شعر بالدفئ على خده ليفتح عيناه الناعستين ، تسلل ضوء الشمس اللطيف نحوه مخبرا إياه ببداية يوم جديد .
رفع جسده المؤلم جراء النوم جالسا يرمي ببصره السعيد نحو ابتسامتها المشرقة .
- هل انت بخير !؟"
قهقهت المرأة ردا على سؤاله تمسح عينيها الدامعتين
- لو رأيت كم كنت لطيفا وانت نائم ! كاد لعابك يملؤ البطانية ولم أتحمل نفسي اكثر لقرصك مستيقظا خشية أن أغرق ! "
روت هيلين في إعجاب ليحمر ثيودور خجلا
- آسف ، ..انه بسببي ! تمتم لها بذنب معتذرا
وكزت جبينه تُوقفه عن الكلام وهي تدرك أنه يقصد اغماءها وليس نومه هنا .
- بمعرفتي بآلان لاشك أنه أخبرك بمرضي !ليس هناك ما تشعر بالأسف لأجله ،لقد اعتدت الأمر على أي حال " .
وسع ثيودور عيناه وتراجع حتى كاد يسقط لولا أن أمسكت به هيلين.
- انت تعلمين !! "
لم تهزه الحقيقة التي تخفيها جملتها الاولى بين سطورها أقل من الثانية !
كان آيس ابنها فكيف لا يعرف بمرضها إلا إن كانت تشير إليه كثيودور الذي لم يعلم أي شيء عنها قبلا.
أراد الالفاف والهرب من هذه الأزمة التي أصابته فجأة ولكنه ثبت أفكاره الفوضية محاولا الرد غير انه لم يستطع اخراج كلمة .
لم تحثه هيلين كذلك بل صمتت تنتظره بهدوء
-آسف " كان هذا كل ما استطاع عصره من بين شفتيه وقلبه المذنب .
ابتسمت له قبل أن تسأل
- ماهو اسمك ؟ "
- انا ؟ " كانت هذه أول مرة يسأل فيها أحد عن اسمه منذ وقت .
-ثيودور ، ثيودور بافيليوس "
-بافيليوس ؟ هذا يحرك الذكريات "
-هل تعرفينه ؟" ذهل ثيودور سائلا بفرح .
نفت هيلين
-لا ، لكنه مألوف بالتأكيد "
-فهمت " شعر بخيبة أمل قبل ان يتدارك وضعه معتذرا مجددا بشجاعة أكبر هذه المرة .
- انا آسف ، لم اقصد خداعك ! كان هذا طلب جايدن وقد وافقت عليه لأن ظروفي كانت صعبة ، جايدن كذلك كان قلقا لذا اتمنى أن لا تلقي باللوم عليه ! .....وانا يمكنني الرحيل بما أنك تحسنت الآن "
شعر بالدوار وهو يحاول جهده تمالك ذعره.
إلا ان ضحك السيدة ودموعها بين عينيها اوقفاه صامتا
-انت حقا صبي لطيف ! لا تقلق انا لست غاضبة بشأن ما حدث ،حتى أني استمتعت بصحبتك،
كان من الرائع أن أرى نسخة من ابني الذي فقدته ،
كيف حزين لقد اشتقت له بالفعل" تمتمت اخر كلماتها بوجه مرير .
- متى علمت ؟ اعني أني لست هو ؟ "
-حسنا كان هذا بعد تجاوز أول صدمة لرؤيتك ،أعني يومك الثاني هنا ! ،سيكون من الغريب لٱم أن لا تمييز أطفالها حتى لو كانت مجنونة !"
قالت بحسرة
- أحيانا عندما أكون معك أنسى حقا أنك شخص آخر،
لكن ليس لكوني مع إبني آيس، بل أعني صبيا لا اتذكره " .
