[منظور اكيهيكو]
كنت أشعر بالعار والخزي ينهشان صدري.
كنت ساقطًا على الأرض، يدي ترتجفان، وأنفي ينزف دمًا حارًا يسيل إلى شفتي. الهواء ثقيل، ورئتاي تلتقطان النفس وكأنني أتنفس من خلال قشّة. أمامي، وقفت فتاة من المرحلة الإعدادية، قدميها ثابتتان على الأرض كأنها مغروسة فيها، تواجه بشجاعة لا أفهمها كتلة العضلات الملقب بـ"تشوجيتا".
أما أنا… فقد كنت مجرد متفرج جبان.
توراكو لم تنتظر لحظة. رفعت مضرب البيسبول المعدني الذي تعانقه بكلتا يديها، واندفعت نحوه بسرعة مفاجئة.
طَخ! ارتطمت الضربة الأولى بذراع تشوجيتا، صوت المعدن على العظم جعل قلبي يتقلص، لكنه لم يصرخ. لم يتراجع حتى. رفع يده الأخرى وصفعها ضربة جانبية جعلتها تتدحرج على الأرض كدمية، لكنها نهضت فورًا، أسنانها مكشّرة، وعينيها مشتعلة.
– "هيا يا جبان!" صاحت وهي تلوّح بالمضرب من جديد.
تشوجيتا ضحك ضحكة عميقة، وصوتها ارتطم بجدران الرواق:
– "فتاة بمضرب ضد رجل مثلي؟ هذا سيكون ممتعًا."
انقض عليها كالثور، لكنها تراجعت خطوة، ثم خطوة أخرى، ثم فجأة انحنت ووجّهت له ضربة قاطعة إلى ساقه. هذه المرة اهتزّ قليلًا، لكن جسده بدا وكأنه مكوّن من الحديد.
قبض على المضرب بيده، حاول انتزاعه منها، لكنها أدارت جسدها مع الزخم، ووجهت كعب حذائها إلى بطنه، قبل أن تستعيد قبضتها على المضرب وتوجه ضربة أفقية إلى كتفه.
الصدمة كانت هائلة. حتى من مكاني شعرت بارتجاج الأرض تحت أقدامي.
ومع ذلك… هو لم يسقط. بل ابتسم.
رفع ذراعه وضربها بالمرفق في صدرها، صوت الهواء وهي تتنفس بصعوبة بعد الضربة جعلني أرتجف. لكنها، وكأنها ترفض الاعتراف بالألم، عضّت شفتها ونفضت شعرها عن وجهها، ثم ركضت من جديد، هذه المرة نحو الجدار.
قفزت على الحائط، دفعت نفسها منه، وهوت بالمضرب نحو رأسه كصاعقة. تشوجيتا بالكاد رفع ذراعه لصد الضربة، لكن حتى مع ذلك، الصوت كان أشبه بانفجار.
كلانا، أنا وهو، شهقنا للحظة… لكن لأسباب مختلفة.
أنا من هول المشهد.
هو من الغضب.
تشوجيتا أمسك المضرب مرة أخرى، شدّه بقوة جعلت مفاصلي أصابعه البيضاء تبرز من قبضتها، ثم فجأة دفعها للخلف حتى ارتطمت بباب الفصل. الباب تحطم، لكنها زحفت للخروج، وهي لا تزال متمسكة بسلاحها المعدني كأنها لا تعرف معنى الاستسلام.
أنا، على الأرض، أنظر… عاجز.
وصوت قلبي يصرخ داخلي: لماذا لست أنت من يقف هناك؟ لماذا هي؟
المعركة لم تنتهِ… لكنها على وشك أن تتصاعد.
ركلت توراكو خصمها في خاصرته بقوة، لكن قدميها ارتطمتا وكأنهما ضربتا جدارًا من الحجر. تراجعت للخلف وهي تلهث، وقطرات العرق تنحدر من جبينها. كان جسدها يرتعش قليلًا، ليس من الخوف، بل من الإرهاق الذي بدأ يثقل أطرافها.
خصمها، شاب عريض الكتفين، ابتسم بسخرية وهو يخطو نحوها.
قال بصوت منخفض:
"أنتِ تحاولين إخفاء ضعفك… لكني أراه واضحًا في كل حركة."
