1 - السيارة السوداء

خرج جورج من مكتبه وهو يتنهد بتثاقل، فقد إنتهى أخيرا من جميع أعماله المكتبية القاتلة للأعصاب، رتب ياقة معطفة القطني وهو يقف أمام باب المصعد بصبر، وأعاد ترتيب شعره الأجعد الكثيف ذو اللون الأشقر الليموني المنحني لجانبه الأيمن بتسريحة شعر شبه قزع من الجوانب وصبيانية، كانت صبيانية مناسبة نوعا ما لملامح وجهة غير الناضجة رغم كونه في متوسط العشرين بالفعل، الا انه أمتلك فكين بارزين نوعا ما.


رن جرس وصول المصعد وهو يفتح ل جورج تلقائا مصدر صوت صرير حاد، قبل ان يدخل جورج بالكامل وهو ينفض غبار على كتف معطفة البني، اصتدم ب امرأة كانت تحمل كومه من رزم الأوراق في يديها لتتبعثر جميعها على الأرض، وبدأت تتذمر وهي تصرخ بغيض "ليس مجددا!"


سارع جورج ليعتذر بعد ان كاد يتعثر من الاصتدام، وانحنى ليساعدها بسرعة في جمع الأوراق المتناثرة في كامل الممر، وبعد جمع جميع الأوراق-رافقها تذمر شديد من قبل الآنسة. وقف كلهما وهما يجمعان الورق في أيديهم ويرتبانها، نظر جورج نحو الآنسة المتذمرة بعينيه الزرقاوين الواسعة واحتفط بآدابه وهو يبتسم لها ابتسامة لطيفة "تفضلي أوراقك..أوراقك.."


توسعت عيناه قليلا بتفاجئ عندما انتبه ل من كانت الآنسة التي اصتدم بها، ميريلي كاردينج ، نجمة الشركة الجميلة الجديدة، كان شعرها الأشقر مربوط للخلف، ببعض الخصل تنزل أمام وجهة البيضاوي محمر الوجنتين بعصبية، وعينان خضراء واسعة وبريئا تلمع كاليرعات، كانت لا تزال شابة في بداية العشرينات وتحيطها هالة من النشاط والمرح والبرائة. تجمد في مكانه وهو ينظر لها، فهو، في النهاية، ك كثير من رجال الشركة، كان معجب بها سرا-رغم انها لم تكن في الشركة سوى لايام قليله، الا انه في الواقع كانا في ذات الثانوية.


عندما إنتهت من ترتيب الأوراق بطريقة سيئا في يديها، انتبهت له وهو يحمل أوراقها، وسارعت تشكره وتأخذ الأوراق منه بابتسامة واسعة تظهر اسنانها البيضاء المتساوية "آه، شكرا لك على جمعها! وعذرا..على الحادث قبل قليل"


استفاق جورج من شروده و سارع يمسك الأوراق منها وقال بعجل "لا لا- مهلا انها كثيرة دعيني احملها عنك رجاءا"


نظرت له بتفاجى بعد ان أخذ واصر على حمل الأوراق عنها، فلم يسعها ان تنظر له سوى باحراج وتشكره بعد ان تنهدت بضعف وهي تحاول إقناعه بأخذها "آه، شكرا لك مره أخرى، لكن لا داعي فانا فقط ساضعها في مكتب نائب مدير قسم التحرير كاسنر فقط و.."


قاطعها جورج باستغراب متمسك بالأوراق بإصرار "انها ل نائب المدير كاسنر؟"


نظرت له باستغراب هي ايضا "نعم، الى مكتب السيد كاسنر، لماذا؟ مهلا..لا تقل لي باني أخطأت في الطابق؟!"


رد على قلقها وذعرها وهو يضحك بلطف ويأخذ منها كل الأوراق التي في يدها "هذا سبب إضافي يجعلني أخذ الأوراق منك يا آنسة كاردينج"


ذهب عائدا بالأوراق نحو مكتبه في نهاية الممر، بينما هي تبعته بحيرة وهي تحاول فهمه "عذرا؟ ماذا تقصد؟ مهلا، ايعقل..هل انت نائب مدير قسم التحرير جورج كاسنر؟!"


