شاهد ثيودور ما يحدث بذهول ، كل شيء حدث في ومضة ولم يجد الفرصة حتى للتعليق عما يجري .
سارع نحو بيني وكريسل على ظهره وحاول التحقق من حاله لكنه وجد أن أنفاسه قد توقفت بالفعل.
-لقد انتهى بالفعل !!" قال الصبي بشرود
- انت ماذا فعلت ! لقد ساعدنا !" رفع بصره نحو الفتى الذي صمت ثم صرخ نحوه بغضب.
-لقد قتل شقيقتي !! "
أوقف ثيودور كلماته بحلقه ، لم يستطع الحكم على الموقف بعد الآن .
-كفى أنتما ، علينا أن نخرج من هنا أولا !"
صعد زوروا نحوهم متعثرا يمشي بميل بعد أن خلع كتفه ثانية ، تبعه بلوصن من الخلف ، لم يبدوا صديقه هذا مصابا كثيرا وكان هادئا بشكل غريب كالعادة .
أراد ثيودور الكلام غير أن إحساسه بشيء ما ينزلق على جسده جعله يبتلع .
أنزل بصره واكتشف أن سائلا رقيقا أزرق يتجمع من جسد بيني ثم يتسلل نحوه إلى جروحه ثم دمه.
اكتشف بصدمة ماهيتها في الثوان القليقة القادمة .
-عنصر الجليد ؟!! "
على ما يبدو فإن لبيني بلورة نادرة لجوهر الجليد والتي عكس العادية لن تختفي بموت صاحبها.
استغلت ييغرو الفرصة وإمتصها نحوه قبل أن تتلاشى طاقتها،
ببطئ ، تحول اللون الرمادي إلى أبيض ناصع مثل الثلج ، ثم تكثف بقلبه وكون نجما ثالثا استقر بهدوء بفضائه الفسيح.
-النجم الثالث !"
هتف في داخله ولم يسعه سوى كبت حماسه وأحس بالتعقيد فيما يجب أن يشعر به حيال موت بيني .
كان الأمر تماما كما قال جايدن ، القوة تعتمد على الفرص والحظ لذا سرعانما تقبل ما حصل قائلا بهمس
-شكرا لك وآسف لموتك بهذا الشكل ، كنت بطلا للدفاع عن رفاقك حتى آخر لحظة !"
تلى ثيودور بأسف عندما تقدم مع كريسل يُريد أن يتبع زوروا وبلوصن .
لا يبدوا أن أحدا نجى غيرهم وحتى من إنضم إليهم بعد خروجهم من القصر قد لقوا حتفهم .
كان الجو لا يزال ضبابيا من هجوم بيني السابق ، ولكن أمكنهم الشعور بالتحسن التدريجي لأجسادهم جراء إختفاء شعيرات السم من الهواء حولهم .
-ماذا تظنون أنه هذا الشيء الذي هاجمنا يا رفاق ؟"
سأل زوروا الفتيان خلفه وهو يسير على الأنقاض بحذر
- آثار مختومة " أجاب ثيودور بشكل قاطع بصوت ممتعض
-لا شك أنها الأثر الذي يتحكم بالجزيرة "
لم يكن تشكيل الإتحاد فرقا من سبعة أشخاص لإستعادة الأثر من الجزر بسبب الحيطة خوفا من الوحوش عليها ، بل لأن الآثار نفسها لديها قوى هائلة .
تم تصنيفها برتب الشمس فقط لأنها كانت خطيرة جدا ، حتى أثر من الشمس الٱولى تلزم فريقا كاملا لأجل السيطرة عليه .
حتى أنه قيل من قبل العلماء بالإتحاد ، أنه بدل أن الآثار مختومة للتحكم بالجزر فإن الجزر مصممة خصيصا لختم هذه الآثار وحبسها !
- قد يكون أثرا من الرتبة الثانية "
قال ثيودور بانزعاج في حين ابتلع الجميع حوله برعب
- هل سنستطيع الصمود لنهاية اليوم !؟"
تمتم زوروا بشحوب على كلماته متسائلا عن مصيرهم .
وافق الكلّ بصمت شاردين في أفكارهم في حين تساءل ثيودور عن مدى مقت البارون للأكاديمية ومحكمة التفتيش ليرغب في تدبير مخطط كهذا .
