الألبوم الرابع. استرجاع

عندما تم الكشف عن عنوان أغنية “على مشارف الفجر” لفرقة “ودي”، انقسمت آراء الناس.

بدا أن عددًا لا بأس به من الناس لم يعرفوا هذه الأغنية، لكن أولئك الذين عرفوها كانوا في غاية السرور.

في الواقع، كان السيتي بوب من هذا النوع من الأنواع الموسيقية في كوريا.

حتى قبل عقد 2010، لم يكن له أي شهرة تقريبًا، لكنه منذ منتصف العقد نفسه بدأ يكوّن قاعدة جماهيرية متحمسة للغاية.

والحقيقة أن السيتي بوب كان نوعًا يصعب تمييزه من الناحية التقنية؛ فما قد يسميه أحدهم سيتي بوب، قد يراه آخر على أنه AOR أو جاز اندماجي (Fusion Jazz).

AOR: روك ناعم وسهل الاستماع موجَّه للبالغين، يجمع بين العاطفة والطابع الإذاعي.

الجاز الاندماجي: نوع من الجاز يمزج بين الجاز وأنواع أخرى كالرّوك والفانك بأسلوب تجريبي ومعقد.

أي أن ما يميز السيتي بوب لم يكن هو التصنيف التقني، بل التصنيف العاطفي.

شعور خافت مفعم بالحنين وسط مدينة مشرقة تبدو وكأنها تتلألأ.

كان الأهم هو مدى قدرة الأغنية على التعبير عن هذا الشعور.

وبينما كانت المقدمة الطويلة، المميزة بالأغاني القديمة، تتلاشى، بدأت الأغنية أخيرًا.

دخلتُ إلى داخل الفجر وجلسنا

تحت الأضواء المتلألئة، نحن الاثنان وحدنا

تحت نيون مطفأ

أضواء محطمة، شارع مغلق

الذي افتتح الأغنية كان هان سي أون من فرقة ثلاثه أشهر و مئه يوم

لم تكن هناك أي زخارف أو زخرفة في الغناء.

غنّى ببساطة، وأطلق النغمات المهمة بنبرة مباشرة.

كان صوته واضحًا ومنعشًا، وسهل الاستماع.

لكن، في المقابل، ربما كان هذا هو كل ما في الأمر.

لم يراودني شعور خاص أو انطباع مميز.

تحت القمر المتلألئ بخفوت

وصوت الأحذية يفتتح الصباح

تحت مصباح الشارع المطفأ، وصوت تشغيل السيارة

والبيت المغلق عند زاوية الزقاق

ظهرت على شاشة مقهى العرض عبارة “Take Scene – فايد ”.

والأغنية التي بدأت تُسمع بدت أكثر أناقة من نسخة هان سي أون

كان يعرف كيف يُظهر الزخرفة الصوتية، وكانت طريقة تعاملها مع النغمة أقرب إلى الـ R&B.

كان بالإمكان المقارنة المباشرة لأن الجزأين المغنّيين من كلا الشخصين كانا متقابلين.

بينما ألقى هان سي أون بنغماته بخفة، كان فايد يعنيها بقوة ملحوظة.

وربما لأن السيتي بوب يركّز على الإحساس، أو لأن اللحن المستخدم في الأغاني القديمة له طابعه الخاص.

في هذه الأغنية، كان عدد تكرارات تبادل الأجزاء أقل من الأغنية السابقة.

كان هان سي أون يُكمل المقطع بأكمله، ثم تبدأ فايد بالمقطع الذي يليها بالكامل.

وهكذا، وصلتا إلى الجزء اللازم.

واقفان عند نهاية الفجر

أنتَ وأنا، فقط نحن الاثنين

في هذه اللحظة التي تنطفئ فيها الأضواء

غالبًا ما يضع الأشخاص العاديون، ممن لم يدرسوا الموسيقى، معيار الحكم على جودة الغناء بناءً على قدرتهم الشخصية.

فإن سمعوا صوتًا لا يستطيعون تقليده أو أداءه، اعتبروه صعبًا، وإن استطاعوا أداءه، اعتبروه سهلًا.

لذلك، شعر كثيرون في داخلهم أن فايد يغني بشكل أفضل.

لكن، بطريقة ما، مع بداية الجزء اللازم، بدأ الناس يمالون أجسادهم تدريجيًا نحو اليسار.

في الواقع، لم يكن معظم الناس مدركين حتى لميلان أجسادهم.

