طرقات خفيفة على الباب.

فتحتُ عينيّ ببطء، نظري لا يزال ضبابيًا بسبب النوم. استغرقتُ بضع لحظات لأدرك أين كنتُ، أنني في القلعة، في غرفتي… بين جدران لم تعد غريبة عليّ.

لكن شيئًا ما بدا مختلفًا.

لم يكن هناك أحلام، لم يكن هناك كوابيس، لم يكن هناك أي شيء.

فقط… فراغ.

"آنستي، سيدي ينتظركِ على مائدة الفطور."

جاء صوت الخادمة من خلف الباب، هادئًا، مهذبًا.

نهضتُ من السرير، مشيتُ نحو الباب، وعندما فتحته، وجدتُها تقف هناك، وعلى ذراعيها قطعة قماش بيضاء منسدلة بلطف.

فستان.

"لقد اختاره لكِ السيد بنفسه." قالت مبتسمه وهي تمدّه لي.

أخذته منها، أومأتُ ببطء، ثم استدرتُ نحو الحمام.

عندما انسكب الماء فوق جسدي، شعرتُ به يتخلل جلدي، يتغلغل في داخلي كما لو كان جزءًا مني.

وبطريقة ما… كان كذلك.

لا زلتُ لم أعتد على هذه القوة الجديدة.

رفعتُ يدي ببطء، وحركتُها في اتجاهات مختلفة.

الماء… تبعني.

كأنه كان يفهمني، كأنه لم يعد مجرد عنصر خارجي، بل شيء ينبض داخلي، شيء يمكنني السيطرة عليه.

راقبتُ كيف كان يتحرك بانسيابية حولي، كيف كان يدور حول أصابعي برقة، كيف كان يتناغم معي كما لو كنا واحدًا.

لكن، رغم ذلك… لم أشعر بأي شيء.

لا دهشة، لا فخر، لا خوف.

بعد دقائق، خرجتُ من الحمام، ارتديتُ الفستان، ثم تبعتُ الخادمة التي قادتني إلى قاعة الطعام.

عندما دخلتُ، أول ما رأيته كان سايلوس.

يجلس على مقدمة الطاولة الطويلة، مرتديًا بدلة بيضاء فخمة، لونها يتباين مع لون شعره الفضي، ويبرز تناسق جسده الطويل بشكل مثالي.

عيناه الحمراوان التفتتا نحوي فور دخولي، تراقبانني بصمت، ثم…

ابتسم.

عندما اقتربتُ، نهض من مقعده، وبحركة سلسة، سحب لي الكرسي كما لو أنه كان أمرًا بديهيًا.

تصرف كرجل نبيل تمامًا.

لم أقل شيئًا، فقط جلستُ، ثم رفعتُ نظري إليه، ورغم أنني لم أشعر بشيء…

ابتسمتُ له مجاملة.

لكن بداخلي، كان كل شيء لا يزال كما هو.

لا خجل، لا رومانسية، لا حزن…

فقط فراغ.

كان الجو مريحًا.

لم يكن هناك صمت ثقيل، ولم تكن هناك حاجة لملء الفراغ بالحديث المستمر.

فقط هدوء مريح.

كنا نجلس أمام بعضنا البعض على طاولة الطعام الطويلة، الطعام أمامنا، والمحادثات الصغيرة تتسلل بيننا بين الحين والآخر.

لم يكن سايلوس يفوّت فرصة لإلقاء تعليق ساخر هنا وهناك، بينما كنتُ أجيبه بلا مبالاة، أو أحيانًا أردّ عليه بنفس أسلوبه.

وبطريقة ما… شعرتُ أن هذا كان طبيعيًا.

أن نحن بهذه الطريقة… طبيعي.

بعد الإفطار، خرجنا من القلعة.

المركبة الفاخرة كانت تنتظرنا، وسرعان ما وجدنا أنفسنا في قلب المدينة، بين المباني الزجاجية العملاقة، واللافتات المضيئة التي تحمل أسماء المتاجر الفاخرة.

كل شيء كان متطورًا، غارقًا في الأناقة المبالغ بها، وكأن هذه المدينة صنعت فقط لإبهار كل من يدخلها.

لكن سايلوس؟

كان يسير في وسطها كما لو أنها لم تكن تعني له شيئًا.

دخلنا أول متجر، ثم الثاني، ثم الثالث…

ولم يكن سايلوس يتردد في شراء كل شيء يقع عليه نظري.

فساتين، أحذية، حقائب، مجوهرات، مكياج، إكسسوارات… كل شيء.

كل لون، كل خامة، كل تصميم.

لم يكن يسألني حتى إن كنتُ أريده، كان يراه في يدي أو حتى مجرد نظرة مني نحوه، ثم ببساطة يشتريه.

عندما كنا في أحد المتاجر، وبينما كنتُ أقلب فستانًا ناعمًا بين يديّ، سألني فجأة:

"هل أصبحتِ تفضلين الفساتين على البناطيل الآن؟"

توقفتُ للحظة، ثم فكرتُ في الأمر.

"ربما… العالم المزيف أثّر على ذوقي." قلتُ ببطء.

رأيتُ كيف تأملني للحظة، ثم ابتسم ابتسامته المعتادة.

"حسنًا، يعجبني هذا التغيير."

لم أردّ عليه، لكنني أدركتُ أنني كنتُ أمسك بالفستان بطريقة مختلفة بعد كلماته.

عندما انتهينا من التسوق، كان خلفنا ثلاثة من الحراس الشخصيين، كل منهم يحمل كمية سخيفة من الأكياس الفاخرة.

كان المشهد مبالغًا فيه، حتى بالنسبة لي.

"أليس هذا كثيرًا؟" تمتمتُ، وأنا أنظر إلى الكمية التي تكاد تملأ الممر.

