40 - نصف عقل لا يكفي للأنتصار

كان الهدوء نسبيًا في الطابق الثالث من المدرسة، مقارنةً بما يجري في الأسفل من فوضى وصراخ وركض. الزجاج المحطم على الأرض يعكس الضوء الباهت، وصوت خطوات سريعة يتردد بين الجدران المشققة.

في نهاية أحد الممرات، وقف إيندو مستندًا إلى الحائط، ذراعيه متشابكتان، وعيناه نصف مغلقتين كما لو كان على وشك النوم، وعلى وجهه ابتسامة باهتة.

من الجهة المقابلة، اقترب كاجي بخطى واثقة. توقف على بعد أمتار قليلة منه، ثم نزع المصاصة من فمه ورماها على الأرض ببطء، داسها بحذائه، وحدّق في إيندو بنظرة حادة.

قال كاجي بصوت منخفض، مليء بالضيق:

> "هل تظن الأمر لعبة؟"

فتح إيندو عينيه ببطء، ثم ضحك ضحكة قصيرة:

> "وهل هناك ما هو أكثر تسلية من الوجوه المتوترة قبل القتال؟"

شد كاجي قبضتيه:

> "ضحكتك تُثير أعصابي."

رفع إيندو حاجبيه وقال، بنبرة ساخرة:

> "آسف... لم أقصد إزعاج الأمير الغاضب."

لم يتردد كاجي. تقدم بخطوتين سريعتين، ثم وجه لكمة مباشرة نحو وجه خصمه. لكن إيندو مال برأسه قليلًا، فمرت الضربة بجانب خده.

وردّ بسرعة، بلكمة مضادة استهدفت كتف كاجي. اهتز جسد الأخير قليلاً لكنه تماسك.

تبادلا نظرات حادة.

ثم اندلع الشجار.

بدأ القتال بالسرعة التي اشتعل بها الغضب.

كاجي كان يتحرك كمن اعتاد على القتال في الأزقة، ضرباته حادة، سريعة، يهدف بها إلى إسقاط خصمه خلال ثوانٍ.

أما إيندو، فكان مختلفًا. تحركاته أبطأ، لكنها دقيقة. يميل بجسده، يتفادى، يرد في اللحظة المناسبة.

لكمات تتطاير.

ركلات خفيفة موجهة للركبتين والمعدة.

أصوات أنفاس متقطعة، واحتكاك الأحذية بالأرضية الخشنة.

كاجي صرخ وهو يندفع من جديد:

> "سأتأكد من أنك تضحك بسنٍّ مكسور!"

لكنه أخطأ التقدير. أدار إيندو جسده فجأة، وأمسك بذراع كاجي، ثم جذبه بقوة نحو الحائط، فاصطدم كتفه بالجدار، وتناثر بعض الغبار.

تراجع كاجي متألمًا، ثم بصق على الأرض، ومسح الدم من زاوية فمه.

قال إيندو بهدوء:

> "هل هذا كل ما لديك؟ لقد كنت أضحك لأنني ظننتك خطيرًا."

زمجر كاجي:

> "لا تجرّني إلى لعبتك... هذا القتال ليس من أجل التسلية."

ثم اندفع مجددًا.

التحم الجسدان بقوة، تبادلا اللكمات عند الأضلاع، وضربات الكوع، وحركات الدفع والعرقلة. أحدهما يحاول السيطرة، والآخر يرفض الاستسلام.

لكن لا أحد سقط بعد.

كان كل منهما يحاول أن يبقى واقفًا، يثبت للآخر أنه لن يُكسر أولًا.

مرت ثوانٍ... ثم دقائق.

تراجع كلاهما لثوانٍ، يتنفسان بقوة.

قال إيندو، وصوته متقطع من الإرهاق:

> "أعترف... لست سيئًا يا صاحب المصاصة."

ابتسم كاجي بسخرية:

> "ولا أنت... يا صاحب الضحكة المزعجة."

ثم تقدما نحو بعضهما مجددًا...

ولم ينتهِ القتال بعد.

---

...ثم تقدما نحو بعضهما مجددًا.

لم تكن هذه المرة كأي جولة سابقة. التعب واضح على الوجوه، الأكتاف مثقلة، لكن العيون لا تزال مشتعلة.

