تقلصت المساحة التي تبلغ مترا مكعبا واحدا شيئا فشيئا محاوِلةً سحقهما .
كان درع ثيودور وعصى دايان تُصدران صوت أنين كالمحتضر وهما يبذلان جهدهما لعدم التحطم.
ضخ كلا الطفلين كامل طاقتهما لأسلحتهما لكن الجدران الثقيلة أبت إلاّ أنْ تُواصل الإنكماش ،ولم يلبثوا لحظات حتى سمعوا صوت كسر !
كانت تلك عصى دايان !!
بالكاد مرت لحظة حتى إنكسر درع ثيودور كذلك .
بصق ثيودور بلغما من الدم وقد شعر بتضرر ييغرو قليلا من رد الفعل قبل قليل .
-أنت بخير ؟" دلف لٱذنه صوت دايان القلق لكنه ابتسم بهدوء
-إن كنت تسأل عن الآن فنعم ، لكن لاحقا ، لا أظن أني سأكون كذلك "
وافق دايان بصمت على إعترافه و للأسف إستسلم هو كذلك ! كان وضعهم حرجا جدا وحتى أقدامهم بدأت الإلتصاق بجذعهم جراء ضيق المساحة .
- هل سننتهي هنا ؟" تساءل دايان بضعف وسخرية .
عندها وفجأة ،تحطمت الساعة الأثيرية والشفافة بجانبهم وظهرت لثيودور مذكرات صفراء تعرف عليها !!
-مذكرات كورنيليون!!"
شعر بالدهشة لأنها مخفية بالساعة وأكثر لأنه لم يفعل شيئا الآن ، فكيف تظهر فجأة من فراغ ؟
تحت أعينهم المذهولة ، عادت الجدران المنكمشة شيئا فشيئا للخلف ولم يلبثى طويلا أن صارت الغرفة كما دخلاها أول مرة .
- كيف ؟" نظر الولدان لبعضهما بحيرة ثم للقناع فيستيفال الذي يُحدق بهما بعبوس.
-مفسدٌ للمتعة كعادته " تمتم بإستياء قائلا نحوهما
-انتهى التحدي يمكنكما المرور "
-ماذا ، لماذا ؟؟" رمش الصبيان نحوه بعدم فهم وريبة ، ليس الأمر أن الوضع لا يعجبهما فقد نجَيَا بٱعجوبة لكن لايزال الإثنان يريدان فهم ما حدث أكثر .
من المستحيل أنْ يتركهما غريب الأطوار هذا دون سبب !
لمح فيستيفال العيون الفضولية نحوه ولم يسعه إلاّ التذمر
-أحدهم استخدم بطاقة الغش عليكما وطلب إنهاء التحدي ، كيف محظوظان، كنت لأتخلص منكما أخيرا!"
لم يسع ثيودور ودايان إلاّ الإبتسام بفرح . كان هذا حقا حظا مذهلا !
-من تعتقد أنّه ؟ هل هو جايدن ؟"
سأل ثيودور دايان ليومئ الأخير
-ربما ..." كان عقل دايان شاردا بمكان آخر ، إذا كان أخاه حقا من استخدم البطاقة عليهما ، فلما ترك الأمر حتى كاد الإثنان يموتان ؟
-لنذهب !" سحب ثيودور دايان مُتجها نحو مدخل الغرفة التالية !
لم ينسى أن يقرأ مابيده كذلك
" إنه أخيرا موسم الربيع هنا بشورين ..
هل هو كذلك ؟ حسنا ربما لباقي الأجناس لكن ليس لي !
إزداد وضعي سوءا ، هل هذا ما حدث مع أبي و"بوني" ؟ أنا أسمع أصوات الضحك أكثر وأكثر ، قدَّرت أخيرا أنها تخص طفلة ورجلا أو هذا ما بدى لي ؟
الليلة ،شاهدت الشبح مجددا وقررت بشجاعة إتباعه ، إنتهى الأمر بإختفاءه ثانية ، لكن لدهشتي هذه المرة ، عثرت على باب سري بأحد الممرات !
عندما دخلت ، تفاجأت أن المكان أشبه بمختبر مهجور ،
شاهدت عدة عينات مجففة من عشرات الوحوش وتذكرت أخيرا مقولة أبي عن أنّ القلعة كانت تخُص عالما من الحضارة القديمة..
وجدت غرفة متصلة بالمختبر وعندما دخلت كانت الألعاب المختلفة تملؤ رؤيتي ، الزهور التي لا أعرف عمرها والتي لم تذبل بعد، تناثرت بكل زاوية قُرب شاهد القبر الصغير !
