"أين أنا!"
استيقظ شاب بلا أدنى فكرة عن مكانه، هويته، أو أي معلومة أخرى، الشيء الوحيد الذي علمه هو أن المساحة الشاسعة الخضراء التي استيقظ فيها لم تكن مألوفة أبداً.
نظر للأفق، لم يكن بإمكانه رؤية شيء ما عدا العشب الأخضر والسماء الزرقاء.
نظر لنفسه لوهلة، كان شاباً متوسط الطول، يرتدي بيجامة زرقاء مخططة بالأبيض يتوسطها جراب كجراب الكنغر.
ادخل يده إلى جرابه ووجد ثلاثة أشياء، أولها بندقية صنعت عام ١٩٨٨، بدت عتيقة جداً، جرب أن يضع يده على الزناد فشعر بشعور مألوف جداً.
ترك البندقية المصنوعة عام ١٩٨٨ وأمسك بالغرض الثاني، رخصة قيادته، لم يكن يستطيع رؤية وجهه، لكن بما أن الرخصة معه ربما تكون صورته، كان الصورة لشاب، ذو شعر أسود كلون عينيه، وملامح عادية.
بعدما نظر للصورة قرأ المعلومات الأخرى، كان الشاب في الثانية والعشرون من عمره، طالب جامعي، واسمه...
"جمبري قشطة، هذا اسمي اذاً، لا أتذكره أبداً"
بدأ التشويش يتزايد ويوجع رأس الشاب، رفع رأسه للأفق الخالي ولاحظ..
كيان بلون بني وفضي يقترب من بعيد وبسرعة، شعر جمبري بالتوتر والربكة،
"ما هذا الذي يقترب؟!"
شخص لا يعرف من هو وأين هو يواجه كياناً مجهولاً! كان جمبري في موقف مخيف ومصيري، قرر بسرعة بديهته أن عليه أن يتخذ وضعاً دفاعياً، لربما ما هو قادم سيكون خطراً عليه!
أخذ يبحث عن سلاح حوله، لكنه كان في وسط مساحة عشبية فارغة لا تحتوي حتى على صخرة! وهنا لم يكن بيده سوى خيارين....
أما أن يستخدم رخصة القيادة كسلاح، وهذا كان خياراً ضعيفاً لكون الرخصة غير فعالة في قتال، أو أن يستخدم الغرض الثالث! قرر بسرعة وأخرج الغرض الثالث من جرابه وهنا كانت الصدمة! وجد أفضل ما يمكن أن يحصل عليه في مثل هذا الموقف! اسرع وخبأه داخل جرابه ليخرجه باللحظة المناسبة.
رفع جمبري رأسه ليلاحظ أن الكيان اقترب واتضح شكله، لقد كانوا فرساناً على خيولهم مسرعين نحوه، لم يبدو منظر الجنود مألوفاً له مما أثار حيرته لكنه سرعان ما ركز مجدداً... لأنهم وصلوا.
"أنت! وجدناك أخيراً!"، صرخ فارس مدرع برباط أحمر على ذراعه والذي بدى كقائد الجنود.
ثم اكمل بنبرة تهديد،
"سلم نفسك إن لم تكن تريد الموت"
نظر جمبري برعب للعدو المخيف أمامه، رجال ذوي أجسام ضخمة قوية، مقارنة بهم فهو طفل! تسأل لم قد يقوم هذا العدد الكبير من الجنود المدرعين بمطاردة شخص مثله!
"أتعرف من أنا؟"، سأل جمبري باحثاً عن إجابات ومماطلاً كذلك.
احمر وجه القائد وحك أسنانه ببعض بشكل واضح بينما ينظر لجمبري الذي سأل هذا السؤال.
"أعرف من أنت؟! هل هناك من لن يعرفك عند رؤيته لملابسك هذه! فتستسلم أيها المجرم الآن!"
مات جمبري رعباً، تقريباً، وفكر.. ما الذي فعلته قبل أن افقد الذاكرة ليكرهنني هكذا؟! لكن لا بأس طالما أملك هذا الشيء فتوجد فرصة لي للنجاة منهم..
أشر القائد لثلاثة من الجنود بأن يعتقلوا جمبري، لم يعلموا أن لدى جمبري خطة.
بسرعة أخرج جمبري من جرابه ورقة، ليست كأي ورقة، بأن إنها بطاقة قلب الأدوار! نظر إليهم باستهزاء وقهقه لانتصاره..
الشيء الثاني الذي شعر به جمبري بعد فرحة الانتصار... هو ألم ارتطام رأسه بالأرض.
....
ألم مبرح، وبرودة قارسة غزت أنحاه جسمه، هذا ما احس به جمبري حينما استيقظ ليجد نفسه في زنزانة حديدية متجمدة، كل ما تواجد فيها هو السرير المعدني البارد الذي استيقظ فوقه.
وقف بينما يمسك رأسه المتألم واتجه الى القضبان الحديدة السميكة محاولاً اخراج رأسه منها لرؤية محيطه، كان ممراً طويلاً ومظلماً كممرات الأنفاق غير أنه لمح في يمينه ارتفاعاً بدى وكأنه سلم يقود للأعلى.