كاجي، رغم الجروح الطفيفة على وجهه، كان يتحرك بإصرار متزايد. بدأ يغيّر أسلوبه، يحاول مفاجأة خصمه بتكتيكات غير متوقعة.

ركل الأرض بجانب قدم إيندو فجأة، ثم انحنى ووجه لكمة قوية نحو بطنه. ارتبك إيندو للحظة، تراجع خطوتين، لكن توازنه لم يختل.

استغل كاجي اللحظة، قفز للأمام، وضرب وجه إيندو بكوعه الأيسر، ثم حاول إسقاطه من خلال ركلة خفيفة خلف الركبة.

لكن إيندو ثبت قدمه الأخيرة على الأرض بقوة، وصد الركلة بساقه، ثم دفع كاجي بكلتا يديه إلى الحائط المقابل.

ارتطم كاجي بقوة، لكنه لم يسقط.

مسح الدم من أنفه، وضرب الجدار بقبضته.

قال من بين أسنانه:

> "أنت لا تسقط... لماذا لا تسقط؟!"

ضحك إيندو بصوت خافت، وهو يتنفس بصعوبة:

> "لأنني لا ألعب للفوز. أنا أقاتل فقط لأبقى واقفًا... هذا هو الفرق بيننا."

تشنّج فك كاجي. كانت تلك الجملة كصفعة.

اندفع من جديد، لكن هذه المرة أسرع، وكأنه يراهن بكل طاقته المتبقية.

بدأ يسدد سلسلة من الضربات السريعة إلى صدر ووجه خصمه، يحاول أن يجهده، أن يزعزع هدوءه المعتاد. لكمات تتالى، ضربات كف، دفعات مفاجئة، حتى بدأ إيندو يتراجع ببطء نحو الحائط.

رأى كاجي الفرصة. رفع قدمه ليوجه ركلة نحو صدر إيندو بكل ما يملك من قوة…

لكن فجأة، أمسك إيندو ساقه في الهواء، وسحبها للأسفل بعنف.

سقط كاجي على الأرض.

رفع نظره نحو خصمه، أنفاسه متقطعة، ويداه ترتجفان.

وقف إيندو فوقه، لم يوجه ضربة، فقط اكتفى بالنظر إليه، ثم قال بصوت هادئ، وهو يمد له يده:

> "ليس كل من يسقط خاسرًا، كاجي... لكن من يبقى ساقطًا، هو فقط من يُهزم."

نظر كاجي إلى اليد الممدودة، لكنه لم يأخذها. نهض بصعوبة، وسعل قليلًا.

قال:

> "لم أنتهِ بعد... لم أخسر."

رد إيندو بابتسامة مائلة:

> "ولا أنا."

ثم تراجعا خطوات قليلة، كل منهما يمسح العرق من جبينه، يتهيأ لجولة جديدة.

ولا يزال القتال مستمرًا...

صراع الإرادة، وليس العضلات فقط.

وفي مكان آخر من المدرسة...

كانت معارك أخرى تُشعل الأروقة.

…بدأت الأنفاس تثقل.

كل ضربة باتت تُحسب بثمن باهظ. لم يعد هناك متسع للخطأ.

كاجي كان يتحرك بدافع الإرادة الصافية. لم يعد يراهن على قوته، بل على تصميمه. كل عضلة في جسده تصرخ، كل مفصل يئن، لكنه ظل يقاتل.

اقترب من إيندو من جديد، وبدلًا من الهجوم المباشر، راوغ بخطوتين جانبيتين، ثم انخفض فجأة محاولًا عرقلة قدمي خصمه.

تفاجأ إيندو من السرعة، تعثر للحظة، واهتز توازنه.

كانت تلك اللحظة... اللحظة التي انتظرها كاجي.

قفز من الأرض فورًا، وألقى بكل ثقله في لكمتين متتاليتين إلى فك إيندو. سُمِع صوت ارتطام قوي. الرأس اهتز للخلف، والجسد تراجع. سقط إيندو على ركبته.

صمت المكان.

كاجي تنفّس بصوت عالٍ، نظر حوله، وجهه متورم، عينه شبه مغلقة.

ظن أنه انتصر.

اقترب ببطء، منهكًا، ليعلن نهاية القتال.

لكن...

نهض إيندو.

ببساطة، بثبات، وكأن شيئًا لم يحدث.

تأمل كاجي وجه خصمه، لم يكن هناك غضب، ولا كراهية، فقط... صمت.

