“احمم ، اسف احياناً انجرفُ في افكاري دون قصد والآن ايتها الدببة هل ستساعدوني في تجاربي مجاناً ام علي الدفعُ لكم مقدماً؟”
ابتسم الشاب بإبتسامةٍ تطلب لصاحبها الضرب في اخرِ جملته وليرد عليه الدب الذكر بتسائل.
“تجارب؟،دفع؟ شيطان لما لاتُعرف بنفسك اولاً والى ايّ فيلقٍ شيطانيٍ تنتمي؟”
كان الدبُ حذِراً في كلامه وهو يقيس الوجود امامه فرغم دعوتهم له بالشيطان فلم يكن يشبههم إلا في الشكل فكل من الهاله والوجود الذي ينبعث منه مختلفة تماماً عن الشياطين الاخرى التي واجهها من قبل ، فضلاً عن كون هذا الوجود لا يشع منه أيُّ أوقية من المانا والذي يجب أن يكون مستحيلاً ما لم يكن أقوى منه بكثير مما جعله أكثر حذراً.
"فيلق شيطاني؟ماهذا؟ مجموعة من المقرمشات لأكُلَها؟، اسف لاعلم عما تتحدث عنه لكن إن كنت تتحدث عن انتمائي فأنا لا انتمي لأحدٍ حالياً"
“بففت، إذاً أنتَ مجردُ جنديٍ فارٍ من الحرب؟ من أين اتتك الشجاعة لتتطفل على أرضنا ، شيطان!؟”
سخر احد الدببة الصغيرة من هذا الشيطان لما علم بعدم انتمائه لأيِّ حزبٍ معين.
لكن بسماع كلام الشيطان زاد الحذر وعدم اليقين في عيون الدببة البالغة،وليرن صوت الدب الذكر من جديد، وهذه المرة بفارغ الصبر.
“شيطان لأخر مرة اسألك هذا!،عرف عن نفسك الآن!”
“اعرف عن نفسي؟ صحيح كيف اهملتُ مثل هذا الأمر المهم؟ لكن السؤال هو هل تستحقون ذلك جميعاً؟”
تحولت عينا الشاب الى الجدية وهالته التي كان يحبسُها منذُ مجيئه الى هذا العالم الجديد تنطلق منه بوعي والاف من الافكار والنوايا تدور في ذهنه ولترتسم تلك الابتسامة المليئه بالازدراء لوجودٍ ينظرُ لاسفل لكل مخلوق اخر كما لو كان ينظرُ لنملٍ تجرءَ على انتهاكِ مكانتهِ ليُخفيَ بذلك النظره المدروسةِ في عينيه.
وكما اطلق العنان لهالته سكن الجو شعور من التقيد فلا ستمرت الرياحُ في حركتها ولا الاشجار في حفيفها وكانت المنطقة المتأثرة بهالته تزيد عن 1000 متر وكون الدببة في مركز هذه الهاله فضلاً عن كونها الهدف كانت تشعر بشعور فضيع من الضغط و التقيد!
“أنتَ….”
حاول الدب الأكبر التحرك في اتجاه الشاب وهو يتكلم لكن ما أن رُفِعت قدماه عن الأرض البيضاء حتى ظهرت خمسة سلاسل وهميه لتقيد كل من رأسهِ وأطرافهِ الاربعة وتُسطحهُ بالأرض ليتوقف بذلك عن الكلام والخوف يملأه هو وباقي المجموعةِ من الدببة.
فالسلاسل رغم كونها تبدو كالوهم الذي سيتبددُ في ايِّ لحظه، كانت تبثُ الرعب في كل من يشاهدها كما لو رأوا شيءً ما كان يفترض بهم رؤيتهُ والذي لا يمكن محوه من ذاكرتهم ما حَيَوا .
'حسناً،كان الاختبار ناجحاً ,إن الهالة التي تنطلق مني بعد التهام قطع «قيود الحقائق» تعمل بشكل أفضل من ما توقعت '
فكر الشاب وهو يحبسُ ضغطهُ مجدداً وليعود العالم الى طبيعتة بما في ذلك تلك السلاسل الخمسة التي كانت تقيد الدب الذكر.
"إن تَجَرُؤكم على سؤالي بحد ذاته جريمة نتيجتُها المحو في العادة،لكن بما أني اليوم في مزاجٍ جيد فسوف اعفو عنكم جميعاً هذه المرة فقط "
كان الشابُ يشع بالتكبرِ غيرَ المُحجم.
‘مجنون هذا الشيطان دون شكٍ مصابٌ بالجنون ' كان الدب الصغير الذي وصفهُ بالمجنون سابقاً لا يزالُ متمسكاً بعتقاده لكن لم يجرؤ على فضح افكاره خوفاً من هذا الشيطان.
“والآن ليما لا نقدم انفسنا جميعاً؟، ولكوني الأكثر تفهماً بيننا جميعاً،سأبدأ بتقديم نفسي اولاً"
'يا لهُ من وقح!' هذا ما فكرت به الدببة فور سماعهِ وهو يتكلم بذلك لكن لم يتكلم منهم احدٌ خوفاً من تكرار ما سبق.
“سِيَلْ، سِيَلْ هو اسمي أو على الأقل هذا ما كان يناديني به الاشخاص المقربين مني يمكنك جميعاً مناداتي بهذا. “
نظر سيل الى الدببة بنظرةٍ أمِرةٍ بعد أن انتهىء حديثه كما لو يطلبُ منهم مجاراتهُ في مسرحيتهِ هذه . والذي قوبل بالإيجاب بدءاً من ذكر الدب الكبير الذي قدم نفسهُ اولاً.
