اسمي جمبري، اسمي الذي لا أتذكره أبداً. بعد رؤية شكلي في المرآة أدركت أني أبدو فعلاً كالصورة في الرخصة، غير بعض الاختلافات التي لا تذكر. دائما على الصور الرسمية أن تظهرك بشكل مختلف.

فقدان الذاكرة مزعج. عقلي يستمر بسؤالي من أنا وأين أنا ولما أنا ولما أنظر لنفسي في المرآة الآن؟ وما هذه الغرفة ولما أرتدى هذه العباءة السوداء فوق بيجامتي؟

"لما أنت متأخر؟"

التفت لأرى ذو الخنجر، صحيح! لقد قال أن اسمه شهاب، نظرت حوله وسألته عن ماذا تأخرنا.

تنهد شهاب وقال:

"هل فقدت ذاكرتك مجدداً؟ لقد اتفقنا على اكمال مهمة الملك، صغار السن لا فائدة ترجى منهم"

كيف نسيت؟ كان هذا قبل مدة قصيرة، قررنا الذهاب من اليوم وأعطوني هذه العباءة حتى لا يرى أحد بيجامتي، الذهاب لجمع فريق... لهزيمتي.

أدركت بعض الأشياء من الوقت القصير التي قضيته معهم، أولاً زين معتوه، طريقة تفكيره غير مناسبة لفتى في الخامسة عشر من عمره، وخطته هذه تثبت ذلك. ثانياً شهاب يكون خادم زين، وجندي زين، وطباخ زين، في الواقع لا أحد غيرهما في هذا البيت الكبير... هل الملك يملك حقداً تجاه ابنه الثالث؟ لا أعلم.

وأخيراً أهم نقطة، هويتي .. عندما أخبرتهم بفقداني للذاكرة قالوا أنهم سيشرحون كل شيء في الطريق، لكن المهم هو أن أرتدي هذه العباءة حتى لا يعرف أحد هويتي، وحذروني كذلك من فك الجراب المخيط.

........

"قبل أن ننطلق سأعيد لكم خطتنا" قال زين.

"من أجل أن أحصل على لقب ولي العهد، علينا أن نتخلص من عدو البشرية الأول! أنت!" وأشر ناحيتي.

"لذلك علينا أن نخوض مغامرة صعبة لنجد فريق مناسب لصعوبة هذه المهمة، لا أستطيع أنا وشهاب القتال لذا نحتاج لأحد قوي ليحمينا حتى نجمع فريقنا، وهنا يأتي دورك جمبري، هل هناك أي أسئلة؟" قالها بينما يبتسم بحماقة.

ما البسيط؟ كيف تطلب مني بصراحة مساعدتك لهزيمتي؟

رفعت يدي وقلت:

"لما لا تسلمني فقط؟"

أجاب: "لا يمكنني، الملك أمرنا بهزيمتك وليس تسليمك"

هل هناك فرق؟ نظرت إليه بفراغ بعد إجابته السخيفة ثم سألته:

" وماذا لو لم أكن أريد أن أهزم؟"

"عليك أن تهزم، أنت شرير"

تفكيره بسيط لدرجة تدهشني، في رأيه يجب علي أن اتفهم هزيمتهم لي لأنني شرير، لهذا قلت أنه معتوه، والآخر يوافقه القول دائماً.

"قلت أنكم تريدون من يحميكم، لكني لا اتذكر شيئاً فكيف سأفعل ذلك؟"

"سنستخدم الجراب لذلك. لنطلق الآن ونتحدث بعدها"

أجاب هذه الإجابة المجهولة قبل أن يلتفت لنبدأ بالسير، كانت تنتظرنا عربة تجرها الخيول، لم اتوقع في حياتي أن أتنقل بهذه الطريقة، قاد شهاب العربة بينما جلست أنا وزين في الداخل.

بعدما بدأت العربة بالتحرك قال زين:

"اسف لأنني لم أشرح لك مبكراً، لكن علينا الإسراع بالتحرك. ماذا تريد أن تعرف أولاً؟"

" ... ماذا حصل للعالم؟"

"أنت تتذكر عالمنا القديم إذاً، أنت محق لقد تغير عالمنا، فجأة وبدون سابق إنذار، كل التكنولوجيا التي قضى البشر سنين لبنائها محيت في طرفة عين، بدأ الأمر حينما اتى شاب يرتدي بيحاما زرقاء وبيضاء بجراب ذو قدرة قوية، كان الجراب قادراً على سحب جميع مظاهر التقدم والتكنولوجيا في العالم لداخله، خلال ثواني تم سحب كل الهواتف، الحواسيب، وحتى الطائرات. يبدو الأمر مستحيلاً لكن يوجد بعض شهود العيان الذين رءوا هذا الشاب. وبعدها اختفى الشاب تاركاً وراءه العالم يعاني"

"وهذا الشخص هو أنا.."

