر فضي.
رسم ابتسامة محرجة قبل أن يستجوب
- إذا جاز لي أن أسأل، هل أنت السيد كلاود ؟ قال المدير أنك ستلتحق بصفوفك اليوم "
اومأ ثيودور نحوه وعكس أخيه رد بشكل مهذب
- نعم أنا كلاود آيس دي بريتيا سأكون تحت رعايتك من الآن فصاعدا "
احمر الرجل خجلا وشعر بالذنب لأنه كاد يشتم هذه العائلة لإنجاب اثنين من النسخ عن مصيبته ، لكن يبدو أن الأخ الأكبر هذا لديه سلوك مختلف تماما عن دايان ....
لم يعلم انه بعد مدة غير طويلة سيأكل كلماته ثانية !
استرجع الرجل انتباهه وأشار للباب خلفه
- يوجد بالفعل عربتان فالانتظار لأخذكما نحو صفوفكما ،أما السيد نيرو فيُرجى البقاء في الخلف لتأكيد وثائق انتقال السيد كلاود معي بمكتب المدير قبل التوجه لأخذ حقائبهم إلى غرفهم "
أومأ نيرو موافقا قبل أن يستدير لسيديه .
قال موجها حديثه للاثنين
- يجب أن نفترق هنا ، سأعود لأخذكما نهاية الٱسبوع حظا سعيدا لكما بالمدرسة، أيضا .."
حدق بدايان
-قال السيد الشاب أن لا تسبب المتاعب مرة ٱخرى ! "
-همف " رد دايان باستهزاء قبل أن ينصرف نحو عربته
شكره ثيودور وودع الرجلين قبل أن يغادر كذلك ،
صعد عربة مختلفة عن دايان متجها نحو مبنى الجزء الغربي من الأكاديمية .
كل شهر يستيقظ آلاف الأطفال بالممالك العشر ، لذا بدل أن يَنظموا للمدارس برأس كل عام جديد.
يختار المستيقظون الموهوبون إجراء الاختبار لدخول أحد الأكادميات المرموقة ،
ذلك لأن الأخيرة عكس العادية قبلت الطلاب كل نصف سنة !.
يتم التعامل هنا مع المواهب بشكل خاص، لذا يتم تقليص المنهج وضغطه في ستة أشهر بسبب أن استيعاب هؤلاء ونموهم كان أسرع بكثير .
لذا بدل التخرج في 6 سنوات يمكن التخرج هنا بعد 3 سنوات كحد أقصى ، وحتى أسرع تبعا لقوة الشخص وقدرته على اجتياز امتحان التخرج .
لم تحرص الأكادميات التحضيرية مثل "إمبرا" على تشكيل شخصيات قوية حتى البلوغ لأن ذلك كان مستحيلا .
بل حاولت إنشاء أساس متين وراسخ للعباقرة قبل توجيههم إلى أكادميات متوسطة أعلى أو حتى ربطهم بالجيش،
كان جل الطلاب هنا يصلون شمسهم الأولى قبل التخرج !!
تجدر الملاحظة أن عمدة مستعمرة "سيڨ" التي أقام فيها ثيودور والتي تمتد آلاف الأميال يحكمها عمدة في شمسه الاولى فقط !.
-لست أقل شأنا ! " لوى ثيودور شفتيه وهو يخبر نفسه أنه ليس أدنى من اي أحد هنا ! يوما ما سيصعد برتبه كذلك !
نزل من العربة يرتب ملابسه ، كان زيه المدرسي قد وصل إلى القصر قبل أمس.
لقد كان أنيقا بما يناسب أكاديمية شهيرة يتكون من قميص أسود وبنطال أبيض بالاضافة لرداء خارجي بنفس اللون يصل الى تحت الخصر ،
تم ربط الأخير بسلسلتين فضيتين تمتد من كتفه الأيمن نحو صدره الأيسر لتنتهي بدبوس عليه شعار قمر فضي وسيف يقطعه . كان هذا علم "لونا " أسفلهم كتاب مفتوح ،وكان الشعار بأكلمه يرمز لأكاديمية إمبرا
جاء شخص في منتصف العمر لاستقباله من بعيد حياه وتحدث معه برسمية شديدة
- لاشك أنك "كلاود دي بريتيا " ،اسمي "هيوستن" سأكون مرشدك للساعات القادمة .
سمع ثيودور النغمة الباردة في صوت الرجل ولم يسعه إلا فحص الآخر جيدا .
-ما باله ؟" تساءل حتى لمح الشعار على صدر الرجل .
كان عشرة شموس تحيط بمجسم لمبناً طويل .
-شعار الإتحاد !!"
فهم ثيودور أخيرا سبب تصرفات الرجل .
