-هل هذه نجوم ؟!"
سأل ثيودور بدهشة مائن عبر فريقه البوابة.
أمام ناظريه الآن ، تغيّر العالمُ حوله تماما وكانت الظّلمة الحالكة تغطي كل الأرجاء.
عدى أنّه وبشكل غريب، وسط هذا الظلام إنتشرت عدّة كُتلٍ كبيرةِ الحجم تُصدرُ إشعاعا خافتا شبيها بضوء النجوم !
تناثرت هذه النجوم بكل مكان وآنست وحشة هذا الفضاء الكئيب.
-إنه طريق النجوم !" تكلم جوردان
-طريق ؟ " استجوب الفريق
-يمكنك القول أنَّ مدينة ظلِّ السماء أخذت إسمها بسبب هذا الطريق ، عكس ما تظنُّونه، ما نقف الآن عليه ليس نجما ولكن منصةٌ صُمِّمَت خصيصا لتدريب التنانين "
-منصة تدريب ؟" ذهل ثيودور وهو يفحص الإشراق الغريب الذي ينبعث من الأرض تحت أقدامهم ، حاول لمس الأرض بيده وأدرك أنَّ الأخيرة كانت قاسية وباردة تماما مثل المعدن.
-هل هذا معدن أثير ؟يبدو باهظا ؟" قدَّر أنّ هذا النجم قد يُساوي آلاف أحجار القمر.
كانت الهالة الّتي شعر بها الآن منه تعودُ بالتأكيد لهالة الأثير، وكانت مكثفة جداً.
رفع رأسه للأعلى نحو السماء المظلمة وقدر أنَّ المصفوفة التي تُحيط بالمدينة هي ما يحافظ على تشغيل هذا المكان بسلاسة.
أنزل بصره للأسفل وبعد تجاوُز مفاجأته الأولية فحص المكان حوله أكثر .
كانت النجوم التي تطفو في الفراغ هي الأكثر بروزا بعد المدينة التي يلوح ظلُّها من بعيد. ولكن ما جعله يلهث حقا ، كانت أنّ أغلبها مُدمّر تماما وكأنها تم تحطيمها مرارا ببعضها .
-هل حدثت معركة هنا ؟" ابتلع خوفه.
مجرد تخيل قدرة أحدٍ على تحريك هذا الشيء جعله يرتجف .
-إلزموا الحذر !"
صرخ جوردان الذي يقف بالمقدمة فجأة .
من حُطامِ نجمٍ قريب ، إمتدت عدّة ظلال وسارت بسرعة حتى وصلت مكان وجودهم .
-ما هو هذا الشيء !" تراجع مولان وهو يجمع الأثير في يده قبل أنْ يصرخ
-مخالب الرياح !
إمتدت الرياح حوله في شكل مخالب قبل أنْ تصُدَّ ما هاجمه.
دعمت الأرضية التّي سرَّبت هالة الأثير المكثفة هجومه، مِمَّا تسبّب في أنْ تقطع المخالب الظلَّ لنصفين !
-ما هو ؟" إقترب مولان وهو يُريد أنْ يُلقي نظرةً على ما هية الشيء لكنه سرعانما تبخر وتبدّد في الفراغ.
-ظل ؟" تساءل بصوت عالٍ وكأنّه يحاول إعلام الجميع. لمْ يكن لِمَا شاهده وصفٌ أفضل من الظلّ ! كان أسود تماما بدون ملامح ولم يأخذ أيَّ هيئةٍ يُمكن التعرف عليها.
-شكِّلوا حلقة !" صرخ جوردان فيهم.
لم يتشَكّل فريقهم إلاّ منذ ٱسبوع وكانت تدريباتهم معا قليلة، لكن رغمَ ذلك، كان بإمكانهم الإستجابة بسرعةٍ لطلباتهْ.
سُرعانما تجمَّع الفُرسان معاً في دائرةٍ محيطين بمتحكمي الأثير الذي كان دورهم تقديم الدعم من الخلف!