ألتفت لها وهو يفتح مقبض الباب بمرفقه ويدفعه بقدمه، بابتسامة مرحة وضحكة خفيفة قال "سعيد بمقابلتك"


توقفت أمام الباب بدهشة، وبدأت تنظر له بفحص شديد، كان جورج كاسنر، شاب في منتصف العشرين على الأكثر، بدا من ملامح وجهة بانه لا يزال مراهقا-مراهق ذو وجه لطيف و وسيم رغم ظهور بعض علمات الصلابة فيه، لم يكن طويلا للغاية ولا قصيرا، بل متوسط الطول، وجسده بدا رياضي نوعا ما، كان مظهره يوحي على الأكثر بانه مساعد نائب مدير، ولكن ان يكون هو نائب مدير قسم التحرير في الشركة؟ لم يكن مظهره يساعد في تخيل منصبه الكبير.


وضع جورج الأوراق على مكتبه من خشب البلوط و المرتب، وتنهد بحسره وقلة حيله وأسقط كتفيه، لقد رتب المكتب قبل أقل من خمس دقائق، وها هي الأوراق تظهر له مرة أخرى، جعل ذلك جورج يتسأل بامتعاض في داخله، هل فعلت شيء سيء بحق الأوراق لكي بتم لعني بالأعمال الورقية هكذا؟ .


قطب حاجبية بانزعاج وزفر وهو يضرب رزمت الورق للمكتب وأعلن في داخله. ان كان كذلك، ف اللعنة على الأوراق المكتبية! .


ألتفت نحو ميريلي بابتسامة لطيفة ومرحة وقال بهدوء وهو يضع يده اليمنى على المكتب، والأخرى على جانبة "احضرك لاوراقي في هذا الوقت المتأخر بلا شك بانه ارهقك، عذرا على ذلك يا آنسة كاردينج..(نظر لساعة يده الغالية بسرعة) انها لا تزال الساعة التاسعة الا ربع، هل تنولتي العشاء ام لا يا آنسة كاردينج؟"


ميريلي-التي ارتبكت عندما رأت جورج غاضب ويضرب الورق بقوة على المكتب. انتبهت له و لسؤاله ف أجابت بحرج قليلا وهي تحاول التعذر ملوحتا بيديها "آه، لا لا باس، انا لست جائع--"


حسنا..لقد كانت تحاول التعذر في النهاية، وبائت محولتها بالفشل بسبب هدير مزعج و فاضح من معدتها، لتشهق بصدمه داخليا وقد أحمر وجهة بالكامل ويديها تجمدت في الهواء.


الا ان جورج، من جهة أخرى، كاد ان ينفجر ضاحكا بصوت عالي لو لم يسكت نفسه بظهر يده على فمه وهو يخفض رأسه قليلا، والتزم بتعاليم الأدب التي أخذها من والدته.


تصرف كما لو كان يمسح فمه بظهر يده وثم نظر لها بابتسامة لطيفة "أعتقد، بأنك عكس ما قلتي يا آنسة كاردينج، اذا، ما رائك، بان أعوض تعبك بإحضار أوراقي في عشاء سريع في مطعم قريب؟ انه على حسابي"


غمز لها في جملته الأخيرة، وفهمت ميريلي المقصد من ذلك، انها موظفة في هذه الشركة منذ أيام فقط، ولا حتى أسبوع، وموعد استلام الرواتب بعيد، بإختصار لم تكن تملك المال للعشاء، ذلك جعلها محرجة وهي تقف أمام جورج الذي عاملها بأسلوب لطيف.


****


أصبحت الساعة الحادي عشر وربع تقريبا، وكان كل من جورج و ميريلي يمشيان سويتا على الطريق قرب المباني السكنية وهم يضحكون..


ميريلي "لا اصدق باني لم انتبه بأننا كنّا في ذات الثانوية، كيف لم انتبه لك؟"


جورج اخرج يده من جيب معطفه وحك رقبته من الخلف، وبدا محرجا نوعا ما وهو يحافظ على ابتسامته "اعتقد..لأَنِّي كنت مختلفا عما انا الان؟"


نظرت ميريلي له بتعجب "ماذا تقصد؟ كيف كنت؟"


"حسنا..ذلك.." جورج سكت لثواني وهو ينظر بعيدا للأمام والشارع شبه الخالي-كانت هناك سيارة سوداء في الإمام بعيدا قليلا عنهما في الطرف الآخر من الشارع- تردد قليلا قبل ان يقول بصوت منخفض تقريبا "حسنا، لقد كان جدي يقول باني كنت كالفزاعة في الحقل، أخيف الغربان، ولكن أعتقد في حالتي هذه بأني اخيف البشر لا الغربان عندما كنت في الثانوية..حسنا..اامم.."