"استيقظت أخيراً؟"، التفت جمبري لليسار ليجد جندياً بدرع يحمل رمحاً طويلاً كما يبدو حراس السجن في القصص التاريخية الخيالية! وبينما ما زال جمبري ينظر إليه بتعجب أكمل الجندي.
"سأذهب لأعلمه باستيقاظك، فلتبقى هادئاً ولا تحاول الهروب لأنه مستحيل"
سأله جمبري عن هوية الشخص الذي يتكلم عنه، نظر الجندي إليه بنظرة لثانيتين قبل أن يغادر للأعلى.
خلال الدقائق القليلة قبل عودتهم، فكر جمبري في وضعه، كل ما يعرفه هو اسمه، عمره البالغ الثانية والعشرون عاماً، وأنه استيقظ في بلد تملك جنوداً مدرعين على أحصنة، لم يكن جمبري يتذكر شيئاً عن هويته لكنه متأكد أنه كان يعيش في عالم متطور، لم يعد أحد يستخدم الخيول للتنقل حيث عاش أو يرتدي درعاً حديدياً!
تساءل أين يتواجد؟ في بلد بدائي؟
تساءل ايضا عن الجريمة التي ارتكبها ليعامل هكذا، وعن محتويات الجراب وسبب تواجدها معه، وحينها لاحظ جمبري عندما نظر للجراب أنه مخيط، هل قاموا بتخيطيه بينما هو فاقد الوعي؟ ولما؟ كان كل شيء غريباً و مشوشاً.
خطوات تقترب أكثر وأكثر، زاد توتر جمبري مع اقتراب هذه الخطوات، نزل من السلم شخصين من السلم، في الأمام رجل يبدو في ثلاثينياته ذو شعر أسود كثيف ولحية متوسطة، كان يرتدي زياً عربياً، لكنه لم يكن الزي الحديث الذي اعتاد عليه جمبري بل زي عربي تاريخي بالإضافة إلى حزام علق عليه خنجر. نظرته الحادة جعلت جمبري يخاف أكثر، وخلفه.. مراهق أصهب ذو نمش يرتدي بنطال أسود وهودي أبيض، ابتسامته المشرقة كانت لا تندمج مع هالة الشخص الذي أمامه ابداً.
قال جمبري في نفسه، رجل الخنجر هذا يبدو شخصاً مهماً وذو مكانة، لربما إن افهمته وضعي سيستطيع إخراجي من هنا! لكن علي أولاً أن اعطيه انطباع بأنني لست شخص مؤذي.
وقف الاثنين أمام جمبري، فتح رجل الخنجر فمه بينما زادت دقات قلب جمبري، ثم قال الرجل:
"لقد وصلنا، أيها الأمير"، ثم تنحى جانباً بينما تقدم الفتى الأصهب إلى الأمام.
تجمد جمبري من ما راه، ليس فقط من كون المراهق أميراً، بل أيضاً لكون صوت رجل الخنجر مشابه تماماً لجندي السجن الذي تحدث معه قبل ثواني.
كل هذه الهالة وأنت جندي؟
ابتسم المراهق الأصهب وقال:
"جمبري قشطة، مدمر الحضارة البشرية، إنه بالفعل أنت!"
"أنا؟!"
ازدادت حيرة جمبري، ما معنى مدمر الحضارة البشرية؟ لم يكن يملك أي فكرة.
أكمل المراهق،
"نعم أنت، لأحد يرتدي هذه البيجاما سواك! أنا زين أُقصوان، الابن الثالث للملك، أحتاج مساعدتك يا جمبري"
الابن الثالث للملك! لم يكن يملك الشكل الذي يبرهن كلامه، لكنها كانت فرصة جمبري وقرر استغلاله سواء كانت هذه حقيقة أم لا.
"كيف؟"
"والدي يملك أربعة أبناء كما تعلم، لكن مقعد ولي العهد لا ينتمي سوى لواحد، ولتحديد هذا الواحد أعطانا أبي مهمة، الناجح منا سيصبح الملك القادم."
سادت ملامح جدية على وجه زين وأكمل:
" لا يمكنني التنازل عن منصب ولي العهد لأسبابي الخاصة، أعلم إن الأمر ليس من شأنك، بالمقابل أعدك بتحقيق أي طلب تريده إن ساعدتني. ما هي إجابتك، جمبري؟"
نظر جمبري إلى زين وفكر، أي شيء سيكون أفضل من هذه الزنزانة.
هز رأسه موافقاً وسأل عن ماهية المهمة.
ابتسم زين مجدداً وأجاب بصوت متحمس:
"هزيمة جمبري قشطة، مدمر الحضارة البشرية!"
"ماذا؟!"
"كما سمعتني، سأجمع أقوى الرجال ابتداءً منك لكي نهزمه! نهزم جمبري قشطة!"
_________________
فصل كل يومين إن شاء الله