شكّل ثيودور ييغرو في ابر جليدية وأرسلها مُخترقا عدة ظلال.
استجاب وان ومولان بالمثل ،حيث انطلق ظلُّ الأول وإنفصل عنه وقطع الظلال التي تتّجه صوبهم ، كانت تلك مهارة اكتسبها "وان" مع صعوده للشمس الٱولى !
-إحترق !"
هاجم كريسل بنيران سيفه وقطع عدَّة ظلالٍ في لمحة.
جوردان وبشكل غريب لم يستخدم عنصره إنما واصل القتال بجسده فقط،
وكان قويا جدا ! بلمحلة، قام نصل سيفه الرقيق بقتل عشرة ظلال .
بلوصن كذلك إقتحم وسط الوحوش ومثل زوبعة أنيقة ، قام بفصل عدة رؤوس دون أنْ يطرف .
-ختم !
دايان قُربه، رسم عصاه في مُنحنى غريبٍ بالهواء وبالكاد مرَّت لحظة حتى تمَّ تقييد كلِّ الظلال التي هاجمته .
بالكاد مرَّت دقائق و كان الفريق قد أنهى بشكل سريع كلَّ الوُحوش الّتي هاجمتهم مع عدم ترك أيِّ منها ينجو.
- ما كانت هذه الأشياء؟" رمش كريسل في سؤال وهو يقترب من ثيودور.
-هل أنت بخير ؟"
-لست ضعيفا لهذا الحد كما تعتقد " رفع ثيودور كتفيه بلامبالاةٍ وكأنّ الأمر كان بسيطا حتّى بالنسبة له .
-هاها إنه ليس لأني لا ٱومن بك لكن صديقُ أخيك هناك بالكاد يستجمع أنفاسه !" أشار لمولان الذي كان يلهث.
-أنا لست متعبا أنا ٱوفر طاقتي فحسب !" صرخ في كريسل بحنق وهو يجلس محاولا إعادة ملئ طاقته بإستشعار الأثير من النجم أسفله.
- لنتقدّم " قال جوردان بعد ملاحظة محيطهم بعناية.
-علينا الوصول للمدينة بأقصى سرعة. مِمَّا تمّ إخباري به، تُحيط المدينة عدة تيَّارات غريبة قدْ تُسبِّبُ لنا مشكلة، إنْ لاحظتم إحداها عليكم إخباري فورا "
-تمَّ إخبارُه ؟ هل يقصد منْ قِبَلِ النبيل الذي دعمه ؟" انتبه ثيودور لصيغة كلامه لكنه لم يلبث طويلا أنْ تجاهل الأمر.
كان مع جوردان حقٌ بالنهاية ، يجب أنْ يصلوا مدينة ظلّ السماء بأسرع وقت ، كانوا الآن لا يزالون على حدودها.
كان الصدع الّذي دخل منه الجميع واحدا لكن يبدوا أنّ مكان ظُهورهم ليس نفسه.
أمكنه من مكانه، رُؤية عدّة مجموعات تقفُ على نجوم ٱخرى قريبة.
نظر لسواره الذي نُقِشَ عليه نمطٌ غريب ثم لأساور أصدقائه وفهم الأمر ،
لا شك أنَّ تقسيمهم لفرقٍ كان بغرض توزيع نفس الأساور عليهم ، سيُتيح لهم هذا السوارُ الإنتقال معًا للمكان نفسه قُرب المدخل دون أنْ يتفرّقوا.
لم يستطع نفس النمط نقل أشخاص كثيرين معاً لأنه نُقش بمسحوقٍ لأحجار مكانية.
قد يعني توزيع الكثير منه الإضرار بهم وتغيير مسار انتقالهم بدل مساعدتهم على دخولِ هذه المدينة ذاك أنَّ حساب الإحداثيات سيصبح أكثر صعوبة مع العديد من الأشخاص.
-لنذهب !" تقدم جوردان وهو يقفز بين شظايا الحطام المعدني وهو يتّجه صوب المدينة البعيده .