وفجأة، دون أي كلمة، تقدّم إيندو بخطوتين، ولكم كاجي في البطن بقوة مباشرة.

تشنج جسد كاجي.

وقبل أن يسقط، تلقى لكمة أخرى على الخد، أطاحته أرضًا تمامًا.

سقط هذه المرة دون أن يحاول النهوض.

يده ارتخت على الأرض، أنفاسه ضحلة، والعرق يغطي جسده. لم يكن فاقدًا للوعي... لكنه لم يعد قادرًا على الوقوف.

اقترب إيندو، ووقف فوقه مجددًا.

لم يتكلم.

لم يحتفل.

فقط نظر إليه للحظة طويلة، ثم استدار بهدوء ومشى بعيدًا.

وفي الخلف، ظل كاجي ملقى على الأرض، يحدّق في السقف، وشفتيه تتحركان بصوت خافت:

> "كم... كنت قريبًا…"

خسر كاجي.

لكن لم يُكسر.

ولم ينهزم.

فقط… خسر معركة.

---

[تغيّر المشهد]

بينما كان صدى سقوط كاجي يتلاشى في أروقة المدرسة، ارتفعت أصوات خطوات ثابتة في الجهة الغربية من الطابق الثاني.

توغامي، بهدوئه المعتاد، كان يسير بخطًى واثقة. سترته المدرسية مفتوحة، وقميصه الأبيض لا يزال نظيفًا رغم الفوضى التي تجتاح المكان.

في المقابل، كان شوجيشيتا ينتظره بالفعل.

واقفًا قرب نهاية الممر، يضع يديه في جيبيه، وعيناه الزرقاوان تتابعان خصمه بثبات.

حين اقترب توغامي بما يكفي، توقف، تبادل نظرات طويلة مع شوجيشيتا.

صمت...

ثم قال شوجيشيتا بصوت هادئ:

> "سمعت أنك الأكثر هدوءًا بينهم. دعنا نرى إن كان هدوؤك هذا سينقذك هنا."

أجابه توغامي دون ابتسامة:

> "وأنا سمعت أنك لا تترك خصمًا إلا إذا توقف عن القتال. هذا يعني أننا سنقضي وقتًا طويلًا معًا."

شدّ شوجيشيتا قبضته بلطف، وأخرج يديه من جيبيه، بينما أنزل توغامي نظارته الشمسية ببطء، ووضعها جانبًا على أحد الأدراج المحطّمة.

تقدّما خطوة... ثم أخرى.

التحم القتال.

بدأ كل شيء بتجربة قصيرة: لكمة سريعة من شوجيشيتا صدّها توغامي بسهولة.

ردّ توغامي بحركة جانبية سريعة، وضرب كتف شوجيشيتا، لكن الأخير انسحب في اللحظة المناسبة، ووجّه ركلة منخفضة نحو ساق توغامي.

قفز توغامي لتفاديها، واستدار بحركة متقنة محاولًا الرد بلكمة للصدر، لكن شوجيشيتا انحنى في اللحظة الأخيرة.

السرعة متكافئة.

التركيز حاضر.

ولا أحد يستعجل الحسم.

بدأ التوتر يرتفع مع مرور الدقائق.

كل حركة، كل خطوة، كل نفس، كانت محسوبة.

تبادلوا الضربات، الصدّات، التراجعات، كأنهما راقصان محترفان في ساحة ضيقة. لا أحد يخطئ، ولا أحد يسيطر بالكامل.

ضرب شوجيشيتا بكتفه صدر توغامي ليدفعه إلى الوراء، لكن توغامي استغل الدفع وتراجع بخطوتين قبل أن يعود بسرعة ويرد بركلة منخفضة أدّت إلى انزلاق شوجيشيتا قليلاً للخلف.

لم يكن هناك دماء. لم يكن هناك كسر.

فقط قتال... نظيف، متقن، صامت... وخطير.

استقرا في مكانهما من جديد، كلاهما يتنفس بعمق، العرق يتقطر من جباههما.

قال توغامي بهدوء، وهو يعدل وضعه القتالي:

> "أنت تحترم القتال."

رد شوجيشيتا بابتسامة خفيفة:

> "وأنت لا تستهين به."

ثم اقتربا من جديد…

المعركة الحقيقية… لم تبدأ بعد.

...عاد الصمت للحظة، ثم انطلقت الجولة الثانية.