"لا." قال سايلوس ببساطة، وكأنه لم يكن يرى أي مشكلة في الأمر.

ثم، بحركة سريعة، أشار للحراس الثلاثة، وأمرهم:

"خذوها إلى القلعة، ضعوها في غرفة تونه."

شاهدتهم يرحلون، ثم قبل أن أسأل إلى أين سنذهب الآن، استدار إليّ وقال بابتسامة هادئة:

"حان وقت القهوة."

لم يكن مجرد كافيه عادي.

المكان كان فاخرًا، مصنوعًا من الزجاج الأسود والأضواء الخافتة، الموسيقى تعزف بهدوء في الخلفية، بينما كان النُدّل يتحركون برقيّ، وكأنهم مدربون على جعل كل خطوة محسوبة.

جلسنا بجانب النافذة، المدينة تمتد أمامنا، الأضواء تنعكس على الطاولات، بينما الهواء كان محمّلًا برائحة القهوة الفاخرة.

شعرتُ بعيونه عليّ قبل أن ألتفت نحوه.

كان يتأملني بصمت، كأنه كان يرى شيئًا لا أراه في نفسي.

"هل هذا يعيد إليكِ شيئًا؟" سأل، وهو يرفع فنجانه إلى شفتيه.

"ماذا تعني؟"

أمال رأسه قليلًا، ثم ابتسم نصف ابتسامة.

"أن نكون هكذا." قال ببساطة.

شعرتُ أن هناك شيئًا في كلماته، شيئًا بين السطور.

لكنني لم أكن متأكدة مما إذا كنتُ أريد تحليله الآن.

لم ارد عليه.. فقط… ارتشفتُ قهوتي بهدوء.

وللحظة، شعرتُ أنني قد أكون على وشك استعادة شيء ما.

اللحظة كانت مثالية.

الهواء كان مشبعًا برائحة القهوة الفاخرة، والضوء الخافت كان يضفي على المكان هالة من الدفء، بينما كانت الموسيقى الناعمة تملأ الفراغ بيني وبين سايلوس.

لم يكن هناك صمت غريب، بل هدوء مريح.

كل شيء كان بسيطًا… حتى لم يعد كذلك.

لأن في اللحظة التالية، وبينما كنتُ على وشك أن أضع فنجاني على الطاولة، جلس شخص أمامنا.

دون مقدمة، دون دعوة، دون حتى أن يطلب الإذن.

فقط… سحب الكرسي، وجلس.

رفعتُ رأسي ببطء، ونظرتُ إلى القادم الجديد…

كان كايلب.

بدلته الرسمية كانت كما هي، ملامحه الجادة لم تتغير، وعيناه الزرقاوان كانتا أكثر برودًا من المعتاد.

جلس أمامنا كما لو كان هذا أمرًا طبيعيًا تمامًا، وكأنه لم يكن هناك شيء غريب في جلوسه أمام شخص دمّر مقر منظمته قبل يومين فقط.

لكن، إن كان وجوده غير متوقع، فإن ردة فعل سايلوس لم تكن كذلك.

رأيته يضع فنجانه ببطء، ثم يستند إلى ظهر الكرسي، مائلًا رأسه قليلًا وهو يراقب كايلب بنظرة غير مبالية.

ثم، بصوته الهادئ، الذي يحمل دائمًا ذلك المزيج من السخرية والتهديد الخفي، قال:

"هل اشتقتَ لي لهذه الدرجة؟"

كايلب لم يبتسم.

لكنني رأيت كيف اشتد فكه للحظة، قبل أن يضع يده على الطاولة، ويقول بنفس البرود:

"أنت تعرف لماذا أنا هنا."

تبادلا النظرات للحظة، تلك النظرة التي لم تكن مجرد عداء، بل شيء أعمق من ذلك.

شيء لم أكن متأكدة إن كنتُ أريد تحليله الآن.

ثم، قبل أن يتحدث أي منهما مجددًا، قطعتُ الصمت قائلة:

"لم أتوقع أن أراك هنا، كايلب."

التفت إليّ، وعندما نظرتُ إلى عينيه، رأيت شيئًا مختلفًا.

ليس غضبًا، وليس استياءً… بل خيبة أمل مخفية.

"لم أكن أنوي المجيء." قال أخيرًا، نبرته أكثر هدوءًا مما توقعت. "لكن كان عليّ أن أتأكد من شيء واحد."

سايلوس رفع حاجبه، وكأنه كان يستمتع بطريقة غير معلنة.

"وماذا سيكون هذا الشيء؟"

كايلب لم يُبعد عينيه عني، ثم قال بصوت منخفض:

"أردتُ أن أعرف… إن كنتِ لا تزالين تونه التي أعرفها."

حدّقتُ في كايلب للحظة، قبل أن أقول بهدوء، دون تردد:

"عليك أن تتقبل شخصيتي الجديدة، تمامًا كما فعل سايلوس."

رأيته يشدّ قبضته فوق الطاولة للحظة، كما لو أن كلماتي كانت أكثر مما يريد سماعه.

لكنني لم أتوقف.

"كان يجب أن أخطو هذه الخطوة." تابعتُ، نبرتي لا تحمل أي تردد أو مشاعر. "كان هذا ضروريًا لتجنب الحرب. كان هذا الحل الوحيد."

كايلب زفر ببطء، ثم أمال رأسه قليلًا، وكأنه كان يحاول فهم شيء لا يستطيع استيعابه بالكامل.