حتى أنه شك أنه إذا تحرك الأثر فلن يستطيع حتى لوبينا وشيلاد إيقافه !
قطع تفكيره إحساسه بشيء يلمس خده.
دفع ببصره نحوه ليكتشف أنه ييغرو
-هل صرت أكثر ذكاءا ؟ حتى أنك تتصرف بنفسك الآن !"
مازح ثيودور عندما مد يده يداعب الشيء الأبيض اللزج .
وكأنه فهمه بالفعل ، إحتك الأخير بيده قبل أن يلتف حولها ثم سحبها بإتجاه ما .
- ما الأمر ؟ "
بضبابية ، شعر ثيودور أن هناك خطبا ما من خلال علاقته مع ييغرو .
رفع رأسه تجاه المكان الذي يريده عنصره النظر إليه وضيق عينيه بتركيز .
من الركام قربهم ، كان يستطيع بضعف أن يشاهد الأثير ينحني بشكل مشوه للأسفل.
ورد لذاكرته شيء مشابه قرأ عنه من الكتب وكان عنصرا مشهورا ذُكر كثيرا في كتاب "اختراعات العصر"
- اركضوا ! " شعر بالقشعريرة من أسفل قدمه لرأسه عندما صرخ في زملائه الذي نظروا نحوه بإستغراب وعدم فهم.
سرعانما سمعوا انفجارا صغيرا قربهم ثم شيئا شبيها بالسهم انطلق نحو السماء فوقهم.
حتى ، كان بإمكانهم رؤية ثلاثة أشياء ٱخرى مثل هذه تنطلق من أماكن مختلفة بالأطلال.
انفجرت الأشياء الأربعة في خيوط أثيرية و اتصلت راسمة شبكة كبيرة أشبه بنمط مصفوفة .
لم تلبث أن تلاشت في الهواء قبل أن يسمعوا صدى أشبه بتحطم شيء ما !
ساد الصمت الأطلال للحظة . ثم بإهتزاز ، انقطع هذا الهدوء للأبد !
داخل قمم الجبال الأربعة بعيدا كان هناك أربعة تماثيل لدروع برونزية على التوالي لم تلبث لحظة أن تحطمت لقطع وانهارت في رماد .
تحت القصر سابقا وعميقا في الظلام ، داخل المستودع الذي يحوي جثث كاراس المتجمدة ،تحركت عدة مجسات زرقاء في حفيف قبل أن تندفع نحو السطح !
-ما ..ما هذا ؟!"
تمتم زوروا وهو يشاهد مكان القصر سابقا وقد اختفى وحل مكانه جسم عملاق فضي اللون .
كانت الحراشف تمتد على ظهره كاملا وبينها برزت عدة خيوط زرقاء طويلة قُدّر عددها بالمئات .
-هل هذه حشرة آكلة الأثير ؟" ارتجف فم زوروا بسخرية لم تعكس مشاعر عينيه المرتعبتين .
- لا توجد حشرة بهذا الحجم " قال بلوصن قربه وخانه الإرتجاف بصوته رغم محاولته البقاء هادئا.
كان الجسم شبيها حقا بالحشرة الآكلة للأثير لولا حجمه والخيوط المتدفقة من ظهره بدل الأشواك الحادة .
-انها حقا مصفوفة سيليش !"
وسع ثيودور عيناه .
كان المتسبب في كل هذا هو اختراع قرأ عنه يُسمى "مصفوفة سيليش" .
صنف كإختراع ممنوع استخدامه بعد أن أدى لموت عدة فرق فيإاختبارها التجريبي .
ذلك أنها بدل أن تُحاصر الآثار كما صنعت لأجله ، فقد تسببت في كسر التشكيلات التي تختم الأثر سامحة له بالتحرر كاملا .
يجب للمرئ أن يعلم أن الآثار يتم اصطيادها من المستكشفين مع كون التشكيلات بالجزيرة داعما لهم عند ذلك.
لأنه ما إن يتحرر الأثر بالكامل سيصعد برتبته وتظهر قوته كاملة .