تقدم توغامي أولًا هذه المرة.

نظراته لم تتغير، عينيه تركزان على تنفس شوجيشيتا، على حركة كتفيه، على أدنى تقلص في عضلات فخذه.

ولكمته الأولى لم تكن عشوائية.

استهدفت جانب الوجه، لكن شوجيشيتا انحنى لأسفل، مستعدًا للرد، غير أن توغامي كان قد توقّع ذلك.

بكوعه، ارتدّ توغامي بسرعة وضرب أعلى الظهر، ضربة لم تكن قوية لكنها كافية لتفقد شوجيشيتا توازنه للحظة.

خطوة جانبية.

ثم لكمتان سريعتان في الجنب.

ارتدّ شوجيشيتا للخلف، للمرة الأولى تظهر علامات الانزعاج على وجهه. لم يكن الألم قاتلًا، لكن الحركة كانت متقنة لدرجة جعلته يتردد.

قال توغامي بنبرة منخفضة:

> "بدأت تترك ثغرات."

رد شوجيشيتا، وهو يمسح جبينه بظهر يده:

> "أم أنك بدأت تفتح عينيك أخيرًا."

لكن رغم الكلمات، كان هو من يتلقى الضغط.

واصل توغامي الهجوم بثقة محسوبة.

ركلة منخفضة، تلاها تراجع سريع ثم اندفاع مفاجئ نحو الصدر بكتفه، دفع خلالها شوجيشيتا بقوة نحو الجدار القريب.

ارتطام خفيف.

ولم يترك له وقتًا للتفكير.

لكمة مباشرة نحو البطن.

ثم محاولة تثبيت المعصم بقبضته.

شوجيشيتا تخلّص من القبضة بصعوبة، وتنفس بحدة، لكن أنفاسه كانت أسرع من المعتاد.

كان واضحًا أن توغامي… بدأ يسيطر على الإيقاع.

ليس لأنه أقوى.

بل لأنه أذكى في استخدام ما لديه.

لم يكن يهاجم بقوة، بل بتكتيك. يراقب، ينتظر، ثم يضرب حيث لا يتوقع شوجيشيتا.

لأول مرة، بدا أن القتال قد يميل بكفة واضحة.

لكن شوجيشيتا لم يسقط.

لم يرتجف.

بل رفع يديه مجددًا، وعدّل وقفته القتالية، وعيناه تضيقان أكثر.

قال بصوت منخفض وهو يرفع قبضته:

> "حسنًا... لنُبطئ قليلاً."

توغامي لم يرد.

فقط اكتفى بتبديل موضع قدميه، ووضعية كتفيه.

...تقدم شوجيشيتا بخطوتين هادئتين.

نفسه أصبح أكثر اتزانًا، عينيه أكثر تركيزًا. بدا أن جسده تكيّف مع أسلوب توغامي أخيرًا.

توغامي حاول كسر هذا التوازن بضربة مباغتة نحو الوجه، لكن شوجيشيتا أدار جسده في اللحظة المناسبة، ليتفادى الضربة، ويرد بحركة دائرية سريعة ضربت كتف توغامي من الجانب.

لم تكن الضربة قوية... لكنّها كانت دقيقة.

تراجع توغامي خطوة، وهو يضيّق عينيه. تفاجأ بسرعة خصمه، بل ببروده المفاجئ.

قال شوجيشيتا بصوت خافت:

> "كنت أسرع من اللازم في البداية... الآن فهمت إيقاعك."

ثم انقض.

ضربتان نحو الصدر.

لكمة مزيفة نحو الوجه، تبعتها ركلة مفاجئة نحو الفخذ.

توغامي حاول صد الركلة، لكن تأخره الجزئي جعله يتراجع بوضوح.

حاول الردّ بلكمة موجهة إلى الضلع الأيمن، لكن شوجيشيتا انحنى للأمام، وضربه بمرفقه في الخصر.

آه خفيفة خرجت من فم توغامي لأول مرة.

تراجع وهو يتنفس ببطء، واضعًا يده على جانبه.

ابتسم شوجيشيتا، ابتسامة خالية من الغطرسة، لكنها محمّلة بالثقة.

> "لا تقلق، لم تنتهِ بعد... فقط بدأت أستمتع."

تحرك من جديد، هذه المرة بشكل دائري، كأنه يختبر قدرة توغامي على المتابعة.