تبعه فريقه من الخلف ، كان من حُسن حظِّهم بنظر ثيودور قيام معركةٍ هنا، وإلاَّ كان عليهم التفكير جدِّيا في طريقة للتّنقل من نجم لآخر !
كان بإمكان التنانين الطيران عكسهم، لذا لم يحتاجو لتصميم جُسور لربط أماكن تدريبهم.
خمن ثيودور أنّه لو إنزلقت قدمُ أحدهم كل ما سيستقبله هو الفراغ الموحش بالأسفل ، حيث لا يدري أحدٌ أين يقود! ربما نهاية المصفوفة التي تحيط بالمدينة ؟ أو ربما محيط الفراغ ؟
أيَّا كانت الإجابة لم يرد ثيودور بالتأكيد معرفتها.
-إنتبهوا !" صرخ جوردان ثانية وهو يُشاهد الظلال التي تندفع من الحطام مجددا صوبهم .
هذه المرة ، كانت لهذه الأشياء مخالب شبيهةٌ بالتنانين واستطاعت إعطاء قوة أكبر في هجومها !
°°°°°°
-تشه ! إنّ الأمر يزدادُ صعوبةً فقط كلّما إقتربنا من المدينة !"
جلس كريسل وهو يمسح عرقه الرقيق بعد أنْ أنهوْا الموجة التاسعة من الظلال.
لم يفهم أحد ما هيّتها لكن كان بإمكانهم تأكيدُ أنّها تتَّخِذُ أشكالا لمخلوقات من أعراق مختلفة ، وخاصة التنانين.
-لنرتح، سنُمضي اللّيلة هنا " قال جوردان فجأة بعد أنْ قدّر الوضع.
لقد مرَّت بضعُ ساعات منذُ دخولهم الآثار وإعتقد أنَّ الليل قد حلَّ بالفعل بالحصن خارجاً، كما أنّ الجميع بدأ يشعر بالإرهاق .
أخرجوا مُعدّات التخييم من حقائبهم، ورتّبوا أماكِن نومهم مع تنظيم حصصهم الغذائية للأيام المقبلة.
عضٌ ثيودور الشريط الطويل الشبيه بالعلكة قبل أنْ يبصُقَهُ بتقزز
- مرٌ جدّا !"
ضحك كريسل الذي كان قُربهُ عليه ولم يستطع تمالك نفسه، تناول ما بيده دون أنْ يطرف قائلا
-عليك أنْ تعتاد عليه، سيكون طعامُ الجيشِ هو ما سنتناوله للأيام المقبلة. لا تحتقر طعمه السيء، يُمكِنُ لقطعةٍ واحدةٍ منها توفير إحتياجاتك لنصف يومٍ من الغذاء !"
لم يُعقب ثيودور على كلامه، بل منع الدموع الّتي تجمّعت جرّاء سوءِ ما أكله أنْ تتدفق.قَسَّى قلبهُ وأخذ قضمة ٱخرى قائلا
-بدأت أندم على المشاركة "
تمتم وهو يُقلّب بصره حتى وقع على بلوصن الّذي كان يتناول طعامه بهدوء قُرب أحد شظايا الحطام المتراكمة في تَلةٍ صغيرة.
نهض من مكانه وتوجه صوبه قائلا
-لماذا تجلس بعيدا ؟"
أبعد الأخير بصره عما كان يُحدّق به ونظر لثيودور لبرهة قبل أنْ يعود لطعامه.
لم يأبه ثيودور لصمته إنما جلس بقربه وهو يأكل كذلك.
-سيء !!" لم يستطع إلاَّ التعليق ، هذا الطعم لنْ يستطيع الإعتياد عليه مهما مضغ.
-ماذا تفعل هنا ؟" سأل بلوصن فجأة مقاطعا أكله.
إندهش ثيودور، لم يعتقد أنَّ الأخير سيُبادِرُ بالتحدث أوّلا .
