رفعت بصرها للأعلى خائفة مما قد تراه !
على السقف ،كانت ملامحُ ما لَمَحَتْهُ قد إختفت منذ وقت طويل ،ولكن أمكنها بغموض تمييز أن الوجه كان لبشري سابقا
كل ما بقي ،كان شقاً على الوجه يُظهر خط الفم الذي مائن فتَحه حتى أمكنها شم رائحة كريهة رغم بُعدها عنه.
الجسم المتفحم تماما باللون الأسود الذي يتدفق اللون الأحمر المُسود عبر عروقه الظاهرة ،كان عالقا بأطرافه على السقف وكأنه يُمسكه بمخالبه،
وجَّه وجهه ناحيتها وكأنه ينظر لها رغم عدم وجود أعين.
-ما هذا الشيء !!" أرادت الفتاة الصراخ بهذا لكن رد فعل جسمها سبقها ،حيث رفعت يدها وأمرت الأسلاك أنْ تُحاول محاصرة الشيء ثم تقطعه !
إلتفّت الخيوط المصنوعة من معدن الأثير حوله ثم إنقبضت لقتله لكن الوحش أو ما بدى كذلك، كان أسرع وقفز للخلف بسرعة وانقلب على الأرض الحجرية .
إرتفع على أربعْ ،ولبث لحظة ثم إندفع نحوها مجددا
-ييغرو" أمر ثيودور عنصره بالتحول لسيف ثم دايان بجانبه رفع عصاه أيضا بتوترٍ وعيناه تتّبعان حركة المخلوق الغريب .
- لا تتحركا !!" لكن المرأة قبلهما صرخت نحوهما ليتجمدا مكانهما.
تجمعت الأسلاك الحديدية مشكّلة شبكة لعزل الوحش الذي رفع مخالبه ناحيتها .
لكن ما لبث سلاحها لحظة أنْ بدأ يتآكل . لا بالأحرى، كانت الأسلاك تختفي وكأنّها تتبخر في الهواء !
-مستحيل ! لا يزال أثرا مختوما من المستوى الثالث !" عبر وميض قلق بين عينيها قبل أن تُدير بصرها نحو ثيودور ودايان .
-أركضا حالا !!"
لم يجادلا في أمرها ، كانا بوضوح أضعف من كلا الإثنين وتدخلهما سيكون انتحارا !
كما قالت من قبل ،كانت المذكرات والسجل هو الزّناد وبعد ظهور الوحش تم فتح ممرٍ لخارج الغرفة !
المشكلة الآن كانت إنْ كانوا يستطيعون تجاوز هذا الشيء الذي يقفز بكل مكان هنا وهناك ولا يستطيع حتى سلاح مختوم من الرتبة الثالثة إيقافه !
تراجعا بين الحطام نحو المخرج في حين تابعت الفتاة خلفهما وهي تحاول جهدها صد هجمات الوحش الغريب .
كان الأخير قويا جدا لكنه بدى غبيا تماما، إذ أنّ كل ما كان يفعله هو القفز والهجوم للأمام ، لكن الفتاة سرعانما تعيد صدّه وإرساله للخلف رغم تضرر سلاحها .
-موت !"
أنزلت يدها عندما إلتفَّت عدة أسلاك حول أطراف المخلوق محاولة قطعها.
لدهشتها ، وكأنه تم لف المعدن ، إنغرست الأسلاك في اللحم المتفحم وعروقِ الدم الغريبة قبل أن تعلق بشيء صلب !
كافح الوحش وكأنه يتألم وخدش بمخالبه يُريد التخلص من الأسلاك !
-أنت تحلم !" رفعت يدها وضخّت المزيد من هالة الشفق بالسلاح وأرسلت آلاف الخيوط لمحاصرته هذه المرة .
كان لون وجهها شاحبا مثل الورقة البيضاء ، كان إستهلاك الطاقة لهذا السلاح كبيرا جدا بالنسبة لها ! لو كانت بموقف آخر لفضلت صد الوحش بجسدها عوضَ استخدام السلاح ،
لكن رؤية أنه تآكل حتى سلاحا مختوما للرتبة الثالثة جعلها تنأى بنفسها عنه .
وصلت آلاف الأسلاك التي تريد عصر الوحش وقتله، كان الأخير لا يزال يُحاول الفرار وكأنه لا يأبه بالخطر الذي سيصل إليه أو بالأحرى لم يدركه !