"الحل الوحيد؟" قال أخيرًا، عيناه الزرقاوان تلمعان تحت أضواء الكافيه. "هل هذه طريقتكِ في تبرير ما فعلتهِ لنفسكِ؟"

قبل أن أرد، كان سايلوس هو من تحدث، بصوته الهادئ الممتلئ بالسخرية:

"أوه، كايلب، أليس من المزعج أنك دائمًا تعتقد أن لديك رأيًا فيما يجب أن تفعله تونه؟"

التفتَ كايلب نحوه ببطء، نظرة باردة على وجهه. "وهل أتركها بين يديك؟ بين يدي شخص لم يفعل شيئًا سوى سحبها إلى الظلام؟"

سايلوس ابتسم ابتسامة بطيئة جدًا، ثم قال بصوت منخفض:

"ومن قال إنها لا تنتمي إلى الظلام؟"

رأيتُ كيف توتر فكّ كايلب، كيف كانت يده تتحرك كما لو أنه كان يحاول ضبط نفسه عن شيء معين.

لكنني لم أكن مهتمة بما يجري بينهما.

ما كنتُ مهتمة به…

هو أنني لم أشعر بأي شيء أثناء هذا الجدال.

لا غضب، لا استياء، لا انزعاج.

فقط… فراغ.

"كفاكما." قلتُ ببرود، أوقفتُ الجدال قبل أن يتحول إلى شيء أكثر سوءًا.

التفتا إليّ، أحدهما بسخرية، والآخر بغضب مكبوت.

لكنني لم أمنح أيًا منهما الاهتمام.

بدلًا من ذلك، نظرتُ إلى كايلب مباشرة، وقلتُ بهدوء:

"هذا هو ما أنا عليه الآن، كايلب. لا يمكنك تغيير ذلك، ولا يمكنك إعادتي إلى ما كنتُ عليه. لذا، إما أن تتقبلني كما أنا، أو…" توقفتُ للحظة، ثم أكملت: "أبتعد ....الخيار لك."

رأيته يتجمد للحظة، وكأن كلماتي ضربته في مكان لا يستطيع لمسه.

لكنه لم يقل شيئًا.

على الأقل، ليس على الفور.

لأول مرة منذ بدأتُ هذا الحديث، أزاح كايلب نظره عني، وأخذ نفسًا عميقًا، كما لو أنه كان يعيد ترتيب أفكاره.

عندما تحدث مجددًا، كانت نبرته أقل حدة.

"لقد كنا فريقًا دائمًا، تونه." قال بهدوء. "لطالما كنتُ بجانبكِ، دائمًا كنتُ أحميكِ."

توقفتُ عند كلماته.

أدركتُ أنني لا زلتُ أذكر كل شيء.

المهمات التي قمنا بها معًا، اللحظات التي كان فيها دائمًا بجانبي، الطريق الذي كنا نسير فيه جنبًا إلى جنب، ليس كأعداء… بل كحلفاء.

كإخوة.

"تتذكرين ذلك، أليس كذلك؟"

عندما رفعتُ عينيّ إليه مجددًا، رأيتُ كيف كان ينظر إليّ، كيف كان يبحث عن أثر تونه التي يعرفها داخلي.

تذكرتُ كل شيء.

كيف كان يمسك بيدي عندما كنتُ أتردد، كيف كان يحمي ظهري عندما نقاتل، كيف كان الشخص الوحيد الذي استطعتُ الاعتماد عليه…

كيف كان أخي.

لكن، رغم أنني تذكرتُ، إلا أنني لم أشعر.

وهذا وحده كان كافيًا ليجعلني أدرك…

أن الأمور لن تعود كما كانت.

"أنا أتذكر، كايلب." قلتُ أخيرًا، لكن كلماتي لم تكن دافئة.

بل كانت مجرد حقيقة.

كايلب لم يقل شيئًا.

لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك.

لأنني رأيتُ كيف انطفأ شيء ما في عينيه.

"كايلب…"

ناديتُ اسمه بهدوء، بينما كان لا يزال يحدق بي، يبحث عن شيء في عينيّ لا يستطيع إيجاده.

"أنا أتذكر كل شيء."

رأيتُ كيف تغير تعبيره للحظة، كيف اشتدت أصابعه على حافة الطاولة.

لكنني لم أمنحه الفرصة للحديث، تابعتُ بصوت ثابت، بلا تردد:

"كل ذكريات طفولتنا… كل التدريبات القاسية التي خضناها معًا، كل مرة كنتُ فيها على وشك السقوط وكنتَ تمسك بيدي، كل لحظة سعيدة، كل لحظة حزينة…" توقفتُ لثانية، ثم قلتُ ببطء: "أنا أتذكرها جميعًا."

مرت لحظة صمت طويلة.

رأيته يتنفس ببطء، كأنه كان ينتظرني لأكمل، ليعرف ما الذي سيأتي بعد ذلك.

لذلك، لم أتأخر في إعطائه الإجابة.

"لكنني لا أشعر بأي شيء." قلتُ ببساطة، دون انفعال. "ولا يهمني أي شيء من ذلك الآن."

شعرتُ بالطريقة التي تغير بها الجو حولنا.

شعرتُ بالبرودة التي تسللت إلى ملامحه، بالخيبة التي لم يحاول حتى إخفاءها.

لكن… لم يكن هناك شيء يمكنني فعله.

لأن هذه كانت الحقيقة.

"لا يهمكِ أي شيء؟" قال أخيرًا، صوته هادئ لكنه مشحون بشيء لم أستطع لمسه.

"نعم."

"ولا حتى أنا؟"

لم أجب فورًا.

ليس لأنني كنتُ أبحث عن إجابة… بل لأنني كنتُ أعرفها بالفعل.

"لا."

عندما نطقتُ بها، شعرتُ وكأنني ألقيتُ حجرًا في مياه راكدة.

رأيتُ كيف انطفأ شيء ما في عينيه، كيف تلاشت بقايا الأمل الذي كان يحمله منذ اللحظة التي جلس فيها أمامي.