كانوا فقط، بفطرتهم، ينجذبون نحو ما بدا أكثر جمالًا في السمع.

والجهة اليسرى كانت الجهة التي يُسمع فيها صوت هان سي أون بشكل أوضح.

واقفان عند نهاية الفجر

واقفان، فقط نحن الاثنين

أنتَ وأنا، نحن الاثنان

من المؤكد أن هان سي أون لم يكن يبدو متفوق تقنيًا.

لكنه أصدر صوتًا لطيفًا للسمع، وغنّى أغنية يرغب الناس في سماعها، ومنحتهم الإحساس الذي يبحثون عنه.

مدينة في مكان ما بين لحظة نهاية الفجر ولحظة شروق الشمس.

معظم أضواء النيون مطفأة، والمدينة ساكنة في تلك اللحظة التي لم يتبقَ فيها من القمر والشمس سوى الشكل الغائم.

وفي داخل هذه المدينة، شخصان.

في الحقيقة، كاتب كلمات الأغنية الأصلي قال إن “أنت” داخل الأغنية شخص قد رحل بالفعل، وأن كل شيء هو مجرد تخيلات يقوم بها لوحده…

لكن المستمع لم يكن مضطرًا للتفكير في كل ذلك.

فالفن، في الأصل، يُخلق من قِبل الفنان ويُفسّر من قِبل المتلقي.

فقط، كان يكفي أن يتخيل المرء نفسه وهو يمسك بيد الشخص الذي بجانبه،

أو بيد من كان يمسك بيده ذات مرة، وهو واقف في المدينة.

وعندما بدأ المقطع الثاني، أدرك الناس أخيرًا.

أن معظم الحضور قد أداروا رؤوسهم نحو اليسار، ومالوا بأجسادهم أيضًا في ذلك الاتجاه.

***

عند انتهاء الأغنية، ناول الميكروفون إلى تشوي جاي سونغ.

كان كو تاي هوان، أون سيمي رو، ولي إي أون قد غادروا غرفة الكاريوكي ونزلوا إلى الطابق الأول، ولم يتبقَّ سواي أنا وتشوي جاي سونغ.

أمسك تشوي جاي سونغ بالميكروفون وفتح فمه بعينين تلمعان:

“هيونغ كنتَ مذهلًا حقًا في البداية استغربت لأنك لم تغنّها بأسلوبك المعتاد، لكن… واو، ذلك الإحساس لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.”

ابتسمت بخفة من ردّة فعله المبالغ فيها.

قد يبدو أني غنيتُها ببساطة، لكن في الواقع، لم تكن أغنية سهلة أبدًا.

في لحظة ما، بدأت أكره كلمة الإحساس

في الواقع، ليست لحظة معينة.

بل منذ اللحظة التي شعرت فيها بثقة أنني وصلت إلى الكمال التقني.

في ذلك الوقت، كانت كلمة ‘إحساس’ تبدو لي كمجرد حجة فارغة لتبرير التقليل من أدائي.

يغني بشكل جيد، لكن ينقصه الإحساس.

غناؤه ممتاز، لكن لا يوجد ذاك الشعور الذي يخطف القلب.

يغني جيدًا، لكن هناك شيء مفقود من حيث الإحساس… إلخ إلخ.

كنت أظن أن هذا مجرد عذر يختلقه الآخرون لأنهم لا يريدون أن يستثمروا في شخص آسيوي مثلي ويتحملوا المخاطرة.

لكن في الحقيقة، ذاك العذر الذي ظننته من صنع الآخرين، كنت أنا من اختلقه.

وحين أدركت ذلك، بدأت أفكر كثيرًا في كيفية إيصال الإحساس.

الإحساس مسألة ذاتية، نعم، لكن يمكن تحليلها موضوعيًا.

حتى وإن غنّى الشخص نفس الأغنية، إن بدأ التمبو مبكرًا قليلًا، يعطي شعورًا مشدودًا، وإن تأخر فيه، يصبح الإحساس أكثر انسيابية

ولست أقصد تقنيات مثل السينكوب أو الغناء المتأخر (Layback).

بل إنك حتى مع نفس الإيقاع والتوقيت، يمكن أن تُنتج ذلك الإحساس باستخدام فروق دقيقة جدًا في الشدة والضعف.

تعلمت هذا عندما قررت أن أترك الغناء لأني شعرت أني لن أستطيع بيع ٢٠٠ مليون نسخة بالغناء وحده، وبدأت العزف بدلًا منه.