"ميري"، الإسم المكتوب على الشاهدة ، هل كان يخص إبنة العالم ؟ يبدوا أنها وافتها المنية عن عمر صغير جدا ، ياله من أمر حزين .
بعد التجول قليلا عدت للمختبر وبحثت بين الأغراض المتناثرة ، لحسن الحظ وجدت سجلا عن الأعمال الأخيرة التي تخص العالِم .
"كانت التجربة 063 على المادة المظلمة فاشلة ! " هذا ما كُتب .
حسنا ما هي المادة المظلمة ؟ لا أعلم ،قررت أخذ السّجلات معي وسؤال أبي عنها مائن يحل الصباح "
-ما هو هذا ؟" سأل دايان بذهول ،
رفع ثيودور رأسه كذلك وكبح صرخة الرعب التي كاد يطلقها .
كانت الأواني الزجاجية التي تحمل عدة أجزاءَ من عدة مخلوقات تطفو بهدوء أمامهم .
إنعكست الإنارة الحمراء الضعيفة على الزجاج المكسور هنا وهناك وأمكن للإثنين شم رائحة غريبة باهتة للصدأ و التعفن.
-ما هو هذا المكان ؟" جال بصر دايان الحذر هنا وهناك في حين رد ثيودور بجفاف حلقه .
-مختبر !"
شعر بمغص وغثيان على مرأى من الحاويات الزجاجية وهو يتذكر ما كتب بالمذكرات بيده .
يجب أن تكون هذه الغرفة السرية التي عثر عليها كورنيليون!
-من هناك !!!"
صرخ دايان فجأة نحو الظلام بعيدا حيث لم تصل إنارة مصابيح الأثير المحطمة، مما جعل ثيودور يرفع حذره كذلك !
من الظلام وخلف إحدى الحاويات خرج ببطئ شكل متوسط الطول يرتدي قناعا لطائر غريب .
دلف لٱذنهما صوت لطيف وممازح
-أنا شبح الفيكونت ، مارٱيكما بجعلكما أطباقاً لعشائي الليلة "
-أنت ، المرأة من قبل !" تفاجأ ثيودور .
كانت المرأة التي خرجت من الظل هي تلك التي إلتقى بها أول ما دخل قاعة الحفلات ، كانت من أخبرته عن القلعة !
تقدمت الفتاة التي بدى أن عمرها لا يزيد عن السادسة عشر بهدوء نحوهما قائلة
-ٱوه ، أنت ذاك الصبي اللطيف "
لمعت عيناها بذكاء تحت القناع
-من المدهش أنكم وصلتم هنا قطعة واحدة .... ٱووه حسنا، أغلبكم ؟ " تمتمت وكأنها تشير بإعتذار لمولان على ظهر دايان.
عاد الأخير للوراء وسحب معه ثيودور مظهرا سلاحه
-لا تقتربي أكثر !"
تذكر ثيودور ما حدث معهم قبلا وإبتلع مُغلقا فمه ونظر للمرأة كذلك بريبة .
-ما هذا ؟ هل تظن أن موضوعَ هذه الغرفة هو نوعٌ من مبارزات القتال ؟" سألت بلطف وكأنها تعلم عمّا يحذران حوله ، لم تحظى هي كذلك بتجربة ممتعة منذ دخولها اللعبة.
-أليست كذلك ؟" سأل دايان ملمحا لثيودور بالنظر حوله بحثا عن فيستيفال ، لكن الأخير لم يكن بأيّ مكان .
"هل تخلى عن مضايقتهما أخيرا ؟" تساءلا بذهنهما عندنا تابعت المرأة .
-يبدو أن هذه الغرفة تحتاج زنادا لإطلاق اللعبة ، مررت بهذا من قبل ، موضوع محاكمتي هو دلائل عن التاريخ وإيجاد الضحية ، وجدت عدة معلومات عن الحضارة القديمة خلال التحديات ، طالما أننا لا نلمس الزناد فيمكننا المرور من خلال الغرف بسلام "
إنقاذ الضحية مجددا ؟ هل كان نوعا من الموضوع المشترك بين الجميع ، هل الضحية التي يجب إنقاذها هي واحد في الأصل ؟
تساءل ثيودور وفهم في النهاية من كلامها أن إستنتاجه السابق كان صحيحا ، لم يحتاج بالضرورة إكمال التحديات الغريبة للغُرف لأجل المرور ، كل ما عليه فعله هو العثور على المذكرات !
