كان الصمت لا يزال يخيّم على الغرفة، بعد التهديد الواضح الذي أطلقه سايلوس.
لكن كايلب؟
لم يهتم.
—
"نحن لا نملك وقتًا لهذه التهديدات، سايلوس." قال أخيرًا، نبرته كانت هادئة لكنها حادة بما يكفي لإظهار أنه لم يكن متأثرًا بموجة الغضب التي صدرت من الآخر.
ثم، دون أن ينتظر ردًا، أضاف ببساطة:
"هناك شخص يمكنه مساعدتنا."
—
رفعتُ عينيّ إليه فورًا.
"ماذا تعني؟"
—
كايلب شبك أصابعه ببطء، ملامحه لم تتغير وهو يتحدث:
"أعرف طبيبًا… عالمًا، بالأحرى. شخص خبرته تتجاوز العوالم، شخص لا يوجد نظير له عندما يتعلق الأمر بالبيولوجيا المعقدة للكائنات الهجينة."
—
شعرتُ بانتباهي يزداد فورًا.
"هل تقصد أنه… قد تعامل مع حالات مشابهة لحالتي؟"
—
"ليس مشابهة بالضبط." قال كايلب، وهو يميل للأمام قليلاً. "لكن هذا الرجل… مرت عليه جميع أنواع الكائنات، من تلك التي تعيش في الفضاء إلى تلك التي تعيش في أعماق العوالم السفلية. إذا كان هناك أي شخص يمكنه أن يفهم حالتكِ، فهو هذا الرجل."
—
"وهل تثق به؟" كان هذا صوت سايلوس، الذي كان لا يزال جالسًا بنفس الهدوء المثير للريبة، لكنه كان يراقب كايلب بعينين ضيقتين.
—
"ليس تمامًا." قال كايلب بوضوح.
—
"أوه، رائع." قال سايلوس بابتسامة ساخرة. "إذن، ما تقترحه علينا هو أن نذهب إلى شخص غير موثوق به ونسلمه تونه، على أمل أن يكون لطيفًا بما يكفي ليعيد مشاعرها بدلًا من أن يقوم بتشريحها وتجربة بعض أفكاره المجنونة عليها؟"
—
كايلب لم يبدُ متأثرًا.
"إن كنتَ تملك خيارًا أفضل، فأرجوك، أخبرنا به."
—
ساد الصمت.
—
ثم، أخيرًا، نظرتُ إلى كايلب، وقلتُ بصوت هادئ لكنه ثابت:
"أنا موافقة."
—
رأيتُ كيف تحولت نظرة سايلوس إليّ فورًا، كيف تحركت عضلات فكّه قليلاً وكأنه لم يكن سعيدًا بهذا القرار.
"أنتِ موافقة؟"
"نعم." أومأتُ دون تردد. "أنا أريد أن أعود إلى طبيعتي، سايلوس. أريد أن أشعر بكل شيء مجددًا. إذا كان هناك شخص يمكنه مساعدتي، فلا أمانع مقابلته."
—
كان يمكنني رؤية التردد في عينيه، الصراع الذي لم يقله بصوت عالٍ.
لكنه لم يحاول إيقافي.
على الأقل، ليس الآن.
—
"أين نجد هذا الرجل؟" سأل أخيرًا، وهو يعيد عينيه إلى كايلب.
—
كايلب ابتسم قليلًا، كما لو أنه كان ينتظر هذا السؤال.
"لديه مختبر متنقل." قال ببساطة. "لا يبقى في مكان واحد لفترة طويلة، لكنه يملك نظامًا خاصًا للتواصل معه. سأحدد موعدًا معه، ولكن سيكون علينا أن نذهب إليه دون أن يلاحظنا أحد."
—
شعرتُ بشيء يشبه القلق يتسلل إلى صدري.
"لماذا دون أن يلاحظنا أحد؟"
—
كايلب تردد للحظة، ثم قال ببطء:
"لأن هذا الرجل… ليس بالضبط شخصًا محبوبًا في بعض العوالم."
—
"أوه، هذا يزداد روعة." قال سايلوس بنبرة درامية.
—
"هذا يعني فقط أننا بحاجة للحذر." قال كايلب ببساطة. "إذا أرادت تونه استعادة مشاعرها، فعلينا أن نأخذ بعض المخاطر."
—
شعرتُ بأن أنفاسي تصبح أثقل قليلًا، لكنني لم أتراجع.
إذا كان هذا هو السبيل لاستعادة نفسي، فسأخوضه.
—
"إذن، متى نذهب؟"
—
كايلب نظر إليّ، ثم قال بابتسامة صغيرة، لكنها كانت جادة تمامًا:
"الليلة."
____
"ليس الليلة."
—
نظرتُ إلى سايلوس عندما قالها، كلماته خرجت بوضوح، بلا تردد، وكأنه قرار نهائي.
لكني لم أكن مستعدة لقبول ذلك.
—
"لماذا؟" سألتُ، نبرتي كانت هادئة، لكنها تحمل تحديًا واضحًا.
—
"لأن لديّ أعمالًا لا يمكنني تأجيلها." قال وهو يميل للخلف، كأنه غير مهتم بالمناقشة أصلًا. "سنغيّر الموعد ليوم آخر."
—
كايلب أطلق زفرة ثقيلة، وكأنه كان يتوقع هذا منه تمامًا.
"هذا مستحيل." قال بجفاف. "إذا لم نذهب الليلة، سنضطر إلى الانتظار لأسابيع أخرى حتى نستطيع تحديد موعد جديد معه."
—
رأيتُ كيف توتر فكّ سايلوس للحظة، لكنه لم يعلّق.
لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، لأنني كنتُ قد اتخذت قراري بالفعل.
—
"إذن، سأذهب وحدي."
—
تجمّد الجو من حولي.
سايلوس أدار رأسه نحوي فورًا، عيناه الحمراوان تضيئان بتحذير واضح.
"ماذا؟"
—
"إذا كنتَ لا تستطيع المجيء، فلا بأس." قلتُ، متمسكة بهدوئي رغم أنني كنتُ أشعر بالطاقة المتوترة تتصاعد في الغرفة. "سأذهب مع كايلب."
—
"أو وحدي، لا مشكلة لديّ."
—
كان يمكنني سماع كيف اشتد تنفسه للحظة.
—
"أنتِ لن تذهبي وحدكِ."
—
"ولمَ لا؟" سألته ببساطة، رافعة حاجبي قليلًا.
—
"لأن هذا انتحار." قال بحدة، وقد تغيّر جلوسه من الاسترخاء إلى التوتر الواضح.
—
ابتسمتُ نصف ابتسامة، لكن لم تكن سخرية، بل كانت أقرب إلى تذكير.
—
"هل نسيتَ من أكون؟"
—
"لا، لم أنسَ." قال فورًا، نبرته مشدودة أكثر من اللازم. "لكن هذا لا يعني أنكِ لا تحتاجين إلى الحماية."