- فتى يشبهني غير آيس ودايان ؟ "
أومأت
-نعم ، لدي صورة ضبابية في ذاكرتي لكنها تشبهك تماما حتى إلى أدنى الإيماءات والتصرفات كأنكما واحد ! "
عبس ثيودور مفكرا ، لم يكن شكل ملامح وجهه يشبه والدته أبدا بل ورث لون شعرها فقط ، لذلك كان يجب أن يكون من تقصده هيلين بكلماتها هو والده أو أحد أقربائه .
تذكر مجددا أن هيلين ربما كانت هاربة من إحدى المستعمرات وربط هذا بمكان إقامته السابق ، خمن :
- هل التقيا على "سيڨ" ؟ "
-هل يمكنني سؤالك أين وجدك جد جايدن عندما ٱصبت ؟ "
نظرت له هيلين باستغراب قبل أن تومئ
- إنه جدك كذلك لا تتصرف كغريب ، همم حسب ذاكرتي كانت مدينة على حدود "لونا" و"اكوامارين" "
-بعيد جدا من هنا !! "شعر بخيبة أمل لكنه لم يحقق أكثر .
سمع كلمات هيلين البائسة فجأة
- ثيودور هل يمكنني أن أسألك معروفا ؟"
- نعم ! وافق ثيودور دون حتى أدنى تردد بصوته .
انحنت شفاه هيلين كرد فعله على تعبيره قبل أن تقول
- هل يمكنك البقاء هنا باسم آيس ؟ قد يبدو هذا أنانيا مني .يمكنك الرفض ،لكن اتمنى حقا أن لا تغادر حتى بعد أن تحسنت صحتي كما وعدت "ألان" .
ٱريدك كفرد من هذه العائلة "
- كآيس ؟" لم يستطع تمالك نفسه حين فُتحت شفاهه يسأل بامتعاض .
لقد فهم وضعه وأنه بحاجة لمكان يقيم فيه وكان الشخص الذي وافق أن يصبح بهوية ٱخرى لكن قلبه لم يسعه إلا الاعتراض .
لكن اجابة هيلين فاجأته
- لا بل كثيودور ! "آلان" يجب أن يكون قد أخبرك بأخذ حريتك الكاملة في التصرف كنفسك، إلا عندما تكون أمامي او أمام الغرباء ،
ليس لأن 'آلان' أراد استغلالك لكن لديه ظروفه التي تضغط عليه ، اتمنى منك أن تتفهم ذلك . لم يكن يريدك أن تأخذ اسم أخيه المفقود لو استطاع ذلك "
لاحظ أنها لم تفقد الأمل في عودة ابنها عكس بقية سكان المنزل ليلوي شفتيه قبل أن يجيب .
- حسنا !"
رسمت ابتسامة فرحة على ثغرها
- شكرا لك طفلي .."ثيو" "
°°°°°°°°°°°°°°°°°
خرج من غرفة هيلين نحو غرفته يغير ثيابه ثم نزل لتناول افطاره بينما يفكر في محادثته السابقة .
أخبرته هيلين أن لا يُعلم جايدن بأنها تعرف عن هويته، في حين تساءل هو عما يخفيه الأخير وما قصدها بأنه يتعرض لضغوط هائلة ،
لا بل بالأحرى ،ما دخل اسمه كآيس في كل هذا .
- هل يُعقل أنه لا يريد لأحد معرفة موت أخيه ؟ لكن لماذا ؟ "
والفتى الذي يشبهني ، هل لدي علاقة ما بهذه العائلة أم مجرد مصادفة فقط؟ .
كان هو وآيس ودايان تقريبا كالوجه لعملة واحدة ، بالكاد يمكن لأحد التفريق بينهم لولا الإختلافات الطفيفة مثل الطول ولون الشعر .
-لكن جايدن لا يشبه والدته إلا في لون عينيه ، هل يشبه والده ؟ "
لم يسمع من أي فرد داخل العائلة عن البارونيت الساقط بريتيا الذي يُفترض كونه رئيس العائلة .
{-لن يرث جايدن لقب أبيه حتى يصل سن الرشد ، لذلك تعتبر ٱمه الوصية على املاكه"} .
كان هذا فقط ما سمعه من الخادم العجوز ولم يذكر أي تفاصيل ٱخرى .
