16 - مُتَلاعِب (النهاية)

قبل أكثر نصف ساعة بقليل وعند النظر إلى المنطقة المحيطة بالعاصمة المسماة بمنارة الضباب بمنظر بانورامي يمكن رؤيةُ وحشٍ طائرٍ وهو يحلق في أعالي السماء بينما يقلل من إرتفاعه وسرعته بشكل تدريجي ليهبط أمام البوابة الشمالية للعاصمة.

والتي هي الأخرى محاطة بجدار سميك من الأحجار كايِّ مدينة أخرى في هذا البلد ولكن تتميز جدران العاصمة عن غيرها بأرتفاعها العالي الذي يصل إلى أكثر من خمسين متراً وبنقاط الحراسة المنتشرة على طول السور المحيط بها ولا ننسى الأحجار الملونة والمستديرة التي تم خرسها في الجدران على مدا النظر.

عند استقرار هذا الوحش الطائر الذي تعدى طوله العشرة أمتار من ذيله إلى منقارة وبعرض أكثر من أربعة وعشرون متراً من باع جناحيه ترجل منه ثلاث شخصيات وربع وعلى التوالي؛ رجل في منتصف العمر، إيڤان والمربية التي أحضرها معه والتي تحمل أورن بين أحضانها.

" إدِك، بإمكانكَ الراحة الآن" تحدث الرجل في منتصف العمر إلى الطائر الذي أطلقَ عليه بإدِك ليومِئ الأخير بهز رأسه ويبدأ حجمه بالتقلص شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح حجمه بطول 50 سم وعرض 120 سم تقريباً و ليهبط على الكتف الأيمن لرجل في منتصف العمر.(1)

" إذن إيڤان مازلتَ لم تغير رأيك بشأن مرافقتي إلى القصر الملكي ورؤية الملك؟"

"أنا أعتذر بشأن ذلك لكن وكما ترى فإن لدي أموراً مستعجلة والتي تتطلب إشرافي الشخصي على ذلك، لذا مجدداً أطلب أن تعذرني النبيل نارڤن لنكران جميلكَ هكذا"

" لا تكن هكذا فلا أحب أن أرى وريث عائلة ماكلين أن يكون هكذا. بأية حال فإن الإجراءات الرسمية للقاءِ الملك ستأخذُ بعض الوقت وربما يكون موعد الإجتماع غداً لذلك إن أردت أن ترد جميلي حقاً فتأكد من الحضور حين إذٍ"

"بالتأكيد!"

"إذن أراكَ في وقتٍ لاحقٍ وإلى الوداع~"

بعد توديعٍ أخيرٍ غادر النبيل نارڤين ناحية البوابة ولِيركبَ في عربةٍ كانت متوقفة بالقرب من البوابة والتي كانت فاخرةً بمظهرها وتحمل شعاراً محفوراً عليها يصور فارساً يحمل قوساً وهو يقف على وحشٍ طائرٍ مجهول وهو يشع بالشجاعة والغرور.

لم يقف إيڤان أكثر من ذلك وهو يسير إلى البوابة ويدخل عربة تحمل نفس الشعار الذي كان على العربة التي أتى بها إلى الميتم ولكنها تختلف عنها بكونها أكثر فخامةً بما لا يقارن بينما كان شعارها المكون من شجرةٍ بجذعٍ بني وأوراقٍ بيضاء تميل إلى اللون الوردي ولتتغلغلُها العروق حمراء وبنور الشمس كخلفيةٍ لتكمل هذه العربة ومظهرها الفاخر.

ركب إيڤان العربة مع المربية التي تحمل أورن جَلَسا على مقاعد العربة بأريحية ولينطق إيڤان أمِراً سائق العربة.

"إنطلق"

لم يكن على إيڤان قول ايِّ أوامر إضافية فلقد سبق وأن اتصل بمنزله في أثناء رحلته الجوية تلك ليبلغهم بتقدم موعد وصوله بجهازٍ خاص لهذا الغرض.

كان أورن الصغير لا يزال 'نائماً' في أحضان المربية ويبدو أنه قد فاته المنظر المذهل لهذه المدينة النابضة بالحياة بكل منازلها وأسواقها. حتى أن من بين الأشخاص الذين مرت من قربهم العربة كانوا يتميزون بصفات خاصة كلون جلدهم الأخضر أو البشرة الشاحبة والمقترنة مع القزحية البيضاء والتي لا يكاد يمكن تفريقها عن بياض العين.