لكن فجأة ! تجمدت الأسلاك التي إخترقت تقريبا جلد الوحش دون سبب وعادت للخلف نحو الخاتم على إصبع الفتاة المذهولة وإختفت معيدة كل شيء للصمت .
الوحش الذي كان محاصرا .تخلص من الأسلاك القليلة التّي بقيت تلُف أطرافه وتراجع بسرعة للخلف ثم اختفى في الظلام !
-ما كان ذلك !" صعقت الفتاة وحاولت الحفاظ على قدميها دون أن تنهار . صحيح أن آخر ضربة استهلكت جُلَّ طاقتها ،لكن لم يكن هناك سبب ليتوقف سلاحها بمنتصف قتلها للمخلوق دون سبب .
- لنرحل !" تمتمت نحو الصبيين خلفها وهي تراقب مكان اختفاء الوحش .
وافق ثيودور ودايان المرتبكين حول ما يحصل على كلامها وانسحبا معها نحو الباب قُربهم ثم دخلوا الظلام إلى آخر غرفة بهذه اللعبة !
°°
مرت لحظات وبالكاد عاد الهدوء للمكان عندما ظهر فيستيفال في الهواء .
نظر نحو الحطام بالأسفل ثم تحدث حزينا وكأنه يتكلم مع شخص ما .
-كل شيء اليوم يسير عكس ما ٱريده ، لماذا إندفعت أنت من مخبئك دون سبب؟ أنا لم أدعوك !"
فجأة من ظلام الغرفة ، عاد رأس المخلوق المجهول للظهور ثم إندفع نحوه !
قفز اتجاه السقف وتسلل قرب القناع مُصدرا أصوات همهمة غير مفهومة وكأنه يشكو لفيستيفال شيئا ما .
- هذا لا يغير الأمر ، حتى لو شعرت بشيءٍ جعلك تجوع، فلم يكن عليك الخروج دون إذني ! ماذا لو قتلتلك تلك المرأة !"
صمت بعبوس وكأنه يُصغي لهمهمات الوحش الذي يقول شيئا ثانية .
لم يلبث القناع لحظة أنْ رثى
-أعلم أنه خطئي لتركك وحيدا هذه الأيام، إنه العمل.... العمل ! أنت تفهم ما أقوله صحيح ؟ همم حسنا ماذا عن هذا ! "
تابع :
-سينتهي الأمر قريبا ، ماذا عن لعب حقيقة أم جرأة لاحقا؟"
وكأن الوحش فهمه ،سكت قبل أن يومئ ثم ولأول مرة ،خرجت حشحرة تشبه الكلمات من الشق الوحيد بوجهه.
-حقيقة أم جر..أة ، هل نلعب ..عب، هل نلعب ؟ صد..يقي ؟"
شقت إبتسامة كبيرة وجه فيستيفال الكئيب سابقا مع سماعه وكأنه شُطر لنصفين !
°°°°°°°°°°°°°°
-ما كان ذاك الشيء الآن ؟" سأل ثيودور بوجه قلق .
-لست أدري .." همست الفتاة بهدوء وهي تستند على الباب المغلق خلفها محاولة ضبط أنفاسها المضطربة .
-ربما أحد تجارب العالم من الحضارة القديمة ؟ " قدمت اقتراحا وكأنها تنفي وجود أيّ مخلوق يشبهه على أرض أمانيسيا .
كانت الفتاة مهتمة بتاريخ العالم وحرصت على دراسة شتى العلوم جيدا ،لذلك لم تفوت خصائص الوحش الغريبة التي لم تقرأ عنها قبلا .
-لا يهم ما هو ،المهم هو أننا نجونا منه. أعتقد أن الإهتمام بما هو قادم يجب أن يكون أولويتنا " أنزل دايان مولان عن ظهره وهو يرفع بصره محدقا في القاعة والأبواب العدّة التي توزعت على جدرانها .
كان ثيودور والفتاة كذلك يتجولون بأبصارهم حول الوجوه المقنعة التي تستريح هنا وهناك.
"ربما كان أغلب من نجى من المحاكمات هنا ؟ "ظن ثيودور في نفسه .
-إنها آخر غرفة ، هل هو تحدي موحد من نوع ما ؟" تمتمت الفتاة بسؤال
حولهم كان الأشخاص الذين يتكوّنون من فرد أو إثنين أو مجموعات ينظرون بحذر لبعضهم كذلك .