ربما كان ذلك عندما درست الجاز في نيو أورلينز؟

على أية حال، بعد ذلك، عشتُ عدة حيوات أخرى وتعلمت كيف أعزف بصوتي.

وهذه الأغنية لم تكن مختلفة.

ربما بدت سهلة على السمع، لكني تحكمت في تفاصيل كثيرة لأُظهر إحساسًا بالروعة الممزوجة بالحنين، وبالمرارة الممزوجة بالاشتياق.

طبعًا، لا أعتقد أن تشوي جاي سونغ قد لاحظ كل ذلك.

“شكرًا لك سأسبقك إلى الأسفل بالتوفيق.”

“هيونغ، قبل أن تذهب … ممكن تعطيني نصيحة؟”

“نصيحة؟”

“نصيحة للغناء بشكل أفضل.”

تشوي جاي سونغ يمتلك مزايا كثيرة ولا يعاني من عيوب واضحة كمغنٍّ.

لو قلت هذا فقط، قد يبدو أنه مغنٍّ ممتاز، لكن للأسف، لا تظهر عليه بوادر لموهبة متفجرة.

فهو من النوع الذي يؤدي دوره جيدًا في أي فريق، لكنه لا يمكن أن يكون البطل في أي منهم صوتٌ متوازن من كل النواحي، لا أكثر.

إن كان لي أن أقدم له نصيحة…

“جرّب تستخدم نَفَسك لوقت أطول، بشكل مقصود.”

“نَفَسي؟ تقصد النفس؟”

“أجل باستثنائي، أنت أكثر واحد بيننا نَفَسه طويل ومستقر.”

“آه… فهمت.”

"العبارة التي يضطر الآخرون لتقسيمها إلى نصفين كي يستنشقوا الهواء، أنت تستطيع غناؤها كاملة بنَفَس واحد.”

“صحيح، أظن أنني كنت أغني بهذه الطريقة أحيانًا عندما نغني موسيقى الروك مع أصدقائي في الكاريوكي.”

“حاول أن تغنيها هكذا هذه المرة.”

“لماذا؟”

لماذا ؟ لأني أريد أعرف هل توازنك الصوتي هذا نابع من موهبة طبيعية، أو نتيجة تدريب مفرط.

في بعض المغنين، الرغبة في الحفاظ على التوازن تجعلهم يقمعون حتى نقاط قوتهم.

وهذا شائع عند من خضعوا لتدريب مفرط وأحيانًا شعرت أن تشوي جاي سونغ قد يكون كذلك.

هؤلاء الأشخاص لا يظهر مستواهم الحقيقي إلا عندما يُكسَر هذا التوازن.

طبعًا، لو قلت له هذا بشكل مباشر، لن يقتنع بسهولة…

وليس لدي عذر مقنع أقوله له الآن.

“فقط حاول أن تطيل النفس، وستدرك قصدي.”

قلت ذلك ببساطة.

تشوي جاي سونغ تمتم بكلمات “نفس… طويل…” كأنه يحاول استيعاب المعنى، ثم أمسك الميكروفون بإحكام وهز رأسه موافقًا.

كنت على وشك مغادرة غرفة الكاريوكي، لكنني تذكرت فجأة وجود الكاميرا المثبتة، فربتُّ على كتفه قائلاً:

“أنت قادر على ذلك، فلتبذل جهدك.”

فأجابني بحماس: “نعم!”

وعندما نزلت إلى الطابق الأول، تبين أن توقعي كان صائبًا.

جلس حوالي خمسين من المتفرجين في صفوف منتظمة، وخلفهم وقف أعضاء فرقتي ثلاثة أشهر و مئة يوم وأعضاء فرقة Take Scene

غير أن من بين أعضاء Take Scene الخمسة، لم يكن هناك سوى ثلاثة فقط.

ويوجد ثلاثة من فرقتنا، وثلاثة من فرقتهم.

يبدو أن النظام هو: أن تغني ثم تنزل إلى الطابق الأول.

هل من المعقول أن فرقة Take Scene كانت تغني نفس الأغنية في غرفة أخرى؟

هل هذا هو السبب في اختيار أغنية على مشارف الفجر من قائمتي رغم أنها ليست من الأغاني الأعلى ترتيبًا؟

ربما لأن أحد أعضاء Take Scene اختارها كأغنيته المفضلة أيضًا؟

وأنا أتأمل ذلك، بدأت أتفحص الحضور بشكل عفوي.

وكما توقعت…

كان الجميع يمسكون بأجهزة تحكم، وكانت تحتوي على زرين فقط.

