67 - مذكرات مصاص الدماء -14-

ابتلع ثيودور وهو يقرٱ المذكرات ، كان ما حدث مع كورنيليون والفيكونت زولاديت يبدو أغرب وأغرب بكل ورقة يجدها.

تساءل بذهنه في فكرة مُتشائمة إنْ كان سينتهي بهم المطاف بالإختفاء كما فعل سُكان القلعة السّابقين .

رفع رأسه عندما خطر شيء بباله وسأل دايان الذي يسير أمامه

-سمعت صراخك نحوي سابقا، ماذا كنت تقصدك بعدم ترك يدك ؟" شعر بالتشويش عند تفكيره بهذه النقطة ، لم يفهم لِما قد يقول دايان ذلك وهما بهذا البعد.

ساد الصمت الأجواء عدى صوت وقع خُطواتهم الصغيرة وعندما إعتقد ثيودور أن دايان لن يجيبه، تكلم الأخير

-لم يكن كلامي موجها نحوك "

-ليس لي ؟ " سأل ثيودور بحيرة

تضاءل صوت دايان وهو يتكلم بشرود

-لأجل حمايتي من القتلة. إندفع أخي نحوي ، لو أمسكت بيده بشكل أقوى لمَا وقع، كان موته بسببي... "

فهم ثيودور أن دايان يتحدث عن آيس الذي مات بحادث قبل سنتين ،شعر بالأسف للصبي لكنه لم يستطع قمع فضوله عندما سأل

- قتلة ؟ هل هناك أحد يُطارد عائلة بريتيا ؟ أيضا ،كيف لم تجدوا آيس ؟"

تجنب ثيودور ذكر كلمة جثة بذكاء خوفا من أن يُؤذي مشاعر دايان ، لكنه إحتاج أنْ يعرف أيَّ مخاطر يُمكن أن يُواجهها بالمستقبل بصفته "هو" !

صمت دايان لثوان قبل أن يَرُدّ عليه مُتجنباً الإجابة عن أول سؤال .

- لقد وقع بضباب الأثير الذي يُغطي القارة عند مرورنا عبر مملكتين .... لهذا خسرنا الأمل بكونه حيا"

قال آخر كلماته بين أسنانه وعيناه غائمتان وكأنه ينظر لخيال شخص ما بين الظلام الذي يُغطيهم.

شعر ثيودور بالدهشة لكنه تجنب سؤال المزيد خوفا من أن يُثير مشاعر دايان لتهيج أكثر .

لم يستطع إلاّ التفكير فيما قاله عن ما حدث مع آيس. كان عبورهم مملكتين عبر ضباب الأثير من البداية مُخاطرة كبيرة !!

لم تُصنع بوابات النّقل بين المدن لتسهيل الرحلات فحسب ، بل لأنّ الترحال الطويل بين المناطق البعيدة قد يكون كارِثيا بسبب الأشياء الغريبة التي تحدث في سماء أمانيسيا !

لا تزال عدّة جزر أسفل المدن العائمة مجهولة أو بها أثير مُضطرب شديد قد يتحول لعاصفة مما يجعل السفر خلالها مثل طلب الموت !

مادام جهاز القياس لِلأثير لا يُظْهر مستويات مقبولة، فلن يأمر الإتحاد أبدا المستكشفين بغزو الجُزر ،خوفا من أن يتم تقطيعهم لشرائح أو ضغطهم في عجينة بمُجرد الدخول !

من هذا ، كان عُبور عائلة بريتيا لطريقٍ بين مملكتين عبر السفر جوًّا مجرد إنتحار غبي !

تساءل إنْ كان أمرُ القتلة الذين طاردوهم هو ما جعلهم يُخاطرون هكذا دون المرور عبر بوابات النقل . لكن هذا رسم المزيد من الأسئلة بذهنه فقط !

لماذا منزل بريتيا النبيل مطارد ؟؟ وإذا كان ، فلماذا لم يجد القاتل طريقه إليهم بعد سنتين؟

-هل هذه حلبة ؟" تساءل دايان بصوت عال مما أيقض ثيودور من شروده .

رفع بصره كذلك ، كان الآن بغرفة كبيرة مكعبة توسّطتها حلبة صغيرة. بشكل غريب ، كان السقف منخفضا جدا مقارنة بباقي الغرف التي كانوا بها ولم يتجاوز الستة أمتار .

لم يُشاهد أيّ أبواب كذلك أو أيّ شيئ آخر بالمكان عدى الحلبة .

تقدم دايان نحو الأخيرة مع مولان على ظهره وتبعه ثيودور، لم يكن لهم مكان يقفون فيه واضطروا إلى عبور الحلبة إنْ أرادوا التحرك لأي مكان .