إذا قدر ثيودور أن قوة الحشرة كانت برتبتها الثانية قبلا ، فقد فقد ذكاءه محاولا تصنيف قوتها الآن بالكلمات .
-البارون سوين مجنون !!!"
°°°°°°°°°°°°
-شيلاد !!"
-أعلم !
هتف لوبينا ليرد عليه شيلاد في عبوس ، كان أهتزاز الأطلال بالأسفل أسوء من أن يقوم به تلميذه .
حتى هو شعر بخطب ما يحدث الآن .
أرادا التصرف عندما سمعا صدعا ثم تحت نظراتهم المصدومة ، بدأت الجبال الأربعة بالتفتت والتهدم ثم سرعانما انكسر الحاجز حول المدينة واندفعت الوحوش للداخل مع آلاف الأطنان من المياه .
-لا !!"
هتف لوبينا في مفاجأة عندما سارع للغوص مع شيلاد للأسفل
°°°°°°°°°°
-كريسل ! تمسك !"
صر ثيودور على أسنانه محاولا عدم ترك صديقه الفاقد للوعي على ظهره وهو ينشر ييغرو مشكلا سجنا رقيقا من الجليد لحمايتهم من المياه .
لم يستطع البقية مساعدته لأنهم كانوا فرسانا في حين أن الصبي متحكم لعنصر النار .
بدأ الجليد يتكسر شيئا فشيئا ولم يستطع ثيودور الحفاظ عليه أكثر خاصة وأن محاولته لتشكيل ييغرو في شيء غير الأسلحة استهلكت جل طاقته ،
شعر بغموض أن رأسه بدأ يصاب بالدوار وبلغم من الدم عالق بحلقه
-ييغرو ! اصمد أرجوك !"
تمتم ثيودور لكن عنصره سرعانما بدأ بالإنكماش وكأنه لا يستطيع الحفاظ على هذه الحالة أكثر.
شاهدوا الماء الذي تخللته الوحوش وهو يحاول الضغط عليهم إلى مسحوق .
-لاااا !! "
-آيس !!"
استسلم جسد ثيودور أخيرا للإرهاق وعاد ييغرو لجسده ، في حين أن الماء اندفع نحوهم ،
لحسن الحظ إمتد بتلك اللحظة حاجز من الرياح وأبقاهم آمنين بالداخل .
-معلم !!"
صرخ زوروا في لوبينا بفرح !
-أين البقية ؟"
عبس الرجل في سؤال عندما أجابه زوروا بدموع كان يكبتها طويلا
-لا أعلم ، لكن كل من كان معنا قد ماتوا بالفعل ، حوالي 17 طالبا "
صدم لوبينا غاضبا في حين اندفع صوت شيلاد الصارخ
-من فعل هذا !!!"
امتدت عيون الجميع للٱفق البعيد عندما سحب لوبينا عنصره وسار بهم تحت الماء نحو المدرب الآخر .
قربه ، طفت جثة بيني باساراي الشاحبة والباردة .
احمر وجهه غضبا حينما استدار للبشر
-من فعل !!!"
-الوحش هناك !"
صرخ الصبي الذي قتل بيني مشيرا نحو المجسات الغريبة في الماء ولم يسع الطلاب قربه إلا العبوس .
اكتشف لوبينا الأمر وأشار بعينه أن يصمتوا جميعا وأن لا يكشفوه ،لذا صمتوا بالنهاية .
كان كاراس أعداءهم لذا كان واضحا أي جانب يجب دعمه !
-سأقتلك !!" صرخ شيلاد اتجاه الأثر الذي لم يبدوا عليه بوادر الحركة .
جمع الأثير مشكلا شلالا من الشفرات المائية عندما أمرها بقطع المجسات .
لسوء الحظ بدا أن هجومه لم يترك إلا خدشا بسيطا على الجلد وسرعانما صدر صوت غريب من أعماق الماء وكأن الأثر غاضب بالفعل .
عبس لوبينا ومد يده لجمع الأثير كذلك .
لمفاجأة الجميع كان متحكم أثير وليس فارسا !
سرعانما شكل الأثير عاصفة قرب يده قبل أن يضغطها أصغر وأصغر
عندما شعر أنها تكثفت بما فيه الكفاية أرسلها نحو المجسات ولم تلبث لحظة حتى انفجرت !
