هل تعرف فيلم "ذا ماتريكس"؟
نيو، بطل الفيلم، كان يبحث عن مورفيوس، الهاكر الأسطوري. وعندما التقى بالقوة الغامضة، أدرك أن العالم الذي يعيش فيه لم يكن حقيقيًا، بل كان واقعًا افتراضيًا صنعته الآلات للتحكم بالبشر والسيطرة عليهم.
عالمٌ زائف خُلق لقيادة البشر واستعبادهم.
في الحقيقة، فيلم "ذا ماتريكس" ليس سوى مثال واحد من بين أمثلة كثيرة، فالجميع تساءلوا يومًا:
هل هذا العالم حقيقي؟
هل أنا حقًا موجود؟
أيمكن أن يكون هذا العالم مُجرّد برنامج صنعه أحدهم وذكرياتنا جزء من سيناريو مكتوب؟
هل هناك ما يضمن أن العالم لم يُخلق قبل يوم واحد فقط، أو قبل ساعة، أو حتى قبل ثلاث ثوانٍ؟
أليست مثل هذه الشكوك هي التي دفعت الفيلسوف ديكارت لصياغة المبدأ الأول للفلسفة: «أنا أفكر إذن أنا موجود»؟
---
بطبيعة الحال، أسئلة كهذه لا معنى لها.
فإذا بدأت تشكك في الواقع، فلن تجد نهاية لذلك.
وإذا شككت في العالم نفسه، فإن أي دليل أو نظرية تنبع من داخله تصبح بلا قيمة أيضًا.
ومن ناحية أخرى، إن لم يكن هناك أي عامل خارجي يفوق هذا العالم، فلن تجد ما يثبت شكوكك أصلًا، فيظل كل هذا محض مغالطة منطقية.
لذا من الطبيعي أن تخطر مثل هذه الأفكار ببالك مرة واحدة على الأقل، لكنها سرعان ما تتبدد.
فالبقاء على قيد الحياة في هذا العالم صعب بما فيه الكفاية دون الانغماس في نظريات مؤامرة غير صحية كهذه.
ومع ذلك...
"هل هذا العالم حقيقي فعلًا؟"
كنت دائمًا أفكر في هذا السؤال بجدية. بدأت هذه الفكرة تلازمني منذ المرحلة الإعدادية، ولا تزال تسكن مؤخرة عقلي حتى الآن، وأنا في سنتي الثانية من الثانوية.
باي جاي-سيوك، تدهورت درجاته، كيم وان-راي، لم يغمض له جفن، لي هيونغ-ووك، يعاني من صداع الخمر، بارك جونغ-شيك...
عناوينٌ كهذه مكتوبة فوق رؤوس المارة خارج النافذة.
هذه هي قدرتي.
أستطيع أن أعرف انتماءهم، وصفاتهم، وحالتهم الراهنة وأسمائهم بمجرد النظر إليهم.
الأهم من ذلك أن هذا هو كل شيء.
"يا لها من قوة خارقة مسالمة."
لا أستطيع الطيران بتحريك الأشياء ذهنيًا، ولا إشعال النار، ولا حتى الانتقال الفوري.
قدرتي سلمية بالكامل ولا علاقة لها بالقتال، وفوق ذلك لا أعرف حتى كيف تعمل أو ما هو مبدؤها.
بصراحة، وبعيدًا عن كل هذا، أليست قدرة غريبة؟
أنا لا أمزح؛ فهي غريبة لدرجة تجعلني لا ألوم نفسي إن شككت في حقيقة هذا العالم كل يوم.
لقد بحثت كثيرًا عن كل ما يمكنني إيجاده لفهم هذه القدرة التي أملكها منذ طفولتي.
لو كنت أستطيع إطلاق شرارات، لتخيلت أني صاحب طاقة نارية. ولو استطعت استخراج طاقة من دانيان لتقوية جسدي، لقلت إنني أتقن طاقة داخلية.
لكن ما هذا؟ كلمات فوق رؤوس الناس؟!
من أي زاوية نظرت إليها، هذه قدرة يصعب استيعابها.
وفي النهاية، التفسير الوحيد الذي بقي...
"هذا العالم زائف."
لحسن الحظ أنني لم أعانِ من اكتئاب.