سأَلَ المرأة
-وهل عثرتي على شيء ، أعني موضوع محاكمتك ؟"
نزل بصر الفتاة الشارد نحو الخاتم بإصبع يدها اليسرى ولمسته في حركة معتادة قائلة
- أعتقد ذلك " رفعت بصرها ثم أشارت للظلام خلفها
-تقدما "
فعلا كما طلبت ولدهشتهما وجدى منضدة عليها عدة أرواق متناثرة !
كانت بقع الدم الجافة لا تزال تَمحي عدة أسطر من جل الأوراق هنالك ،لكن كان بإمكانهما بغموض قراءة المحتوى .
-سجلات التّجارب على المادة المظلمة "
رفع ثيودور بصره هنا وهناك لكنه لم يجد الغرفة المتصلة التي قال كورنيليون أنّها احتوت قبر الفتاة الصغير ،
أدرك بعدها أنّ ظنه كان خاطئا وربما لم يكن هذا المختبر هو نفسه الذي وجده مصاص الدماء الشاب .
ذاك أن كورنيليون كتب من قبل أنه أخذ السجلات معه !
-إذن ماهذا المكان ؟" تمتم بعبوس وهو يشاهد بقع الدم الجافة التي لم يُزل أو يتعكر لونها المحمر بعد مرور كل هذا الوقت الطويل .
أجابته الفتاة بغموض
-مختبر سري ، من قراءتي للسجلات المتناثرة ،يوجد العديد من السراديب التي تحتوي أمكنة كهذه بالقلعة ، على ما يبدو فإنها تنتمي لعالم من الحضارة القديمة "
-وما هي المادة المظلمة ؟" سأل ثيودور عندما شاهد الفتاة تنفي برأسها
-لا أدري كذلك ، لم يَرِد شرح مفصل بالسجلات وكل ما هنالك هو وصفٌ للتجارب التي استُخدِمت فيها وكلها فاشلة "
همست بعدها قائلة
-للأسف يبدو أنّ محاكمتي لم تُنجز حتى بعد عثوري على السجلات ، من هذا فإن الأمر يقتضي معرفتي بماهية المادة المظلمة لتجاوز الغرفة ،وهذا ما لا أعرفه . يبدو أنه لا خيار لدي إلاّ إيجاد الزناد وتفعيل التحدي هنا"
جفل دايان وثيودور على وقع كلماتها وتراجعا في خوف .
-لا تجرؤي على التحرك !" صرخ دايان بها لكنها لم تكترث له .
رفعت بصرها وكأنها تُجري مقارنات بذهنها عندما تمتمت
-هل يجب أنْ نُنهي محاكماتنا معا هذه المرة ؟"
أعادت بصرها للطفلين قائلة
-أنتما أخبراني ما هو نوع المحاكمة التي يجب أنْ تعبرانها ؟ لا تنسيا أن الوقت يمر. حتى لو لم يظهر ذاك القناع وقال ذلك ،أشك أنه مائن تنتهي مهلتنا فسيكون سعيدا جدا بالظهور والقضاء علينا "
أشارت بيدها لساعة رملية صغيرة مرمية بعشوائية بين قطع الزجاج المتناثرة .
كما أخبرتهما الفتاة،كانت حبات الرمل بها تتساقط منذ أن دخل ثيودور ودايان المكان ، لقد كانت أشبه بمؤقت!
إبتلع الصبيان قبل أن يجيب ثيودور
-محاكمتنا تقتضي أن نجد مذكرات إبن الفيكونت وننقذ الضحية كذلك "
لم يرغب بإخبارها عن بطاقات الغش و إكتفى بسرد أن لهم نفس الهدف.
لم تمانع الفتاة بل أومأت في تفكير
-مذكرات ؟ إنها شبيهة بمحاكمتي عن البحث بسجلات الحضارة القديمة ؟ ربما لهذا تم جرنا لهذا معا "
وافق ثيودور بصمت على كلامها في حين رفعت هي حاجبها خلف القناع بسخرية
-دعنا لا نُضيع الوقت إذن بما أني بحثت بالفعل بكل مكان هنا "
تساءل الإثنان عما تعنيه عندما رفعت يدها اليسرى في الهواء .
الخاتم الذي لفّ إصبع يدها، تحوّل للّون الشفاف قبل أن تندلع منه مئات الأسلاك الأثيرية وتتخبط بكل مكان مدمرة جميع الحاويات الزجاجية والأثاث حولهم!