شعرت توراكو بشيء يشبه الطعنة في صدرها مع كل نفس تأخذه، لكنها لم تتراجع. رفعت قبضتيها مجددًا، وحاولت صد لكمته، إلا أن ذراعها ارتدت للخلف من قوة الضربة، وكأن العظام اهتزت تحت الجلد.
تعثرت خطوة للخلف، وسقطت ركبتها على الأرض للحظة قبل أن تجبر نفسها على النهوض. كانت نظراتها حادة، لكنها تعلم في داخلها أن جسدها لن يتحمل كثيرًا.
بينما هو يتقدم بثبات، أخذت توراكو نفسًا عميقًا، لكنها شعرت بوخز حاد في جانب بطنها، ما جعلها تكتم أنينًا غاضبًا.
كانت أنفاس توراكي تتسارع، والعرق يتصبب من جبينها وهي تمسح الدم عن زاوية فمها. أمامها وقف تشوجيتا، جسده مليء بالكدمات، لكن عينيه لا تزالان مشتعلة بعناد لا ينطفئ.
كل ضربة وجهتها نحوه كان يصدها أو يردها بمهارة قاتل متمرّس، وكأن جسده وُلد للقتال.
صرير أسنانها امتزج مع دوي الخطوات وهي تندفع مجددًا، لكن تشوجيتا كان هناك، ينتظرها بابتسامة ساخرة، يرد ضرباتها بقبضات قاسية تدفعها إلى الوراء.
عدة دقائق من الهجوم والدفاع تحولت إلى معركة إرادة، كل طرف يبحث عن الفجوة التي ستحسم الأمر.
ومع كل ثانية، كانت ذراعها تثقل، وأنفاسها تضيق، لكنها لم تتوقف.
"لن... أخسر!" صرخت، وعينيها تتوهجان بإصرار وحشي.
في لحظة حاسمة، انحنى تشوجيتا لتفادي ضربة مباشرة، لكن توراكي لم تتراجع، بل استدارت بسرعة خاطفة، مستغلة اندفاعه للأمام، وجمعت كل قوتها في قبضتها.
انفجار عضلي في كتفها وذراعها دفع الضربة لتصطدم مباشرة بجانب رأسه.
الصوت كان كصفعة معدنية على حجر.
عين تشوجيتا اتسعت للحظة، ثم اهتز جسده بالكامل، وكأن الأرض انسحبت من تحت قدميه، قبل أن ينهار على الأرض فاقد الوعي.
وقفت توراكي فوقه، صدرها يعلو ويهبط، والهدوء الثقيل الذي تلا الضربة كان أبلغ من أي تصفيق أو هتاف.
لقد انتهى الأمر… أخيرًا.
سقطت توراكو على الأرض متعبة، ووقفت على الفور، ثم ركضتُ نحوها بسرعة وقلت:
"هل أنتِ بخير؟"
ردّت بنبرة مطمئنة: "نعم، نعم، لا تقلق."
تنفّست بعمق وقلت: "أوف، الحمد لله."
نظرت إلى وجهها الصغير وكنت متعجبًا من شجاعتها وقوتها أمام ذاك الوحش، بينما أنا كنت مجرد خائف، ضعيف، لا أستطيع فعل شيء.
غمضت عيني وأنا أغوص في أفكاري، لكن فجأة وضعت توراكو يدها على وجهي وسألتني:
"لماذا أنت حزين؟"
تلعثمت: "لا... لا شيء. بالمناسبة، كيف خرجتِ من غرفة المعلمين؟"
أجابت ببساطة: "كسرت الباب."
تنهدت بحزن وقلت: "آسف لأنني لم أستطع مساعدتك... أنا مجرد حثالة."
ابتسمت لي وقالت: "هل هذا ما يجعلك حزينًا؟"
وقفت أمامي، وجها على مقربة من وجهي، وابتسمت ابتسامة صغيرة:
"لا بأس، الضعف ليس عيبًا، العيب أن تستسلم له."
فتحت كلماتها قلبي فجأة، ومنحتني جرعة من الأمل.
قلت بحزم: "أقسم أنني سأصبح أقوى."
نعم، سأصبح أقوى لكي أتمكن من الوقوف بجانب بليك وبابادوك بفخر.