—
"حماية؟" ضحكتُ بخفة، وهززتُ رأسي. "سايلوس، لقد كنتُ أخوض المهام القتالية قبل حتى أن ألتقي بك. هزمتُ أعداءً أقوى منك وأنت تعلم ذلك."
—
"وهذا لا يهم الآن." قال بصوت منخفض، لكنني شعرتُ باللهب الكامن خلف كلماته.
—
"بل يهم." قلتُ، وأنا أنظر إليه مباشرة. "أنا لا أحتاج إلى أحد ليحميني."
—
شعرتُ بمدى التوتر في الهواء، بكيف أصبح الجو أكثر ثقلاً مما ينبغي.
لكن سايلوس لم يكن مستعدًا للتراجع.
—
"إذن، تريدين أن تذهبي وحدكِ؟" قال ببطء، عيناه أصبحت أكثر ظلمة.
—
"إن كان هذا هو الحل الوحيد، فلمَ لا؟"
—
كايلب، الذي كان صامتًا حتى الآن، قرر أخيرًا التدخل قبل أن تتحول هذه المحادثة إلى شيء أكثر خطورة.
—
"سايلوس، هذا ليس وقت الجدال." قال بصوت هادئ لكنه قاطع. "الأمر ليس كما لو أنها ستدخل معركة، نحن فقط سنقابل طبيبًا."
—
سايلوس زفر بقوة، نظراته تحولت نحو كايلب، الذي لم يتراجع، بل بقي ينظر إليه بثبات.
—
مرت لحظات من الصمت، قبل أن ينطق أخيرًا.
—
"حسنًا."
—
رأيته يشدّ فكّه للحظة، قبل أن يقول بصوت أكثر هدوءًا، لكنه لا يزال يحمل نبرة التحدي:
"اذهبي مع كايلب إذن."
—
رفعتُ حاجبي قليلًا، متفاجئة بأنه استسلم بهذه السهولة.
لكن كلماته التالية أوضحت الأمر.
—
"أنا لا أثق به، لكنني أثق به لحمايتكِ."
—
كايلب لم يعلّق، لكنه اكتفى بإلقاء نظرة سريعة عليه، وكأن تلك الكلمات كانت كافية لتوضيح موقفه.
أما أنا؟
فقط نظرتُ إليهما… وشعرتُ أن الأمور ستصبح أكثر تعقيدًا من الآن فصاعدًا.
____
وقف كايلب، متمددًا قليلًا كأن المحادثة السابقة قد أرهقته أكثر مما ينبغي.
"سأذهب لإنهاء بعض الأعمال." قال، وهو ينظر إليّ ثم إلى سايلوس بنظرة تحذيرية غير مباشرة. "التقي بي بعد ساعة في نقطة اللقاء."
أومأتُ ببساطة. "حسنًا."
أما سايلوس؟ فقط أدار وجهه بملل، ورفع يده ملوحًا له بلا اهتمام.
"لا تتأخر، أيها الفارس النبيل."
كايلب لم يعلّق، لكنه اكتفى بزفرة قصيرة قبل أن يستدير ويغادر، تاركًا إيّانا خلفه.
—
عندما اختفى، نهض سايلوس ببطء، ثم التفت إليّ، يمد يده ليأخذ بيدي، كما لو أن ذلك أمر طبيعي تمامًا.
لكنني لم أمسك بها.
—
رأيتُ كيف توقفت يده في الهواء لثانية، قبل أن يسحبها ببطء، وكأنه لم يكن يهتم أصلًا.
لكني كنتُ أعرف أنه لاحظ.
—
"لنذهب." قال بصوت منخفض، دون أن يعلّق على رفضي لحركته تلك.
أومأتُ، ثم مشيتُ بجانبه بينما خرجنا من المقهى إلى شوارع المدينة الليلية.
—
المباني الشاهقة امتدت حولنا كأشباح صامتة، وأضواء النيون كانت تلقي بظلالها الغريبة على الطرقات، تعكس ألوانًا باهتة على بشرتي بينما كنتُ أمشي بجانبه.
كنا قريبين… لكنه لم يلمسني.
ولسبب ما، شعرتُ بأن ذلك كان أثقل من أي لمسة فعلية.
—
"إذن…" قال بعد لحظة، كسر بها الصمت الذي كان بيننا. "كيف تشعرين حيال هذا؟"
—
"حيال ماذا؟"
—
"حيال مقابلة هذا العالم الغامض، بالطبع." قال، مائلًا رأسه قليلًا ليحدق بي. "ألا تشعرين بأي قلق؟ أي توتر؟"
—
نظرتُ إليه للحظة، ثم قلتُ بهدوء:
"لا. لا أشعر بأي شيء."
—
رأيتُ كيف تقلصت ابتسامته قليلًا، كيف تحولت نظرته إلى شيء آخر للحظة… لكنه سرعان ما استعاد قناعه المعتاد.
—
"حسنًا، هذا مؤسف." قال، نبرته كانت خفيفة، لكنها كانت تحمل شيئًا خفيًا تحتها.
—
مشينا لبعض الوقت بصمت، قبل أن يقرر التحدث مجددًا، لكن هذه المرة، بصوت أكثر نعومة.
"تعلمين، أميرتي، أنا لا أمانع هذا التغيير."
—
التفتُ إليه، عيني تلتقي بعينيه الحمراوين المتوهجتين تحت ضوء الشارع الخافت.
"لا تمانع ماذا؟"
—
"كونكِ بلا مشاعر." قال بابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن ساخرة تمامًا. "أعتقد أنني أستطيع التعود على هذا."
—
رغم أنني لم أكن أشعر بأي شيء، إلا أن كلماته جعلت شيئًا غريبًا يتحرك داخلي.
—
"ولماذا ذلك؟" سألته، بنبرة أقرب للفضول العلمي منها إلى أي شيء آخر.
—
توقف عن المشي للحظة، ثم استدار ليواجهني بالكامل.
—
"لأنني، بهذه الطريقة، أستطيع أخيرًا امتلاككِ بالكامل، دون أن يأخذني أيّ شعور بالذنب."
—
رغم أنني لم أشعر بالخجل أو الحرج أو التوتر، إلا أنني كنتُ أدرك أن كلماته تلك… كانت تحمل شيئًا خطيرًا.
—
"امتلاكي؟" كررتُ الكلمة ببطء، كما لو كنتُ أختبرها.
—
"أجل." قال، وهو يقترب مني قليلًا، المسافة بيننا أصبحت أضيق من اللازم.
"الآن، أنتِ لي، أميرتي، بلا مقاومة، بلا تردد، بلا ذكريات قد تؤلمكِ عندما أكون بالقرب منكِ."
—
حدقتُ به للحظة، ثم قلتُ ببساطة:
"لكنني أيضًا بلا مشاعر، سايلوس."
