مع بداية الفصل الدراسي الجديد في أكاديمية السحر الملكية، انغمس ماحي بالكامل في دوره الجديد كـ "كالب"، الطالب المبتدئ الموهوب والمتحمس. كان حضوره في الفصول الدراسية مثالياً، ومشاركته مدروسة بعناية، وأداؤه في التدريبات العملية يثير إعجاب الأساتذة والطلاب على حد سواء، مع الحفاظ دائماً على لمسة من عدم الاستقرار المصطنع لتتماشى مع قصته الملفقة.كان يركز بشكل خاص على دروس السحر الناري، المجال الذي اختاره كواجهة لقدراته. كانت موهبته الفطرية (المعززة بقدرته على امتصاص الطاقة السحرية المحيطة) تجعله يتقدم بسرعة مذهلة. سرعان ما تجاوز زملاءه المبتدئين، وبدأ الأساتذة يقارنونه بالطلاب الأكثر تقدماً. لكن ماحي كان حريصاً على عدم إظهار كامل قوته. كان يرتكب أخطاءً متعمدة بين الحين والآخر، ويتظاهر بالإرهاق بعد إلقاء تعويذة قوية بشكل خاص، ويطلب النصيحة من الأساتذة بتواضع، مما يعزز صورته كطالب مجتهد وموهوب ولكنه لا يزال يتعلم.خارج الفصول الدراسية، كان ماحي يقضي معظم وقته في المكتبة، ولكن ليس فقط في قراءة الكتب المتاحة للجميع. كان يواصل دراسة اللفائف القديمة التي سرقها من القسم المحظور، بالإضافة إلى الكتاب المجلد بالجلد الأسود الذي أخذه من فينياس. كانت هذه النصوص هي مصدر معرفته الحقيقية، تكشف له عن أسرار سحر الظل، وعن طبيعة قوته في امتصاص الحياة والمعرفة، وعن المسار المظلم نحو الكمال الذي أصبح هدفه الأسمى.كان يمارس سحر الظل في سرية تامة، في غرفته ليلاً أو في زوايا منعزلة من حدائق الأكاديمية الشاسعة. تعلم كيف يشكل الظلال لتصبح غير مرئية تقريباً، كيف يتسلل عبر الأماكن المحروسة دون أن يترك أثراً، وكيف يستخلص خيوطاً رفيعة من طاقة الحياة من الكائنات الصغيرة المحيطة به – الفئران، الحشرات، وحتى النباتات – ليعزز قوته دون الحاجة إلى القتل المباشر (حتى الآن).كان يدرك أن قدرته على امتصاص الحياة والمعرفة هي سلاحه الأقوى، لكنها أيضاً سره الأخطر. كان عليه أن يجد طريقة لممارستها وتطويرها دون إثارة الشكوك. بدأ يفكر في الطلاب الآخرين، ليس فقط كمصادر محتملة للمعلومات أو كأدوات للتلاعب، بل كأهداف محتملة للامتصاص.كان دارون، الطالب الطموح الذي يفتقر إلى الثقة والذي أصبح يتبع "كالب" بإعجاب، هدفاً مغرياً. كان دارون ينحدر من عائلة نبيلة صغيرة، وكان لديه معرفة جيدة بالسياسة والأعراف الاجتماعية في المملكة، وهي معرفة كان ماحي يفتقر إليها. لكن امتصاص دارون الآن سيكون مخاطرة كبيرة. كان اختفاؤه سيثير ضجة، وقد يؤدي التحقيق إلى كشف ماحي.كان بحاجة إلى أهداف أقل أهمية، أهداف لن يفتقدها أحد. بدأ يراقب الطلاب الأكثر انطوائية، أولئك الذين ليس لديهم أصدقاء كثر، أو أولئك الذين يعانون أكاديمياً ويفكرون في ترك الأكاديمية. كان يجمع المعلومات عنهم بصبر، يدرس روتينهم، ويبحث عن فرص للانفراد بهم.في الوقت نفسه، كان ماحي يبني شبكة علاقاته داخل الأكاديمية ببراعة. لم يكن يسعى لتكوين صداقات حقيقية، بل كان يزرع بذور النفوذ والتأثير. كان يساعد الطلاب الآخرين في دراستهم (بشكل انتقائي)، ويقدم لهم النصائح (التي تخدم مصالحه غالباً)، ويستمع إلى مشاكلهم بتعاطف مصطنع. أصبح يُنظر إليه على أنه طالب نموذجي، ليس فقط في قدراته السحرية، بل أيضاً في شخصيته المتعاونة والداعمة.كان الأساتذة أيضاً معجبين به. الأستاذ ثيرون، مسؤول القبول، كان يرى فيه دليلاً على حكمه الصائب بقبول طالب استثنائي خارج الإجراءات المعتادة. الأستاذة إيلارا، خبيرة التقييم، كانت لا تزال تشعر بشيء غريب تجاهه، لكنها لم تستطع إنكار موهبته وتقدمه السريع. حتى أنها بدأت تفكر في إمكانية تدريبه بشكل خاص في المستقبل.