وقفت توراكو متعبة وقالت: "الخيار الآن أن نخرج من الفصل."
قلت: "حسنًا، هل تحتاجين مساعدة؟ تبدين متعبة."
ردّت بثقة: "لا، لا بأس."
بينما كانت تفتح الباب، فجأة، انفتح الباب بعنف وصوت احتكاك، ثم جاءت ركلة قوية في بطن توراكو، أطلقت صرخة مع انقلاب جسدها من قوة الضربة.
دخل سوجيشيتا بهدوء، خطواته الثقيلة تملأ الغرفة، و بارده يكسو وجهه.
[منظور بابادوك]
كنت أشعر بالملل، واقفًا أمام ذلك الشاب الذي يُدعى بي توميهيرو، الذي يبدو واثقًا بنفسه لدرجة أنه يظن أنه قادر على هزيمتي.
تنهدت ببرود وقلت:
"اسمعني، أنا لست مثل الآخرين... أنصحك أن تستسلم الآن."
ضحك بسخرية وقال:
"يبدو أنك مغتر بنفسك يا صاحب المظلة. سأعلمك معنى التواضع بقبضتي."
ابتسمت بابتسامة هادئة وقالت بصوت ساخر:
"أوه، فعلاً، البشر أغبياء... حتى لو حذرتهم، لن يستمعوا. هيا، لنرَ ماذا سوف تفعل، أيها الاحمق."
غضب توميهيرو وانطلق نحوي بغضب، كأنه يريد أن يُمزقني.
همست لنفسي:
"حسنًا، يبدو أنني سألهو معه قليلاً."
أعدت مظلتي في يدي، وأخذت وضعية قتالية. كان واضحًا أن هذه المعركة لن تكون صعبة، لكنه، بلا شك، يستحق قليلاً من المتعة قبل النهاية.
رفعت المظلة ببطء في يدي، وأنا أراقب توميهيرو يندفع نحوي بعينين متقدتين بالغضب، وكأنه يعتقد أن قبضته ستحطمني.
كان حركته جدية ومدروسة، لكنه كان يفتقد إلى الهدوء الذي يمنح القتال نكهته الحقيقية.
أول لكمة وصلتني بسرعة، لكنني تراجعت خطوة بخفّة، وكأنني أتلاعب به.
ضحكت ساخرًا:
"حقًا؟ هذا كل ما لديك؟"
كان يبدو مصممًا على الهجوم مجددًا، فاندفع بلا تردد، موجهًا لكمة أخرى أكثر قوة، لكنني ببساطة مالت بجسدي بعيدًا، كأنني أشاهد رقصته الغبية.
توميهيرو يلهث قليلاً، بدأ يفقد توازنه، بينما أنا أتحرك بخفة ورشاقة دون عناء، أتنقل يمينًا ويسارًا، أتجنب كل ضربة دون أن أبذل جهدًا يُذكر.
كل هجوم يأتيه يُقابَل بتفادي بسيط مني، وابتسامة استهزاء لا تفارق وجهي.
"يا رجل، أنت جاد جدًا، لكنك لا تعرف حتى كيف تقاتل مع من هو أكبر منك خبرة."
توميهيرو يزفر بغضب، يحاول أن يغيّر من أسلوبه، لكن جسده لا يتحرك إلا وفق أسلوبه المعتاد.
أنا أراقب تحركاته، أختبر ردود أفعاله، وأحتفظ به في دائرة التحكم الخاصة بي.
"استمر، سأستمتع بلعبتك الغبية هذه قليلاً، ثم سأريك كيف تنهي لعبة الكبار."
وبينما هو يستعد لاندفاع جديد، لم أتراجع، بل وقفت بثبات، واثقًا من أن النزال بيننا ليس إلا مجرد رقصة بطيئة تنتظر نهايتها.
صدت ضربته بيدي بكل سهولة، أبعدتها دون عناء. كان يتنفس بصعوبة، عرق يتصبب من جبينه، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام بعد.
ابتسمت بابتسامة ساخرة وقلت:
"يا أيها البشر، أعجبتني عزيمتك هذه... يبدو أنني سأختصر هذا القتال سريعًا."
ارتسم على وجهه تعجب واضح، لكني لم أمنحه فرصة لرد الفعل.