عندما نظر نحو ميريلي، فقد بدا عليها ترقب و انتظار شديد لمعرفة كيف كان في الثانوية، جعله ذلك يتردد اكثر، قبل ان يختصرها وهو يقول بضعف وإحراج "هل تذكرين جو الأسود؟"


"جو الأسود؟" تعجبت ميريلي قبل ان تؤما "نعم اذكره، واذكر بانه كان يخف الجميع و يخيفني ايضا واختفى في منتصف السنه الاخيرة فجاءا، لماذا؟ ما خطبه؟"


ارتبك جورج اكثر، وهو يفكر مخفض راسه ويحك شعره، حتى اني أخفتها..يا الهي كم هذا محرج..


تعجبت ميريلي من تصرفه، الى ان اجاب عليها بصوت منخفض للغاية "..انا كنت جو الأسود.."


دهشة ميريلي من الإعتراف، و آمالت رأسها وهي تحول التأكد من ان ما سمعته صحيح "مهلا، هل قلت بانك انت، كنت جو الأسود؟.."


أومأ جورج بصمت وهو يخفض راسه، لتفتح ميريلي فمها واسعا بدهشة "ياللهول..انت جو الأسود! كيف يعقل هذا؟ اتذكر بان جو كان فتى عصابي متنمر ومدخن ويضع احلاق جماجم في أذنه اليسرى وسلاسل وكان عابسا دوما وقليل الكلام و يضرب الجميع حتى المعلمين والإداريين وذو شعر أسود، ولكن انت..لا تشبهه في شيء سوى لون العينين! كيف يعقل ان تكونا نفس الشخص؟!"


ازداد إحراج جورج و الخزي من نفسه مع كل كلمه من ميريلي، وعندما ذكرت امر احلاق الجماجم، فقد حك أذنه اليسرى لا شعوريا و أظافره تضرب الاحلاق الملتفة على سوار أذنه، لقد نزع الجماجم، الا انه لا زال يرتدي الاحلاق لانها تعجبه، اما شعره فقد قام بصبغة كا بداية جديدة في نهاية سنته الاخيرة في الثانوية، وغير أسلوبه دفعه واحده مع مظهرة، رغم انه كان يحصل غالبا على درجات جيدة حتى عندما كان جو الأسود. معروفا ب جو الأسود منذ الإعدادية. ف لم يتعرف احد عليه تقريبا عندما غير نفسه بشكل جدري خلال عطلت ما بين الفصلين بوصية من أمه المتوفئه وقتها.


انتبهت ميريلي لمدا إحراج جورج، ف قررت تغير الموضوع في وسط دهشتها "هيه، مهلا..انا أسفة على ما قلت..آه، هذا مبنى شقتي!"


عندما نظرت للأمام مفكرة في موضوع ما، فقد انتبهت انهم وصلو تقريبا الى مبنى شقتها، فالتمعت عينيها بالأمل. نظر جورج للأمام بعد ان هز رأسه مبعدا تلك الذكرية المحرجة عن ماضية الدراسي، ونظر الى مبنى شقتها وقال بضعف يحاول ادخال النشاط اليه "آه نعم، مبنى شقتك"


أكملا السير سويتا حتى باب المبنى، وبدأ توديع بعض. ميريلي بابتسامة خجولة وهي تضم ذراعيها الى صدرها "شكرًا على مرافقتي لشقتي..ايضا، عن العشاء، سأتأكد من ردها لك لاحقا"


ضحك جورج على وجهة المحمر خجلا، ورفع يديه خارج معطفه "لا تهتمي، فأنا عادتا أتناول العشاء وحيدا لهذا كان من الممتع تناول العشاء معك آنسة كاردنيج.."


"ميري" قاطعته ميريلي بعجل "فقط نادني ميري، اختصار ل ميريلي، هكذا يناديني والدي"


ضحك جورج قليلا، ثم قال "ميري اذا، حسنا، ناديني ب جورج انا ايضا، الا ان كان جو الأسود يناسب اكثر"


غمز في النهاية، وضحكت ميريلي على نكتته، وقبل ان ترد عليه، فقد نظرت لخلفه، لتتعقد ملامح وجهة بانزعاج و خوف مفاجئين، تعجب جورج فسأل "ما الخطب؟"


عندما التفت للخلف، فلم يكن هناك شيء في الشارع الذي تغطيه طبقة من الضباب المعتاد في مثل هذا الوقت المتأخر، الشيء الوحيد الذي قد يكون سبب لتغير تعابير وجه ميريلي، فقد كان على الأرجح تلك السيارة السوداء من طراز المارسيدس الجديدة، مركونه في الجهة الاخرى من الشارع المقابل لباب شقتها مباشرتا.