—
رأيتُ كيف تجمد للحظة، كيف اشتدت أصابعه قليلاً بجانبه، لكن ابتسامته لم تختفِ تمامًا.
"هذا صحيح." تمتم، وهو يميل برأسه قليلاً، ينظر إليّ وكأنه كان يحاول قراءة شيء لا يمكن قراءته.
"لكنني أفضّلكِ هكذا على أن أراكِ تتألمين."
—
شعرتُ بشيء يشبه الصدع الصغير في داخلي.
—
لكنني لم أقل شيئًا.
—
استدار مجددًا، وكأن المحادثة انتهت، ثم رفع يده في الهواء بإشارة خفيفة.
لم تمضِ سوى ثوانٍ حتى اقتربت منا سيارة سوداء فاخرة، أبوابها تفتح تلقائيًا بينما أضواءها تعكس انعكاسنا الباهت على زجاجها المظلم.
—
"لنعد إلى القلعة." قال بصوت منخفض، وهو يشير لي بالدخول.
—
نظرتُ إليه للحظة، ثم دخلتُ السيارة بصمت، دون أن أعلق أكثر.
—
لكني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا.
هذه الليلة لم تكن سوى بداية لشيء أكثر تعقيدًا.
—
دخلتُ إلى غرفتي، وأغلقتُ الباب خلفي بصمت.
كان المكان هادئًا… بشكل مريب.
—
منذ عودتي إلى القلعة، لم يكن هناك وقت لأستوعب كل شيء. لكن الآن، وأنا وحدي، شعرتُ بثقل تلك اللحظات.
رغم ذلك، لم يكن هناك حزن، لا رهبة، لا توتر.
كان هناك فقط… فراغ.
—
تحركتُ عبر الغرفة ببطء، نظري يمرّ على المشتريات التي تكدست في كل زاوية تقريبًا.
فساتين، أحذية، مجوهرات… كلها أشياء اختارها سايلوس لي، ودفع ثمنها دون تردد.
—
"أصبحتُ أميرة القلعة مجددًا، على ما يبدو."
لكن، حتى مع هذا… لم أستطع الشعور بشيء.
—
تنهدتُ بهدوء، ثم بدأتُ أبحث بين الأكياس، حتى وجدتُ شيئًا مناسبًا.
فستان أسود قصير، بأكتاف مكشوفة، ومطرّز بخيوط فضية تعكس الضوء بطريقة ساحرة.
—
ارتديته ببطء، نظرتُ إلى نفسي في المرآة، ثم رفعتُ يدي.
الماء الذي بالحوض بجانبي استجاب فورًا، تحرّك من الهواء حولي، ليلتفّ حول أصابعي بانسيابية غريبة.
—
لا يزال جسدي يتكيف مع التغيير.
لكني لم أكن خائفة من ذلك.
—
بعد ساعة، كنتُ بالفعل داخل السيارة، متجهة إلى المكان الذي سألقي فيه كايلب.
—
المدينة كانت صامتة بشكل غريب، رغم الأضواء التي لا تنطفئ أبدًا.
—
جلستُ في المقعد الخلفي، أراقب المباني تمرّ بسرعة، أنوارها تنعكس على الزجاج المعتم للسيارة.
كان المكان الذي سألتقي فيه كايلب بعيدًا قليلًا عن المناطق المأهولة، حيث لا أحد يستطيع ملاحظتنا بسهولة.
—
أغمضتُ عينيّ للحظة، ثم فتحتهما عندما شعرتُ بالسيارة تتوقف.
"لقد وصلنا، سيدتي."
—
خرجتُ بهدوء، أغلقتُ الباب خلفي، ثم نظرتُ إلى المكان.
كان رصيفًا مظلمًا، بجانب مستودع قديم، تصطفّ حوله الحاويات الضخمة.
كان يبدو كأنه نقطة التقاء لعصابات، أكثر من كونه مكانًا لعقد اجتماع هادئ.
لكنني لم أكن قلقة.
—
سمعتُ صوت خطوات، فاستدرتُ لأرى كايلب يقترب.
يرتدي معطفه الطويل، يديه في جيبيه، وعيناه زرقاوان عميقتان كما تذكرتهما دائمًا.
—
"أنتِ في الوقت المحدد." قال، نبرته هادئة، لكنها كانت تحمل شيئًا… أقرب للحذر.
"بالطبع." قلتُ ببساطة.
—
رأيته يزفر بخفة، كما لو أنه لم يكن متفاجئًا بذلك،
"هل تعتقدين أنه سيأتي؟" سألني بعد لحظة.
—
"سايلوس؟"
—
"نعم."
—
"لا أعلم." قلتُ، وأنا أنظر نحوه بثبات. "لقد وافق على أن أذهب معك، لكنني لا أعتقد أنه سيبقى جالسًا بهدوء أيضًا."
—
"هذا ما يقلقني." تمتم، وهو يعيد النظر إلى الظلال التي تحيط بنا.
—
"كايلب." ناديته بصوت منخفض، لكنه حازم.
التفتَ إليّ فورًا.
—
"هل تثق بهذا الرجل؟"
—
لم يردّ على الفور.
لكني رأيتُ كيف ضاق نظره للحظة، كما لو أنه كان يزن كلماتي بعناية.
—
ثم، أخيرًا، قال:
"لا، لا أثق به."
—
لم أتوقع أن يكون صريحًا إلى هذا الحد.
—
"لكن…" تابع بصوت منخفض، وهو يحدق بي وكأنه كان يريدني أن أفهم.
"…إن كان هناك أي شخص يمكنه مساعدتكِ، فهو هذا الرجل."
—
شعرتُ ببرودة خفيفة في صدري، لكنني لم أكن متأكدة إن كانت بسبب كلماته… أم بسبب الهواء الليلي الذي كان يحيط بنا.
—
"إذن، لنلتقي به." قلتُ، ثم استدرتُ ببطء.
—
كايلب لم يتحرك على الفور.
لكني شعرتُ به يراقبني للحظة، قبل أن يسير امامي
___
بعد فتره من المشي
يفتح كايلب باب داخل حاويه صغيره لا يوجد بها شيء مميز
--
ليقابلنا درج حلزوني ....
كان الهواء يصبح أكثر برودة كلما نزلنا الدرج الحلزوني الطويل.
الجدران المعدنية كانت تعكس الأضواء الزرقاء الخافتة التي تمتد على طول الممر، والتصميم بأكمله كان أشبه بشيء مأخوذ من مستقبل بعيد، حيث لا وجود للقوانين الطبيعية.
—
"هذا المكان…" تمتمتُ، وعيناي تتنقلان بين الجدران المعدنية الناعمة. "أشعر وكأنني دخلتُ إلى جزء آخر من العالم."
—
"أوه، صدقيني، إنه ليس مجرد 'جزء آخر'." قال كايلب، وهو يمشي بجانبي بخطوات هادئة.