لكن رغم ذلك، لم يتحرك.

بل فقط… ضحك.

ضحكة قصيرة، فارغة، لا تحمل أي مرح حقيقي.

ثم قال بنبرة مريرة: "حسنًا، على الأقل أنتِ صريحة."

راقبته للحظة، ثم وضعتُ يدي فوق الطاولة، وأخفضتُ صوتي قليلًا.

"لكن…"

رأيتُ كيف رفع نظره فورًا، وكأن تلك الكلمة وحدها كانت كافية لجعله يتمسك بشيء لم يكن هناك.

"أنا لا أحب هذا."

كايلب لم يقل شيئًا، لكنه كان ينتظرني لأكمل.

لم أكن بحاجة للنظر إلى سايلوس لأعرف أنه كان أيضًا مهتمًا بما سأقوله الآن.

"أنا لا أحب هذه الشخصية، كايلب." اعترفتُ أخيرًا. "أنا… أكره الشعور بالفراغ، أكره أنني لا أستطيع أن أشعر بأي شيء، أكره أن كل شيء يبدو بلا معنى."

مررتُ أصابعي بين خصلات شعري، وكأنني كنتُ أحاول تثبيت أفكاري التي لم تعد لي.

ثم، بصوت أكثر هدوءًا، قلتُ:

"أريد أن أستعيد مشاعري."

عندما رفعتُ عينيّ إليه مجددًا، رأيتُ كيف تغير تعبيره.

رأيتُ كيف تحولت الخيبة في عينيه إلى شيء آخر.

شيء أقرب إلى الأمل.

شيء أقرب إلى… كايلب الذي كنتُ أعرفه.

"إذن…" قال أخيرًا، ببطء. "أنتِ لم تضعي حاجزًا بيننا لأنكِ لم تعودي تهتمين…"

أمال رأسه قليلًا، عيناه مثبتتان عليّ.

"بل لأنكِ لم تعودي قادرة على ذلك."

لم أعلق، لكنني لم أشيح بنظري عنه أيضًا.

وبطريقة ما، كان هذا وحده كافيًا ليجعله يفهم.

"سنعيدها لكِ." قال فجأة، بصوت ثابت. "مهما تطلب الأمر، سنعيد مشاعركِ إليكِ."

ثم، ولأول مرة منذ أن جلس أمامي، رأيته يبتسم.

ابتسامة خفيفة جدًا، لكنها كانت حقيقية.

ورغم أنني لم أستطع أن أشعر بها كما كنتُ سأفعل في الماضي…

إلا أنني كنتُ أعرف أنها كانت تعني شيئًا.

وربما، في يوم ما… سأكون قادرة على الشعور بذلك مجددًا.

ساد الصمت للحظات.

كان كايلب يحدّق بي، متمسكًا ببقايا الأمل التي منحته إيّاها كلماتي الأخيرة، وكأنه يبحث في عينيّ عن شيء قد يمنحه الراحة.

أما أنا؟

فقط راقبته بهدوء، دون أن أقول شيئًا آخر.

لكن ما لم أنسَهُ للحظة، هو أننا لسنا وحدنا هنا.

"حسنًا، حسنًا…"

جاء الصوت المتوقع أخيرًا، منخفضًا، لكنه يحمل نغمة ساخرة مألوفة.

التفتُ نحو سايلوس، الذي كان يجلس بارتخاء، كما لو أن كل ما دار بيني وبين كايلب لم يكن أكثر من عرض مسرحي مسلٍّ بالنسبة له.

رأيته يحرك أصابعه ببطء على سطح الطاولة، ينظر إليّ للحظة، ثم يرمي كايلب بنظرة جانبية، قبل أن يقول بنبرة تحمل خفة مستفزة:

"إذن… أنتما الآن فريق؟"

كايلب لم يرد، لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، لأن سايلوس لم يكن ينتظر إجابة أصلًا.

بدلًا من ذلك، أدار وجهه نحوي، عيناه الحمراوان تلمعان بحدة تحت الإضاءة الخافتة، ابتسامته لا تزال هناك، لكنها تحمل شيئًا مختلفًا هذه المرة.

"أميرتي، أنتِ تريدين استعادة مشاعركِ؟" سأل، نبرته كانت هادئة، لكن طريقته في قولها لم تكن بريئة أبدًا.

أومأتُ ببساطة.

"نعم."

"وما الذي يضمن أنكِ لن تكرهي ما ستشعرين به عندما تعود مشاعركِ؟"

لم أتوقع هذا السؤال.

شعرتُ بعضلات وجهي تتجمد للحظة، لم يكن بسبب كلماته بحد ذاتها، بل بسبب الطريقة التي نظر بها إليّ عندما قالها.

لم يكن يمزح، لم يكن يستفزني، كان… جادًا.

"سايلوس." قال كايلب بحدّة، كأنه لم يعجبه اتجاه الحديث.

لكن سايلوس لم يحرك نظره عني، لم يهتم لاعتراض كايلب أو حتى يعترف بوجوده.

كان ينتظر إجابتي، وكان واضحًا أنه لن يرضى بصمتٍ كإجابة.

فكرتُ للحظة، ثم قلتُ ببطء، دون أن أشيح ببصري عنه:

"لا شيء يضمن ذلك."

رأيتُ كيف تقلّصت ابتسامته قليلًا، كيف تغير تعبيره للحظة… لكنه لم يبدُ مستغربًا.

بل فقط أطلق زفرة قصيرة جدًا، كأنه كان يتوقع جوابي.

ثم، في اللحظة التالية، عادت ابتسامته بالكامل، لكن هذه المرة كانت أكثر هدوءًا… وأكثر غموضًا.