ميريلي "انها موجوده في مكانها منذ الأمس، لم يشتكي أحد، ولكني.. أشعر دوما بإحساس غريب منذ وجودها هناك دون حراك"


نظر جورج متأملا في السيارة السوداء، وثم نظر نحو ميريلي ورائا خوفها، لن يكذب على نفسه، انه حقا معجب بها ويكن لها مشاعر خفية، ولم يعجبه ان يراها خائفة هكذا دون ان يستطيع فعل شيء، لهذا ربت على كتفها و ابتسم لها "ما رائك ان يهتم جو الأسود بالأمر؟ انها خدمة مجانية"


نظرت ميريلي نحوه بأمتنان، وضحكة على غمزته في جملته الأخيرة، ولكن لم تستطع أخفى قلقها بعد ان رأته يقطع الشارع لهذا صرخت "أحذر! ربما يكون هناك شيئا او شخص خطير في السيارة!"


التف جورج قليلا نحوها ولا زال يمشي، رفع قبضته عاليا وهو يبتسم بلطف ورد "لا عليك! جو الأسود لم يخسر من قبل!"


اقترب من السيارة وأخرج يديه من جيب معطفه، وعندما أصبح بجانب السيارة إستطاع رأيت كم كانت متضرره، بدت وكأنها ضربة بمطارق كبيرة و خدش غطائها كما لو كان قطيع وحوش هجمها، وكان الزجاج من جميع النواحي ب علمات تكسر الا انها كانت لا تزال صامده في مكانها، كان الزجاج اسودا، لم يستطع رأيت ما بداخل السيارة.


"بحق الله..هل هرب صاحب هذه السيارة أثناء جلست تصوير فلم أكشن؟" تسأل جهرا للا أحد، وطرق على النافذة لباب السائق "مرحبا؟ هل هناك أحد في الداخل؟ مرحبا--"


توقف فجاءا، عندما أحس بحرارة تشكلت وتسير ببطء الى داخله من يده اليمنى التي طرق بها النافذة، تعجب و رفع يده ونظر لها "ما كان ذلك؟"


الا انه ما ان أبعد يده عن زجاج السيارة حتى اختفت تلك الحرارة، و عاد البرد ليدخل من أطراف اصابعة مره أخرى، رفع حاجبية بدهشة "هل كنت اتوهم؟"


وضع يده على الزجاج ليتأكد، وكان قلقا ان يكون ذلك مجرد وهم عجيب من عقله، لا يعقل بأني أفقد قواي العقلية، صحيح؟ لا زال شابا وسيما على ان أصبح مجنونا. فكر بقلق، ولكنه تنهد لا شعوريا عندما أحس بالحرارة تدخل عبر يده مره أخرى عندما لم الزجاج بكامل يده، فصاح لنفسه "اهه! انا لم أصاب بالجنون!"


"ماذا هناك؟!"


ألتفت جورج نحو ميريلي التي صرخت، يبدو بانه صاح بصوت أعلى من اللازم، لوح لها عبر غيوم الضباب الباردة وصرخ لها "لا شيء بعد! سافتح باب السيارة الأن!"


نظرت ميريلي بقلق أكثر نحوه، ثم صرخت له "جورج! لا باس عد! سأتصل بالشرطة ليتولو الأمر!"


"حسنا!" لوح لها جورج من مكانه "ولكن كوني مستعده للأتصال بسيارة الإسعاف أولا! هناك أثار ضرب على السيارة قد يكون السائق مصابا!"


فوصل رد ميريلي بقلق "حسنا!" وأخرجت هاتفها وهي تدخل رقم سيارة الإسعاف. بينما جورج نظر لمقبض السيارة، هز كتفيه ومرن رقبته قليلا مستعد لما قد يكون داخل السيارة، لعق شفتيه وهو يتذكر فجاءا جميع أفلام الأكشن التي قد شاهدها.


أمسك المقبض، واندفعت الحرارة ال داخله مرة أخرى، تعجب من أمر هذه الحرارة الغريبة، لقد كانت حارة ولكن ليس كثير، ان أصح التعبير فقد كانت تدفئ جسده.


"أيا ما كان في الداخل، رجاءا لا تكن سفاح مجنون" وفتح باب السيارة.


----

تأليف "NO.zero"

و الان فقرة السؤال البسيط

و السؤال هو [ماذا يوجد في السيارة؟]

الجواب سيكون واضحا في البارت القادم

وشكرا لقرئتكم

2018/07/22 · 408 مشاهدة · 1942 كلمة
NO.zero
نادي الروايات - 2025