لكن الشخص الذي كان ماحي حريصاً على كسب ثقته أكثر من غيره هو ماستر إلياس، أمين المكتبة العجوز الأحدب. كان ماستر إلياس هو حارس المعرفة الحقيقية في الأكاديمية، الشخص الذي يمكنه الوصول إلى أعمق وأخطر الأسرار المخزنة في الأقسام المحظورة. كان ماحي بحاجة إلى الوصول إلى تلك الأسرار، وكان كسب ثقة ماستر إلياس هو الطريقة الأكثر أمانًا لتحقيق ذلك.بدأ ماحي يقضي وقتاً أطول في المكتبة، ليس فقط للقراءة، بل أيضاً لمساعدة ماستر إلياس في مهامه. كان يساعده في إعادة الكتب إلى الرفوف، في تنظيف المخطوطات القديمة، وحتى في تنظيم الفهارس. كان يفعل ذلك بصبر وتفانٍ، ويستمع باهتمام إلى قصص ماستر إلياس عن الكتب النادرة والسحرة القدامى.في البداية، كان ماستر إلياس متحفظاً، كعادته مع معظم الطلاب. لكنه سرعان ما بدأ يلاحظ ذكاء ماحي غير العادي، وفضوله العميق للمعرفة، واحترامه الواضح للكتب والمكتبة. بدأ يتحدث معه بحرية أكبر، ويشاركه بعض الحكايات التي لا يرويها عادة لأحد."أنت تذكرني بنفسي عندما كنت شاباً، يا كالب،" قال ماستر إلياس في إحدى الأمسيات، بينما كانا يعملان معاً على ترميم مخطوطة قديمة متضررة. "نفس التعطش للمعرفة، نفس الاحترام للكلمة المكتوبة.""إنه لشرف لي أن أسمع ذلك، يا ماستر إلياس،" أجاب ماحي بتواضع. "أنا أجد أن المعرفة هي أعظم كنز في هذا العالم.""إنها كذلك، يا بني، إنها كذلك،" تنهد ماستر إلياس. "لكنها أيضاً يمكن أن تكون خطيرة. هناك كتب في هذه المكتبة تحتوي على معرفة يمكن أن تدمر العقول، أو حتى العوالم.""لهذا السبب يجب حمايتها بعناية،" قال ماحي، وهو ينظر ببراعة نحو الأبواب المغلقة للأقسام المحظورة."بالضبط،" وافق ماستر إلياس. "فقط أولئك الذين أثبتوا حكمتهم وانضباطهم يمكنهم الوصول إلى تلك المعرفة."كان ماحي يعلم أنه لم يصل إلى تلك المرحلة بعد في نظر ماستر إلياس. لكنه كان يزرع البذور. كان يبني الثقة، خطوة بخطوة. كان يلعب لعبة طويلة الأمد.بينما كان يواصل دوره كطالب نموذجي، كان ماحي يراقب أيضاً الأحداث خارج أسوار الأكاديمية. كانت مدينة زارغوس مكاناً صاخباً ومليئاً بالدسائس والفرص. سمع شائعات عن توترات سياسية بين النبلاء، وعن نشاط متزايد لعبادة ظلامية في الأحياء الفقيرة، وعن اكتشاف آثار قديمة غامضة في الجبال القريبة.كل هذه الأحداث كانت تثير اهتمامه. كانت فرصاً محتملة لاكتساب المزيد من القوة، أو المعرفة، أو النفوذ. كان يعلم أنه لا يمكنه البقاء حبيس الأكاديمية إلى الأبد. كان عليه أن يبدأ في مد نفوذه إلى العالم الخارجي.لكن في الوقت الحالي، كان دوره كـ "كالب"، الطالب النموذجي، هو الأولوية. كان عليه أن يتقن هذا الدور، أن يجعله غير قابل للشك. كان عليه أن يصبح محبوباً ومحترماً وموضع ثقة الجميع. لأنه عندما يثق بك الجميع، يصبح من الأسهل بكثير خيانتهم واستغلالهم.وفي أحد الأيام، بينما كان يسير في ممرات الأكاديمية، رأى إعلانًا على لوحة الإعلانات. كانت الأكاديمية تنظم مسابقة سحرية سنوية للطلاب المبتدئين، والجائزة الأولى هي فرصة للتدرب مع أحد كبار الأساتذة، بالإضافة إلى الوصول المحدود إلى بعض الأقسام الأقل حراسة في المكتبة.ابتسم ماحي ابتسامة باردة. كانت هذه هي فرصته. فرصة لإظهار موهبته (بشكل محسوب)، لكسب المزيد من الاحترام والإعجاب، وللاقتراب خطوة أخرى من المعرفة المحرمة التي كان يتوق إليها. كانت المسابقة هي المنصة المثالية للطالب النموذجي ليلمع. وكان ماحي مستعدًا لتقديم عرض لا يُنسى.

2025/05/06 · 8 مشاهدة · 984 كلمة
Abdelmalik
نادي الروايات - 2025