كان الجو بالغرفة باردا للغاية ، كان من عادته ترك النافذة مفتوحة ليتسلل هواء الليل المنعش نحوه .
لكن اليوم على غير العادة شعر بالضيق في صدره ،
فتح عيناه الباردتان بعد أن لم يستطع النوم عندما دلف صوت لطيف لٱذنيه
- أبي ! "
رفع بصره ببطئ ليرى خيالا ضبابيا لصبي بالسابعة وفتاة بالرابعة ذوي شعر أسود كالليل ينظران نحوه .
- أبي ! "
عاد صوت الفتى يداعب ٱذناه .
-أبي.. لِما ؟"
سأل الصبي مجددا بحيرة .
في حين سقطت دموع الفتاة التي تشد على دميتها في استجواب قبل أن تصرخ
- لما قتلتنا !!!!!"
فتح عيناه الزرقاوين بهدوء صامتا لفترة طويلة قبل أن يرفع ظهره عن الأريكة شاردا .
-هل كان لديك حلم جلالتك ؟"
رفع رأسه ينزع يده عن ذقنه ينظر للمتحدث .
كان رجلا في منصف العمر بتجاعيد طويلة عند عينيه يمسك دفترا يكتب شيئا ما بيده .
تحدث الإمبراطور بعد تفكير
- لا أعلم.. لم أحلم منذ فترة طويلة "
همهم الرجل في فهم محركا نظارته قبل يتحدث.
- عليك أخذ قسط من الراحة من حين لآخر ،حتى أقوى جسد في هذا العالم لن يصمد دون النوم لمدة شهر"
لم يرد الأخير على كلماته بل سأل فقط
- ما هي النتائج ؟ "
عبس يمد يده التي تحمل الدفتر نحوه
- يمكنك النظر بنفسك "
قبِله الامبراطور قبل أن يقلب صفحاته يقرأه ببطء لتنحني حواجبه كذلك .
نظر الرجل بجدية إليه قائلا
- إن لم تنتبه لصحتك أخشى أن تتدهور حالتك قريبا ! "
لا يزال الإمبراطور يتجاهل كلامه يغلق الدفتر بيده قائلا باستجواب
- ماذا حدث بالاجتماع الأخير بارون كولين ؟ "
استسلم الرجل عن إقناعه بعد أن ناداه برسمية واستقام مجيبا بسخرية .
- حدث وقد سمع بقية النبلاء شائعات عن مرافقتي لك بكل مكان ويتساءلون عما إذا كانت صحة جلالته بخير ، همف، لم ترى نفاقهم وهم يضايقونني لفتح شفتاي هناك ! "
-فهمت.. "
عاد الامبراطور للاستقامة بجسده يرتدي رداءه المتروك قربه .
- سموك عليك أن ترتاح أكثر ! كان من النادر ان تأخذ غفوة مثل اليوم !"
كان البارون كولين عاجزا عن الكلام وهو يرى الشاب ذو الشعر الأسود الحالك يتجه صوب الباب .
فجأة اختفى الإمبراطور من ناظريه وظهر مجددا جواره.
- ما ؟؟" أراد السؤال غير أن صوتا قويا قاطعه ولم يكن سوى الباب الخشبي الذي وقف أمامه الإمبراطور قد دُفع على مصرعيه مفتوحا .
-أين أنت كولين ؟! "سأل صوت قوي لإمرأة وهي تندفع للداخل.
رمشت بحيرة لما رأت الرجلين قبل أن تستقيم ترفع يدها اليمنى نحو صدرها في قبضة .
-قائد الفرسان وسيف الإمبراطورية يرى جلالته !"
- جينيفر ؟ متى عدت ؟ "
سأل كولين بصدمة في حين أومأ الإمبراطور نحوها
- لا بأس ،جينيفر "
عادت المرأة لتستريح في سلوكها قبل أن تمد يديها في كسل
- وصلت قبل قليل ، همف واحزر ماذا ، قابلت شخصا مزعجا أول ما دخلت"
- من تقصدين بالمزعج !! "
صرخ شاب وقد دلف من الباب وراءها في معطف المختبر الأبيض يحرك نظارته الدائرية التي كادت تقع عن أنفه بسخط.