ثم فجأة، انفجر بسلسلة من الضربات السريعة — كلها محسوبة، ليست عشوائية، لكنها متتالية بطريقة أربكت خصمه.

توغامي صدّ بعضها، وتراجع أمام البعض الآخر، قبل أن يُدفع فجأة إلى الحائط.

ضربة بالكوع نحو الكتف.

ضربة بالركبة نحو الفخذ.

ثم قبضة ثابتة عند الصدر، لم تُوجَّه بقوة، بل كأنها تثبيت.

توغامي توقف.

تراجع شوجيشيتا، يترك له مساحة.

كلاهما يتنفس.

لكن هذه المرة، شوجيشيتا هو من يقود.

نظر إليه توغامي بعينين نصف مغمضتين، يلتقط أنفاسه، يعدّل وضعية جسده.

لم يتحدث.

ولم يحتج شوجيشيتا إلى الكلمات هذه المرة.

الصمت بينهما كان أبلغ من أي حوار.

القتال مستمر...

لكن كفة شوجيشيتا بدأت تميل للأعلى.

…مرّت دقيقة أخرى.

والاثنان لا يزالان واقفين، يتنفسان ببطء، يدرسان بعضهما البعض.

ملامح توغامي كانت أكثر صلابة، لكن كتفيه كانا يهبطان مع كل نفس… التعب بدأ يظهر.

أما شوجيشيتا، فعيناه تلمعان بثبات مريب. لم يكن أفضل حالاً بدنيًا، لكنّه أكثر توازنًا الآن، يعرف متى يتحرك… ومتى لا.

اندفع توغامي فجأة، محاولًا قلب الموازين، ولكم شوجيشيتا من اليسار، ثم من اليمين، وحاول أن يهاجم بالركبة نحو البطن.

لكن شوجيشيتا صدّ كل شيء.

انخفض بجسده لتفادي الضربة الأخيرة، ثم رفع جسده بقوة، دافعًا كتف توغامي للأعلى، مما جعله يتراجع خطوة.

ضربة مباشرة في الفك من شوجيشيتا.

توغامي ارتدّ رأسه للخلف.

ثم ضربة بالصدر، قوية بما يكفي لإفقاده التوازن.

سقط توغامي على الأرض.

لم يكن سقوطه صاخبًا، بل ثقيلًا… كما لو أن جسده اعترف بالعجز قبل لسانه.

جلس لثوانٍ، يحاول النهوض، لكنه سعل مرتين، ووضع يده على ضلوعه.

شوجيشيتا وقف فوقه، لا يشمت، لا يضحك.

فقط قال بصوت هادئ، متعب:

> "قتالك لم يكن سيئًا… لكنك قاتلت لتثبت شيئًا.

أما أنا… قاتلت لأنني لا أسمح لنفسي بالخسارة."

رفع توغامي نظره إليه، عينيه مليئتان بالعناد، لكنه لم يتكلم.

نهض ببطء، متماسكًا على قدمه بصعوبة.

ومدّ يده لشوجيشيتا، ببطء.

تصافح الاثنان… بصمت.

ربما كانت الهزيمة واضحة، لكن الاحترام المتبادل… لم يكن يحتاج إلى إعلان.

انتهى القتال.

وفاز شوجيشيتا.

بالطبع، إليك استكمال الفصل من منظور أكيهيكو، بأسلوب روائي داخلي يُبرز مشاعره وتوتره الداخلي أثناء مواجهة تشوجيتا، دون أي قوى خارقة أو أسلحة، مع المحافظة على الواقعية:

---

[منظور أكيهيكو]

في أحد أروقة المدرسة الباردة، حيث الهواء مشبع برائحة العرق والدم والرهبة، كنتُ واقفًا… وجسدي يرتجف.

وأمامي، كتلة من اللحم والعضلات… تشوجيتا.

أطولهم. أعرضهم. كأن الله صبّ جسده في قالب مصارع.

نظر إليّ بتعب، ثم تمتم بملل واضح:

> "آه لا… يا رجل، كنت أريد شخص قوي، تبا… أنا لا أحب التنمر على الضعفاء."

كلماته اخترقت صدري مثل سهم. حاولت أخذ وضعيتي الدفاعية، ذراعاي بالكاد استقرتا أمامي، لكن يداي كانتا ترتعشان.

قلبي كان يقرع كطبول الحرب.

