في هذه الأثناء، كان خصم كايل الأول هو جيك، المصنَّف في المرتبة الخامسة على لائحة الصف.
وبمجرد أن أعطى الأستاذ ليام، الذي كان حكم المرحلتين السادسة والخامسة، إشارة البدء، رمق كايل جيك من طرف عينه.
(مستخدم رمح؟)
لم يشعر بالرهبة من جيك الذي بدا في نفس مرتبته.
«بإمكانك هزيمته، أستطيع أن أرى أنه أضعف منك».
دوّى صوت بيا في رأس كايل، وهي جالسة على مقاعد المتفرجين.
فوجئ كايل، لكنه هاجم جيك أولًا بوجه جاد بينما كان يتحادث مع بيا.
(هل لديك مهارة تحدد إن كان الخصم قويًّا أو ضعيفًا؟)
كان يتوقع منها إجابة إيجابية، إذ إن امتلاك بيا لمهارة كهذه كان سيساعده كثيرًا على تجنب المتاعب.
لكن توقعاته اصطدمت ببرودة الرد.
«لا، كنتُ أُخَمِّن فقط».
شعر كايل برغبة في الشتم، لكنه كبح نفسه حتى لا يفقد تركيزه أثناء القتال.
لم يكن القتال مع جيك صعبًا كما توقع، فمع أنهما في نفس المرتبة، إلا أن إحصاءات كايل كانت على الأرجح أعلى من إحصاءاته.
لكن وسط ذلك، لاحظ كايل العديد من نقاط الضعف في أسلوبه، وكان أكثرها إزعاجًا هو عندما استخدم جيك مهارات تعتمد على الرشاقة.
بعد هزيمة جيك، واجه كايل خصمين آخرين وانتصر عليهما، قبل أن يقف في مواجهة أليك.
كان أليك يتطلع لمواجهة كايل لأنه شاهده يجتهد طوال الأسبوع الماضي، كما أن النظام لم يُظهر له بعدُ كامل المعلومات عن كايل، فأراد أن يرى إلى أي حدّ تحسّن منذ آخر نزال بينهما.
وبوجه جاد، منح أليك كايل فرصة الهجوم أولًا، لكن كايل نظر إليه بتواضع رافعًا يده نحو الحكم.
"أُقِر بالهزيمة".
توقف أليك بصعوبة عن التعثر بعد سماع كلماته.
"ماذا؟"
وبلا رغبة في الإجابة، استدار كايل وغادر المنصة، تاركًا أليك في حيرة.
قهقهت بيا من بعيد، لتتلقى منه نظرة حادة.
في الحقيقة، كان كايل ينوي تجربة القتال مع أليك لمعرفة إن كان قادرًا على هزيمته، لكن بما أن مستوى أليك في السيف ومرتبته أعلى، فقد علم أنه سيُنهك نفسه بلا جدوى، فاختار أن ينسحب.
بعد ذلك صعد كايل إلى المرحلة التالية، ليجد وجه صديقه البائس.
"هل أنت متأكد أنك ناين؟"
جعل هذا السؤال ناين ينظر إليه بكره، ثم قفز من على المنصة من دون أن يلتفت إليه.
"أُقِر بالهزيمة. أيها الشيطان، أعلم أنك ستمزق ما تبقى من ملابسي لو قاتلتك".
غادر ناين وهو يتذمر، تاركًا الحكم وكايل يضحكان.
كان الخصم التالي لكايل هي ميا.
وبمجرد إشارة الحكم، هاجم كايل أولًا لأنه يعلم أن هزيمة الساحر تتطلب تقليص المسافة بينهما.
لكن ميا لم تكن واقفة مكتوفة الأيدي، فسارعت إلى تشكيل درع لصد هجومه قبل أن تبتعد عنه.
ثم استخدمت مهارة «الحاجز المجمِّد» لتقليل سرعته، لكن على عكس توقعاتها، تراجع كايل بعد أن صدّت هجومه.
ولم تمنحه فرصة للهجوم مجددًا، فجمعت عشر كرات نارية وأطلقتها نحوه.
