ضربت ليندا رأس رمحها-اليدوي الصنع من خشب البلوط الصلب والحديد- في قلب اخر مسخ في منطقتها. كانت ليندا أنتونك، فتاة لا تزال في اخر مرحلة في دراستها الثانوية، رغم انها امتلكت ملامح نضج وتعابير دلت على انها اكبر من عمرها الحقيقي-سبب لها هذا احيانا مواقف سوء فهم، بعضها كان محرجا-. كانت فتاة شابة جميلة المظهر بشكلً عام، كان شعرها الاحمر اللامع والذي ورثته من امها هيلغا (الزوجة الأول) ناعما وطويلا وكثيفا قامة بربطة عاليا كي لا يضايقها اثنا مهمتها التي انتهت منها للتو، وعينيها زرقوتان واسعه ومشعة بحيوية دائمة ورثتهما من والدها العجوز تريفر، وكان هناك بعض النمش الخفيف على خديها وانفها. كانت ملامح وجهة برية اصيله، ك الفرس البري الاصيل الجميل الذي لا يهمه شيء سوى الحرية والعائلة.

ولكن كانت الدماء الداكنة عليها تعطيها مظهر اقرب للفرس البري الوحشي. مسحت عرق جبينها بعد ان انتزعت الرمح من قلب المسخ الميت تحت قدميها دون رحمه-متجاهلتا حقيقة انها تعرف هذا العامل السابق الذي قتلته لتوها- والتفتت نحو صوت هدير شاحنة قوي قادم من خلفها وهي تبتسم بنشاط ملوحتا بيدها والرمح عاليا "ابي! لقد انتهيت!"

"وااههاهاهاهااهها! كم توقعت من فرسي المفضلة!" ارتفعت ضحكة تريفر

العجوز الصاخبة والمميزة-والتي بدت كضحكة شريرة- في السماء وهو يقود شاحنته الكبيرة ذات المقدمة الوحشية الخاصة بمسابقات تحطيم السيارات التي كانت تقام في احد مستودعات مزرعتها الضخمة والبعيدة.

كانت حاوية الشاحنة ملئيه بجثث المسوخ المشوهين والمثقوبين في منتصف صدرهم، وكان فوقهم جميعا يجلس أليكسون وهو ينظف رأس رمحه بخرقة متسخة قليلا، وعندما انتهى من ذلك نزل من تلال الجثث وقفز من حاوية الشاحنة للأرض وصفق يده بيد ليندا المرحة بابتسامة.

نزل تريفر من مقعد السائق بينما يشعل سجارة وقام بانزال قبعة رعاة البقر خاصته على احد عينيه وبدا المشي بحذائه الجلدي الذي اصدر صوت تلتلة واضحا من العجلة الحديدية المذببة خلف كل حذاء. ضرب بيديه الكبيرتان كتفي أليكسون و ليندا بقوة مجبرهما على الانخفاض متحملين ألم الضربة بصمت، بينما تريفر استمر في الضحك بصخب بضحكته العالية ذات الوقع الخبيث "وااهاهاهاههااهه!! من كان يتوقع باننا سنحصل على يوم صيد كبير كهذا منذ الفجر؟ اللعنة! اشعر بشبابي يعود لي مرة اخرى مثل عندما كنت محاصر بين جيش الاعداء عندما كنت في غارة في العراق! يالمتعة!"

فتحدثت ليندا بنشاط وهي تلتفت وتنظر نحو بساط الجثث المثقوبين من قبل رمحها الدموي "هل سنقوم بحرقهم جميعا؟ ام سنضعهم في الشاحنة ايضا؟"

"لا هذا ولا هذا" رد تريفر بصوته الهادئ والضخم بينما يثبت قبعته السوداء على رأسه من الرياح العاتية "سنبقيهم في مكانهم هنا على الأرض، هيا لنعود"

تعجبت ليندا، بل بدت اكثر محبطة "ولماذا يا ابي؟"

نظر تريفر نحو الجثث المنشرة على الأرض لوهلة بعينية الزرقوتين الحادة والعميقتان. نفخ دخان سجارته ثم اجاب اجابة غير واضحة "ستعلمين قريبا"

****

بعيدا. بعيدا في قارة اخرى عن اميركا، في وسط اراضي السافانا الواسعة لافريقيا، صرخة آكيا بقوة طعنتا قلب زوجها بسكين صغيرة. زوجها، آسيار، الذي تحول لمسخ منذ اربع ساعات وحاول قتلها والتهامها بينما هي استمرت بالهرب منه ومحاولة ندائه ليعود لرشدة الغائب. باكيتا بدموع حارة على بشرتها السمراء وبين خصل شعرها السوداء- والتي بدأت جدورها تتحول للابيض من الصدمة- فوق زوجها الذي لم تسمه بهذا الاسم سوى في نهاية هذا اليوم، فلقد كان هذا اليوم، يوم زفافها المنتظر.