وضعت المظلة بين يديّ وبدأت أطلق إحدى تقنياتي التي لم أستخدمها منذ زمن بعيد، منذ أيام تلك العائلة...
---
[منظور توميهيرو]
هذا الشخص، دووك، قوي حقًا. لم أستطع أن أصيب منه بأي ضربة، والآن يقف أمامي بثقة غامضة، وأشعر بشيء غير طبيعي ينبعث منه.
بدأ دخان أسود ينبعث من حوله، يغمر المكان ببطء، حتى غطى كل شيء.
ارتعبت، وقلت في نفسي:
"ما هذا بحق السماء؟!"
الدخان أصبح كثيفًا، الغرفة اختفت في سواد دامس، ولم أتمكن سوى من محاولة التنفس بصعوبة، وأشعر بالضياع في هذا الظلام الحالك.
فجأة، ترددت في أذنيّ صوتٌ مألوف... صوت صديقتي! كان ينادي باسمي بهدوء مريب، كأنه يهمس لي من خلفي. التفت ببطء، وهناك، أمامي، وقفت هي.
كانت تبدو طبيعية، بشعر طويل ناعم يتمايل مع النسيم الخفيف، ووجهها يحمل تعبيرًا هادئًا غامضًا، عينان تشعان ببراءة مزيفة. ترتدي ملابس بسيطة، كأنها طالبة عادية لا علاقة لها بكل هذه الفوضى.
قالت بهدوء:
"مرحبًا، توميهيرو."
ارتعشت أطرافي من المفاجأة، وكأن صدمة جمدت كل حركة بداخلي. لم أصدق ما أسمع، وقلت متلعثمًا:
"أنتِ... مِيتة منذ سنوات!"
كانت كلمات تعبر عن عدم تصديق، ولكن هناك في نظرتها، كان شيءٌ آخر... شيءٌ أكثر رعبًا مما توقعت.
وقفت أمامها متجمدًا، جسدي مشلول من رهبة الخوف التي تملكتني. نظرتها لم تفارقني، كانت عينان باردتان كثلج، تحفران في أعماقي بلا رحمة.
ابتسمت ابتسامة قاسية وقالت بصوت منخفض، لكنه مليء بالاستهزاء المرعب:
"ألست سعيدًا برؤيتي؟"
تلعثمت وأجبت بلا وعي:
"لا... لا... لا... لا... لا... لا... لا... لا... لا... لا يجب أن تكوني هنا... أنتِ ميتة... أنا .........قتلتك!"
اقتربت مني بخطوات بطيئة، ثم قبضت على ياقة قميصي بقوة، فأحسست بألمٍ حاد في رقبتي، وضغط يدها جعل أنفاسي تتقطع.
صرخت بغضب وحزن:
"أنت السبب في موتي!"
كان صوتها مثل صاعقة، كأنه يُمزق قلبي إلى أشلاء. عيناي تلمعان بالخوف والذنب، وكنت أُحاول أن أتنفس لكن الهواء اختفى من حولي، وكأن الحضور المظلم يبتلع كل شيء.
كانت هناك، واقفة أمامي، ولكنها ليست هي التي عرفتها يوماً... إنها أكثر رعبًا، أكثر كآبة، أكثر كراهية
وقف توميهيرو متشبثًا بقمصانه، يحاول استجماع شجاعته وسط الظلام والظلال التي تحيط به، لكن الصوت المرعب لصديقه السابق لا يزال يتردد في أذنيه.
بدأت الذكريات تنهال عليه، كغبار قديم تكسّرت من بين أنفاس الماضي.
[فلاش باك - منظور توميهيرو]
كانت تلك الأيام بسيطة مقارنة بما نعيشه الآن. كنت صديقه منذ الطفولة، نشارك الشوارع والأزقة، نضحك ونتشاجر مثل أي صديقين في الحي. كانت فتاة ذكية وشجاعة، لكنها كانت أيضًا جزءًا من العصابة التي نمت في الحي، تلك العصابة التي جعلت حياتنا كلها تتغير.
تذكرت كيف كانت تقف دومًا بجانبي عندما تواجهنا مشاكل، وكانت تدفعنا دومًا للتركيز على هدف واحد: البقاء. لم نكن أبطالًا، فقط أطفال يحاولون النجاة في عالم قاسٍ.