مر الوقت ولم تبقى سوى آخر بوابتين لم تفتحا للآن .حدق جميع اللاعبين بهما ، لم يلبثوا طويلا أنْ فُتحت أول واحدة وخرج منها رجل مفتول العضلات ، علم الكّل من هو !
كان البارون هاوارد !
-البارون !!
-سيدي !
تجمع عدة أشخاص حوله في ثرثرة وهم يشكون إليه ما مروا به ، لم تساعدهم أخلاق النبلاء في إخفاء التوتر والتعب الذي غزا أجسادهم بعد الأحداث الأخيرة.
عبس هاوارد وهو ينظر حوله قائلا
-لا تقلقوا ، مهما كان ذاك المجنون يحاول سحبه ، فلن يستمر طويلا ! أخبرت مساعدي أنه مادام لا يتلقى إشارة مني، فمن الأفضل أن يتصل بفرساني ومنفذي القانون "
شخر هاوارد بخفة وعيناه الذكيتان تتجولان مطمئنا شعبه
-لا يمكنني الثقة بترتيبات منافسي العزيز عندما يكون منظم الحفل "
لمع بؤبؤاه بثقة وتطلع للإمساك بالبارون سوين متلبسا بجرائمه في محاولة قتله عدة نبلاء دون سبب.
الحرب بين الممالك عادة لا تقام دون إبلاغ المحكمة ، لم تكن القوانين لتدعهم يتقاتلون بعشوائية أو كانت الإمبراطورية لتتحول إلى فوضى مطلقة.
بالطبع ،إن استطاع سوين إخفاء الأدلة عما حصل هنا وإدعاء وقوع حادث ، فلن يكون للمحكمة رأي بعد الآن ،
لكن هذا بالضبط ما كان يريده هاوارد ، حضر إلى وكر عدوه وهو يريد إيقاعه بالفخ .
كان تاريخ عائلته أقصر و أقل شأنا من البارون سوين ،ولم يملكوا أثرا مختوما ذو رتبة عالية ولكنه إمتلك حليفا !
لذلك مضى هنا دون خوف. حتى أنه أخذ وقته لتتخطي التحديات دون استعمال كثير من القوة .
كل شيء لهنا ، سيدمر البارون وقلعته !
ضيق عيناه بمكر وهو يفكر بنهاية عدوه.
- لا تتحدث بثقة سيظل والدي يهزمك !"
خرج صوت من خلفهم ولدهشتهم كان لطفل لم يتجاوز الثامنة . خلفه ،وقف شاب بتوتر وهو يحاول سحب الطفل من ياقته.
-أليس هذا ؟ جوردان إبن سوين ؟"
-ماذا ؟ جوردان إبن سوين ، ماذا يفعل هنا ! "
-الشاب معه هو "غيل" وريث البارون !!
-أنت ! أسرع وأخرجنا من هنا ! "
-أخبر والدك بإخراجنا !"
-ابتعدوا عن طريقي سيكون رهينتي !! إن لم أنجوا ،فسآخذه معي كذلك !! "
المكان الذي كان هادئا بوصول هاوارد إنقلب فجأة إلى فوضى !
كان التوتر الذي حصلوا عليه من الألعاب سابقا في أوجه وحتى مع كلمات البارون لم يثقوا به تماما .
كانوا نبلاء وعلموا كيف يسير هذا العالم ، إن لم يكونوا حذرين فقد يتم سحبهم إلى قتال الرجلين ويتم التضحية بهم !
لذلك أرادوا مد أيديهم والإستلاء على أوراقٍ للمساومة .
تراجع غيل وسحب أخاه أكثر للخلف ، لم يبدوا بتلك الشجاعة حتى أن قدميه واصلتا الإرتجاف .
أراد جوردان في البداية أن يفلت من قبضة أخيه ومهاجمة الحشد ، لكن بعد رؤية الغضب على وجوههم تراجع كذلك بخوف .
-لماذا هم غاضبون هكذا ؟" لم يستطع أن يفهم . لمح الجروح على أجسادهم وشعر أن هناك خطبا ما .