في النهاية وبعد ما أقل من ساعة وصلت العربة إلى بوابات قصرٍ مذهل والذي يقع في الجزء الغربي من العاصمة وليس بعيداً للغاية من القصر الملكي الذي يقع بالجنوب الشرقي لهذا القصر.

فور رؤية العربة والشعار المحفور عليها تحرك الحراس بسرعة لفتح أبواب السور المحيط بالقصر لتدخل العربة دون تأخير وتصل إلى الباب الأمامي لهذا القصر.

ترجل إيڤان من العربة بمساعدة خادم شاب بعد توقفها بالقرب من الدرج المؤدي إلى الباب الرئيسي لتحطَ نظارته على المجموعة من الخدم الواقفة على كِلَا جانبي الدرج وهم يحنون رؤسهم باحترام بينما وبعده مباشرة ترجلت المربية هي الأخرى من العربة بمساعدة نفس الخادم.

" هذا يكفي بإمكانكم أخذ راحتكم جميعاً"

تقدم إيڤان إلى الأمام وهو يسير باعتدال ولكن كما كان على وشكِ الدخول تجاوز عتبة الباب تكلم فجأة بتذكر إلى إمراة تبدو أنها في الثلاثينات من عمرها والتي كانت ترتدي زي كبير الخدم.

"جوليا عليكِ بالاعتناء جيداً بالمربية لاتانيا وكذلك الصغير أورن. بالمناسبة هل السيدة موجودة في مكانها المعتاد في هذا الوقت؟"

"كلماتك أوامر، ونعم السيدة في الحديقة الخلفية كالمعتاد"

فور دخول إيڤان إلى قصره تبعته المربية لاتانيا إلى الداخل كذلك لتتبعها جوليا هي الأخرى.

" من فضلكِ" مدت جوليا يديها إلى لاتانيا كإشارة لتسلم أورن لها ولم تخيب المربية آمالها وهي تسلم أورن النائم إليها قبل تسليمه إلى إحدى الخادمات لأخذه الغرفة التي سبق وتم تخصيصها له بينما أرشدت المربية إلى غرفة معدة للضيوف لكي ترتاح فيها بعد هذه الرحلة المتعبة.

في الحديقة الخلفية بأرضها المنبسطة بالعشب الأخضر و زهورها بشتى الألوان التي تبعث برائحتها الزكية لتغزو الهواء وكل ما قد يمر بجانبها بينما يتوسط هذه الحديقة الخلابة شجرةً شامخةً بجذع بني وأوراق بيضاء اللون والتي تميل إلى الوردي الزاخر بالحياة و بعروقها الحمراء.

لكن وحتى مع جمال هذه الحديقة التي تصلح لتكون لوحةً فنية لا تضاهى كان شاحباً عند مقارنته بالمرأة التي تجلس على الملاءة البيضاء تحت هذه الشجرة الشاهقة محتميتاً من أشعة شمس الصيف الحارقة.

بشعرٍ أبيضٍ يصل إلى الخصر وملامحٍ لا تضاهى لمرأةٍ بالكاد هي في ريعان شبابها رغم تشوبها بالاكتئاب والحزن الذي يفطر قلب المرء مقترناً بالمظلة البيضاء المزركشة التي تحملها في يدها...

آه! ، التهند هو كل ما يمكن أن يصف هذا المشهد...

التَهند؛ على هذا القدر اللعين إذ لم يكن هناك من يرسمُ هكذا مشهد لن تجده إلا في أحلام اليقظة…

التهند؛ على هذا العالم القاسي إذ حتى أكثر الأشياء جمالاً لا تزال لا تسلم منه…

التهند؛ على الحياة لظُلمِها لهكذا كائن والذي وبشكلٍ غريب يشابه 'شخصاً' معيناً…

"تارين!"

مع الأسف الشديد تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفن وحتى هذا المشهد لم يسلم من هذا المثل إذ تمت مقاطعتهُ من إيڤان الذي كان يسر ناحية هذه المرأة المدعوة بـ تارين ليُقِظَها من شرودها الذي دام لم يعلم لكم…

" تارين، لدي ما أتحدث به معكِ لذلك هل أنتِ على ستعدادٍ لسماعي؟" بنغمةٍ لطيفةٍ مِلؤها الحب والرعاية تكلم إيڤان مع تارين، إذ لم يكن لجوههِ الواثق والهادئ في الميتم ايُّ أثر وهو يخاطب هذه المرأة.