كان الاتحاد هيئة مستقلة بذاتها تكون نوابها من عشرة ممثلين من الدول العشر ،
لن يخضع الأعضاء التنفيذيون من الإتحاد في كل دولة إلا لسلطة ممثلهم بالاتحاد أو أمر الملك أو الامبراطور المباشر لبلدهم !
كانت محكمة التفتيش أحد الفروع التي تخضع لسلطة الاتحاد بلونا ولا يُسمح لأحد بالتدخل بٱمروها .
بعبارة ٱخرى كانوا القانون نفسه !
تم تنظيمه هكذا بهدف عدم انتشار الفساد داخل الاتحاد أو التأثر المباشر أو غير المباشرة بسلطة النبلاء او الشخصيات القوية الٱخرى .
الرجل أمامه الذي يحمل شعار الاتحاد كان على الأغلب منفذ قانون ينتمي لمحكمة التفتيش .
كان للمحكمة سمعة مروعة ودائما ما كان لها صراعات مع النبلاء في الخفاء.
بالأحرى لقد بدوا مثل سيف ينتمي للإمبراطور دائم التلويح فوق رؤوسهم !!
ابتسم ثيودور نحوه
- بالتأكيد إنه لمن المشرف لرجل مشغول مثلك أن يرافقني "
رفع هيوستن حاجبه قبل أن يستدير يدخل المبنى مع ثيودور .
تكلم بعد أن ساروا حول أروقة المبنى
- سمعت أنك دخلت بتوصية من أحدهم ؟"
عبس ثيودور
"لذا كان هذا ما يحاول التحقيق بشأنه ؟"
شكلت محكمة التفتيش نسبة 30% من الإدارة بكل هيئة تعليمية تقع على أراضي "لونا" .
كان هذا بأمر من الإمبراطور ليونيد السادس عشر لأجل حماية حقوق عامة الناس بالأكاديميات وعدم تمادي سلطة النبلاء .
قد يتساءل أحد لما قد يضع الإمبراطور السادس عشر كل هذه القوانين التي تساعد العامة رغم كونه ينتمي الى أنبل سلالة بلونا ،
والحقيقة هي أن كتب التاريخ قد سجلت أن ليونيد السادس عشر، كان إبن الامبراطورة "سيينا" والتي انتمت لعائلة متواضعة .
اكسبه هذا شعبية واسعة وحضي بلقب "افضل إمبراطور بالتاريخ" من قبل شعبه.
منفذ القانون المسمى ب"هيوستن" لا شك أنه سمع عن دخوله دون اجتياز الاختبارات مثل بقية الطلاب ولذلك لم يرضيه الأمر.
لم يبلغ تجاوز جايدن والمدير الحد الأدنى من المعايير لتحرك منفذي القانون والتصرف ، لكن وجود "هيوستن " هنا اليوم واستقباله كان فقط لأجل تحذيره !
أراد أن يخبر جايدن أن لا يتمادى أكثر !
أجاب ثيودور الرجل بحذر
- نعم ، كان لدي بعض المشاكل الصحية لذلك لم أستطع اللحاق بالاختبار ! "
اومأ الرجل وكأنه تفهم
- قرأت بملفك أنك كنت مصابا بمرض اضطراب الأثير ولم تستيقظ إلا قبل فترة ، ٱقدم لك تهاني لشفاءك إنه لمن المؤسف فقط أن موهبتك لا ترقى للخاصة بأخيك "
ارتجف ثغر ثيودور بغضب
[هل يمكنك أن تكون غير مباشر أكثر ]
فكر في حين اعتقد أنه بدأ يفهم سبب كره النبلاء لمنفذي القانون .
احب الأول المؤامرات والكلام ذو المعاني المزدوجة ،حتى الابتسام في وجهك وطعنك غدا !! لكن منفذي القانون كانوا مباشرين جدا ، تماما مثل القانون سليط وحاد !!
-إنها سيئتي لأن مواهبي لم تصل لتوقعات السيد "هيوستن" !
سخر ثيودور في حين أومأ الرجل بجدية وكأن هذا هو الواقع حقا .
أراد الصبي الاندفاع ولكمه لكن توقُّف خطى الأخير أجبره على ابتلاع افكاره
- انها القاعة التي ستدرس بها من الآن فصاعدا، أخبرت المعلم بقدومك بالفعل لذا يُرجى التوجه لمقعدك مباشرة دون مقاطعته ،
يمكنك التعرف على الطلاب وقت الاستراحة لذا يرجى عدم ازعاجهم ! "
قال هذا قبل ان يستدير منصرفا عائدا لمكتبه
-هذا فقط ؟" شعر ثيودور أن مرشده كان مخادعا ، لم يريه حتى المكان بل قاده لقاعة الدراسة مباشرة .
-انسى الأمر ! سأهرب للتجول بمفردي ما إن اعتاد المكان ! "
دفع الباب الخلفي للقاعة مفتوحا ليدخل بعدها .