مائن إجتازت أقدامهم الأرض الحجرية الباردة والرمادية ،حتى ظهرت شاشة فوقهم بالجو تعرض صورهم الثلاثة مع ساعة بالأسفل .

-مستعد ! 3...2...1..إبدأ !"

سمعوا صوتا ميكانيكيا فوقهم قبل أن يبدأ رقاص الساعة بالتحرك !

نظر ثيودور ودايان لبعضهما البعض بفزع

-ماذا يحدث ؟ ما هي المحاكمة ؟؟"

-لا أعلم ؟!" رد ثيودور على سؤال دايان بحيرة كذلك .

تجولت أبصارهما حول المكان مع صوت التشجيع الذي بدأ يصدر من كل مكان، وكانت لهما فجأة فكرة تقريبية عما يقتضيه هذا التحدي !

-هل علينا القتال ؟" تمتم دايان تحت أنفاسه بقلق من أن يكون توقعه صحيحا.

-أعتقد " وافق ثيودور أيضا على اِستنتاجه عندما صار صوت التشجيع أقوى وأقوى !

لم يظهر فيستيفال بعد لكن ثيودور بإمكانه قول أنه يراقبهم من مكان ما !

بعد أنْ مرّ الوقت ليصل دقيقة كاملة ، بدأت الجدران حولهم والسقف المُنخفض بالتحرك وانكمشت الغرفة لمتر كامل !!

-ماذا يحدث ؟" خرج صوت دايان المتفاجئ عندما أجابه صوت من الخلف

-إنه العقاب لأنكما لا تتبارزان !"

-فيستيفال !!" صرخ ثيودور في حين ضحك القناع بصخب

-لقد أعددت هذا خصيصا لكُما ! دعني أرى كيف تتخطيان هذه المعضلة عندما يكون موضوع اللعبة هو القتال بينكم فقط ! "

ضحك القناع مليئا بنفسه متابعا

-عش أو مت !! الخيار لكما !يمكن لأحد فقط النجاة . لن تتوقف الجدران عن الإنكماش حتى يبقى شخص واحد حي "

همس بمكر موجها حديثه لثيودور

-دعني أرى كيف يمكنك الغش الآن !"

رفرفت أعين الأخير بقشعريرة واستدار ينظر لدايان

-هل لديك أي أفكار ؟"

نفى دايان بوجهه وهو يتجول بعينيه بحثا عن مخرج ما!

-من الأفضل أن تسرعا وتقررا . الوقت يمضي.. " حنى فيستيفال عيناه كأهلة وكأنه سعيد بمصيبتهم

بالكاد أكمل نهاية كلامه عندما مرَّت الدقيقة الثانية وتقلصت الغرفة مجددا !

إبتلع ثيودور ونادى على ييغرو الذي إلتَحَم بساقيه في حال أنّ القناع أراد لعب حيلة ما عليهم .

وبالفعل ، إنفتحت الجدران فجأة قبل أن تبدأ سهام مصنوعة من معدن الأثير بالإندفاع نحوهما مُحاولة اختراق جسديهما .

-هاها الأمر يصبح أكثر متعة !!" صرخ فيستيفال في حين أن دايان وثيودور ترنّحى في عدة خطوات من أجل تفاديها !

-ماذا نفعل !؟" سأل ثيودور

-هل حاولت قطع القناع من قبل ؟" سأل دايان ببرود

-فَعلَ لاعِبٌ إلتقيته قبلا لكنه لم يستطع، عَبرَ سيفُه من خلاله !"

-تشه !" تذمر دايان بين أسنانه عندما مرت دقيقة ٱخرى !

تقلصت الغرفة وكان إرتفاعها بحجم ثلاثة أمتار فقط الآن ! لم يحتج الأمر إنتهاء الوقت تماما ، بمجرد مرور دقيقتين ٱخرَيَتين سيتم إحتجاز حركتهم بالكامل وستستطيع سهام الأثير القبض على موقعهم ، لن يستطيعوا المراوغة !

تبادر بذهن ثيودور المذكرات ولاح بصره هنا وهناك لكنه لم يستطع البحث عنها وسط كُوم عشرات السّهام التي تندفع ،

كان واثقا أنه يستطيع الخروج من هنا طالما عثر عليها بينهم . لكن المشكلة أنه لا يعلم موضوع محاكمة دايان ومولان،خشي أنْ لا يستطيعا العبور معه حتى لو وجد المخرج.

-دايان ، ماذا طُلب منكم فعله بورقة الغش تلك !!" سأل فجأة

-هممم، مجرد إتباع الخريطة ، آه كان هناك إنقاذ الضحية كذلك الذي ظهر بعد احتجازنا ، لكننا لا نعلم من يقصد "

كان موضوعهما أشبه بخاصته بالجزء الأخير ولمْ يحدد القناع شروطا ٱخرى مثله لتجاوز المحاكمة ، ربما كان هذا مكافئة ٱخرى لحمل بطاقة الغش !