" بالتأكيد~، لما لا تجلس بجانبي حتى تأخذ راحتك بالحديث فلا أعتقد أنك قد ارتحت إلى لآن من رحلتك، أليس كذلك؟" كان صوت هذه المرأة مملوء بالخفة والرقي وهي تتحدث بينما تربت على المكان الذي بجانبها على سطح هذه الملاءة البيضاء.

"لما لا؟" جلس إيڤان بجانب السيدة بصمت ولأكثر من عشرة دقائق بعد رده القصير هذا ، مع ذلك لم يكن هذا الصمت يبعث ايَّ شعورٍ بالحرجِ أو التنافر إذ اندمج إيڤان تماماً مع هذا المشهد وهو غائبٌ في ذهوله حتى نسي لِما قد جاء لأجله حتى.

"إذاً ما هو الأمر المهم حتى تقاطع وقتَ خلوتي فور مجيئكَ هكذا؟" لم تُدر تارين رأسها حتى وهي تلعب بخصلات من العشب الأخضر بأطراف أصابعها.

"إن الأمر كالآتي…" كان هذا الحديث الجدي يجري في هذا القصر وتحديداً في الحديقة الخلفية المخصصة لهذه السيدة بينما وفي نفس الوقت كان أورن مستلقاً في سريره وهو لا زال يحرك أصابعه بطريقته الغريبة تلك.

لكن هذه المرة لا يمكن رؤية تلك الخيوط شبه الشفافة إلا وهي تتراقص بين أصابعه وهي تمتَدَ خارج الغرفة لتتصل بثلاث كائنات مختلفة تماماً ولكن في نفس المكان والذين كانوا على التوالي؛ إيڤان، تارين وطائرٌ أبيضٌ صغير لا يتعدى أصبع السبابة لشخصٍ بالغ وهو يطير بهدوء من زهرة إلى أخرى بينما هو يتقدم ببطء ولكن بثبات ناحية الشجرة البيضاء ويهبط على أحد أغصانها والتي لا تبعد كثيراً عن هذا الثنائي.

…...

بعد ما يقارب نصف ساعة كانت المحادثة بين الثنائي قد وصلت إلى محتوى حرجٍ بالفعل إذ قد سبق وشرح إيڤان مجمل الأمر المتعلق بأورن ولم يبقى غير إجابة زوجته تارين بشأن هذا الأمر.

"أنا أفهم ما تحاول فعله وما هي نيتُكَ في الأمر، لكن لا يمكنني فـ-" كان صوت تارين لا يزال هادئاً كما هو ويمكن أن يصل إلى أعماق وعي من يسمعه حتى عند حديثها عن هكذا موضوع حساس ويبدو من كلامها أنها كانت على وشكِ نفي الفكرة بأكملها، فقط لتتوقفَ في حديثها كما لو ضربها الإدراك فجأة.

"لا تأبه لذلك، فقط لنذهب ولنرى كيفَ يبدو هذا الصغير الذي كنتَ تتحدث عنه طوال هذا الوقت" كما لو أن أحدهم ضغط فجأة على زر تبديل الأفكار في رأسها تبددت أفكار الرفض لدى تارين ليحل محلها الفضول والتساؤل عن هذا الكائن الصغير الذي ظهر حديثاً في هذا القصر.

" بالطبع، فأنا متأكد من أنكِ ستُأسرين به كذلك فور رؤيتكِ له كما حدث معي"

"إذن هيا بنا~"

في نفس الوقت كان أورن يبتسم بإنجاز وفخرٍ يصل إلى السماء السابعة.

' رائع، المهمة رقم واحد للاندماج مع هذا المنزل قد تمت بنجاح تقريباً، لكن لا يزالُ الأمر يتطلب بعض الحذر لذلك…'

' [نظام - ختم] '

بفعله هذا تغيرت تعابيره ووجوده بالكامل إذ لم يعد أكثر من طفلٍ عادي وإن كان هناك سابقاً ولو فرصةٍ صغيرة للغاية لإكتشافه فإن هذا الاحتمال قد مُحِيَ الآن بالفعل...

________________________

ملاحظة (ملاحظات) الكاتب:

1. إن النسبة الإعتيادية للحجم بعد إستعمال تعويذة التصغير تكون بالقسمة على عشرة أضعاف أبعاد الجسم الاصلية و قسمة الناتج أيضاً على رقم مرحلة التحول التي فيها ذلك الوحش.

2022/04/19 · 73 مشاهدة · 1401 كلمة
-_-Dlela
نادي الروايات - 2025