إلتفَت إلى غيل بقربه هامسا
-ما الأمر معهم ؟ هل كانت الألعاب صعبة إلا تلك الدرجة .لم أشعر بهذا ،لكن ٱنظر لحالهم..؟. "
لقد توسل لوالده سابقا أن يمنحه الإذن للمشاركة بالألعاب لأنه تعرف على مولان بين الحشد ، أراد أن يهزمه إذا حصل وأن إلتقيا بأيٍّ من التحديات .
وافق والده بالفعل ولكنه طلب من غيل مرافقته .
عكس غيل ، لم يدخل جوردان سراديب المحاكمات بالقلعة من قبل ولم يكن يعلم بوجود فيستيفال.
-لا أعلم ،أعتقد هناك أمر ما خطأ .." همس غيل بعيون غير مركزة وظل يلتفت هنا وهناك محاولا كبح جسده عن الإرتجاف !
-لماذا تواصل الشرود ؟ ألا ترى مأزقنا ، أخبر أبي أن يخرجنا من هنا الآن " كشر جوردان عن أسنانه وهو ينظر للحشد وطلب مسترخيا من أخيه .
لكن الأخير لا يبدو أنه يصغي لطلبه. منذ أن عبروا الغرفة الخامسة ، كانت تصرفات أخيه هذا غريبة جدا ؟ لماذا يواصل الإرتجاف ؟
لم يستطع الفهم ، أراد تذكير غيل مرة ٱخرى وهو يرى الحشد المجنون يقفز تجاههم عندما ظهر فيستيفال بالجو فوق بإبتسامته المعتادة .
- مرحبا بكم بآخر غرفة ، أولا دعوني ٱهنئ الناجين منكم للوصول هنا "
توقف الجميع عن الإندفاع نحو الشقيقين عندما شاهدوا حاجزا شفافا يحيطهم. تذمروا إما بكراهية أو إستياء لكن لم يرفع أحد صوته للإعتراض على كلماته .
لقد علموا أن لا فائدة للمقاومة ، كانوا يبقون جانبا الآن ويشاهدون المسرحية التي ستحدث بين هاوارد وسوين .
رفع البارون حاجبه ساخرا
-إقطع الهراء ، قل ماذا لديك ! "
-اووه، متحمس على غير العادة " مدح فيستيفال في إشارة لركود البارون عند مروره بالألعاب سابقا .
-كاحترام لصديقي هنا ،دعني أدخل في الموضوع مباشرة . اللعبة سهلة ، سيتم تقسيمكم لفريقين ،لون الضوء الذي يلتف حولك يشير لأي واحد تنتمي .
كل ما عليكم فعله هو التعاون وقتل قادة الفرق التي سيتم تعليمهما بلون أغمق بكثير من البقية ، لديكم وقت محدد كالعادة ،اووه لا تنسوا الضحية المسكينة ،سيكون مصيرها مأساويا لو تأخرتم ! بسيط صحيح ؟ "
سأل فيستيفال بمكر ولم يلبث أن إنتهى حتى لفَّت الجميع هالة سوداء أو حمراء زاهية.
كانا ألوان الفريقين !
-البارون هاوارد هو قائد الفريق الأحمر !"
صرخ أحدهم مشيرا للهالة الحمراء القاتمة التي لفّت البارون. تجمع كل الأشخاص ذوي الهالة نفسها حوله بسعادة . كان شخصٌ قوي سيدعمهم، وسيكون الفوز مضمونا !
بنفس اللحظة رفع ثيودور بصره نحو هاوارد كذلك عندما سمع صوت الرجل ، كانت هالته حمراء أيضا مما يعني أنه سيكون بفريقه.
تقدم راغبا بالذهاب نحوه عندما شعر بنظرة تحدق فيه عن قرب !
أسرع و إلتفت للأعين التي تُصرُّ على حبسه منذ أن دخل هذه القلعة وترغب بإفتراسه .لدهشته ، لم يختفي الرجل بين الحشود بل ظل ينظر نحوه بتمعن وكأنه لا يريد إخفاء نفسه بعد الآن.
لمحه البارون هاوارد كذلك من بعيد وإتسعت عيناه بذهول ، كان للرجل قناع لأرنب ذو ٱذن وحيدة وخيوط سميكة بدل الفم شقت وجهه نصفين وكأنها تخيطه .
حوله ، إرتفعت هالة سوداء قاتمة ولفته معلنة هويته !
كان قائد الفريق الخصم والذي لصدمة البارون هاوارد ، كان حليفه المقرر!
الشخص ذو رتبة الشمس الخامسة الذي يقف خلفه !