بعد إسكاته من قبل سيل إنتقل أورن للتحدث إلى أحد الأنا الأخرى عن طريق الترابط في أرواحهم إذ أنهم جميعاً ينبعون من أصل واحد، والذي كان...

' هاي كلكامش لدي شيءٌ أحذركُ منه!'

عند سماعه ذلك توقف كلكامش عن السير وأغمضَ عينيه. حسناً مع أنه يطلق عليه سيراً إلا أنه وفي كل خطوة يخطوها تبتعد عن سابقتها بعشرات ومئات الأمتار.

' إذا كان الأمر كما تقول فلما لم تشاركه عبر {النظام} وحسب هاه؟ أورن أنتَ تعلم طبيعتي جيداً لذلك لا تحتاج إلى الفِ والدوران'

كانت المحادثة بينها صامتةً تماماً إذ أنها تجري على المستوى الروحي فالأمر أشبه بتحدثِ الفرد لنفسه لكن في هذه الحالة فإن هناك من يردُ عليه فعلاً.

' حسناً بالتأكيد، فكما تعلم هذا السيلُ الأحمق لم يأخذ موضوع هذا الوجود الغريب على محمل الجد وأنتَ تعلم أنهُ بعد تجربتنا الأخيرة مع السجين الثاني عشر والبيانات التي حصلنا عليها منه أن هناك كيانات أقوى منا بكثير والتي تمتلك أساليب لا تصدق، ومع ذلك فكما هو مع إسمه فإن سيل يأخذ الأمور بتروي وبطء شديد، قد يكون هذا غير مضرٍ في حالاتٍ أخرى إلا أنه وفي هذا البعد المجهول لا يمكننا التأني على الأطلاق حتى إنبات أنفسنا فيه بعمقٍ وإلا…'(1)

' أفهم وجهة نظرك ولكن ألا تقلل من شأننا كثيراً؟ فحتى لو اجتمع جميع من على هذا الكوكب على قتلنا فإن فرصهم لا تتعدى الصفر تقريباً، ومع ذلك فإنكَ لست مخطئاً في قلقكَ هذا. لذا ما الذي تود مني فعلَهُ بالضبط؟'

' كما هو متوقعٌ منكَ يا كلكامش فأنتَ حقاً الأفضل لديَّ~(2). في الواقع فإن الأمر بسيطٌ للغاية وهو إكمال ما نفعله حالياً لكن بفرقٍ بسيطٍ ألا وهو أن لا نكتفي بالاندماجِ وحسب وإنما تسريع الخطة قليلاً بالسيطرة على هذا الكوكب من الظل بدئاً من عاصمة البلد الذي أنا فيه حاليا المدعوةِ بمنارةِ الضباب!'

' هذا يبدو جيداً ،لكن وإلم أكن مخطئاً فأنتَ لم ولن تخبر البقية بذلك, أليس كذلك؟'

'بالتأكيد!، هل تظُنُنِي بهذا الحمق؟ فسيل نائم حالياً ولمن يعلم لمتى، بينما من ناحية أخرى فإن قيصر لديه أشياء أكثر أهمية للإعتناء بها وبالنسبة لليلى فلا تذكرها حتى، سيكون بالفعل جيداً إلم تكن مصدرَ إزعاج أو الأسوء أن توقفنا تماماً!'

' لا تتلاعب بالكلام هكذا، فإننى وسنبقى واحداً بالفعل فمهما قلتَ أو فعلتَ فلن يغيرَ ذلكَ شيئاً، لذلك توقف عن عادتك السيئة هذه واذهب لعملك ولا تزعجني إلا بعد وصولي إليكَ أو إذا كانت حالةً طارئة. حسناً؟'

' ممل. ألا يمكنكَ مجارتي على الأقل؟ لِمَ ينجحُ الأمرُ مع سيل ولا يحدث ذلك معي؟ هل اتفقتم عليَّ جميعاً حقاً!؟'

' شيءٌ من هذا القبيل، فجميعنا يعلم بالتجربة أنكَ وبمجرد إعطائكَ شبراً ستأخذ ميلاً على عكسِ سيل إذ يعرفُ متى يتوقف'

'تسك، لا تهتم بعد الآن ها أنا راحل!'

'...'

" آه ، إذن أيكم يود التقدمَ أولاً هاه؟" عند فتح عينيه مجدداً ركزَ كلكامش عينيه على الأشجار من حوله ويبدو أن نظرته تخترقها لِتصل إلى عددٍ من الذئاب الثلجية التي كانت تتقدم وبحذر شديد في اتجاههِ والتي أحاطَت بهِ من جميع الجهات، فقط لتتوقفَ مؤقتاً عند سماع صوته وكيفَ تم كشفها قبل الأوان لتنطلق بأقصى سرعتها بعد لحظة من تجمدها وهي تزمجر بشراسة!