انحنى نحوي قليلًا، وعيناه لم تفارقا وجهي وهو يقول بنبرة منخفضة، لكنها واضحة:

"إذن، أخبريني يا أميرتي…"

أمال رأسه قليلاً، نظرته لم تكن ساخرة هذه المرة، بل كانت حقيقية بشكل خطير.

"هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تريدين البقاء هكذا؟"

كايلب كان على وشك الاعتراض، لكنني كنتُ أسرع منه.

"نعم." قلتُ بحزم.

سايلوس لم يغيّر تعبيره، لم يتحرك حتى، لكنه استمر في النظر إليّ لعدة ثوانٍ، وكأنه كان يختبر مدى صدقي.

ثم، فجأة، ابتسم ابتسامة صغيرة جدًا، وقال بصوت أكثر نعومة مما توقعتُه منه:

"حسنًا، إذن… لنرَ كيف يمكننا إعادة مشاعر أميرتي إليها."

كان هناك شيء في كلماته…

شيء جعل قلبي، حتى في حالته الفارغة، ينبض بطريقة مختلفة.

ورغم أنني لم أفهم ذلك بعد…

إلا أنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا.

طالما كان سايلوس بجانبي… لن يكون هذا سهلاً.

لكن، بطريقة ما…

كنتُ ممتنة لذلك.

لكن الأمور لم تنتهِ هنا.

لأن، كما هو متوقع، سايلوس لم يكن مستعدًا للتوقف.

"أوه، كايلب، كايلب…" تمتم سايلوس، وهو يتكئ للخلف في مقعده، بينما كانت ابتسامته تحمل مزيجًا من التسلية والحدة. "أنتَ تتحدث كما لو أن استعادة مشاعرها ستكون الحل السحري لكل شيء."

كايلب زفر ببطء، ملامحه مشدودة لكنه لم ينفجر بعد.

"لأنها كذلك." قال بثقة. "تونه لن تكون مكتملة بدون مشاعرها."

"وهل أنت متأكد من ذلك؟"

كان سؤالًا بسيطًا، لكنه أصاب نقطة حساسة.

رأيتُ كيف تصلّب كايلب للحظة، كيف توتر فكّه وهو يحدق في سايلوس، وكأنه أدرك تمامًا إلى أين يريد أن يصل بهذه المناقشة.

لكن هذا لم يمنعه من الرد.

"أنا واثق."

"واثق؟" كرر سايلوس، مائلًا رأسه قليلاً، وكأن الفكرة تبدو مسلية بالنسبة له. "إذن، دعني أسألك شيئًا، أيها الفارس النبيل…"

وقف سايلوس فجأة، وضع كلتا يديه على الطاولة، وانحنى قليلًا نحو كايلب، عينيه الحمراوان تتوهجان بحدة.

"ماذا سيحدث عندما تستعيد مشاعرها وتغرق في الألم؟"

كايلب لم يرمش حتى.

لكنني شعرتُ بالتوتر الذي خيم على الأجواء.

"ذكرياتها ليست مجرد لحظات سعيدة." تابع سايلوس، نبرته أصبحت أكثر جدية. "إنها تحمل كل شيء… والدها الذي تخلّى عنها، التجارب التي جعلوها تمر بها قبل ذلك، العائلة المزيفة التي كانت تحبها لكنها لم تكن حقيقية… كل معاناتها، كل شيء حاولت نسيانه."

رفع حاجبه قليلًا، ابتسامة بطيئة تشكّلت على شفتيه، لكنها لم تكن سعيدة حقًا.

"هل تعتقد أنها ستنجو من ذلك؟ هل تعتقد أنها ستخرج كما لو أن شيئًا لم يحدث؟"

هذه المرة، كايلب لم يرد فورًا.

لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك، لأنني شعرتُ بالإجابة في صمته.

"أتعلم؟" قال سايلوس، متراجعًا ببطء، لكنه لم يبتعد تمامًا. "أنت تتصرف وكأنك تعرف ما هو الأفضل لها. لكنك لم تفكر للحظة واحدة…"

التفت نحوي فجأة، عينيه مثبتتان عليّ، وكأن كل شيء قيل حتى الآن لم يكن مهمًا مقارنة بما سيأتي بعده.

"مالذي تريده هي؟"

توقفتُ للحظة، ثم، بصوت هادئ لكنه يحمل كل يقيني، قلتُ:

"إذا استعدتُ مشاعري وغرقتُ في الألم… لن أندم."

لم أكن أتوقع هذا السؤال.

لم أكن أعرف كيف أجيب عليه.

لكنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا.

كنتُ أريد استعادة مشاعري، حتى لو كانت تعني الألم.

لأن العيش في الفراغ… لم يكن حياة حقيقية.

ساد الصمت المشحون بالتوتر.

كايلب كان ينظر إليّ بجدية، بينما كنتُ أشعر بثقل نظرات سايلوس وهو يراقبنا من الجانب، وكأنه يترقب اللحظة المناسبة للتدخل.

رغم أنني لم أعد أملك مشاعر واضحة، إلا أنني كنتُ أعلم أن هذا الموضوع حساس.

أعلم أن استعادة مشاعري ليست بالأمر البسيط.

لكن… هل أنا مستعدة لما سيأتي بعدها؟

"أنتِ واثقة من هذا؟"

صوت كايلب كسر الصمت، عينيه الزرقاوان كانتا تتفحصان وجهي، يبحث عن أي أثر للتردد.

"نعم." أجبتُ بلا تردد، رغم أنني لم أكن متأكدة تمامًا من السبب.

"حتى لو عاد الألم؟"

"حتى لو عاد الألم."

أطلق كايلب زفرة قصيرة، كما لو أنه لم يكن متفاجئًا بإجابتي لكنه لم يكن سعيدًا بها أيضًا.

أما سايلوس؟

كان يبتسم… لكن تلك الابتسامة لم تكن مطمئنة.