شفتيّ ناشفتان. قدماي بالكاد تثبتانني في مكاني.

كان جزء مني يصرخ: "اهرب!"

الهروب كان فكرة مغرية. بل... مغرية جدًا.

لكن… حين ترددت على لساني أولى خطوات التراجع، خطر ببالي وجه بليك.

بليك… الذي يواجه الشياطين من الداخل والخارج. بليك الذي قاتل وفقد أصدقاءه… ولم يهرب.

كيف يمكنني التراجع؟ كيف أتركه يحارب بينما أنا أهرب؟

شدّدت قبضتيّ، رغم أن ذراعيّ كانتا ما تزالان ترتعشان. أخذت وضعيتي الدفاعية من جديد، لكن هذه المرة… نظرت إليه بعينين تحملان مزيجًا من الخوف… والشجاعة.

ضحك تشوجيتا.

ضحك كما لو أن أحدهم أخبره بنكتة خفيفة، ثم قال:

> "أنت شخص… مثير للاهتمام."

ثم مال بجسده للأمام، واستعدّ للهجوم.

وبدأت خطواته تهدر نحوي…

تقدّم نحوي تشوجيتا بخطوات ثقيلة، كأن الأرض نفسها ترتجف مع كل خطوة.

كنت أراه يقترب، مثل جدار متحرك من اللحم والنية السيئة.

"ابقَ هادئًا… ابقَ هادئًا، يا أكيهيكو…"

رأيته يرفع يده اليمنى… قبضة بحجم وجهي.

ضربة قادمة.

أغمضت عيني للحظة، ثم اندفعت إلى الجانب، بالكاد تفاديت اللكمة… لكنها مرّت بجانب وجهي بسرعة جنونية، حتى أن الهواء الذي خلفته صفَع خدي.

"لو أصابتني هذه، كنت سأطير عبر الجدار."

فتحت عيني، ركضت للخلف، أحاول كسب ثوانٍ فقط.

تشوجيتا ضحك، ثم قال بصوت أجش:

> "تهرب؟ تظن أنك فأر وأنا القط؟"

أنا لست فأرًا… لكنني لست قطًا أيضًا.

أنا العقل. أنا من يدرس زوايا الغرفة، من يلاحظ طريقة حركة قدميه، من يراقب نمط تنفسه.

لم أكن أبحث عن النصر… كنت أبحث عن الفرصة.

لكمة أخرى… من اليسار.

انخفضت بجسدي، ثم تراجعت بسرعة.

ضربته لم تكن سريعة، لكن لو لم أتحرك بثانية، كان وجهي سيصبح ذكرى.

"إنه قوي، لكنه بطيء… هذا شيء يمكنني استخدامه."

اقتربت من الحائط، ووضعت يدي عليه لأمنع نفسي من السقوط.

شعرت بالعرق يتصبب من جبيني، بينما قدماي بالكاد تتحركان بثبات.

تشوجيتا تقدّم من جديد، لكنني لاحظت شيئًا… قدمه اليمنى تسبق اليسرى كل مرة. إنه لا يغيّر وقفته.

"نمط ثابت… خطأ شائع عند من يثقون بأجسادهم أكثر من عقولهم."

استجمعت أنفاسي، ثم قفزت جانبًا فجأة عندما حاول لكم بطني.

اصطدمت قبضته بالحائط خلفي.

الحائط اهتز. والله، اهتز.

ابتعدت بسرعة، لكن رجلي تعثّرت قليلاً، كدت أسقط، تشنجت عضلة في فخذي، لكنني تماسكت.

"لا وقت للضعف الآن… ركّز!"

قلت في داخلي، وأنا أحاول أن أبدو أقوى مما أشعر.

تشوجيتا نظر إليّ، بنظرة تجمع بين التسلية والفضول.

> "أنت لا تقاتل مثل الآخرين… أنت فقط تراوغ، وتهرب."

أجبته، وأنا أتنفس بصعوبة:

> "أنا فقط… أستخدم الشيء الوحيد الذي لدي… رأسي."

ضحك.

ضحك طويلًا، وكأنّ الأمر أعجبه.

ثم قال:

> "حسنًا يا ذكي… دعنا نرَ كم ستصمد."

ثم اندفع نحوي مجددًا…

وبدأ الجزء الأصعب.

ركض نحوي من جديد… لا، لم يكن يركض، بل كان ينقضّ كوحش جائع يرى فريسته تُفلت منه كل مرة.