" إذن ستأتون جميعكم معاً؟، حسناً يبدو ذلك أكثر إنصافاً بقليل" لم يتأثر كلكامش لا بانطلاقهم السريع هذا ولا حجمهم الذي يبدو أنه مشابه للأسُودِ في عالمه السابق إلم تكن أكبر حجماً بالفعل.

"«وَجهَةُ نَظَر»"(3)

نطق كلكامش دونَ تأثر، بينما وبالاجتِماع مع مظهره وموقفهِ اللامبالي هذا والمشهدِ المحيط بهِ لقطيع الذئاب وهي تنقض عليه بشراسة ومع الأرض البيضاء كخلفية لتنشئ لوحةً لا تنسى لخبيرٍ عجوز وهو وحتى بعمره هذا لا يزال يواجهُ أهوالَ هذه الدنيا بشجاعةٍ وموقفٍ مهيمنٍ لا يضاها!

لكن

فجأة توقف قطيع الذئاب هذا عن إنقضاضهِ هذا وتَرنحت الذئاب وهم يحاولون التخلص من الطاقة المصاحبة لتوقفهم المفاجئ بعد اندفاعهم العنيف وهم ينظرون إلى كلكامش بارتباكٍ في أنَةٍ وبألفَةٍ في أخرى، وبعد عدة ثواني تقدم أحد الذئاب إلى كلكامش قبل أن يفرك جسده بلطف بفرائه الناعم ويتبعه باقي الذئاب في تقليد فعله العجيبِ هذا!

"همف، هذا ما كان يجب أن تفعلوه منذُ البداية والآن من هو القائد بينكم؟" تذمر كلكامش وهو يتساءل ، ولم يستغرق إلا لحظة حتى يظهر الجواب أمامهُ مباشرة.

"إذن هو أنتَ أليس كذلك؟" كانت الذئاب قد تراجعت بضعة أمتار عنه ليبقى فقط ذئب واحد والذي كان مميزاً ببعض العلامات والجروح على رأسه والهالة العنيفةُ التي تحيطُ به.

"إذن ما الذي تنتظره؟ مازالَ أمامنا طريق طويل لنسلكهُ قبل الوصول لوجهتِنا لذلك علينا عدم الإبطاء، وأنتم جميعاً فلتأتوا أيضاً وأنا أضمن ألا تندموا على مرافقتي أبداً!" كانت أفكار كلكامش لغزاً فما يتعلق بجلبه هذا القطيع من الذئاب معه والذي لا يبدو أنه سيفعل شيئاً غيرَ اطالة رحلته الطويلةُ بالفعل.

رغم ذلك أومأت الذئاب بفهمٍ وحماس وليتقدم الألفا بالقرب من كلكامش قبل انحنائه و جلوسه على قوائمه الأربع.

لم يتردد كلكامش ولا حتى قليلاً وهو يمتطي هذا الذئب والذي حتى عند رؤيته بعينيهِ مباشرة وكيفَ تم ترويضه لن يصدقَ آحدٌ ذلك من سريالية المشهد والطريقة التي تم ترويضه هو وباقي القطيع بها والتي لا يمكن إلا وصفها بالعجيبةِ وغير المفهومة!

"إذن لننطلق ولنرى ما تخبئه هذه الدُنْيَا تحت أكمَامِها لنا في رحلتنا هذه!" مِصرحاً بذلك وقف الألفا وهو يتحرك ببطء ويعتاد على الوزن على ظهره وما هي إلا بضع ثواني حتى بدأ بزيادة سرعته وصولاً إلى الجري وليتبعهُ باقي القطيع ولكن بسرعة أقل قليلاً مع تفواتٍ في ما بينهم.

لكن

"هذا...ما الذي تِظُنُ نفسكَ تفعله بالضبط بتوقفكَ المفاجئ هذا؟ ألا تعلم أن قلب هذا العجوز تالفٌ بالفعل(4) ولا يتحمل الكثير من الإثارةِ والإنفعال!" إنتقد كلكامش هذا الألفا على توقفه المفاجئ والذي قد كاد يسقطُ بإثره على الأرض الجليدية هذه أثناء ترجله من على ظهره ومتذمراً منه.

عواء~ عواء~

عوى الذئب في كلكامش ورفع رأسه ناحيته ليلقي بنظراتٍ يملأها العجز والاستسلام.

" ماذا!؟ كرر ما قلتَهُ مجدداً!"(5)

عواء~ عواء~ عواء~

عند سماع أمره كرر الذئب عوائه، لكن وعلى ما يبدو أنه كان أكثر دقة هذه المرة ويحمل معه المزيد من المعاني و الكلمات.

" حسناً؟، إن كان الأمر كما تقول فالحلُ بسيطٌ للغاية، فكل ما علينا فعله هو جلبهم معنا!"