كان يعني هذا أنه يحتاج فقط لإيجاد المذكرات لإخراجهم !

اندفعت الجدران والسقف أكثر ولم تعد مساحة تحركهم تقتصر إلاّ على مترين !

دقيقة واحدة ومترٌ آخر وسيُضطرون للزحف !!

-أنت مزيف ! قاتلني !"

-ماذا !؟" جفل ثيودور عند هذا الأمر وإستدار ينظر لدايان

-تريد مني قتالك ؟؟" هل أراد الصبي أمامه حقا القتال معه وقتله لأجل الخروج ؟

-إنها فرصة واحدة ، أنا ٱخبرك أن لا تندم على الموت هنا معي ! يمكنك رفع سيفك ،جايدن ليس هنا ، لا داع لتمثيل مسرحية الٱخوة السخيفة هذه !"

نظر له دايان بعيون نارية تطلب منه الإختيار، وبسط عصاه نحوه مشيرا أنه لن يُمانع لو أراد ثيودور القتال هنا لأجل حياته !

كان وضعهم يائسا وحتى ثيودور الذي بحث طويلا بين الأسهم لم يستطع إيجاد المذكرات بأي مكان ! ربما إختفت مع أول الأسهم التي تم إطلاقها وإبتلعتها الجدران في تحركها السابق !

تحرك رقاص الساعة بينهما وكان صوته الذي ملئ صمت المكان المرعب هو ما يُذكرهما بقرب نهايتهما .

وصل المؤشر الطويل للرقم الثاني عشر مُعلنا مرور الدقيقة الخامسة وبدأت الجدران الثقيلة تتقلص شيئا فشيئا تاركة مجال متر واحد من كل إتجاه !

خلال هذه اللحظات القصيرة ومع نزول العرق على جبهتهما وهما يُحدقان في بعضهما بنوايا خفية ،إندفعا فجأة نحو بعضهما البعض في لحظة !

أمر ثيودور ييغرو بالتحول لدرع في حين رسم دايان الذي يحمل مولان عصاه الطويلة وركض لثيودور.

اِستدارا بنفس اللحظة مُعطيان ظهرَيْهما لبعضهما وإلتصقا معهم مولان ،مُحاولين حشر أنفسهم بالمساحة الضيقة !

فَرَدَ ثيودور درعه مُحاولا قدر جهده منع الجدران من التزحزح أكثر .

فعل دايان المثل وعزز عصاه بهالة الشفق والأختام وأوقفها عموديا نحو الأعلى راغبا في منع السقف من النزول !

حتى بهذه المساحة الضيقة ، لا يزال مؤشر الساعة واضحا لكلا أعينهما وبدأ عدّاد الثوان من دقيقتهم الأخيرة يتناقص شيئا فشيئا.

-هل أنت متأكد من قرارك ، لا يزال بإمكانك التراجع؟" سأل دايان ثيودور مع إبتسامة مُستفزة على وجهه المتعب.

- لا زلت فردا من بريتيا ! لا يُمكنني شرح عودتي دونك لٱمي ! ٱفضل أنْ أموت معك هنا على الخروج وحدي " رد ثيودور بثبات وتجاهله هو الآخر ناظِراً لرقاص الساعة بين عينيه.

-جيد لنقاتل لآخر لحظة إذن ،مزيف .." صمت قليلا قبل أن يسأل

-ما كان إسمك ؟"

-هاه؟" تفاجأ ثيودور ثم دحرج عيناه بعجز

-ثيودور ، يمكنك مناداتي ب"ثيو "

كان الإسم المختصر الذي حصل عليه من هيلين وقد إعتز به لأن إسمه الحقيقي لم يحتوي على إسمٍ أوسط .

-حسنا ، ثيو .. دعنا نخرج من هنا معا !!"

قال دايان بابتسامة مجنونة !

فجأة تحت إنارة هالة الساعة الضعيفة ، إمتد ظله وتسلّل نحو عصاه!

تحت ثيودور صعد ظِلّه كذلك وإندمج مع ييغرو معززا إياه .

-يمكنني استخدام الظل لتعزيز متانة أسلحتنا ، لنأمل أن هذا سيكون كافيا !"

كانت المرة الٱولى لثيودور لرؤية دايان يستخدم عنصره ولدهشته ، مثل "وان" كان عنصره هو الظلام !

-هل هذا سبب صراعكما الدائم ؟" تمتم ثيودور بذهول في حين تجاهله دايان وحثه مرة ٱخرى

-الوقت ينفذ ،إستعد !"

وصل مؤشر الساعة أخيرا للرقم الثاني عشر مُعلنا مرور الدقيقة السادسة !

2022/02/23 · 180 مشاهدة · 1516 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2024