تدربت عيناي على الأرض أكثر من وجهه… كنت أبحث عن أي شيء، أي ميزة، أي تفصيل بسيط يمكنني استخدامه.

"القوة ليست خياري… يجب أن أسقطه بخطأ منه، لا بضربة مني."

اقترب مني، وأنا أدور حوله بحذر… كل حركة منه أشبه بعاصفة، لكني لم أكن بحاجة إلى مواجهته وجهًا لوجه… بل جعل قوته تعمل ضده.

راقبت خطواته. كل مرة يهاجمني، يفتح جانبه الأيسر للحظة عندما يسحب يده اليمنى للخلف قبل اللكمة.

تكرار... لا يلاحظ.

"إنه يعتمد على الخوف… يظن أنني سأبقى أهرب."

شعرت بجسدي ينهك، لكن عقلي كان يقظًا… سريعًا.

"سأُغريه بهجمة مفتوحة، ثم ألتف حوله… وأسقطه من توازنه."

اقتربت منه هذه المرة، تعمّدت أن أبدو كأنني أخطأت في التقدير.

رفع قبضته…

ها هي الفرصة.

لكمة!

انخفضت للأسفل وانزلقت خلفه، مددت قدمي سريعًا خلف قدمه الثابتة.

دفعت بجسدي دفعة خفيفة من الخلف في لحظة ضعفه، وهو يسحب ذراعه.

ترنّح.

كاد يسقط.

لكنه تماسَك.

استدار فجأة، قبضته تتأرجح بشكل عشوائي، فألقيت نفسي أرضًا لتفاديها، وجسدي يرتطم بالأرض الباردة.

"أوشكت."

سمعت صوته وهو يلهث.

> "كنت سأسقط… بحق الجحيم، من أين تعلّمت ذلك؟!"

نهضت، يدي على ركبتي، أتنفس بصعوبة.

> "أشاهد مباريات المصارعة… كثيرًا."

قالها ضاحكًا ساخرًا، ثم اقترب مجددًا، هذه المرة بحذر أكثر.

"الآن… يعرف أنني لست مجرد فأر يركض… صار حذرًا… وهذا لصالحه."

لكن إن كنت لا أستطيع الفوز بقوته، ولا حتى بخطأ واضح… فماذا تبقى؟

"الإرهاق."

إنه يستهلك طاقته… بينما أنا، كل ما أقوم به هو المراوغة.

"اجعله يتعب، فقط هذا… جعله يطاردني حتى يُنهك."

بدأت أتحرك أكثر. لا أهاجم، لا أقترب، فقط أدور وأتراجع، وأراقبه وهو يحاول الإمساك بي مرارًا.

لكماته بدأت تبطؤ.

أنفاسه أصبحت أعمق.

"نعم… هذه هي طريقتي."

لكن جسدي أيضًا بدأ يصرخ.

"فقط… بضع دقائق أخرى… وأنت تُسقطه… فقط لا تستسلم."

استمررنا… هو يضرب، وأنا أتفادى… في رواق ضيق، بين أعمدة المدرسة القديمة، حيث الصدى يملأ الفراغ.

وفي لحظة… لمحته يتوقف.

يتنفس بصوت مسموع، يده تتدلّى، وقطرات العرق تسيل من عنقه.

هذه اللحظة…

رفعت بصري، وقلت له بصوت مرتجف، لكن ثابت:

> "أنا لن أربح عليك بالقوة، تشوجيتا… لكنك ستخسر من نفسك."

نظراته كانت مختلفة هذه المرة…

لم يعد ذلك الوحش المتعجرف الذي يسخر من خصمه، ولا ذاك القوي الذي يستخف بي.

تشوجيتا… كان الآن مركزًا.

هادئًا.

"أخطأت."

ما ظننته تعبًا… لم يكن سوى تمثيل.

وما حسبته فرصة… لم يكن إلا فخًا.

ركض نحوي بخطى ثابتة، أقل سرعة من قبل، لكنها أكثر دقة. نظرت إلى رجليه، لكني لم أستطع التحرك في الوقت المناسب.

لكمة مباشرة في صدري.

تراجعت خطوة.

ثم أخرى.

ضربني على الكتف، شعرت بثقله يخترق عظامي.

"لا… جسدي بدأ يضعف… ركضي المتواصل بدأ يأخذ ثمنه."