عواء~ عواء~

" نعم أنتَ محق، إن الرحلة ستكون صعبةً بالفعل على هذه الأشبال الصغار، لكن لدي الحل لذلك!، أليس كل ما في الأمر أنهم ما زالوا صغاراً؟ إذن لا توجد مشكلة في ذلك، فقط خذني إليهم ولا تقلق بشأن ايِّ شيءٍ آخر!" لم يتأخر أكثر من ذلك ركب كلكامش الذئب مجدداً و لينطلق هذا الألفا بحماس إذ يبدو أن كلام كلكامش قد ادَبَ فيهِ الحياة و ليركض بضعف سرعته السابقةٍ تقريباً!

……..

بالعودة إلى أورن فقد كان ومنذُ فترةٍ مستلقاً في سريرٍ مخصص للأطفال في غرفةٍ لا يمكن وصفها إلا بالفاخرة، إذ لم يمضي على انتهاء رحلتهِ ودخوله منزل أبيه بالتبني إيڤان ماكلين أكثر من نصف ساعة.

كان هذا المتلاعب الصغير يحرك أصابع يديه عشوائياً وبطريقةٍ غريبةٍ للغاية، لكن وإن كان هناك أحد الأنا الأخرى أو شخصٍ مميز بما يكفي فسَيُشاهدُ مشهداً مختلفاً للغاية والذي يبثُ الرعب في النفوس الضعيفة والقلوب الهشة ، إذ ودون علم أحدٍ كان أورن هذا يقوم بالتلاعب وتحريكِ خيوطٍ متعددة و شبهِ شفافة والتي تمتدُ جميعها خارج الغرفة و لتتصل وترتبط بجميع المقيمين في هذا القصر على ما يبدو، وتفعل أشياءً لا يدركها أحدٌ بتاتاً.

"آه" تهند أورن الصعداء بجسمه الصغير هذا ليصدر صوتاً لا يمكن وصفه إلا باللطيف.

' إن استعمال كل من «تَلاعُب» و«خِيوطُ الواقِع» معاً يشكل عبئاً كبيراً على جسدي الصغير هذا وطاقته، لكن لا بأس فكلُ شيءٍ يسير حسب الخطة!'

'ويقولون أن الحظ هو ما يصنع الحياة! إنظر إلي،ها أنا هنا في منزلِ نبيلٍ بمكانةٍ رفيعة ودون ايِّ حظٍ او تتدخلٍ عرضي من لا أعلم من، وكل ذلك ببعض التلاعب البسيط!' حتى مع تفكيره الصامت هذا لم ينسى أورن أن يرفع قبضته بانتصارٍ بينما كانت نظرات الشماتة والتفوق تَلُوحُ من عينيه الصغيرتين.

'همف، سؤري هذا العالم ما الذي يعني المُتَلاعِبُ حقاً!، بداً من هذا المنزل وما هو شعور الرعب الذي يصيبُ كل من يتجرء على تفكرِ بي!' رغم أفكار أورن التي يبدو عليها الغرور والتكبر إلا أن كل من وقَعَ في خيوط شباكهِ من قبل لن يستطيعَ إلا إعطاء موافقته المطلقة على هذا البيان وهو يندبُ دموعَ الأسفِ سُدًى.

إذ أن حتى من أتقن بما يدعى 'بالقوانين' و'المفاهيم' كالقدر والمصير سيحينُ هناكَ وقتٌ يتوجب عليهم فيه بالركوع تحت وطئةِ هذا المتلاعب الذي لا يعرف معنى المشاعر أو ما هي شفقةُ حتى…...

________________________

ملاحظة (ملاحظات) الكاتب:

1.هنا المعنى مجازي.

2. إنَ (~) تعني لحناً معيناً وبإمكانك تخيله حسب خيالك و إسلوب الكلام الذي ورد به.

3. إن «وَجهَةُ نَظَر» تمثل «حقيقة النسبية» مثل أن هذا الشيء قيم بالنسبةِ لك بينما ما هو إلا قمامة بالنسبةِ لآخر ومثل أن هذا الشخص هو إنسان بالنسبة لك بينما بالنسبةِ لآخر فهو لا يتعدى الوحش ومن هكذا قبيل...

4…..(خمن؟؟؟؟؟)

5. باستطاعة سيل أو الأنا الأخرى فهم ايّ وجميع اللغات كما قد ذكرَ السبب أنفاً بالفعل في الفصول السابقة، ونعم لم 'أترجم' لغة الذئب لأني قد ارتأيتُ أن ذلك أفضل فضلاً عن أن الأمر مفهوم من سياق الكلام.

2022/04/10 · 62 مشاهدة · 1416 كلمة
-_-Dlela
نادي الروايات - 2025