"حسنًا، حسنًا…" قال ببطء، وهو يميل بظهره إلى الوراء في مقعده. "إذن، قررتِ أنكِ تفضلين العيش بكل معاناتكِ بدلاً من الراحة اللطيفة التي لديكِ الآن؟"

"الراحة؟" كررتُ الكلمة، غير متأكدة مما إذا كان جادًا أم ساخرًا.

"أجل، الراحة." قال بابتسامة كسولة. "لا ألم، لا خوف، لا معاناة… فقط الهدوء المطلق. أليس ذلك أفضل من أن تغرقي في دوامة الألم من جديد؟"

لم أجب فورًا.

لأن جزءًا مني… كان يدرك أن لديه وجهة نظر.

"لكنها ليست الحياة التي أريدها." قلتُ بهدوء، وأنا أواجهه مباشرة.

"أوه، وهل أنتِ متأكدة مما تريدينه، أميرتي؟"

"أعلم أنني لا أريد أن أكون مجرد قوقعة فارغة."

رأيتُ كيف تغيرت تعابير سايلوس للحظة.

وكأن كلماتي لامسته في مكان لم يكن يتوقعه.

لكن ذلك لم يدم طويلًا، لأن ابتسامته المعتادة عادت على الفور.

"حسنًا، حسنًا، إذن قررتِ أنكِ ستخاطرين؟"

"إنها ليست مخاطرة، إنها استعادة لما هو لي."

"أتمنى أن تبقي على رأيكِ هذا عندما تستيقظين في ليلة ما، غارقة في ذكريات لا يمكنكِ تحملها."

قالها بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا أكثر ظلمة مما كنتُ مستعدة لمواجهته الآن.

"إن حدث ذلك، فسأواجهه."

عمّ الصمت لثوانٍ، قبل أن يطلق سايلوس ضحكة قصيرة، لم تكن ساخرة بالكامل، لكنها لم تكن خالية من التحدي أيضًا.

"كما تشائين، أميرتي."

أما كايلب؟

كان لا يزال يحدق بي، لكن هذه المرة، كان في عينيه شيء مختلف.

شيء يشبه… القبول.

لم أكن متأكدة متى اتخذتُ قراري.

ربما كان منذ اللحظة التي نظرتُ فيها إلى سايلوس، ورأيتُ في عينيه شيئًا لم يلاحظه أحد غيري.

الخوف.

رفعتُ يدي ببطء، أصابعي تلامس أصابعه، قبل أن أقبض على يده بإحكام.

كانت يده دافئة… ثابتة.

لكنني شعرتُ كيف تجمّد للحظة، كيف لم يكن مستعدًا لهذه الحركة.

رفعتُ نظري إليه، همستُ بصوت منخفض لكنه واضح:

"أنا أفعل هذا لأجلك."

رأيتُ كيف اشتدت أصابعه حول يدي فورًا، وكأنه كان بحاجة إلى شيء يتمسك به.

لكن رغم ذلك، لم يعلّق.

"إذا بقيتُ هكذا، بلا مشاعر، فما الذي سيبقى من علاقتنا؟" تابعتُ، نبرتي كانت هادئة، لكنها تحمل يقينًا لم أشعر به منذ وقت طويل. "إذا استمررتُ فارغة، فهذه العلاقة لن تعني شيئًا في النهاية، أليس كذلك؟"

رأيتُ كيف شدّ فكّه قليلًا، كيف توترت ملامحه للحظة، لكنه لم ينكر كلماتي.

لأن كلايْنا كنا نعرف الحقيقة.

"تونه…" نطق اسمي أخيرًا، لكن صوته كان مختلفًا هذه المرة.

كان منخفضًا، مليئًا بشيء لم أستطع تحديده تمامًا.

"أنتِ تعرفين أنني لا أهتم بذلك، أليس كذلك؟"

ابتسمتُ نصف ابتسامة.

"لكنني أهتم."

رأيته يشيح بنظره للحظة، كما لو أن كلماتي أصابته بشيء لم يكن مستعدًا لمواجهته.

لكنني لم أكن أنوي التراجع.

"أنا أعرف أنك خائف، سايلوس."

عاد بنظره إليّ فورًا، تلك النظرة الحادة، التي تحمل كل شيء يحاول إخفاءه.

لكنني لم أتراجع.

"أنت خائف مما قد يحدث لي إذا عادت مشاعري." همستُ. "أنت خائف من أنني قد أؤذي نفسي، من أنني قد لا أتحمل كل شيء دفعة واحدة."

مرّت لحظة طويلة من الصمت.

ثم، فجأة، شعرتُ بيده التي كانت تمسك بيدي تتشبث بي أكثر.

كان ذلك… إجابة كافية.

"لكنني لن أنكسر، سايلوس." قلتُ، وأنا أضغط على يده بخفة. "لستُ ضعيفة كما تعتقد."

رأيته يضحك بخفة، لكن تلك الضحكة لم تكن ساخرة كما اعتدتُ منها.

بل كانت أقرب إلى… شيء حقيقي.

"أعلم أنكِ لستِ ضعيفة، أميرتي." قال أخيرًا، بصوت خافت. "لكن هذا لا يعني أنني لا أخاف عليكِ."

في تلك اللحظة، شعرتُ أنني… رأيتُ سايلوس الحقيقي.

ليس الرجل الذي يسيطر على العالم السفلي، وليس الشخص الذي يخفي مشاعره تحت قناع من السخرية، بل الرجل الذي، رغم كل شيء… لم يكن مستعدًا لخسارتي.

لكن بينما كنتُ غارقة في لحظتي معه، شعرتُ بنظرات أخرى.

التفتُ ببطء، عيناي تلتقيان بعيني كايلب، الذي كان يراقبنا بصمت.