—
"إذن، ما هو بالضبط؟"
—
"مختبر متحرك." أجاب ببساطة. "يمكنه أن يختفي وينتقل إلى بُعد آخر إذا لزم الأمر."
—
"رائع." تمتمتُ، لكن لم يكن هناك أي إحساس بالدهشة في صوتي.
—
عندما وصلنا إلى نهاية الدرج، فتحت الأبواب المعدنية أمامنا تلقائيًا، كاشفة عن مختبر واسع بشكل غير طبيعي.
—
كان المكان أشبه بـمدينة داخل مدينة.
—
أجهزة شفافة تطفو في الهواء، شاشات ثلاثية الأبعاد تعرض بيانات متغيرة بسرعة، أنابيب زجاجية ممتلئة بسوائل ملونة، وطاولات معدنية تحمل أدوات غريبة لا يمكنني حتى تخمين استخدامها.
—
لكن ما لفت انتباهي لم يكن كل هذا.
بل كان الرجل الذي وقف في وسط كل ذلك، مرتديًا صدريته البيضاء، وممسكًا بجهاز لوحي رقمي في يده.
—
زين.
—
كان طويل القامة، ملامحه حادة ومتزنة، شعره الأسود يبدو مرتبًا بشكل دقيق، وعيناه الزرقاوتان تراقباننا بتركيز حاد، كما لو كان يحللنا قبل أن ينطق بكلمة واحدة.
—
كايلب كان أول من تحرك.
—
"دكتور زين." قال بصوت هادئ، لكنه حمل نوعًا من الألفة القديمة.
—
زين رفع رأسه، وعيناه ثبتتا على كايلب للحظة، قبل أن يتقدم نحونا بخطوات هادئة.
—
"كايلب." قال، نبرته كانت متزنة، لا دفء فيها، ولا برود. "لقد مرت فترة طويلة."
—
كايلب ابتسم نصف ابتسامة.
"أجل، خمس سنوات؟ أم ست؟"
—
"خمس سنوات، وثلاثة أشهر." قال زين، ثم نظر إليّ مباشرة، وعيناه ثبتتا عليّ كما لو أنني كائن غريب يحتاج إلى تحليل فوري.
—
"إذن…" قال ببطء، وهو ينظر إلى جلدي، ثم إلى عينيّ، وكأنه يلاحظ كل تفصيلة مرئية طرأت عليّ.
"…هذه هي الحالة التي أخبرتني عنها؟"
—
"بالفعل." قال كايلب، ثم أشار نحوي. "هذه تونه."
—
لم يبدُ على زين أي تأثر باسمي، فقط اقترب مني خطوة أخرى، عينيه الزرقاوتان كانتا أكثر برودًا مما ينبغي لرجل من المفترض أنه طبيب.
—
"مثير جدًا." قال أخيرًا، وهو يرفع يده ببطء كما لو كان يريد لمس ذراعي، لكنه توقف قبل أن يفعل ذلك.
"هل يمكنني؟"
—
نظرتُ إليه للحظة، ثم رفعتُ يدي لأسمح له بالفحص.
—
شعرتُ بأصابعه تلامس جلدي، كانت لمسته باردة لكنها دقيقة، كما لو أنه كان يحاول قياس شيء غير مرئي.
—
"غير طبيعي…" تمتم، وكأنه كان يتحدث مع نفسه أكثر مما كان يتحدث معنا.
"بنية الجلد تغيرت بالكامل، لم تعد مجرد بشرة بشرية. بل تحولت إلى نسيج عضوي هجين يتكيف مع البيئة من حوله."
—
شعرتُ بأن كايلب يراقب المشهد بصمت، بينما زين استمر في فحصي بعينيه الحادتين، كأنني أصبحتُ عينة بحث مثيرة.
—
"وهذه الطاقة…" قال زين، وهو يرفع يده الأخرى قليلاً بالقرب مني، لكنه لم يلمسني هذه المرة.
"أشعر بترددات غريبة تصدر من جسدكِ، وكأن هناك شيئًا آخر ينبض داخلكِ."
—
"شيء آخر؟" سألتُ، مائلة رأسي قليلًا.
—
"إنه ليس مجرد تحول جسدي." قال، وهو ينظر إليّ مباشرة. "هناك… توقيع طاقة جديد يندمج مع حمضكِ النووي، وكأن جزءًا من وعي آخر قد تم ربطه بكِ. ومتصل بكِ.."
—
"وعي آخر؟"
—
رأيتُ كيف تقلصت ملامح كايلب للحظة، كما لو أن هذه الفكرة لم تعجبه.
—
"متصل بها!؟."
"هل تعني أن رافاييل لا يزال متصلًا بها بطريقة ما!؟" سأل كايلب بسرعة.
—
تكرر صوت كايلب في الغرفة، لكنه لم يكن سؤالًا. بل كان أقرب إلى محاولة استيعاب ما سمعه للتو.
—
"ليس فقط متصلًا بها." قال زين، وهو يدون شيئًا في جهازه اللوحي دون أن يرفع رأسه. "بل أعتقد أن جزءًا من طاقته قد اندمج مع كيانها بالكامل...... بل إنه قد يكون قادرًا على التأثير عليها."
"
—
رفعتُ حاجبي قليلًا، لكنني لم أشعر بأي شيء تجاه هذه المعلومة.
—
"وهذا يعني؟" سأل كايلب بنبرة متوترة.
—
"يعني…" قال زين، وهو ينظر إليّ بعينيه الزرقاوين الباردتين. "أنه يستطيع الوصول إلى وعيها متى شاء، وربما حتى التأثير عليها دون أن تدرك ذلك."
—
مرّت لحظة صمت ثقيل.
—
كايلب زفر، واضعًا يده على جبينه، كما لو أن هذه المعلومة وحدها كانت كافية لإضافة مشكلة جديدة إلى القائمة الطويلة.
"رائع. وكأن الأمور لم تكن سيئة بما فيه الكفاية."
—
أما زين؟ فقط ابتسم ابتسامة صغيرة جدًا، لم تكن سخرية، بل كانت اهتمامًا علميًا بحتًا.
—
"كيف يمكنك التأكد من ذلك؟" سألته، بصوت هادئ.
—
"يمكنني أن أشعر بذلك." قال ببساطة، ثم رفع جهازًا صغيرًا بحجم الكف، شاشته تعرض موجات طاقة تتداخل بشكل غير طبيعي.
"انظري هنا." أشار إلى إحدى النقاط على الشاشة، حيث كان هناك لونان مختلفان من الترددات يتداخلان بسلاسة تامة.
—
"هذا نمط الطاقة الخاص بكِ." قال، وهو يشير إلى اللون الأزرق الفاتح.
"وهذا…" أشار إلى اللون الأزرق الداكن. "ليس لكِ."
—
كايلب اقترب ليرى بوضوح، وعيناه ضاقتا.