فلولا أنني شخص متفائل وأناني بطبعي، لكنت غرقت في بؤس شديد.
"هاه؟"
بينما أحدّق من النافذة، لمحت كيس قمامة متكئًا على الجدار. لم يكن كيسًا بلاستيكيًا عاديًا، ولا حتى محتوياته مفروزة لإعادة التدوير؛ بل مجرد فوضى رُميت هناك هكذا.
تبًا، من هذا الشخص عديم الذوق؟! لقد كُتب على الجدار بوضوح: «ممنوع رمي القُمامة هنا» ومع ذلك تركها مباشرة تحت اللافتة!
حدّقت بالكيس، وكان مكتوبًا فوقه: «مُلقى بلا مُبالاة، قُمامة».
"لست بصدد معاقبة الفاعل... لكن دعنا نرى من رماها."
ركّزت.
نعم، ليس بوسعي رؤية العناوين فوق رؤوس البشر فقط، بل أراها فوق الحيوانات والحشرات وحتى الأشياء الجامدة.
ولم يكن الأمر هكذا منذ البداية؛ في البداية كنت أرى العناوين فوق رؤوس الناس فقط.
لكن بدا من المؤسف أن أهدر قدرة كهذه، لذا بعد تدريب وممارسة أصبحت أرى العناوين فوق كل شيء عدا الأشياء الدقيقة جدًا كالغبار أو حبات الرمل.
ركزت نظري على عنوان «مُلقى بلا مبالاة، قمامة» وفعّلت خاصية «التصنيف».
إنه إجراء بسيط، يشبه فتح مجلد على الحاسوب. يكفيك أن تحدد العنوان أكثر، كما لو أنك تفتح مجلد «حيوانات» ثم مجلد «طيور» ثم مجلد «إوزّ».
"مُرمى من شقق دايهين، قمامة... هذا مبهم جدًا. المزيد..."
تصنيف.
تحديد أدق.
هناك الكثير من الخيارات. يمكن تصنيف العنوان حسب الوقت أو المكان أو الفاعل وغير ذلك.
ولو قضيت وقتًا أطول، لعرفت من رمى القمامة، ومتى رماها، وسبب رميها (مع أن رمي القمامة لا يحتاج سببًا عظيمًا).
على أي حال، لم أكن فضوليًا لهذه الدرجة الآن.
"مُلقى بواسطة السيدة شيم مون-سون من شقق دايهين، قمامة."
"آه، إنها تلك العجوز مجددًا."
وهكذا كانت النتيجة.
كان العنوان أطول من المعتاد لأنني استنفدت قدرًا أكبر من طاقتي الذهنية لتحديده.
حسنًا، كلما أردت عنوانًا أطول، ازداد طولًا. جربت ذات مرة وأطول عنوان خرج معي كان من ثلاث أسطر.
"حسنًا، لن أفعل شيئًا على أية حال."
تحريت فقط بدافع الملل. ومع ذلك شعرت بخيبة خفيفة لأن النتيجة كانت متوقعة.
على أية حال، لا يهم لأنها ليست جدارنا. كل ما في الأمر أن منظره من النافذة أزعجني قليلًا.
"يجب أن أذهب إلى المدرسة."
هززت رأسي لأطرد أفكاري المعقدة وبدّلت ملابسي.
يجب أن أُسرع. فمع أنها السادسة صباحًا فقط، وبالنظر إلى حصة «الفترة الصفرية» والوقت الذي أحتاجه للوصول إلى المدرسة، فلا وقت لديّ لأضيعه.
طقطقة.
فتحت خزانة الملابس وأخرجت الزي الأسود.
همم... لدي الكثير لأشتكي منه في مدرستي، لكن هناك شيء واحد أحبه: تصميم الزي المدرسي. في الحقيقة، كان الزي الأنيق من الأسباب التي جعلتني أتقدم لهذه المدرسة.
"آه، داي-ها، استيقظت؟"
"نعم، أبي. أين هيونغ؟"
"سينزل حالًا."
ردّ أبي بهدوء، وكان المريول معلقًا على عنقه.
المطبخ يفوح منه عطر لذيذ لا يقاوم حتى لمن استيقظ لتوه بلا شهية.