- حسنا ؟" لم يعرف كيف يُجيب على سؤاله وكان عاجزا عن الكلام ، هل يحتاج سببا للجلوس قُربَ صديقه من الماضي ؟
-أنت ماذا تفعل ؟" بدل ذلك ،ردَّ بسؤالٍ وهو يتبع مكان تحديق بلوصن سابقا .
-لماذا تواصل النظر ببرود لوان ؟ "
-هل أنا واضحٌ جدا ؟" سأل بلوصن بإستغراب حيث أومأ ثيودور.
-في الواقع ،يمكنني القول أنّ الجميع لاحظ، منذُ رُكوبنا المركبة نحو الحصن وأنت تُراقب شقيقك وكأنك تخشى إختفاءه عن ناظريك"
صمت بلوصن قليلا وهو يرى "وان" الذي يُحادث جوردان من بعيد قائلا
-أخبرتك قبلا، إنّه ليس شقيقي "
-هل هذا لأنه مولودٌ من ٱمٍّ ٱخرى ؟" لم يسع ثيودور إلاَّ الإعتقاد بأنّ بلوصن يكره أخاهُ لهذا السبب.
لم يكن يفهم كثيرا بالعلاقات، ولكنه أحيانا يشعر بالغيرة من آيس الحقيقي عند التّفكير أنّ له والدةً مثل هيلين.
أحيانا كان له كوابيس عن عودة الأخير لعائلته، حيث تمّ إلقاءه جانِباً لأنه لم يعد مفيدا، رغم أنَّ هذه المخاوف قلَّت كثيرا بعد حديثه مع هيلين يوم رحيلهم نحو مملكة سوين.
-ليس كذلك " نفى بلوصن برأسه ثم صمت.
عندما إعتقد ثيودور أنّ الأخير لن يُواصل وعاد لطعامه ، تحدث بلوصن بصوت هادئ
- قبل مجيئك بعام، وبعد عدّة أشهرٍ من عودة "وان" للعيش مع عائلتنا ، أخبرني والدي أنّه سيُرسِلُني لإقامة البارونيت كاول.
كان إلتزام عائلات الجنود للنبلاء التابعين لهم، ينصُّ على أخذ أحد الأبناء كتابعٍ للعائلة بعد تقاعد الوالد، وعادة ما يتمُّ إختيار الإبن البكر للعائلة.
لكن أبي قال أنّ "وان" لم يعش ما يكفي مع عائلته وكانَ يحتاجُ للبقاء معه أكثر."
-أليس هذا عادلا ؟" لم يستطع ثيودور فهم المشكلة في قصّته.
الإنضمام للبارونيت كانَ سيضمنُ لبلوصن حياةً من الرفاهية، وكان تعويض وان الذي عاش بعيدا عن أهله بالبقاء بجانب والده شيئا مناسبا جدا بنظرِه.
-أنت لا تفهم !" لكن يبدو أنّ لبلوصن رأيًا آخر ، كان يُصر على أسنانه بينما ينظر لوان بكراهية.
- إصابة والدي ، كانت شيئا حصل عليه بعد أنْ تمَّ السُّخرية منه من قبل أحدِ الجنود لكونِ إبنه معاقاً لا يستطيع الإستيقاظ !"
-إبنه ؟!" تمتم ثيودور ثم نظر لبلوصن بذهول
-لكن كيف، أنت !!؟" لم يستطع إنهاء حديثه جرّاء الصدمة، حيث تابع الأخير
- نعم، إنه أنا! وُلِدت بقلبِ جوهرٍ مُحطم. بالأحرى بإقامة البارونيت ،كان والدي يُكافح لإبقائي حياً، فكيف برأيك أستطيع الصمود إنْ ذهبت هناك وحدي مجددا !"
صدمت كلماته ثيودور الذي شعر أنَّ ما سيسمعه تاليا، سيكون بالتأكيد سرا خطيرا. ولم يسعه سوى التساءل، لما يُخبره بلوصن بهذا الآن !!؟
--------------
فصل آخر اليوم اذا تمكنت من تصحيح الأخطاء به ✨