"إنها ليست مجرد طاقة زائدة… إنها متشابكة بالكامل مع كيانها."
—
"تمامًا." قال زين، بصوت بدا وكأنه مزيج من الإعجاب والدهشة.
"هذه ليست مجرد علامة على أن رافاييل متصل بها…" رفع نظره إليّ مباشرة. "بل دليل على أنه لا يمكن فصلها عنه بسهولة."
—
لم أشعر بأي صدمة.
لم أشعر بأي شيء.
—
لكنني أدركتُ أن هذا… قد يكون مشكلة.
—
"هل هناك طريقة لعكس ذلك؟" سأل كايلب بعد لحظة، نبرته كانت تحمل صرامة واضحة.
—
زين لم يرد فورًا، بل فقط استدار مبتعدًا، متجهًا إلى أحد الأجهزة المعقدة في الزاوية، حيث بدأ بتمرير أصابعه على شاشاته بسرعة.
—
"نظريًا؟" قال بعد لحظات. "كل شيء ممكن."
—
كايلب لم يعجبه جوابه.
—
"لكن؟"
—
التفت زين نحونا، وضع يديه في جيبيه، ثم قال ببرود:
"لكن هذا قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة."
—
"مثل؟"
—
زين ابتسم بخفة، لكن عينيه بقيتا باردتين.
"مثل فقدانها السيطرة على قوتها بالكامل."
—
كايلب تجمد في مكانه، وأنا فقط نظرتُ إليه بصمت.
—
"إذا كان هذا الاندماج عميقًا كما أعتقد، فمحاولة فصلهما قد تتسبب في انهيار توازن طاقتها." أضاف، نبرته لم تحمل أي قلق، بل كانت مجرد تحليل منطقي بارد.
—
كايلب شدّ قبضته بجانبه، لكنني كنتُ أول من نطق بعد ذلك.
—
"إذن، ما الحل؟"
—
زين نظر إليّ للحظة، ثم قال ببساطة:
"إما أن نتعامل مع هذا الارتباط بحذر… أو أن نكسره، مع تحمل العواقب."
—
كايلب لم يكن راضيًا عن هذا، لكنني لم أكن متفاجئة.
لقد كنتُ أعرف منذ البداية أن هذا الطريق لن يكون سهلاً.
—
لكنني لم أتراجع.
---
وقف زين أمام إحدى شاشات المختبر، عينيه الزرقاوين تلمعان بتركيز عميق بينما كان يحلل البيانات التي تظهر أمامه بسرعة.
"حسنًا…" تمتم، وهو يقلب المعلومات الرقمية أمامه بحركة يده. "لنبدأ بالأساسيات."
—
كنتُ جالسة على طاولة معدنية باردة، قدميّ تتدليان قليلاً، بينما كنتُ أراقب كل شيء حولي دون أن أشعر بأي قلق أو توتر.
—
زين رفع جهازًا صغيرًا بحجم كف اليد، بدا وكأنه مزيج من التكنولوجيا المتطورة وأداة غامضة غير مفهومة، ثم وجهه نحوي.
—
"هذا سيقيس تدفق الطاقة في جسدكِ." قال بصوت متزن، دون أن يطلب إذني.
—
كايلب، الذي كان يقف بالقرب، لم يكن مرتاحًا لهذا.
"زين، كن حذرًا."
—
"دائمًا." قال زين ببساطة، ثم بدأ الجهاز بالعمل.
—
شعرتُ بنبض خفيف يمر عبر جسدي، وكأن موجات غير مرئية كانت تحاول استكشاف داخلي.
—
على الشاشات القريبة، بدأت تظهر بيانات معقدة، لكن ما لفت انتباهي لم يكن الأرقام… بل أن هناك لونين مختلفين ينبضان داخل جسدي.
—
"تمامًا كما توقعت." قال زين بصوت منخفض، عينيه تضيئان بفضول علمي واضح.
"هناك مجالان طاقيان متداخلان داخل جسدكِ. طاقتكِ الخاصة… وشيء آخر."
—
"رافاييل." تمتم كايلب، عينيه تضيقان.
—
"بالتأكيد." قال زين، وهو يعيد النظر إليّ. "لكن الأمر أكثر تعقيدًا من مجرد 'ارتباط' عادي."
—
"كيف ذلك؟" سأل كايلب بسرعة.
—
زين لم يرد فورًا، بل فقط أشار إليّ.
"تحكمي بالماء."
—
رفعتُ يدي قليلًا، وبلا مجهود، بدأتُ أشعر بالماء في الجو يستجيب لي.
—
حبيبات الماء تجمعت في الهواء، ثم بدأت تدور حول أصابعي، قبل أن أتركها تسقط ببطء.
—
"مثير جدًا." قال زين، وهو يدون شيئًا في جهازه اللوحي. "لكن لنرَ الجانب الآخر…"
—
ضغط على زر صغير في شاشته، وفجأة… شعرتُ بضعف مفاجئ.
—
كايلب لاحظ ذلك فورًا.
"تونه؟!"
—
لم يكن الأمر مؤلمًا، لكنه كان كأنني أُفرِغ من شيء أساسي.
—
حاولتُ تحريك الماء مجددًا، لكنني لم أستطع.
—
زين كان يراقبني بتمعن، كأن ما يحدث كان مجرد تجربة ممتعة بالنسبة له.
—
"إذن، نظريتي صحيحة." قال أخيرًا، وهو يعيد تشغيل النظام.
—
فجأة، عاد الشعور بقوتي، كأن شيئًا قد تم توصيله بي مجددًا.
—
"لقد أوقفتُ تدفق الرطوبة حولكِ." قال ببساطة. "جسدكِ الآن يعتمد على الماء ليس فقط للبقاء حيًا، بل للحفاظ على استقرار طاقتكِ."
—
كايلب لم يكن راضيًا عن هذا، لكنه لم يقاطع بعد.
—
"والمشاعر؟" سأل زين فجأة، وهو ينظر إليّ بعمق.
—
أملتُ رأسي قليلًا، ثم قلتُ بلا تردد:
"لا شيء."
—
"كما توقعت." تمتم، وهو يكتب ملاحظاته.
—
ثم، فجأة، قال بصوت أكثر جدية:
"سنجرب شيئًا آخر."
—
كايلب بدا متوترًا، لكنه لم يمنعني عندما أومأتُ بالموافقة.
—
"هذه النظرية جديدة." قال زين، وهو يجهّز جهازًا آخر، كان شكله أكثر تعقيدًا من سابقه.
"إذا كان وعي رافاييل متصلًا بكِ… فماذا سيحدث لو حاولنا فصله؟"
—
"زين—" بدأ كايلب، لكن زين أوقفه برفع يده.
"إنها مجرد محاكاة، لن أفعل شيئًا متهورًا."
—
نظرتُ إلى الجهاز، ثم قلتُ ببساطة:
"حسنًا، لنحاول."