وصل قاعة الطعام ليرى دايان الذي لُفّت إحدى يديه بالضماد يتناول افطاره بصمت.
جايدن الذي كان بمقعده كعادته طلب منه الجلوس قبل أن يُذكِّره .
- قالت كلارا أن وضع ٱمي استقر ونستطيع المغادرة هذا المساء ، قد نصل متأخرين بيوم عن موعد بدأ دروسكما لكني أخبرت معلميكم بالفعل عن هذا ،
لذلك آيس إن كان هناك أي صديق تود توديعه أو مكان ترغب بزيارته فمن الأفضل أن تفعل ذلك قبل الغروب ، سيحزم سيلفاتور ما تبقى من أغراضك لذا لا داعي للقلق "
شكره ثيودور منهيا إفطاره قبل أن يغادر منزل بريتيا ،
كانت وجهته صديقه الوحيد الذي لا يزال متمسكا به كالعلكة حتى في خضم تدريبه وسط الجبال .
-ميلو !! " صرخ للفتى الدهني الذي يلوح نحوه .
- آيس ! إنها أول مرة تبحث عني قبل أن أفعل " قال بوجه متعجرف يمدحه وكأن هذا انجاز لا يصدق له .
-حسنا اليوم خاص بعض الشيء لذا وجدتك أولا .
- خاص ؟؟ " نظر حوله قبل أن يقترب هامسا .
- هل هددك وان؟ أم قررت أخيرا الانتقام من بلوصن ؟ يمكنني مساعدتك في دفنه أعني صفعه ! "
ضيق الصبي عيناه بمكر يفكر بخططه الغريبة
دفع ثيودور وجهه بيده قائلا
- ابتعد رائحة انفاسك كحلوى المخلل!! "
قال باشمئزاز قبل أن يتابع
-لا هذا ولا ذاك جئت لإخبارك اني سأرحل !"
- أين؟ للجبال مجددا ألم ينتهي تدريبك ؟ هل عاقبك اخوك ؟"
صفع ثيودور وجهه باستسلام
- أقصد خارج المملكة سننتقل من هنا اليوم ! "
اغرورقت عينا " ميلو" بالدموع عندما فهم مشيرا لنفسه بإصبعه السمين
-ماذا عني ! هل ستدعني ٱضرب من قبل وان وحيدا ؟"
-همف ، من المفترض أن وان قد رحل مع بلوصن للأكاديمية بالفعل صباح اليوم ،
دعنا لا نتحدث عن باقي أطفال القرية "
قال عابسا يشاهد فتى قريبا يمسح مخاطه يلعب مع بقية الصبيان.
-لا يزال ،سأشتاق لك كثيرا "
اهتزت دهون وجهه يتحث ببكاء.
-سأعود في العطلات ! لن نمكث طويلا بسوين ! "
شهق ميلو وبكى طويلا وثيودور يحاول تهدئته .
بقيا على هذا الحال طول الصباح قبل أن يتجولا بالقرية حتى الغروب .
ودع صديقه والبلدة أمامه ، كان قد قضى قرابة الاربعة أشهر هنا وقد اعتاد المكان كثيرا ! .
- وداعا ، سأعود مجددا ! "
لم تكن تجربته الٱولى بالمغادرة وترك الناس الذين يحبهم ، لكنها لا تزال مريرة تماما مثل سابقتها
°°°°°°°°°°°°°°
-هل هذه "سو " عاصمة " سوين " ؟ "
كان يرى حشود الناس التي تجوب أرجاء المكان بسعادة
كانت سوين مملكة بالقطاع التاسع أكبر من "زينوث"و تنتمي إلى بارون من النبلاء الجدد وأقصى لقب نبيل يبغله العامة .
من هذا ،يمكنك أن ترى الفخر الذي يترسم على جميع وجوه السكان هنا وكأن الأمر هو انجازهم الخاص .