أعادها مرتبا شعره الأخضر القصير قبل أن يحيي الإمبراطور كذلك
- رئيس المختبر الأول يرى جلالته "
- استرح جاريث "
صرخ جاريث في جينيفر بعد تلقيه الإذن موبخا
- لماذا لا تعترفين فقط أن اختراعاتي رائعة ! لقد استخدمتها كذلك ! "
أدارت عيناها دون اكتراث
- لم أكن لأستعمل تلك الخردة لو لم أحتجها "
-همف ، اعترفي أنتي فقط انتهازية كالعادة"
-ماذا قلت أيها الطفل !! لا تنسى أني أكبر من جدك !"
ضغطت سيفها العريض على حلقه ليرتجف بالداخل قبل ان يشخر بسخرية
- سٱخبر جدي أن صديقة طفولته تتنمر علي عندما لا يكون موجودا !! "
-انت !! " كشرت وجهها نحوه قبل سحب سيفها قائلة بغضب بين اسنانها
- لا تنسى من أكون !! "
- من ؟قائد الفرسان ؟" سأل الشاب ببراءة ليهتز ثغر المرأة في ابتسامة مخيفة .
- بل الأرشدوقة فارامير ! أنت أقل مني مرتبة لذا عليك تحيتي عندما تراني ! "
تراجع الشاب بوجه غير مصدق
- تستخدمين فرق الرتب !! أنت حقا تتنمرين علي !! "
-بالتأكيد إنها قواعد الامبراطورية "
ابتسمت المرأة منتصرة قبل أن تسمع سعال كولين المحرج
-احم !! لا تنسيا أنكما أمام الإمبراطور "
انفصل الشاب والمرأة وتوقفا عن الشجار في حين شاهد الإمبراطور مسرحيتهم الهزلية بوجه البوكر قبل أن يتحدث أخيرا
-لنجلس أولا ، أخبريني ما حصل لتتأخري بالعودة لستة اشهر "
أومأت جينيفر ولم تعترض تتبعه للمكتب الموجود بغرفة الفحص هذه.
عادت لجديتها قبل أن تشرح ما حدث أول يوم دخلت "سيڨ"
- في النهاية خَلّصت إلى أن التنين دون أجنحة قد ٱصيب ! في المقابل ما هَزمَته كان مجرد نسخة ، لم يأتي بجسده الحقيقي! "
- هذا الرجل لا ينفك عن إمطارنا باستنساخاته ، إنه لمن المؤسف أن الكتاب الكامل لهذه المهارة قد وقع بين يديه !"
تذمر جاريث في حين تابعت جينيفر
-حاولت تعقبه وعلقت في صراع مع فرد آخر منهم لكنه هرب في النهاية !
هذه الحشرات المزعجة من الصعب استئصالها !"
استهزأت بغضب وهي تتذكر معركتها
- لا يزال ،هذا ليس سبب تأخرك ؟" رفع الإمبراطور الشاب حاجبه في شك.
-نعم ! في الحقيقة لم أخرج منذ مدة وقررت التجول قليلا ، تعلم أنا لا أحضى بفرص كثيرة كهذه . واحزر ماذا ؟ لقد حصدت العديد من الخس بطريقي هنا !
تطلب الكثير من الجهد لذلك، أنا استحق علاوة !"
مدحت نفسها دون خجل تطلب زيادة براتبها
-رؤوس الخس ؟ تقصدين الجواسيس ؟ سأل كولين
أومأت متابعة
- نعم ، يبدوا أن أخبار الآثار قد تسربت بالفعل منذ وقت طويل، أشك أنها من اعمال ذاك الرجل ،
همف لقد ألقيت نظرة على محيط الفراغ والوضع يسوء أكثر، من المستحيل إحداث معركة كبيرة هناك إلا إذا ضحينا بالحصن ومن عليه ! "
صمت الإمبراطور لبرهة قبل أن يجيب
- فهمت .."
غرق جو القاعة بتوتر قليل قبل أن يقاطعه كولين يسأل جينيفر
- اذا ! لما كنتي تبحثين عني ؟ "
شهقت جينيفر وكأنها كادت أن تنسى شيئا مهما لتسأل الرجل بإلحاح
- ٱريدك ان تقرضني بعضا من إكسير "دويل" "
فُتحت عينا كولين على مصرعيها مرتجفا في حين ضيق الإمبراطور الجالس قربه عينيه .