—
كايلب زفر بضيق، لكنه لم يتكلم.
—
ثم… بدأ زين التجربة.
—
في اللحظة الأولى، لم يحدث شيء.
لكن بعد ثوانٍ…
شعرتُ بشيء غريب.
—
كأن هناك يدًا غير مرئية تحاول أن تسحب شيئًا من داخلي.
—
لم يكن مؤلمًا… لكنه لم يكن طبيعيًا أيضًا.
—
كايلب لاحظ ذلك فورًا، تقدّم خطوة، لكنه لم يوقف زين بعد.
—
"هناك استجابة." قال زين ببطء، وهو ينظر إلى الشاشات. "الطاقة بدأت بالانفصال تدريجيًا، لكن—"
—
ثم، فجأة…
انفجار صغير حدث في الغرفة.
—
أضواء انطلقت من جسدي، طاقة غريبة ترددت في الهواء، وأحد الأجهزة احترق من الداخل، مما تسبب في شرارات تتطاير في كل اتجاه.
—
كايلب قفز للخلف، بينما زين بقي في مكانه، يراقب المشهد ببرود.
—
أما أنا؟
فقط فتحتُ عينيّ ببطء.
—
كانت يدي تحمل خدوشًا صغيرة… لكن لم أشعر بأي شيء.
—
كايلب لم يكن قادرًا على كبح غضبه أكثر.
—
"كفى!" صرخ فجأة، وهو يقترب من زين بسرعة. "سنوقف التجارب الآن!"
—
زين استدار نحوه ببطء، وكأن كل شيء تحت السيطرة بالنسبة له.
"إنها بخير." قال ببرود. "انظر إليها."
—
نظر كايلب نحوي، وعيناه كانتا تحملان قلقًا حقيقيًا.
—
لكنني فقط نظرتُ إليه ببرود.
—
"أنا بخير."
—
كايلب لم يكن مقتنعًا، لكنه لم يجادلني أكثر.
—
"سنكمل هذا في وقت آخر." قال بصرامة، ثم نظر إلى زين نظرة تحذيرية.
"وأنت… لا تجرّب شيئًا آخر دون إذني."
—
زين لم يكن من النوع الذي يخاف من التهديدات، لكنه فقط ابتسم قليلًا.
"بالطبع، كايلب."
—
لكنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا…
هذه لم تكن النهاية.
بل كانت مجرد بداية لمعركة جديدة.
___
خرجنا من المختبر، بابه المعدني يُغلق خلفنا بصوت منخفض لكنه ثقيل.
الهواء كان مختلفًا هنا. أقل برودة… أقل تقييدًا.
لكن، رغم ذلك، لم أشعر براحة كاملة.
—
"أتعلم؟" قلتُ لكايلب فجأة، وهو يمشي بجانبي بخطوات ثابتة. "لقد كان هناك تقدم جيد في التجربة… إلى أن أوقفتها."
—
لم يكن هناك اتهام مباشر في نبرتي، لكنه كان واضحًا أنني غير راضٍيه.
—
نظرَ إلي بطرف عينه , ثم أعاد نظره للأمام.
"لو لم أوقفها، لكان هناك انفجار حقيقي، وليس مجرد خلل صغير."
لم أجادله في هذه النقطة.
—
بعد لحظات من الصمت، قال بنبرة مختلفة، أقرب إلى السخرية:
"على أي حال، لا تقلقي بشأن المواعيد. زين لن يذهب إلى أي مكان، سيكون هنا غدًا."
—
توقفتُ عن المشي للحظة، ثم التفتُ إليه ببطء.
"ألم تقل إنه قد يستغرق أسابيع ليعود؟"
—
ابتسم ابتسامة جانبية، وكأن ما سيقوله كان ممتعًا بالنسبة له.
"كذبتُ على سايلوس."
—
رفعتُ حاجبي، لكنني لم أشعر بأي شيء تجاه هذه المعلومة.
—
"لماذا؟"
—
"لأني أردتُ أن آتي معكِ، وليس هو." قال ببساطة، ثم أضاف، بصوت يحمل قليلًا من المزاح:
"وأيضًا… لأرى كم من الوقت يمكن أن يصبر قبل أن يكتشف ذلك بنفسه."
—
لو كنتُ أملك مشاعري، ربما كنتُ سأبتسم، أو أضحك، أو حتى أشعر ببعض القلق من رد فعل سايلوس.
لكنني فقط أومأتُ له، بلا تعبير.
—
"ليس مهمًا." قلتُ، ثم تابعتُ المشي.
—
كايلب نظر إليّ للحظة، ثم لحق بي دون أن يقول شيئًا آخر.
—
الطريق إلى القلعة…
الهدوء الذي أحاط بنا لم يكن مريحًا.
ليس لأنه كان ثقيلًا، بل لأنه لم يكن طبيعيًا.
—
شعرتُ بضعف غريب، كما لو أن جسدي أصبح أثقل قليلًا، ورأسي…
رأسي كان يدور.
—
أصوات بعيدة، همسات غير واضحة، وكأن هناك شرخًا غير مرئي في داخلي.
—
لكنني لم أقل شيئًا.
—
أخذتُ نفسًا عميقًا، وضغطتُ على أصابعي قليلًا، محاولة تجاهل الدوار والصداع الذي بدأ يخترق جمجمتي ببطء.
—
"هل أنتِ بخير؟" سألني كايلب فجأة، نبرته لم تكن مجرد سؤال عابر، بل كانت حقيقية.
—
أومأتُ بلا تفكير.
"أنا بخير."
—
لكنني لم أكن كذلك.
—
كايلب لم يبدُ مقتنعًا تمامًا، لكن لأنه يعرفني جيدًا، لم يضغط أكثر.
—
عند بوابة القلعة…
وصلنا أخيرًا، السيارة تتوقف أمام البوابة الحديدية الضخمة التي كانت تعكس ضوء القمر عليها.
—
لكن ما لفت انتباهي لم يكن البوابة…
بل الرجل الذي كان يقف هناك، بهدوء… لكن بهالة لم تكن هادئة أبدًا.
—
سايلوس.
—
كان يرتدي قميصًا أسود بأكمام مطوية، وسروالًا داكنًا، كما لو أنه لم يكلف نفسه عناء تغيير ملابسه منذ آخر مرة رأيته فيها.
لكن ما كان واضحًا أكثر من أي شيء آخر…
كانت عيناه الحمراء التي لم تترك وجهي منذ اللحظة التي نزلتُ فيها من السيارة.
—
وقفتُ للحظة، وكايلب بجانبي، لكنني لم أقل شيئًا.
—
أما سايلوس؟ فقط أدار رأسه ببطء، وعيناه ثبتتا على كايلب.
—
"تأخرتما." قال بصوت منخفض، لكنه كان يحمل في داخله شيئًا آخر.
