"أيوجد غرفة شاغرة؟"
"غرفة؟ هناك غرف، طب وتخير"
نظرت للموظف الذي أمامي بتعجب، أمن المناسب أن تقول هذا لزبون؟!
كان جالساً على طاولة الاستقبال بغير استقامة وهو يقرأ كتاباً. لم أره من قبل حينما أتيت لهذا النزل، إنه في الغالب موظف جديد بلا خبرة.
حجزت غرفة لثلاثة أيام، ستكفي هذه المدة لأوصل رسالة أميرنا لرئيس غيداء، وكذلك لارتاح قبل أن أعود للسيبان مرة أخرى.
أرشدني الموظف الجديد إلى غرفتي، كانت الغرفة رقم اثنين، وضع حقيبتي بداخلها ثم تركني بعدما تأكد أني لا احتاج شيئاً.
ربما هو لم يكن بهذا السوء؟
تسألت عن مكان صاحبا النزل، لكني متعب فآثرت الارتياح في الوقت الحاضر، فعلي معاودة التحرك بعد ساعة لتسليم الرسالة العاجلة.
في الثانية التي وضعت فيها رأسي على الوسادة، سمعت طرق الباب.
فتحته لأرى ذلك الموظف الجديد، كان يحمل بعض المفرحات بيده، خدمة غرف ربما؟ شكرته وجعلته يدخلها.
وضعها على الطاولة ثم جلس.. وبدأ يأكل.
"عفواً لما أنت جالس؟"
"اجلس"
"لما؟"
"اجلس"
لم أفهم أمر هذا الرجل..
جلست مقابله ثم بدأ بالكلام:
"فقدان الذاكرة شعور صعب يا رجل!"
ها؟ لما يتحدث فجأة عن هذا؟!
سألته عن ما إذا جرب هذا الشعور وياليتني لم أسأل..
"بدأت كل القصة عن استيقظت مع بيجاما
فصارت بعدها الأمور في منحى عجيب
تراني شاباً عادياً بس قالو لي مجرم
جمبري قشطة! جمبري قشطة!
صارت لديهم قوى خارقة أصبحوا في لحظات
تحولوا لانسحابين بقدرات عجيبة وعضلات
يفأجئوك بتطور بشري ما له مثير
جمبري قشطة! جمبري قشطة! "
"...."
"هل سرقت أغنية بن تن لكي تحكي قصة حياتك؟ وما دخل جمبري ذاك بقصتك؟!"
"عليك أن تطرح أوجاعك حتى لا يباغتك موت الألم"
قال جملته ثم غادر تاركاً قراطيس الطعام، اخخ منك يا حكيم زمانك!
***
مرت الساعة بسلام، ارتديت ملابس وجهزت نفسي لأقصد المبنى الرئاسي التي يتواجد فيه الرئيس. والحمد لله، لم أقابل ذلك الموظف وأنا أخرج.
بعد مدة، كان مدخل غيد عاصمة بلد غيداء أمامي، أردت الدخول لكن احساسي بأني نسيت شيء مهم أوقفني.
"هل هذه لك؟"
كان الموظف الجديد يقف خلفي وهو يمد الرسالة لي، من بين كل الأشياء نسيت الشيء الذي جعلني أقصد هذا البلد! الرسالة!
"شكراً لك! هل وقعت مني في مكان ما يا ترى؟!"
"لا، أخذتها من غرفتك عوضاً عن قراطيس الطعام"
نظرت له ونظر لي ونظر لي ونظرت له.
"هل قرأتها؟"
" أيها الرئيس المحترم رئيس غيداء، اعذرني على هذه الرسالة المفاجئة لكن وجب علي إبلاغك بأن عصابة خطيرة تقترب.."
"اخرس! اصمت! صمغ فمك! لما قد تقرأ رسائل الناس يا هذ؟! لا يجب عليك إخبار أحد بما قرأته، أتفهم؟!"
صمت لثانيتين قبل أن يبتسم ابتسامة صغيرة:
"أشعر بالملل هذه الأيام لذا قد لا أتمكن من ضمان هذا، لكن ربما إن أخذتني معك لتسليم الرسالة، ربما لا تتسرب المحتويات!"
"أتهددني؟"
"لا لكني لا اضمن أن لا يعلم أحد أن عصابة خطيرة تتقترب من العاصمة ويسعون ل..."
"فهمت! اتبعني فقط بلا أي كلمة أو حركة!"
"حاضر يستاذ!"
ماذا افعل معه! إن تسبب بمشكلة فلن أرحم! لكن تسرب الرسالة مشكلة أيضاً! أتساءل لما وظفوا أمثاله!
مشيت باتجاه المبنى الرئاسي وتبعني الموظف بهدوء على عكس ما توقعته.
كان الطريق مسالم جداً، مسالم لدرجة مريبة. ربما هو يريد فقط رؤية المكان؟
بعد ساعة وصلنا للمكان المنشود، بالطبع هذا المبنى تم بناءه من قبل انسحابي! فلم يكن سوى مبنى يليق لأفراد حكومة الدولة.