حاولت الالتفاف كما فعلت سابقًا… لكنه كان مستعدًا. مدّ ذراعه وأمسكني من القميص.

رفعت ركبتي لأصيب معدته، لكن ردة فعله كانت أسرع… دفعني بكل قوته.

ارتميت على الأرض.

ضربني الإحباط أسرع من الألم.

"كل ما بنيته… كل خطة… فشلت؟"

سمعت خطواته تقترب… لم يكن يلهث بعد الآن، كأن جسده دخل في طور مختلف… قاتل حقيقي.

> "قلت لك إنك مثير للاهتمام… لكنك لست مقاتلًا."

رفع قدمه، وضربني في جانبي، ارتطم جسدي بالأرض مجددًا.

صرخت… ليس من الألم فقط، بل من الغضب، من العجز، من الشعور بأنني كنت قريبًا… ثم ابتعدت فجأة.

"لا… ليس الآن… لا يجب أن أنتهي هكذا."

لكني لم أستطع النهوض بسرعة.

ذراعيّ ترجفان، نظري مشتت، أنفاسي مقطوعة.

رفعني من القميص، وجهه أمام وجهي مباشرة.

> "أنت ذكي… نعم. لكن الذكاء لا يكفي وحده، صديقي."

وجه لي لكمة أخرى، في وجهي هذه المرة.

سقطت على ركبتي.

"كل شيء… يتلاشى…"

لكن… في داخلي، رغم كل شيء، لم ينطفئ ذلك الصوت الصغير…

"بليك… لم يستسلم… لا يحق لي أن أكون الحلقة الأضعف."

ورغم أن الهزيمة كانت واضحة… عيوني لم تطرف.

نظرت إلى تشوجيتا، وأنا على الأرض، وقلت بصوت متقطع:

> "لست من النوع الذي… يستسلم."

قلت له بشجاعة:

> "لست من النوع الذي… يستسلم."

لكن الحقيقة… كنت كاذبًا.

قلتها فقط كي لا أخسر بجبن، لا أكثر.

وقبل حتى أن ألتقط أنفاسي… شعرت بشيء صلب يرتطم بوجهي.

ضربة مباشرة.

رأيت بياضًا.

ثم ألم حا

رق في أنفي.

الدم نزف بغزارة. شعرت به يتسرب إلى فمي، إلى عنقي، يدفن وجهي في حرارته.

كنت ممددًا على الأرض، كل خلية في جسدي تصرخ: كفى.

لم أعد أملك القوة لأرفع رأسي.

لا ذراعاي تتحركان… ولا قدماي تستجيبان.

“من كنت أظن نفسي؟”

أردت أن أكون مثل بليك… أردت أن أقاتل بشجاعة… لكنني لم أكن شيئًا.

كنت عبئًا.

خذلت الجميع.

نظرت إلى وجهه… فوقي.

تشوجيتا كان ينظر إلي بنظرة شفقة.

نعم… لم يرَ بي خصمًا، بل عبئًا إضافيًا، عثرة في الطريق.

رفَع قبضته… كان على وشك توجيه الضربة القاضية.

حينها…

"طرااااخ!!!"

صوت المعدن يصرخ.

مضرب بيسبول معدني يهوي على رأسه بقوة، كأن الأرض نفسها ضربته.

شاهدت جسده يتمايل، يده ترفع إلى رأسه، وقطرات الدم تنساب من فروة شعره.

صرخ:

> "من هذا!!؟"

نظرت بصعوبة نحو الجهة الأخرى…

ورأيتها.

أخت كوغامي توراكو.

نعم… كانت واقفة أمامي، في مواجهة تشوجيتا.

وجهها غاضب… عيناها لا ترفّان.

ترتدي كمامة على فمها ، وتحمل مضرب البيسبول المعدني بيد واحدة، كأنّه امتداد لغضبها.

وقفت أمامي… تحميني.

> "المعركة لم تنتهِ بعد… أيها الحيوان."

قالتها ببرود، وصوتها كالسيف.

تجمدت نظرة تشوجيتا لثوانٍ، ثم ارتسم على وجهه شيء جديد…

غضبٌ حقيقي.

لكنني… رغم الدماء، رغم الألم، رغم كل شيء…

عرفت أنني لست وحدي.

2025/08/07 · 7 مشاهدة · 3343 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025