—
كايلب ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنه لم تكن مريحة تمامًا.
"مررنا ببعض التجارب المثيرة."
—
رأيتُ كيف شدّ سايلوس قبضته قليلًا بجانبه، قبل أن يعيد نظره إليّ.
—
"ادخلي." قال ببساطة، لكنني كنتُ أعرف أن هذه لم تكن مجرد كلمة عادية.
—
أومأتُ له، ثم بدأتُ بالمشي نحو البوابة.
لكن، قبل أن أعبر المدخل، سمعتُ صوت كايلب خلفي، وهو يهمس بصوت بالكاد سمعته:
"استعدي لبعض المشاكل."
—
لكنني فقط تابعتُ المشي، دون أن ألتفت.
—
لأنني كنتُ أعرف ذلك مسبقًا.
—
دخلتُ القلعة بصمت، خطواتي ثابتة، لكن رأسي كان يدور قليلاً.
لم يكن ذلك بسبب الإرهاق فقط…
بل بسبب النظرات التي كنتُ أشعر بها تحرق ظهري.
—
سايلوس كان خلفي مباشرة، لكنه لم يقل كلمة واحدة.
—
هذا وحده كان كافيًا ليخبرني بكل شيء.
—
صمتُه لم يكن صمت راحة… بل كان صمت عاصفة تسبق الانفجار.
—
عندما وصلنا إلى جناحي، فتحتُ الباب، مشيتُ للداخل، ثم توقفتُ عندما سمعتُه يغلق الباب خلفنا بصوت هادئ… لكنه ثقيل.
—
لم ألتفت إليه، فقط مشيتُ نحو الأريكة، جلستُ ببطء، ثم نظرتُ نحوه بهدوء.
—
كان لا يزال واقفًا عند الباب، عينيه الحمراوان لم تتركا وجهي للحظة.
—
كان مزيجًا غريبًا من الغضب، القلق، والسيطرة المكبوتة.
—
مرر يده عبر شعره الفضي، ثم قال أخيرًا، بصوت هادئ بشكل مخيف:
"هل ستخبريني… أم سأضطر لانتزاع الإجابات منكِ؟"
—
لم أبتسم، لم أظهر أي رد فعل، فقط أملتُ رأسي قليلًا، كأنني كنتُ أفكر في كلماته.
ثم، بهدوء، قلتُ:
"لا يوجد شيء مهم لأخبرك به."
—
رأيته يضغط على أسنانه للحظة، قبل أن يقترب ببطء، خطواته ثابتة كأنها كانت تحمل تهديدًا غير منطوق.
—
"تونه."
كان صوته أكثر هدوءًا الآن… وهذا لم يكن شيئًا جيدًا.
—
"ذهبتِ مع كايلب إلى هذا المدعو "زين"، كذبَ علي بشأن الموعد، والآن تعودين إليّ وكأن شيئًا لم يحدث؟"
جلس على الطاولة أمامي، يديه متشابكتان، جسده مائل قليلًا نحوي، لكن عيناه…
عيناه كانتا تحاولان اختراقي.
—
"أنتِ ضعيفة." قال فجأة، نبرته لم تكن ساخرة، بل كانت حقيقية.
"أستطيع رؤية ذلك."
—
لم أرمش حتى.
"أنا بخير."
—
"كاذبة."
—
رأيتُ كيف انحنى أكثر، كيف أصبح وجهه أقرب، كيف كانت نظراته تدرسني وكأنه كان يحاول إيجاد أي شرخ في جمودي.
—
"أنتِ تتظاهرين بالقوة، لكنني أعرف متى تكونين على وشك الانهيار."
—
لو كنتُ أملك مشاعري، لكنتُ ربما شعرتُ بشيء في هذه اللحظة.
لكن بدلًا من ذلك، فقط نظرتُ إليه ببرود، ثم قلتُ بلا تعبير:
"إذن، لماذا تهتم؟"
—
رأيته يتجمد للحظة.
ثم، فجأة، أطلق ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن ضحكة حقيقية.
—
"أوه، أميرتي…"
رفع يده ببطء، لمس طرف ذقني بإصبعه، رفعه قليلًا ليجبرني على النظر في عينيه مباشرة.
—
"تعرفين لماذا أهتم."
—
حدقتُ به للحظة طويلة، ثم همستُ بهدوء:
"إذن، تصرف كأنك لا تهتم."
—
شعرتُ بأصابعه تشدّ قليلاً، لكن ليس بقوة… بل وكأنه كان يحاول التحكم في نفسه.
—
ثم، فجأة، ابتعد.
—
وقف، أدار وجهه بعيدًا، وكأن هناك حربًا صغيرة كانت تدور داخله.
—
مرر يده في شعره مجددًا، ثم قال بصوت منخفض:
"أخبريني بكل شيء، الآن."
—
رأيتُ أنه لم يكن مستعدًا لسماع أكاذيب أو أعذار، لذا فقط زفرتُ بهدوء، وبدأتُ بالتحدث.
—
أخبرته عن زين، عن التجارب، عن الترددات الطاقية التي وجدها، عن ارتباط رافاييل بي… وعن محاولته لفصل وعيه عني.
—
لم أذكر شيئًا عن الصداع، أو الضعف، أو الدوار الذي كنتُ أشعر به منذ التجربة.
—
عندما انتهيتُ، لم يكن سايلوس قد تحرك من مكانه، لكنه كان هادئًا بشكل غير طبيعي.
—
ثم، بعد لحظة طويلة، قال ببطء:
"إذن… لقد كاد يمزق وعيكِ إلى نصفين."
—
لم أرد، لكنه لم يكن بحاجة إلى إجابتي.
—
رأيتُ كيف شدّ قبضته بجانبه، كيف ظهر ذلك الوميض الخطر في عينيه.
—
ثم، فجأة…
—
ضحك.
—
لكنها لم تكن ضحكة مرحة.
بل كانت… ضحكة شخص يفكر في ارتكاب جريمة.
—
"حسنًا، حسنًا…" تمتم بصوت منخفض، وهو يهزّ رأسه قليلاً.
ثم التفت إليّ، نظراته كانت قاتمة، لكنها كانت تحمل شيئًا آخر…
قرارًا.
—
"هذا الطبيب… زين." قال ببطء.
"إن حاول شيئًا كهذا مجددًا، سأقتله."
—
لم أندهش، لم أشعر بأي شيء.
—
فقط أملتُ رأسي قليلًا، ثم قلتُ بصوت خافت:
"سأذهب إليه مجددًا غدًا."
—
توقفتُ، ثم أضفتُ، بلا تعبير:
"مع كايلب."
—
مرّت لحظة ثقيلة.
ثم…
تحطم كأس زجاجي على الأرض.
—
نظرتُ إلى الزجاج المحطم عند قدميّ، عاكسةً وجهي بلا تعبير.