كادت التيارات الفوضوية من الماء أن تجرف الطلاب لولا أن أمسك بهم درع لوبينا
-استاذ لوبينا وشيلاد كلاهما برتبة الشمس الثانية ! "
هتف الأطفال بفرح غير أن ثيودور قطب حاجبه
كان يعلم أن الإثنين لم يكونا ندا للأثر حتى عندما كان تشكيل الجزيرة يحاصره فما بالك الآن وقد تحرر .
يبدو أن الإثنين قد أدركا هذا ، سرعانما سحب شيلاد جثة بيني وخزنها داخل صدفة قبل أن يسرع مع لوبينا ساحبا الأطفال نحو السطح.
-ٱوووووووغرر°°°
كان صوتا أشبه بغرغرة المياه إمتد من الأثر ، ومن بعيد شاهدوا سربا من الحشرات يتجه صوبهم .
كان هناك الآلاف ! لا ! عشرات الآلاف !
-انه يتحكم بالحشرات !"
لم يستطع لوبينا إلا الهجوم ثانية وثالثة محاولا فتح ممر لهم بين جثث الحشرات المتساقطة .
كانت المجسات خلفهم تمتد من حين لآخر لتجلد نحوهم غير أن شيلاد بالكاد تصدى لها .
حاول ثيودور بما تبقى من طاقته المساعدة وأمر ييغرو بالتحول لكتل جليدية غير متناسقة قبل رميها على الحشرات القريبة.
تحرك زوروا وبلوصن والفتى كذلك ، كل من جهته محاولين تخفيف العبئ عن معلمهم ، لكن مهما تم قتل الحشرات سرعانما تملئ ٱخرى مكانها .
لم يكن هدفها أكثر من تأخير لوبينا عن الهروب حتى تصل الخيوط الزرقاء نحوهم .
بدأ ثيودور يشعر بالثقل في جفنيه والخدر بجسده الذي إزرق لونه قليلا وعلم أنه تسمم .
-انه يطلق سمه ثانية إحذروا !"
شكل لوبينا درعا آخر حولهم محاولا عزلهم قدر الإمكان
لم تكن سموم الرتب الثالثة مزحة ! لحسن الحظ كان هذا الأثر غير قتالي وإلا كان قد اندفع نحوهم وسحقهم منذ وقت طويل .
-لوبينا !!"
سمع صوت الصرخة من فوق عندما ارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتيه .
-هيوستن !! "
نظر ثيودور لفوقهم ومن بين تيار الماء الفوضوي ، شاهد ضوءا ساطعا ينزل مخترقا المياه كالبرق ثم إمتد قاطعا طريقا طويلا حتى العمق وصولا للقاع .
-اووووغر °°
سمعوا الصووت ثانية عندما صرخ شيلاد
-أصابه !؟ هل هو شخص بالرتبة الثالثة !"
-انسحبوا الآن !!"
سمعوا صوت هيوستن ثانية ودلف لوبينا يسبح أعلى ساحبا الأطفال معه .
سرعانما خرجوا من الماء وبالكاد أمسك الطلاب الأربعة دموعهم بعد رؤية سماء الأثير الضبابية ثانية .
-خرجنا ! أخيرا !! "
-اتجهوا للطائر ، لا يزال الأثر لم ينتهي بعد !"
نبههم لوبينا ليركبوا طائر بيرڨوس الذي لا يزال يحلق بالجو فوقهم .
أمكنهم مشاهدة الطلاب القلائل الذين تم إنقاذهم بالأيام الٱولى بالمعسكر وهم ينظرون نحوهم بشحوب وقليل من الإرتياح لأنهم لم يكونوا ضمن الموتى بالأطلال .
- لنعد !!"
هبط هيوستن على الطائر معيدا مطرده لظهره محدقا بالحشرة التي طفت على الماء وإلتهمت الأثير بشراهة .
امتد جرح طويل على صدفتها وقطع عشرات من الخيوط بظهرها لكنها سرعانما بدأت بالشفاء
-ٱوووووغرر°°
أطلقت صوتا كئيبا تجاه الطائر قبل أن تتجه نحو ضباب الأثير المضطرب المحيط بالجزيرة ثم تختفي فيه تماما.