كان إكسير "لادويل" و "دويل" جرعتان للختم وفكه على التوالي ، عادة تستخدم الامبراطورية هذا الإكسير على الأسرى أو الخونة !
قرأت جينيفر الجو حولها لتجيب بسرعة
- لقد حصلت على تلميذ جديد و ٱريد الإكسير لأجله"
-انت! حصلت على تلميذ ؟ " نظر لها جاريث غير مصدق بعد أن كاد يفر من الغرفة بسبب ذكرها للإكسير.
- من أي عائلة ؟" سأل الامبراطور بهدوء يخفي شيئا من الغضب خلفه .
- همف ، لن ٱخبرك أبدا ! أخشى أن تقتله لو فعلت ! لازلت مصرة على أخذه " شخرت بسخرية تقابل نظراته الباردة
- لا تنظر إلي هكذا لا تنسى أني بمثابة معلمتك "أليستر "! اختيار طلابي هو شيء يخصني !"
حدق بها الإمبراطور قبل أن يتنهد بهدوء آمرا كولين
- أعطها الإكسير .. أيضا " أعاد بصره لجينيفر يخاطبها بكسل
-لقد أردتي سؤالي لارسال احد ما ليعتني بالأمر هناك صحيح ؟... لك هذا !
- "شيليدريا جينيفر دي فارامير" كقائد الفرسان وسيف الإمبراطورية آمرك بالتوجه وحماية الآثار مع تلميذك ، من الأفضل أن لا تعودي دونها ! "
-أمرك جلالتك !"
وقفت جينيفر مستقيمة تُؤدي تحيتها كفارسٍ تَلقى أوامره ثم تتوجت نحو الباب لكنها توقفت مستديرة نحوهم مجددا .
- هناك أمر آخر نسيت إخبارك به أيضا جلالتك ! "
- ما هو ؟ "
إلتقيت بخادم كان يحمل رسالة، بالطبع، قررت إرسالها لك بنفسي بما اني سأتوجه نحوك بعد رؤية كولين "
- مِمن ؟ "
- إنها تقول "إبن اخي العزيز أنا انتظرك بقاعة الضيوف بالقصر "
شخر الشاب في سخرية
-لتعتقد أن عمي جاء هنا بعد سماعه الشائعات أيضا ، يبدو أنهم يتطلعون لموتي أكثر من أي وقت مضى " .
-ليس هذا فقط ! " سخرت جينيفر أيضا باستسلام قائلة
- لمحت عربة الأرشدوق زينرين كذلك " .
عبس الإمبراطور مفكرا
- يبدو أنهم سئموا الانتظار حقا وبدءوا التحرك "
رسم شبه ابتسامة على فمه بمكر
- لوكاس ! "
ظهر من خلفه في وقت ما ظل لرجل بشعر أسود وعيون سوداء قاتمة
- نعم جلالتك ؟ "
-بما أنهم يريدون اللعب دعني أمرح معهم قليلا ! أخبره أن يُجهز نفسه ، سأدعه يظهر للعالم قريبا "
-حسنا جلالتك " ضحك لوكاس بتكتم قبل أن يختفي مجددا.
عبست جينيفر على مرأى لوكاس قبل أن تُحادث الإمبراطور .
- لا تتمادى ! لا تنسى ما حدث قبل أربع سنوات ! على الأغلب كان ظهور كايل بالقصر في "سيڨ"بسبب ذلك" .
عاد الشاب لسلوكه اللامبالي قبل أن يجيبها
- لا داعي للقلق، ٱدرك ما أفعله ! "
تنهدت بلا حول ولا قوة ترفع كتفيها باستسلام
-كما تشاء جلالتك " .
اختفى الإمبراطور من الغرفة تاركا وراءه جينيفر الهادئة وجاريث الذي كان ضائعا بأفكاره حول اختراعه الجديد.
قاطعت شروده تسأله
- هل قال وليام متى سيعود ؟ "
استغرب جاريث من سؤالها مجيبا
- قال أن لديه عملا ملحا بالإتحاد ولن يعود إلا بعد أشهر "
-فهمت ، ربما سأراه بعد عودتي "
تمتمت ترمي بأبصارها خارج النافذة محدقة بالمشهد الجميل للحديقة خارج القصر.
- أتساءل إلى متى سيدوم هذا السلام "