"ماذا أعددت اليوم؟"
"يوشيانغ رو سي (لحم الخنزير المقلي بخليط الثوم والفلفل)."
"كُنتَ تُعد أطباقًا فرنسية طوال الشهر، والآن انتقلت للأطباق الصينية؟"
"لم يبقَ لديّ شيء غريب أُعدّه. لكن المطبخ الصيني ممتاز كذلك. تنوعه كثير وصعوبته مناسبة."
ومع كلماته، كان اللحم المقطع في الطبق أنحف من الخيط!
كيف بحق السماء يمكن تقطيع لحم الخنزير ليصير هكذا؟
صحيح أن هذا الطبق يتطلب لحمًا مقطعًا رفيعًا ثم يقلى سريعًا، لكن في الواقع قلّة هم من يستطيعون تقطيعه بهذه النحافة.
نظريًا، يُفترض أن يكون اللحم رفيعًا كالشعرة، لكن هذا يبقى في الكتب فقط. أما عمليًا فهو صعب جدًا.
في أفضل الحالات قد يصل سُمك اللحم إلى سُمك إصبع، فما هذا إذن؟! والأسوأ أنه قطّعه بسكين فقط!
"هل نِمت جيدًا؟"
صرخ أخي بنشاط وهو يدخل المطبخ. بطوله القصير نسبيًا (171 سم) وملامحه الوديّة، يبدو لطيفًا (حتى وإن كان أخي الأكبر). استلم طبق الأرز من أبي ووضعه على الطاولة.
"لماذا أنت مُنتعش هكذا رغم أنك استيقظت للتو؟"
"يجب أن أستمتع! أليس هذا العالم مكانًا رائعًا وممتعًا؟ هاهاها!"
"ماذا؟"
سخيف... لماذا يتصرف هذا الشخص هكذا؟
لكنني لم أرغب في تحطيم فرحته وهو يبدو سعيدًا جدًا، لذا بدأت آكل طعامي بهدوء.
"شكرًا على الطعام."
"حسنًا. لكن هذه أطباق تجريبية، فأخبرني برأيك."
"عذرًا، لكنني لم أذق طعامًا صنعته وكان سيئًا يومًا."
حتى طهاة الفنادق ذات السبعة نجوم لن يصلوا إلى مستوى والدي في الطبخ.
وليست مجاملة من نوع «طبخ أبي هو الأفضل!»، بل حقًا أشك إن كان هناك بشر آخر على الأرض يطبخ أفضل من هذا الرجل.
في الواقع، كان هناك طاهٍ تذوّق طعام والدي ثم تبِعه شهرًا كاملًا يرجوه أن يقبله تلميذًا!
"آه يا ولدي، لن أتطور إن قلت هذا."
"كم تريد أن تتطور أكثر؟"
"لم أقل إنني أريد التطور، إنها هواية فقط."
"هذه جملة قتلت كُل طُهاة العالم مرتين."
"هاها."
الرجل الذي هزَ كتفيه أمامي هو والدي.
"لماذا تحدّق بي هكذا؟"
"لا شيء."
عمره ستة وثلاثون عامًا هذا العام. وأنا عمري 18 سنة، ما يعني أن هذا الرجل أنجبني وهو في سِنّي الحالية بالضبط.
مجرد هذا الحدث وحده كفيل بأن يكون صدمة، لكن ما هو أكثر رعبًا أن والدي يبدو وكأنه في منتصف العشرينيات أو أواخرها كحد أقصى.
بصراحة، يبدو كأخي أكثر من كونه أبي.
كيف يبدو شكله؟ هناك ثلاث نوادٍ معجبين رسميين له في مدرستي وحدها (ولا أدري كم نادٍ غير رسمي هناك).
حتى وهم يعرفون أنه متزوج! بل ويعرفون أنني ابنه!!!
وليس هذا فحسب.
عدد كشافات المواهب الذين حاولوا جعله مغنيًا أو ممثلًا تجاوز المئة!
لديه قصة شعر بوب أنيق (والحقيقة أن قلة في هذا العالم يمكنهم إتقان هذه التسريحة)، وملامح رجولية، وعينان هادئتان، وجسد عضلي.
كما أن له هالة خاصة تحيط بجسده كله.