-يقال أن للبارون علاقات مع تُجار سيرفينيا لذلك تزدهر هذه المملكة بأسواقها التجارية عكس زيثوث المهتمة بالزراعة "
تكلم جايدن يشير إلى عدة أماكن من خلف زجاج نافذة العربة موضحا لثيودور
-لقد أتيت هنا كثيرا من قبل، لذا نصيحتي لك خلال فترة إقامتنا هنا هي أن لا تشتري اي شيء من الباعة دون معرفة جيدة !
يقسم الجميع هنا أن سلعهم مأخوذة من آثار الحضارة القديمة ،لكنها ليست سوى حلي مزيفة"
-هل خُدعت من قبل ؟ سأل ثيودور يمازح الشاب
- لا ولكن دايان فعل ! "
تضايق وجه الطفل الجالس قربهم لكنه لا يزال صامتا تماما مثل من قبل .
- لقد تم خداعه وصرف جميع مدخراته على هذه الخردة ،واضطررت للقدوم بنفسي لأجل انتشاله من الشارع بعد أن طُرد من الفندق الذي أقام فيه بتهمة الاحتيال لمحاولتة بيع السلع لجيرانه بأثمان خيالية"
-هل حقا ؟ "
أعاد ثيودور تقييم دايان في ذهنه إلى شاب عبقري لكن في التشكيلات فقط .
كانت شوارع سوين ضيقة بسبب الكثافة العمرانية على أطراف العاصمة ثم اتسعت الطريق تدريجيا عندما وصلوا فلل الطبقة الثرية.
سارت عربتهم الطائرة فوق المارة القليلة بالأسفل لتنزل أخيرا قرب حديقة فيلا صغيرة .
- جميله !"
لم يكن المبنى كبيرا بشكل خاص حتى أصغر من القصر بريف زينوث ،لكن عكس الأخير بدا جديدا تماما وكانت النقوش على الجدران تعطي احساسا بحداثة هذا العصر.
ابسم جايدن موضحا
- تنتمي هذه الفيلا لأحد أملاك جدي ، آتي هنا كلما كان لدي عمل في سوين . تجدر الإشارة إلى أن جدي قد نشأ في مراهقته بهذه المملكة وكان هذا أول بيت اشتراه بالمال الذي كسبه في أول رحلة تجارية ناجحة له"
-حقا ؟ شعر ثيودور بالرهبة .
كان جد جايدن من نسل نبيل لكنه كان الأخير في خط الخلافة بعد ثماني إخوة ، لذلك قرر ترك منزله وبدء عمله الخاص وقد استقر هنا في "سوين" .
دخلوا المنزل ليستقبلهم خادم شاب حياهم بلطف .
- السادة الشباب لقد رتبت غرفكم بالفعل، يمكنكم الذهاب والراحة حتى يتم اعداد العشاء "
اومأ جايدن اتجاهه
-شكرا لتعبك " نيرو"
-هذا واجبي" . قال نيرو هذا قبل أن يعود لأعماله الخاصة في حين شرح جايدن لثيودور
- نيرو هو إبن الخادم الذي يتبع جدي ، إنه أكبر مني باربع سنوات وكان يتبع ٱمي بكل مكان منذ فقد والدته.
لذلك اقترح والده أن يعمل كخادم لي ووافقت ٱمي والجد على الأمر .
يبقى هنا عادة للاعتناء بالمكان وقليلا ما يأتي لزينوث لذا لم تره من قبل "
- هل يعلم عني ؟ "سأل ثيودور عندما لم ير المفاجأة على وجه نيرو عندما رآه .
اومأ جايدن
-كان هو من اخبرني بمحاولة كفالة طفل من دار الرعاية عندما ساء وضع ٱمي"
فهم ثيودور ، لذا كان هنا بسبب هذا الشاب !
صعد لغرفته يضع أغراضه قبل أن ينزل لتناول العشاء مع البقية .
شعر بالأسف لأن الوقت متأخرا لذا لم يستطع التجول في شوارع سوين.
لذا بعد أن عاد لغرفته سرعان ما غرق في أحلامه بسرعة فغدا لديه يوم حافل !