-ماذا تفعلين !!" أراد الصبيان الصراخ إلاّ أنهما لم يتمكّنا سوى من التحرك هنا وهناك و حماية رؤوسهما من شظايا الحطام المدمرة.
لم تمر لحظات حتى صار المكان خرابا ولم تسلم منطقة واحدة ! حتى بعض زوايا الجدران تم كشطها لقطع !
-ٱوبس ،لا تزال السيطرة عليه صعبة "
تمتمت بتذمر في حين لفّت يدها بأمر، عندها إندفع سلك وحيد وإنتزع مُذكرة صفراء قديمة من جسد إحدى العينات التي تم قطعها وأعادها نحو يدها.
قرأت بإهتمام المكتوب بصوت هادئ لكي يسمعه كلا الصبيين
" إنه موسم الربيع بشورين لكنه لا يزال موسم المطر بالنسبة لي !
بحثت عن أبي صباح اليوم بكل مكان لكني لم أعثر عليه ، ربما ذهب للخارج ؟
قرأت السجلات بدافع الفضول والملل الذي إعتراني ، وللأسف بدى أن كل التجارب التي أقامها العالم فاشلة عدى الأخيرة التي أثارت إهتمامي .
[ التجربة رقم 135 لقد أحرزت بعض النتائج ، المادة المظلمة تستجيب ! أتساءل إنْ كان هذا بسبب الحادث الذي وقع عندما عبثت إبنتي بالحاويات في غيابي ..
الٱسبوع الثاني للتجربة رقم 135 ، بشكل غريب ، المخلوق في الحاوية يستجيب لي فقط عندما تكون "ميري" هنا ..
الٱسبوع الثالث للتجربة 13، إبنتي تُظهر سلوكا غريبا ؟ بدأت تتكلم مع الجدران وتصرخ بها ، عندما سألتها عن الأمر أشارت للمادة وقالت أنه يُحادثها .
الٱسبوع الرابع للتجربة 135 ،ميري فقدت عقلها !! لاتزال تُحادث الجدران وتلعب معها دون توقف !
الٱسبوع الخامس للتجربة 135، القلعة تغيرت ! صارت الغرف تُبدل أماكنها عشوائيا ! وإبنتي تواصل القول أنه بسبب المادة بالحاوية !
الٱسبوع السادس للتجربة 135، أردت إيقاف التجربة ! لا ٱريد فقد ابنتي !
الٱسبوع السابع للتجربة 135 ، حاولت الهروب مع ميري ! لكن كل مخارج القلعة مغلقة ، بِتُّ أعتقد أن القلعة صارت حية !
الٱسبوع الثامن للتجربة 135 ، ابنتي ماتت ! ٱضطررت لدفنها بالمختبر لأني لا أستطيع الخروج ..
الٱسبوع التاسع للتجربة 135 ، أنا أسمع أصواتا غريبة. أضنني ٱصبت بالهلوسة ، هل هي من الجدران ؟
الٱسبوع العاشر للتجربة 135 ، أعتقد أنني بدأت ٱصاب بالجنون ، أحيانا أفقد نفسي وأتكلم لساعات دون إرادتي مع شخص ما !
الٱسبوع الحادي عشر للتجربة 135 ، أسميت صديقي فيستيفال ، هل نلعب ؟ هل نلعب؟ حقيقة أم جرأة ،هاها !!! ]
لقد ٱصبت بالقشعريرة عند قراءة هذا الجزء وقررت بجدية إقناع أبي بالخروج من القلعة حتى لو رفض،
للأسف انتظرته لساعات لكنه لم يعد! حاولت الخروج من القلعة بمفردي لكن الأبواب كلها لا ترضى أن تُفتح ....أنا خائف ،ماذا يحدث ؟"
رفعت الفتاة حاجبها بعد إنتهاءها من القراءة، لقد فهمت أنه تمت كتابة المذكرات بأوقات متقطعة وتم إلصاق سجل العالم عمدا.
أرادت أخذ رأي الصبيين المذهولين عن ما سمعاه ،عندما دلف لبَصرها عدة نقاط حمراء مُسودة على ورقة المذكرات .
لحظة ؟لم تكن هذه هنا قبل قليل !
شاهدت بين عينيها المصدومتين قطرة ٱخرى تتساقط من الأعلى لتُلطخ الورقة بين يديها مجددا !
رفعت بصرها برُعب للأعلى خائفة مما قد تراه !