لم يقل شيئًا.

لم يتحرك حتى.

لكنني رأيتُ شيئا في عينيه... حزن ربما .. ألم . لا اعلم

لكني تجاهلته .....

--

"إذن، اتفقنا."

نطقتُ بالكلمات ببطء، وأنا أنظر إلى الرجلين أمامي، إلى الوجهين المختلفين تمامًا في كل شيء، لكنهما يشتركان الآن في سرّ واحد.

استعادة مشاعري… دون أن يعلم أحد.

"لا والدكِ." قال كايلب، صوته حازمًا.

"ولا رافاييل." أضفتُ، بنفس الجدية.

"ولا أيّ شخص آخر." أكمل سايلوس، بابتسامة صغيرة، لكنني كنتُ أعرف أنه لم يكن يبتسم لأنه سعيد… بل لأنه كان يرى كم أن هذه الفكرة جنونية.

لكنها كانت خيارنا الوحيد.

مرّت لحظة صمت، حيث تبادلنا النظرات، وكأننا كنا نؤكد لبعضنا أن هذا ليس مجرد كلام عابر.

ثم، أخيرًا، انفرجت شفتيّ عن سؤال لم أستطع تجاهله أكثر.

"بالمناسبة، كايلب…" قلتُ، وأنا أميل قليلاً نحوه. "ماذا حدث مع رافاييل؟"

رأيته يحدّق بي للحظة، وكأنه لم يكن يتوقع أن أسأل ذلك الآن.

لكن قبل أن يتمكن من الرد، تحرك سايلوس على الفور، مستلقيًا للخلف في مقعده براحة تامة.

"أوه، هذا سؤال جيد، أميرتي." قال بخفة، بينما عيناه تتألقان بشيء يشبه التسلية. "أنا أيضًا أود أن أعرف ماذا حدث لصديقنا الأزرق الدرامي."

كايلب لم يتحرك، لكنه رمق سايلوس بنظرة تحذيرية واضحة.

نظرة تقول: اصمت.

لكن بالطبع، سايلوس لم يكن من النوع الذي يلتزم الصمت.

"لا تقل لي أنه لا يزال على قيد الحياة؟" تابع، مائلًا رأسه ببطء، وكأنه كان يحاول قراءة تعابير كايلب.

"للأسف، نعم." تمتم كايلب، وهو يمرر يده على وجهه بإرهاق.

"أوه، هذا محبط." قال سايلوس بنبرة لا تدل على أي إحباط حقيقي. "كنتُ آمل أن تختفي تلك الهالة الزرقاء من حياتنا أخيرًا."

"اختفاؤه ليس بهذه السهولة، كما تعلم." قال كايلب بجفاف.

"أوه، أعلَم." ابتسم سايلوس، لكنه لم يكن سعيدًا حقًا. "لكن كان سيكون من اللطيف لو تخلصنا منه دون الحاجة لمزيد من الفوضى."

"هذا يقودني إلى موضوع آخر، بالمناسبة." قال كايلب فجأة، وهو يغير جلسته، نظرته أصبحت أكثر برودة.

ثم التفت نحو سايلوس، وحدّق به للحظة طويلة، قبل أن يقول ببطء:

"أنت مدين لي بتعويض عن الخسائر."

سايلوس لم يتحرك، لم يرمش حتى.

ثم، بعد ثانية، أمال رأسه قليلاً، وكأنه لم يفهم.

"عفوًا؟"

"المبنى الرئيسي للمنظمة." قال كايلب، وهو يشبك أصابعه ببطء أمامه. "الذي دمرته أثناء معركتك مع رافاييل؟"

"أوه، هذا." قال سايلوس ببساطة، وكأنه لم يكن موضوعًا مهمًا.

رأيتُ كيف توتر فكّ كايلب، وكيف أن تلك الأعصاب في رقبته بدت واضحة للحظة.

"نعم، هذا." قال ببرود.

"ماذا عنه؟"

كايلب زفر ببطء.

"عليك أن تدفع تعويضًا عن الأضرار التي تسببت بها."

ساد الصمت للحظة.

ثم، فجأة، ضحك سايلوس.

"آه، كايلب، كايلب… أنت تقتلني."

لكن كايلب لم يكن يمزح.

"أنا جاد."

سايلوس أطلق زفرة مسرحية، ثم نظر إليه بملل واضح.

"أوه، هيا، المبنى لا يزال قائمًا، أليس كذلك؟"

"نعم، لكنه بالكاد صامد."

"إذن، هذا جيد، لا يزال يعمل."

كايلب بدا وكأنه يحاول جاهدًا ألا يقفز عبر الطاولة لخنقه.

أما أنا؟

فقط وضعتُ يدي على جبهتي، وأخذتُ نفسًا عميقًا، محاولةً كبح الضحكة التي كانت تهدد بالهروب.

لأن، بصدق؟

هذا كان متوقعًا من سايلوس تمامًا.

"سايلوس، هذا ليس مضحكًا." قال كايلب، صوته كان حادًا هذه المرة. "المنظمة خسرت ملايين بسبب تلك الفوضى التي سببتها."

"أوه، أرجوك." قال سايلوس، ملوحًا بيده بلا مبالاة. "أنتم تمتلكون ميزانية ضخمة، لن تلاحظوا الفرق حتى."

كايلب حدّق به، ثم أطلق زفرة طويلة جدًا، وكأنه كان يحاول تهدئة نفسه حتى لا يفقد أعصابه.

"سأضيفها إلى قائمتك الطويلة من الديون." تمتم في النهاية.

"أوه، كايلب، لا تكن تافهًا." قال سايلوس وهو يبتسم بخبث. "تعلم أنني لا أدفع فواتير. انها ليست اول مره كما تعلم "

"سأجعلك تدفع هذه المرة."