تنهدتُ ببطء، ثم رفعتُ عيني نحو سايلوس، الذي كان لا يزال واقفًا في مكانه، يحدق بي بنظرة لم تكن غاضبة فقط… بل ممتلئة بشيء أكثر قتامة.
—
"أنتَ تبالغ." قلتُ بهدوء، لكن صوتي كان فارغًا، مثل كل شيء آخر داخلي.
—
رأيتُ كيف تقلص فكه قليلًا، كيف قبض يده مجددًا، ثم قال بصوت خافت لكنه مشحون:
"أنا أبالغ؟"
—
تقدّم نحوي خطوة، ثم خطوة أخرى، حتى أصبح قريبًا بما يكفي ليجعل الهواء من حولي ثقيلًا.
"كاد ذلك الطبيب يقتلكِ."
—
أملتُ رأسي قليلًا. "لم يقتلني."
—
"لكنه كاد يفعل."
—
لم أرد.
—
"وأنتِ، كما هي عادتكِ، لا تهتمين."
—
"أنا كنتُ أعرف العواقب." قلتُ ببساطة.
—
رأيته يضحك ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن مرحة.
—
"أوه، بالطبع." قال بصوت متهكم، وهو يمرر يده في شعره بحدة.
"لأنكِ دائمًا تعرفين كل شيء، أليس كذلك، أميرتي؟"
—
"ليس كل شيء." تمتمتُ، ثم نظرتُ إليه مباشرة.
"لكني أعرف شيئًا واحدًا… وهو أنني بحاجة إلى هذه التجربة."
—
مرّت لحظة صمت مشحونة.
ثم…
انفجر أخيرًا.
—
"وتحتاجين إلى كايلب ليكون بجانبكِ أيضًا، صحيح؟"
—
رأيتُ كيف شدّ فكه، كيف كان يحاول السيطرة على نفسه، لكنني كنتُ أعرفه جيدًا…
سايلوس لم يكن جيدًا في إخفاء غضبه.
—
"لا علاقة لكايلب بهذا." قلتُ بهدوء، لكنني كنتُ أعرف أن كلماتي لن تهدئه.
—
"أوه، لا علاقة له؟" قال سايلوس، وهو يضحك ضحكة قصيرة أخرى.
ثم اقترب أكثر، عينيه الحمراوان تحترقان بشيء أكثر من مجرد غضب.
"إذن، لماذا تختاريه هو دائمًا عندما تحتاجين إلى شيء؟"
—
لم أجب.
—
"لماذا أنتِ بخير بتركه يعتني بكِ، لكن عندما يكون الأمر معي، تتصرفين وكأن وجودي لا يهم؟"
—
كان هناك شيء في صوته.
شيء لم أسمعه منذ مدة طويلة.
—
لكنني لم أمتلك القدرة على التعامل مع هذا الآن.
—
"لأن الأمر ليس بهذه البساطة." قلتُ بهدوء.
—
رأيته يدرسني للحظة، ثم زفر ببطء، وكأن شيئًا داخله قد بدأ يهدأ… لكنه لم يختفِ بالكامل.
—
ثم، فجأة، رفع يده ولمس وجهي بخفة، كأن لمسته كانت اختبارًا أكثر من كونها عاطفة حقيقية.
—
"أنتِ ضعيفة الآن." قال بصوت أكثر نعومة، لكن نبرته لم تكن أقل خطورة.
"وأنا لن أسمح لكِ بالذهاب معه مجددًا."
—
رفعتُ حاجبي قليلًا. "لن تسمح؟"
—
"سأذهب معكِ أنا."
—
شعرتُ كيف أن كلماته لم تكن مجرد اقتراح.
بل كانت قرارًا نهائيًا.
—
"ولن أترككِ وحدكِ بعد الآن." تابع، وعيناه لا تزالان مثبتتين على وجهي.
—
رغم أنني لم أكن أملك مشاعري الآن…
إلا أن شيئًا داخلي تحرك.
—
لم أقل شيئًا عندما رفعني فجأة بين ذراعيه، كما لو أنني لم أكن أثقل من مجرد ريشة.
—
مشيتُ معه بلا مقاومة، رأيتُ كيف ألقى نظرة نحو الخادمة الواقفة عند الباب، ثم قال بلهجة هادئة لكنها تحمل أمرًا لا يقبل الرفض:
"أحضري دلوًا كبيرًا من الماء، حالًا."
—
الخادمة لم تجادل، فقط انحنت واختفت بسرعة.
—
أما أنا؟
فقط أغلقتُ عيني للحظة، بينما كنتُ أشعر بجسدي يستسلم للتعب أكثر فأكثر.
—
الماء… والطاقة التي تعود
بعد لحظات، عادت الخادمة ومعها دلو مملوء بالماء النقي.
—
سايلوس جلس بجانبي على الفراش، ثم رفع قدميّ ببطء، وغمرهما في الماء.
—
في اللحظة التي لامست فيها الماء، شعرتُ…
بشيء مختلف.
—
كأن شيئًا ما عاد إلى مكانه الصحيح.
—
شعرتُ بالطاقة تعود إليّ تدريجيًا، شعرتُ بالدوار يتلاشى ببطء، شعرتُ…
بأنني قادرة على التنفس مجددًا.
—
مرّت لحظة من الصمت، ثم نظرتُ إلى سايلوس، الذي كان يراقب وجهي بصمت، يبحث عن أي إشارة للتحسن.
—
أملتُ رأسي قليلًا، ثم قلتُ بصوت منخفض:
"شكرًا لك."
—
كان شكري مصطنعًا قليلًا، لكنني كنتُ أعرف أنه لن يهتم بذلك.
—
وفعلًا، رأيتُ كيف ابتسم بخفة، ثم قال بنبرة هادئة لكنها تحمل تلك السخرية المعتادة:
"واو، شرف عظيم لي أن أسمع منكِ 'شكرًا'."
—
لم أعلق، فقط نظرتُ إليه بلا تعبير.
—
لكن قلبي…
قلبي نبض للحظة.
—
ليس بسبب الكلمات.
بل بسبب طريقة نظره إليّ.
—
وكأنني ما زلتُ أنا…
حتى عندما لم أكن كذلك.
عندما تأكد من أنني استعدتُ طاقتي، أبعد الدلو، ثم ساعدني على الغوص تحت الأغطية.
—
لم يتركني فورًا، بل فقط جلس بجانبي للحظة، ثم انحنى للأمام…
وقبّل جبهتي.
—
ثم…
أنفي.
—
"أميرتي المتعبة." همس، وصوته كان أخف مما توقعت.
—
لم أتحرك.
لم أعلق.
—
لكنني شعرتُ بذلك النبض مرة أخرى.
—
ثم، بهدوء، وقف، نظر إليّ للمرة الأخيرة، ثم استدار وغادر الغرفة، تاركًا إياي وحدي٫ حتى ارتاح…
لأستغرق بالنوم فورا......