"بالضبط، تمكنا من معرفة اسم هذا الشخص من خلال الشهود، جمبري قشطة أو أنت. رغم أنك لم تظهر سوى مرة واحدة في العالم إلا أنك أكثر إنسان مطلوب على وجه الأرض، لكن لا تقلق، لا أحد يتذكر وجهك، الشيء الوحيد الذي سيمكنهم من معرفة هويتك هو بيجامتك ذا الجراب"

التفت إلى نافذة العربة لأرانا نسير بسرعة بطيئة مقارنة بالسرعة التي اعتدت عليها مع السيارات. كلام زين كان غير معقول أبداً. لكنه كأن الشيء الوحيد الذي سيفسر مظاهر المنازل البدائية التي مررنا بها بالطريق. رغم أن ملابس الناس العصرية لم تختفي، لكني لاحظت بعضهم يرتدون ملابس تاريخية تناسب البيئة المحيطة.

استطعت تقبل قصة الجراب الذي سحب حضارة البشرة لداخله، لكن أنا مجرم؟ لا أعرف عن نفسي لكني لا أتصور سبباً لفعلي هذا.

مد زين يده إلي ليعطيني شيئاً فالتفت،

"خذ هذا المقص، فقط حينما نكون في خطر فلتقص الخيط الذي يربط الجراب"

أخذت المقص وسألته عن ما سيحدث حينها.

اقشعر ثم أجاب،

"حدث كل شيء بسرعة، بينما كنت أتدرب في السهل، رأيت مجموعة من الجنود يحيطون بك وثم.. هاجموك فابتلعهم الجراب"

هذا ما حدث لهم لأولئك الجنود...

رددت عليه:

"لم يكونوا منكم... لقد استحقوا هذا"

عبس زين وقال:

"ألا تشفق عليهم، لا نعلم أين ذهبوا حتى!"

رفعت كتفي موضحاً أن الأمر لا يهمني، لِمَ أقلق على من هاجموني؟

نظرت للنافذة مرة أخرى، وسألته عن وجهتنا.

"كما قلت لك، هزيمة قوة الجراب تتطلب محاربين أقوياء، لذا سنذهب لنحضر (كيلوغرام من الرجولة)"

نظرت بتعجب إليه:

"(كيلوغرام من الرجولة)؟"

مد يده إلى جيبه ليخرج أوراقاً تبدو كالتذاكر وقال:

"صحيح أنت لا تعرف ما هي، بسبب شخص حرم البشرية من جميع وسائل الترفيه، بحثنا عن مصادر بديلة للدوبامين.

سنذهب للعاصمة(غيد)، تقريباً لا يخلو يوم واحد فيها من الفعاليات، إحدى تلك الفعاليات هي (كيلوغرام من الرجولة) التي تقام شهرياً. مسابقة محبوبة يتبارى فيها ثلاثين شخص من النخبة للحصول على لقب الأفضل!"

ابتسم زين وأكمل:

"إنها ممتعة صدقني! سنشاهد ونستمتع وحالما يتم تحديد الفائز سوف نجعله ينضم إلينا، لدي طريقة ستقنعه"

مسابقة قتالية؟ إنها تبدو ممتعة فعلاً، لابد أن البشرية تكافح لتجد شيئاً ينسيها ترفيه الهواتف والشاشات.

على ما يبدو أن هذا المراهق يحب طرحي للأسئلة عليه، لاحظت عيناه اللامعتان كلما سألته عن شيء، هل هذه المرة الأول التي يستمع فيها أحد له؟

...

مرت ساعة أو أكثر قليلاً قبل أن تتوقف العربة ويخبرنا شهاب بوصولنا، ترجلنا عن العربة. الأصوات العالية والطريق الذي لا يخلو من الناس والمتاجر الكثيرة جعلت العاصمة تنبض بالحياة.

أشار أحد ما بشدة لنذهب لشراء الحلوى قبل أن نتجه لمكان المسابقة. معجنات حارة مدهونة بالعسل، لم تكن تقارن بطعامنا الحديث لكن جوعي؛ لأنني لم أكل منذ ما استيقظت، جعلني ألتهم الكثير منها، زين هو من أراد أن يأكل، لكني كنت أكثر من أكل. بسبب إصرار الاثنين على أن نذهب بسرعة للمسابقة اضطررت لأخذ علبة أخيرة لأكلها على الطريق.

وثم...

وقعت...

شخص ما برداء بني يغطيه بالكامل صدمني مما جعل الحلوى تسقط، مشى بدون أن يلتفت حتى، كنت سأصرخ عليه،

ما أوقفني كان تذكري لمشهد اصطدامنا حيث أُزيح رداءه قليلاً...

كان يرتدي بيجاما تشبه خاصتي....

2024/05/24 · 28 مشاهدة · 981 كلمة
Paprika
نادي الروايات - 2025