“تاراكا هو اسمي وهذه تارِيْا شريكِ والصغار هم على التوالي ترِي الابن الأكبر ،سِيرا الإبنة الوحيدة وتيث الإبن الاصغر والمدلل للعائلة"
اكمل تاراكا تقديم بقية العائلة فور تقديم نفسه ولم يعطي لهم الفرصة في الكلام خوفاً على سلامتهم.
“جيد جداً قدمنا بعضنا البعض والآن حان الوقت للإجابة على سؤالي السابق، هل ستساعدوني في تجاربي طواعيةً ام أن علي اجبَركم بالقوة لتفعلوا ذلك؟"
كرر سِيَلْ سؤاله مجدداً،لكن هذه المرة بجديةٍ تامةٍ وبصوتٍ مهيمنٍ لا يقبلُ الرفض كجواب!
تلا ذلك لحظةٌ من الصمت المحرج والتحديق الفارغ ،لِيُقطع ذلك بحديث تاراكا.
“لا اعلم ما التجارب التي تنوي اجراءها ،لكن أنا على ستعدادٍ لفعل ماتريد دون نقضٍ طالما تركت عائلتي وشأنها"
كانت نبرة تاراكا مليئه بالتوسل والأمل،وهل كان لهُ ايَّ خيارٍ اخر غير التوسل امام وجودٍ حتى هالتهُ تكفي لسحقهِ؟
كلا، لم يكن لهُ ايَّ خيارٍ من البداية وقد فهم تاراكا ذلك ولهذا حاول التوسل لعائلتهِ في مقابل حياته وحتى لو رفض هذا الوجودُ توسلهُ فهو مستعدٌ تماماً لتضحية بحياته من اجل ولو فرصةٍ واحدةٍ بالالف لانقاذ افراد عائلته.
“جيد جداً،لقد وافقتُ على قتراحك”
تجلت السعادة في جميعِ انحاء تاراكا فقط ل…
“لكن لن تكون أنتَ من يفعلُ ذلك ،بل سَيرا ابنتك فأنا لا اشعر بالراحة مع الرجال وبالأخص المتزوجين امثالكَ "
تاراكا هذا الدب المسكين،لقد واجهَ كل انواع الصعاب والمعاناة ونال نصيبه من المفاجاة واللقائات المميته منذُ أن ولد، فلقد عاش حياته بلا أمانِ الوالدين وعاطفتهما ولذلك فعل كل ما في وسعه لكيّ لا يعيش أبنائه ما عاشه والذي اتفقت معه شريكته تارِيْا.
لكن ها هو هنا وهو مخير بين حياة بنته وحياتهم جميعاً!
‘حقاً كم هو قاسٍ هذا القدر اللعين! ‘فكر تاراكا وهو يديرُ رأسه ليطمأن على عائلته وبالاخص سيرا.فقط ليرى سيرا وهي تقتربُ من الوجود المحلقِ في السماء.
“سيرا أنتِ،ماذا تظنين نفسك فاعله!؟”
صرخت تارِيْا في سيرا التي لم تأبه بذلك،لتسرع في مسيرها ولتقف على مترينِ فقط من هذا الشيطان الغريب والذي أرعبهم جميعاً.
كان سيل قد هبط بالفعل على الأرض في اللحظة التي أتت فيها ناحيتهُ،وبينما كان الاخوه الصغار تري و تيث مذهولَين من سرعة رد فعل سيرا لكلمات الشيطان حاول كل من تاراكا و تارِيْا التحرك لمنع سيرا من فعل ما قد تندم لهُ لبقيت حياتها. لكن لسببٍ ما لم يستطيعا التحرك والذي ينطبق على الصغيرين الأخرين فكان الأمر بالنسبةِ لهم اشبه بأن فعل الحركة نفسهُ قد مُحي من الوجود!
“أنا سيرا تاراكا أعلن ولائي لكَ لأضع كياني و روحي بين يديك في مقابل ترك أسرتي وشأنِها”
ِ
“أنا سِيَلْ ،أقبلُ قَسَمَك بالولاء”
تعهدت سَيرا الولاء بينما كانت راكعةً لسِيَلْ ،بضم قوائمها الأمامية وخفض رأسها،ولِتنزل من زاوية عينها دمعةٌ تمثلُ كُل من نضالها لفعل مافعلت وحزنها لفقدان عائلتها وسعادتها ، ولتمكنها من انقاذِ حياتهم جميعاً وسرعان ما تجمدت تلك الدمعة بفعل الرياح الباردة في هذه الأرض المتجمدة.
“تاراكا وأنتم جميعاً لا داعيَ للقلق على سيرا،فلم يسبق وأن اذيتُ احداً ساعدني في تجاربي ابداً "
'ما عدا لقيطاً معيناً' ,مُيضيفاً في ذهنه.
“إذا كان هذا كل شيءٍ فإن علينا المغادةَ الآن ، وداعاً وإلى القاء"
في النهاية غادر سِيَلْ مصطحباً سيرا معه في رحلته في هذا العالم المليئ بالمجهول .
وفقط بعد عشرين دقيقة من رحيلهم تمكنت باقي الدببة من تحريكِ اجسادهم بما في ذلك شفاهِهم ولي يحدقوا في الاتجاه الذي ذهبَ إليه سيل وسَيرا.
“هل حقاً اتى هذا الشيطان وسرق أختنا سيرا منا ورحل هكذا ببساطة!؟"
صرخ تيث بحزن وغضب وليلقي بنضرته إلى والديه
ومع ذلك كان ما قابلهُ العيون الشاغره والمليئةُ بعدم اليقين وليحدقا في هذين الدبين الصغيرين بنظرةٍ باردة تطلبُ من هما التزام الصمت والهدوء كما لو كانا يعرفان شيءً لا يعرفهُ أحدٌ سواهما!