أريت الحارس بطاقة الدخول ودخلنا كلينا إلى المبنى، أخذنا أحد الموظفين لغرفة انتظار حتى يأتي وقت مقابلتنا للرئيس ثم انصرف.
"متى سوف تأتي العصابة وتدمر كل حاجة؟"
"كنت أمتدحك منذ لحظات، أكمل صمتك من فضلك!"
"لم تسنح لي فرصة مقابلة الرئيس من قبل، كيف يبدو؟"
"ولا حتى أنا، لكني أستطيع تخيل مظهره من مديح الناس، شخص نبيه وذو تفكير راقي، قراراته الحكيمة جعلت من البلد يزدهر في آخر سنة أكثر من ما سبقها، أتطلع لمقابلته!"
"وأنا أيضاً!"
"من قال أنك سترافقني؟ ابقى هنا حتى أعود"
صدم من ما قلته، هل كان يتوقع أن يذهب معي فعلاً؟!
اتى الموظف مجدداً لكي يأخذني لمقابلة الرئيس، غادرت بدون أن القي نظرة واحدة على فتى النزل ذاك.
***
كان مكتباً فخماً مليء بالمستندات والأوراق، جلس الرئيس أبيض الشعر برزانة في كرسيه بينما رحب بي، مظهره كان لرجل في خمسينياته، بدى حكيماً ومتواضعاً بمظهر مناسب لوصف الناس له.
"أقدم نفسي أنا مبعوث ولي عهد السيبان شرار الملهلب، أمرت أن أوصل لك هذه الرسالة العاجلة يا رئيس غيداء"
مددت الرسالة له.
لم يمد يده بل استمر بالتحديق بي في صمت، اعتقدت أني فعلت شيئاً خاطئاً، خلال هذا لاحظت الشاب الذي كان يقف بجانبه، والذي لم الحظه مسبقاً بسبب هيبة الرئيس.
وقف بجانبه شاب يشبه..... موظف النزل؟ أهذا أنت؟!
نسخة طبق الأصل من الرجل الذي تركته في غرفة الانتظار، لولا أنه ظهر كنسخة أكبر منه قليلاً لكنت صدقت أنه تبعني إلى هنا!
أنزل ذلك الشاب، والذي على الأظهر كان هو مستشار الرئيس كما أخبرتني مواصفاته، رأسه إلى أذن الرئيس.
همس همس
مد الرئيس أخيراً يده ليأخذ الرسالة.
بقى الرئيس ينظر للرسالة دون فتحها لثواني.
همس همس همس
فتح الرئيس الرسالة بعد القليل من الهمسات...... ومرة أخرى بقى ثابتاً حتى بعد مرور مدة كافية ليقرأ المحتوى.
همس همس همس همس همس همس
تكلم الرئيس:
"يالها من مشكلة عويصة!"
"أرجو منك أن تعطيني ردك كذلك يا رئيس"
"يالها من مشكلة عويصة!"
"نعم.. إنها كذلك، إذاً ماذا أقول للأمير؟"
"يالها من مشكلة عو.."
قاطع المستشار كلام الرئيس:
"لا تعد جملتك، فلتخبره بأن يقول لأميرهم تمام"
نفذ الرئيس الأوامر بسرعة:
"قل لأميركم تمام"
من منكما الرئيس؟!
على ما يبدو أن كل الكلام عن الرئيس كان خاطئاً، ما أراه هو شخص ضعيف تتم قيادته من قبل مستشاره!
"قل له عد أدراجك"
"عد أدراجك"
"قل له مياو اريد تونة"
"مياو اريد تونة"
ضحك المستشار بصوت مكبوت بينما ما زال الرئيس ثابت كالتمثال، كيف سينجو هذا البلد مع رئيس كهذا؟!
سأتخيل أني لم أرى شيء وأغادر.....
"قبل أن ارحل، أيمكنني أن أسألك يا مستشار الرئيس؟"
"بالطبع"
"هل لديك أخ؟"
ذهب وجه المستشار البشوش المرتاح، لتصبح ملامحه باردة كما لو ازعجه السؤال، فكر لثواني قبل أن يجيبني بالنفي.
"حسناً اسف على ازعاجك، كل ما في الأمر أني قابلت أحداً يشبهك تماماً، لكن مثل هذه الأشياء تحدث!"
قلت جملتي ثم غادرت.
***
"تأخرت"
"كان بإمكانك المغادرة"
"كيف أترك زبوننا العزيز! على أن أعيدك للنزل بسلام"
علي البحث عن نزل أخر في المرة القادمة...
ثم غادرنا المبنى الرئاسي أخيراً.
...
...
...
"أيها الحارس، هل غادروا؟"
رد حارس البوابة:
"نعم، غادروا للتو، يمكنني اللحاق بهم إن كان الأمر مهماً"
نظر المستشار للأمام، قبل أن يعاود النظر للحارس:
"لا بأس، ظننتني رأيت شخصاً أعرفه فحسب"