صدّ كايل بعضها وتفادى البقية بسهولة، فمع أنه لا يملك مهارات تعتمد على الرشاقة، إلا أن إحصاء سرعته كان مرتفعًا بما يكفي ليتجنب الهجمات.
ولدهشة ميا، نسخ كايل مهارتها وجمع عشر كرات نارية، وأطلقها مباشرة نحوها.
كانت سرعة ميا عالية، لكنها لم تكن كافية لتفادي جميع الكرات النارية المندفعة نحوها، لذا كوّنت عدة دروع صغيرة لتحمي نفسها.
استنزف كايل معظم ماناه في هذا الهجوم، فبعد أن حاز على الأفضلية، سارع إلى تقليص المسافة وأشار بسيفه إلى عنق ميا.
"؟."
أعلن الحكم المشرف على المباراة فوز كايل.
نظرت ميا إليه، فبعد أليك وكارسل، كان ثالث شخص يهزمها.
كانت تملك الكثير من المانا المتبقية، لكن الهجوم المفاجئ أربكها وأفقدها تركيزها للحظات.
تنهدت ثم أومأت له بابتسامة قبل أن تغادر المنصة.
في اللحظة التي هزم فيها كايل ميا، تركزت عليه أنظار كثيرة.
أولهم الأستاذ ليام الذي كان يراقبه، فقد رأى تحسنه، لكنه لم يتوقع أنه سيصبح قادرًا على هزيمة ميا.
وبعض الطلاب في مقاعد المتفرجين أبدوا دهشتهم من فوزه.
أما أكثر من صُدم فكانت لارا، التي طالما نظرت إلى كايل باستخفاف بسبب موهبته المنخفضة.
والآن هزم ميا، شخصًا لم تستطع هي نفسها هزيمته. مرّت نظراتها عليه للحظة قصيرة.
(هل كنت مخطئة؟)
لارا لم تكن تحب اقتراب أصحاب المواهب المنخفضة منها، بل يمكن القول إنها عادة أكثر من كونها مشاعر كراهية.
في البداية لم تكن تحتقر أحدًا، لكن حين كانت في التاسعة من عمرها، حاولت إحدى صديقاتها من عائلة فقيرة إيذاءها بدافع الغيرة.
أخبرتها ذات يوم أن زهرة جميلة تفتحت في الغابة القريبة من منزلها.
ذهبن جميعًا، لكن فجأة وجدت لارا نفسها وحيدة.
وبينما كانت تبحث عنهن ظنًّا منهن أنهن يمازحنها، ظهر وحش بلا رتبة من العدم.
كان بشعًا ومرعبًا، ومع كل صراخها طلبًا للنجدة، لم يكن هناك من يسمعها. ولولا مرور محارب تائه، ربما كانت قد ماتت في ذلك اليوم.
وعند عودتها للمنزل، اكتشفت السبب التافه وراء ذلك — فقط لأنها وُلدت في عائلة ميسورة ولديها ما لم يكن لديهن، قررن إيذاءها.
كلما فكرت في ذلك الموقف، شعرت بالمزيد من الغضب.
(هل يستحق الأمر أن تؤذي الآخرين لمجرد الغيرة؟)
بعد ذلك، بدأت تقلل صداقاتها، أو بالأحرى صارت تتعامل فقط مع من هم في مستواها، حتى لا تعيش ذلك مجددًا.
ومضى الوقت، ولم تدرك حتى متى بدأت تنظر للآخرين من علٍ.
وحين علمت أن موهبة كايل لا تتعدى (B)-رتبة، أيقنت أنهما من عالمين مختلفين. ورغم أنها حاولت التصرف طبيعيًّا معه لأن كارسل وأليك بدآ بالتقرب منه، لم تستطع.
لكن المفاجأة أن كايل بدلًا من أن يغضب، تجاهلها تمامًا، وكأنه لا يهتم… أو ربما اعتاد على ذلك؟
مرت الأيام، وأرادت الاعتذار له، لكن كبرياءها منعها من النطق بالكلمات.
والآن، بعد أن رأته يهزم ميا، لم يكن في ذهنها سوى فكرة واحدة:
(إنه أقوى مني).