يمتلك من الكاريزما ما يكفي ليأسر انتباه كل من يقف في نطاق ثلاثين مترًا دون أن ينبس بكلمة.
"إذًا لماذا تحدّق بي؟"
"لا شيء حقًا... فقط فكرت أنك وسيم."
"هاها. شكرًا، لكن لا فائدة من ذلك. فلا أحد ينظر لي."
«هناك كثيرون يفعلون ذلك أصلًا...!!»
ربما يُصعب تصديقه، لكن هذا الرجل تعلّم 17 لغة كهواية (وهناك احتمال أنها زادت على ذلك). وفي أوقات فراغه، تأتيه وكالة ناسا طلبًا للمشورة في فيزياء الفضاء.
وقد أتقن كل فنون القتال التي يمكنك تخيلها حتى صار مُستواه احترافيًا لدرجة أن شخصًا عاديًا معه رشاش لن يُشكل تهديدًا له. كما أن الكتاب الذي نشره باسم "مُستعار" صار من الأكثر مبيعًا في العالم وله تأثير واسع.
ولو دخل سوق الأسهم بمئة ألف وون، يستطيع مضاعفتها إلى مئة مليون وون في شهر (ولحسن الحظ أنه لا يفعلها كثيرًا إذ يعتبرُها مقامرة). وفي عيد ميلادي الخامس عشر، صنع لي لعبة بيديه وأهداني إياها (وكانت بجودة مذهلة، فقد صنع الرسوميات والصوتيات بنفسه... كالعادة).
---
نعم. هذه الشخصية الخارقة هي أبي.
كأنه رمى مليون نرد دفعة واحدة فجاءته كلها ستات، ومع ذلك هذا الرجل حاليًا «عاطل عن العمل». ببساطة، بلا وظيفة.
لكن وضعه يختلف تمامًا عن العاطلين العاديين.
إنه يعيش حياة هادئة ومترفة رغم أن كل الشركات الكبرى والمنظمات الوطنية فعلت المستحيل ليجعلوه ينضم إليهم.
"شكرًا على الطعام! طبخ أبي دائمًا الأفضل!"
"حسنًا، شكرًا لكما. آه، أعددت صناديق طعامكُما وهي عند الباب. لا تنسيا أخذها."
"حسناً~!"
كما قلت سابقًا، أخي هذا مفعم بالطاقة دائمًا. في لمح البصر أنهى طعامه، حمل حقيبته وغادر مقعده. لديه ملامح هادئة وروح هادئة.
لكن عنوانه كان أبعد ما يكون عن «هادئ».
فريق التنين الأزرق
نصل الشبح، كوان يونغ-مين
ما هذا الهراء؟ فريق التنين الأزرق؟ ونصل الشبح؟!
لم أره يومًا يستخدم سكينًا. لم يمسك حتى سكين مطبخ لأنه لا يطبخ أصلًا. فما قصة هذا العنوان الذي يبدو وكأنه من روايات فنون القتال القديمة؟
عناوين كهذه نادرة جدًا وسط كل العناوين التي رأيتها.
"شكرًا على الطعام يا أبي."
"حسنًا، يومًا سعيدًا لك في المدرسة."
وفجأة، رأيتُ وجه أبي وهو يرُد عليّ بنبرة هادئة بينما يسحب كتابًا من الرف.
"ما الأمر الآن؟"
"… لا شيء. سأذهب للمدرسة الآن."
"لننطلق!"
فتحت الباب مع أخي وغادرنا، وقلت في نفسي: «صحيح، إن كان عنوان هذا الأحمق غريبًا، فإن عنوان ذلك الرجل ليس أقل غرابة.»
عنوان أبي أيضًا استثنائي؛ مختلف عن أي عنوان رأيتُه من قبل.
وذلك العنوان هو...
"همف، حسنًا... إنه بارع في كل شيء، هاه؟"
"ماذا؟"
"لا شيء."
"…؟"
تجاوزتُ أخي، والدهشة مُرتسمة على وجهه، بينما كنتُ أتجه نحو المدرسة بخطى سريعة. لم يكن الوقت متأخرًا بعد، إلا أنه كان عليّ الإسراع لأنني مسؤول عن الحصة الصباحية اليوم.