الفصل 1: الولادة

تحت صوت الرعد و الأمطار المتساقطة تتعالى صرخات امرأة على وشك الولادة، و في مكان بعيد تتحرك عربة يجرها حصانين بسرعة لكن بالكاد يسمع صوت عجلاتها و صوت أقدام الحصانين بسبب طغيان صوت الرعد و الأمطار. وصلت العربة إلى وجهتها، منزل قديم يصعب تحديد ما إن كان مسكونا أو مهجور، و هو المنزل الوحيد في تلك المنطقة، مازالت صرخات المرأة تعلو من داخل البيت، هبط رجل ذو معطف أسود بسرعة يجري نحو الباب ففتح الباب ليطمئن على المرأة.

- أنا آسف يا ياسمين، يبدو أننا لوحدنا. يا ليتنا لم نغادر القرية على الأقل كنا لنحصل على مساعدة، أنا حقا آسف.

- لا تقلق يا أحمد أنا سأتحمل و سأنجبه، أحضر بعض الماء، أنت أبوه و ستساعده، أنا متأكدة من أنه فتى قوي و سيعيش.

- لا يهم فتى أو فتاة، كل ما يهم هو أن تكونا بخير، لا أريدك أن تعاني مجددا بسببي.

- لا تقل هذا يا أحمد، أعرف أنك من قاسيت الأمرين، أنت كنت تنتظر طفلنا الأول بفرح و سرور لكن بسببي لعنتي فقدناه، أنا آسفة.

- إياك و قول ذلك، لست السبب على الإطلاق، بسبب ضعفي فقدنا طفلنا.

كان ذلك أحمد و زوجته ياسمين على وشك الولادة، إنه جنينهم الثاني، فقبل سنتين فقدا طفلهما الأول أثناء الولادة، و غادرا القرية بعد ذلك. كان أحمد حدادا يصنع الأسلحة، اختار الحدادة ليكون أقرب من المقاتلين بما أنه لم ينجح في تحقيق حلمه فقد كان فاشلا في القتال و يسخر منه أقرانه، لكن كسب احترام البعض بسبب مهارته في الحدادة إلا أن الأغلبية يحتقرونه، فحتى لو كانت مهارته في الحدادة عالية فهو لم ينجح في اختبار المقاتلين لضعف طاقته الروحية و كونه لم يتجاوز المستوى الأول حتى.

بعد المغادرة مع زوجته يرتحلان من مكان لمكان، أصبحت زوجته ياسمين حبلى و غمرتهما فرحة شديدة و قررا المكوث في بيت مهجور وسط غابة حتى تضع ياسمين المولود، و لما حان يوم الولادة توجه أحمد إلى أقرب قرية لكن بسبب حالة الطقس لم يستطع الوصول إلى القرية فعاد إلى زوجته خائبا.

كانت ياسمين تصرخ من شدة الألم و أحمد يمسك بيدها و يشجعها على التنفس، شهيقا و زفيرا، مرت ساعات على هذا النحو و أخيرا وضعت ياسمين المولود. أغمي على ياسمين من شدة الإعياء، و لما استفاقت سألت أحمد:

- كيف حال الجنين يا أحمد؟

كانت نظرات أحمد يملأها الحزن و ينظر إلى ياسمين ثم قال:

- أنا آسف يا ياسمين..

فبدأ بالبكاء و هو يتأسف. فقالت ياسمين:

- أين هو؟ أريد رؤيته..

حمل أحمد جثة الجنين ووضعه بين أحضان أمه فبدأت تبكي و تقول:

- أنا ملعونة، أنا آسفة يا صغيري بسببي فقدت حياتك.. آسفة يا أحمد بسببي فقدت طفليك

- لا تقولي ذلك يا ياسمين، لو كنت أقوى لما حدث هذا، أنا الملام..

بدا الأمر و كأن السماء تبكي معهما أثناء تساقط المطر، فجأة انطفأت الشموع و خيم الظلام في البيت كما لو أن السماء تقيم مراسم دفن للطفل الصغير، فقام أحمد و أشعل الشموع من جديد، ثم سمع صوت ياسمين تنادي:

- أحمد، أحمد، إنه.. طفلنا.. إنه..

هرول أحمد نحو ياسمين و الطفل و رأى الطفل فاتحا عيناه، تلك العينان اللتان بالكاد يظهر فيهما الأبيض فبؤبؤهما كان أسودا كبيرا، كما لو أن الظلام يسكنهما. فسقط أحمد على ركبتيه، أما ياسمين فقد كانت تحضن طفلها العائد للحياة.

2018/03/30 · 377 مشاهدة · 519 كلمة
نادي الروايات - 2024