"حظًا موفقًا."

كايلب زفر مجددًا، لكنه لم يعلق أكثر.

أما أنا؟

فقط نظرتُ إليهما، وأنا أفكر في شيء واحد…

هذا سيكون أصعب مما توقعت.

"لقد كان غاضبًا."

نظرتُ إلى كايلب عندما قالها، نبرته كانت محايدة، لكنني شعرتُ بشيء خفي تحتها… حذر؟ قلق؟ لا أعلم.

لكني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا.

رافاييل لا يغضب بسهولة.

"غاضبًا؟" كرر سايلوس، مستلقيًا في مقعده وكأنه لا يهتم، لكنني رأيتُ كيف ضاقت عيناه قليلاً.

"لا، لا، ليس مجرد غاضب." قال كايلب، وهو يمرر يده على وجهه، وكأنه لا يزال يشعر بتوتر ما حدث. "كان مستعدًا لإنهاء كل شيء."

شعرتُ بقلبي ينبض بسرعة غريبة، رغم أنني لم أشعر بالخوف.

"ماذا فعل؟" سألتُ بهدوء.

كايلب نظر إليّ للحظة، ثم قال ببطء:

"عندما احتجزه والدكِ… لم يكن سعيدًا بذلك، كما تتوقعين."

شعرتُ بشيء غريب في صدري عندما سمعتُ كلمة "والدكِ"، لكنني تجاهلته.

"لقد حاول أن يكمل ما بدأه." تابع كايلب، وهو ينظر إليّ مباشرة. "أراد أن يدمر المبنى بالكامل، أن يجعل الجميع يدفعون ثمن ما حدث لكِ."

"كم هذا لطيف منه." تمتم سايلوس بسخرية، لكنه لم يكن يبتسم هذه المرة.

"لكن…" قلتُ، وأنا أحاول فهم القصة بالكامل. "لماذا لم يفعل؟"

كايلب زفر، ثم أشار نحونا برأسه.

"لأنه رأى كيف هربتما."

تجمدتُ للحظة.

"رآنا؟"

"أجل." أومأ كايلب ببطء. "لقد بحث عنكما، وحين أدرك أنكِ لم تكوني في أي مكان داخل المبنى، خرج بسرعة ليرى ما يحدث…"

توقّف لثانية، ثم تابع:

"ورآكِ بين يدي سايلوس، بينما كان يقفز بكِ فوق أسطح المباني."

نظرتُ لا إراديًا نحو سايلوس، الذي لم يبدُ عليه أي اهتمام بالأمر، لكنه كان يضغط على أصابعه معًا، كما لو أنه كان يحاول تحليل المعلومات بهدوء.

"لماذا لم يلحق بنا؟" سأل أخيرًا، نبرته كانت هادئة، لكنها حادة.

"لأنه كان بعيدًا عن البحر لفترة طويلة." قال كايلب، صوته كان يحمل شيئًا يشبه التردد. "رافاييل أقوى عندما يكون قريبًا من الماء… لكن كلما ابتعد عنه، كلما ضعفت قوته."

شعرتُ بقشعريرة خفيفة تسري في ظهري، لكنني لم أعلّق.

"إذن، عاد إلى موطنه." قال سايلوس، وكأنه كان يتوقع ذلك.

"نعم."

ساد الصمت للحظة، ثم نظر كايلب إليّ بجدية، وقال بصوت هادئ:

"لكنه قال إنه سيعود."

شعرتُ بنبضة غريبة في رأسي، شيء يشبه الصوت البعيد، أو الذكرى المفقودة.

لكنني أبقيتُ ملامحي متماسكة.

"لماذا؟"

كايلب لم يشيح بنظره عني.

"لأنه يعتقد أن مكانكِ ليس هنا."

شعرتُ بأنفاسي تصبح أثقل قليلًا.

"إذن، أين يعتقد أنه مكاني؟"

كايلب مرر لسانه على أسنانه، كما لو أنه لم يكن يريد قول ذلك بصوت عالٍ.

لكنه قاله على أي حال.

"في الغرفة المقدسة."

شعرتُ بكل شيء حولي يصبح أبطأ.

"…ماذا؟"

"قال إنه سيأخذكِ." تابع كايلب، صوته أصبح أكثر جدية. "وأنه سيعيدكِ إلى الغرفة المقدسة، حيث تنتمين."

سايلوس أصدر صوتًا ساخرًا، لكنه لم يكن ساخرًا حقًا.

"آه، كم هو كريم."

كايلب لم يضحك.

وأنا لم أفعل أيضًا.

"وماذا قال أيضًا؟" سألتُ، صوتي خرج أكثر هدوءًا مما توقعت.

كايلب لم يرد فورًا، لكنه نظر إليّ مباشرة، وقال أخيرًا:

"قال إنه سيجعلكِ قديسة."

شعرتُ بشيء ثقيل في صدري.

لم تكن صدمة، لم يكن خوفًا…

كان شيئًا آخر.

شيء لم أفهمه بالكامل بعد.

"قديسة؟" كررتُ الكلمة، وكأنني كنتُ أحاول استيعابها.

"نعم." أومأ كايلب، ثم أضاف ببطء، وكأنه كان يريد أن يجعلني أدرك مدى خطورة هذا الأمر:

"قديسة… إلى الأبد."

لم أتحرك.

لم أتنفس حتى.

لكن سايلوس فعل.

ببطء، أمال رأسه إلى الجانب، ثم قال بصوت منخفض، لكنه مليء بشيء مظلم تمامًا:

"أريد أن أرى كيف سيحاول فعل ذلك عندما يكون جسده ممزقًا إلى ألف قطعة."

2025/03/19 · 6 مشاهدة · 4697 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025