توقف المسخ تحتها عن الحرك لوهلة، ولكنه عاود الحراك مرة اخرى والصراخ، وفي نوبة من مشاعرها العنيفة وتحت أثر صدمتها وخوفها، صرخت آكيا مرة اخرى وهي ترفع السكين وتسقطها مرة اخرى نحو قلبة، وعاودت الكرة، مرة بعد مرة، طاعنتا زوجها الذي احبته بصدق بكل قوة تملكها وفي كل مرة تصرخ بها، فانها تتذكر لحظاتهم معا من الطفولة-جدور شعرها ازدادت بياضا- علاقة صدقتهما التي اصبحت علاقة حب- ببطء ولكن بسرعة، بداء اللون الابيض النقي يصبغ شعرها الاسود- وعندما تقدما لها قبل يومين ليتزوجا ليلة امس –شعرها ازداد بياضا، ولم يبقى سوى القليل من اطرافه السوداء- ولكن الان..ها هو تحتها على الأرض بعينين ذائبتان وبشرة رمادية وعروق برتقالية متضخمة. ميتا، بعد ان طعنته مرات عديدة لم تتوقف سوى الان، بل لم تتوقف، لازال يجب ضربه اخيرة..وشعرها اصبح ابيض بالكامل..

رفعت السكين ببطء بيديها الملطخة بالدماء والمرتجفة للاعلى، عاليا فوق رأسها، بينما دموعها اختلطت بدماء جرح سببه زوجها السابق باطافر يده مشوها وجهها الجميل ومفقدها لعينها اليسرى. نظرت بعينها الخضراء الداكنة الممتلئة بالدموع نحو وجه زوجها المخيف، وصرخت اخر صرخة من مشاعرها الهائجة وهي تطعن بسكينها بكل قوتها في منتصف جبين زوجها ليغرس نصله باكمله في رأسه.

من خارج خيمتهم سمعت صرخت أمراه تنادي بصوت مذعور "آكيا! آكيا!!"

وعندما دخلت ليسيدي الى الخيمة وهي تحمل رمحا عتيقا في يدها وفي ثوب نومها الاحمر الداكن القصير، بوجهة يعلوه الخوف والقلق، ولكنه سرعان ما اصبح صدمة كبيرة لها وهي تنظر ل آكيا المنهارة في دموعها ونحيبها فوق زوجها- وأخ ليسيدي التؤام- آسيار.

كان المنظر امام ليسيدي منظر لا يصدق، منظر لا تريد تصديقه. فلقد مات اخاها التؤام ومتحولا لمسخ فضيع في ليلة زفافة المنتظرة. ولكن، لم يكن هو الوحيد الذي تغير شكله للاسوء..

"..آ-كيا؟"

مناديتا بضعف وبصوت منخفض بينما دموعها حبيست عينيها البنيتين، اخذت ليسيدي خطوة صغيرة واحده الى الامام، ونادت مرة اخرى عندما رأت ان آكيا توقفت عن النحيب و البكاء، ولكن رأسها كان للأسفل على صدر آسيار الدامي، وكان شعرها الابيض الشاحب والاجعد ينسدل كالستار معها ليغطي ملامح وجهة من كلا الجانبين.

"..آكيا؟.." تقدمت ليسيدي خطوة اخرى، وهذه المرة فقد اجابت عليها آكيا، ولكن ليس بنفس الصوت اللطيف المرح الذي تعرفه ليسيدي، بل كان صوتا مختلفا..مختلفا للغاية..

"اجمعي مجلس الشيوخ، ليسيدي"

كان صوتا باردا، خاليا من الروح، فارغا دون أي نوع من المشاعر، صوتا سبب كل من الرعب والقشعريرة ل ليسيدي-التي شعرت وكان الصوت الذي يخاطبها، صوت شبح امرأة ميته، امرأة ميته من الداخل.

لم تقوى ليسيدي على الرد، لقد كان صوت آكيا-او من بدأت في الشك بانها

آكيا

التي تعرفها- باردا للغاية لها، شعرت وكان رياح صقيع بارد تضرب جسدها و روحها ليجمدها في مكانها مستشعرة القشعريرة في كامل جسدها.

ولكن صدمة ورعب ليسيدي لم تتوقف هنا.

ببطء وهدوء، رفعت آكيا رأسها عن صدر زوجها الدامي، مدت يديها الملطخة بدمائه الداكنة لتلامس فكي آسيار وقامت بتقبيله بنعومة وخفة. قبلتها الاخيرة، لأخر شخص ستحبه كما احبة عزيزها-وزوجها لست ساعات. آسيار.

"سأنتقم من اجلك..انا اعدك، عزيزي آسيار" بصوتها البارد، الهامس، وعديم المشاعر. تحدثت لزوجها الميت ومسحت على وجهة واغلقت جفني عينيه الفارغة بصمت.

ثم وقفت بهدوء، بفستانها الابيض الطويل الملطخ بالدماء، وشعرها الابيض الشاحب الطويل والاجعد ينسدل على جانبيها. و وجهها الخالي من التعابير المبقع بدماء زوجها آسيار الذي صنع اربع شقوق وافقدها عينها اليسرى. مبقين عين واحده لها. عين خضراء داكنة-باردة وخالية من الروح ومجردة من المشاعر.

حدقت نحو ليسيدي-التي اسقطت رمحها و حبست شهيق انفاسها بيديها. وتحدثت آكيا مرة اخرى بصوتها البارد كالصقيع، مكررة امرها السابق بهدوء ل ليسيدي.

"اجمعي ما تبقى من مجلس الشيوخ، فورا. ليسيدي"

كان مظهرها الذي مزج بين الاسود والابيض والاحمر مهيبا. وكانت عينها مميته وقاتله ببريقها الزمردي البارد. وكان صوتها الخالي من المشاعر والصارم مخيفا.

"اخبريهم باننا دخلنا الى عصر جديد من

الانقلاب

"

2019/01/04 · 362 مشاهدة · 1091 كلمة
NO.zero
نادي الروايات - 2025