لكن شيئًا ما تغير في تلك الليلة.
كنا نخطط لسرقة صغيرة، شيء لن يؤذي أحدًا، أو هكذا ظننت. كانت هاروكا تتبعني عن قرب، نتحرك بخفة بين المنازل المهجورة، ننتظر اللحظة المناسبة.
ثم ظهروا.
مجموعة من المنافسين من عصابة أخرى. عراك وركض وفوضى. حاولت الهروب، لكني تعثرت وسقطت.
سمعت صراخها، صوتها يدعوني للرجوع، لكنها لم تستطع الوصول إليّ.
في الفوضى، وجدت نفسي ممسكًا بحجر كبير، استخدمته للدفاع عن نفسي. كانت حركة غير محسوبة، مدفوعة بالخوف والارتباك.
وأصابت الحجر هاروكا، لكنها لم تكن ضربة مقصودة، لم أكن أريدها أن تؤذي، لكنها سقطت على الأرض، بلا حراك.
كانت تلك اللحظة التي لم يعد فيها شيئًا كما كان. نظرات الناس تغيرت، اعتقاداتهم عني تحولت إلى كراهية.
كان الألم الذي شعرت به لا يوصف، الألم الذي يحمل في طياته الذنب والخزي.
رجعت إلى العصابة وحدي، محطمًا، خائفًا، وحيدًا.
لم أستطع مواجهة عينيها بعد ذلك، أو عيون من عرفوا الحقيقة.
[نهاية الفلاش باك]
عاد توميهيرو إلى الحاضر، أنفاسه متقطعة، قلبه يعتصره الندم.
نظر إلى ذلك الظل الذي يقف أمامه، والذي كان يومًا صديقه، وعرف أن هذه المواجهة لن تكون سهلة، وأن كل خطوة في هذا القتال تحمل ثقل ماضيه.
عدت إلى الواقع فجأة، اختفى الظلام كما لو أنه ابتلعته الرياح، واختفت معه الفتاة التي كانت أمامي. لكن الرعب لم ينتهِ، فقد وجدت نفسي أمام منظر أكثر فزعًا.
كانت صديقتي تقف هناك، بنفس وقفة دووك، حاملة مظلته السوداء، وابتسامة شيطانية ترتسم على شفتيها. ضحكت ضحكة باردة، تحمل في طياتها تهكمًا لا يوصف.
قالت بصوت ساخر، "لقد نسيت اسمي، صحيح؟"
قبل أن أتمالك نفسي، سمعت صوتًا خشنًا، حادًا، يتسلل من بين الظلال:
"أنت بالفعل لم تتذكر اسمي."
التفت ببطء، وقلت بصراحة مُرتجفة:
"من أنت؟ ولماذا تفعل بي هذا؟"
تلاشى ظل الفتاة ببطء، وتحولت إلى الشكل الحقيقي لمن كان يقف هناك طوال الوقت.
كان دووك، لكن وجهه لم يكن وجه بطلنا المعتاد. كان مغايرًا، مظلمًا، وكأنه يخفي أسرارًا عميقة.
ارتعشت يداي وقلت بصوت متردد:
"ما... ما أنت؟"
أجابني بصوتٍ ثقيل وكأن الكلمات تخرج من أعماق عظامه:
"أنا... مممم... أنا بابادوك."
نطق الاسم بصوتٍ خشن متناقض مع نبرته السابقة، كأن الاسم نفسه خرج من أعماق غضبه وكبريائه.
ثم أكمل ببطء، كأنه يعترف بأمرٍ خطير:
"هذه هي قوتي... أخرج ماضي الناس... أتنفس من ندمهم وأتغذى على كبريائهم المهشّم."
عمت صرخة مرعبة من صدري، صرخة مدوية تشق أجواء المكان، لم يكن عقلي يحتمل كل هذا الجنون الذي يحيط بي.
جلست على الأرض، ممسكًا رأسي بكلتا يديّ، وصرخت بأعلى ما أستطيع، وكأن صوتي وحده يمكن أن يحررني من هذا الكابوس.
لم أعد أفهم شيئًا، كان كل شيء مشوشًا، وبدأت أرى ظلال الماضي تتلاعب بعقلي.
وفي النهاية، انطفأت وعيي وغلبني السواد الذي يلفني من كل جانب.