يبدو أنهم جعلوا أغاني الفريقين تُعرض في الوقت ذاته ليُترك للجمهور حرية الاختيار.

وهذا يعني أن اختيار الترتيب عبر السلم (القرعة) كان على الأرجح مجرد تمثيل، وربما كانت هناك تطبيقات مهيأة مسبقًا لإعطاء نفس النتيجة دائمًا.

على أي حال، يجب أن أتوقف عند هذا الحد من التفكير.

وبما أن الجمهور كان يراقبني، خفضت رأسي وألقيت تحية التعريف بنفسي:

“مرحبًا، أنا هان سي أون من فرقة ثلاثة أشهر و مئة يوم .”

فجأة، امتلأ مكان الجمهور بالضجيج يبدو أن أغنيتي كانت جيدة جدًا لديهم.

حينها سمعت خطوات تنزل السلم حيث أتيت.

كان يبدو أن أحد أعضاء فرقة Take Scene الذين يغنون في مكان آخر ينزل الآن.

في الحقيقة، العضو الوحيد الذي أعرفه في فرقة Take Scene هو جو يون، المغني الرئيسي.

جو يون لاحقًا انفصل عن لقب آيدول وأصبح مطربًا منفردًا معروفًا.

وبما أن جو يون قد أنهى غنائه وجلس، فمن المرجح أن الشخص المقابل لي هو شخص لا أعرفه.

أتذكر أن أسماء أعضاء فرقة Take Scene كانت كلها مرتبطة بالتصوير، مثل جو يون، ريدي، وأكشن أو ما شابه.

بينما كنت أفكر في ذلك، سمعته يتحدث من الخلف:

“أه، مرحبًا.”

سمعت صوته، فالتفتت طبيعيًا.

وفجأة…

لم أصدق عيني.

كان وجهًا مألوفًا لي.

قال: “أنا فايد من فرقة Take Scene تشرفت بمعرفتك.”

كان هو جو يونغ سونغ.

لماذا هو هنا؟ فهو ليس من المفترض أن يظهر كعضو في فرقة Take Scene التي ستبدأ نشاطها.

جو يونغ سونغ من المفترض أن يبدأ نشاطه بعد عامين مع فرقة " الشباب "

"الشباب "هي الفرقة التي واجهتني لأول مرة كمغني آيدول ملعون.

***

بعد تجربتي الفاشلة في الحياة الثانية من برنامج “المرحلة رقم صفر ”، قررت في الحياة الثالثة أن أسلك طريق المغني المنفرد.

وفي نفس الوقت، وبفضل معرفتي بالمستقبل، جمعت الكثير من المواهب وأسست شركة.

وعندها فقط أدركت أن عدد الألبومات المنتجة والمباعة يصل إلى مائتي مليون نسخة.

العدد يختلف حسب مدى مساهمتي في الإنتاج، لكن عادةً يُحسب لي ما بين 0.2 إلى 0.3 ألبوم مقابل الإنتاج الكامل.

خلال هذه الفترة، تعرفت أيضًا على المحامي تشوي جي وون بسبب قضايا قانونية.

لكنني تعرضت لفشل آخر، وفي الحياة الرابعة حولت انتباهي إلى سوق اليابان الكبير لبيع الألبومات.

وهناك، ظننت أنني فهمت أخيرًا كيف أغني بشكل صحيح.

لكن مع مرور الوقت، أدركت أن هذا الإدراك لم يكن سوى جزء تقني فقط، لكنه كان تحولًا ثوريًا بالنسبة لي في ذلك الوقت.

وبعد أن حققت بعض النجاحات في اليابان، بدأت الاستعداد للحياة الخامسة.

وفي الحياة الخامسة حققت نجاحًا كبيرًا حقًا.

لا أتذكر بالتفصيل، لكنني باعت حوالي ثلاثين مليون نسخة طوال حياتي الفنية.

وكان هذا رقمًا ضخمًا مقارنة بما حققته في كوريا، حيث لم تتجاوز مبيعاتي ثمانية ملايين.

مع ذلك، لم أكن ناجحًا بالكامل.

لم يكن الأمر مجرد فشل، بل عانيت أيضًا من معاناة نفسية شديدة.

أعتقد أن هذه كانت المرة الأولى التي تناولت فيها أدوية للاكتئاب.

• نهـاية الفصل •

حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]

2025/07/24 · 11 مشاهدة · 1825 كلمة
Lolly
نادي الروايات - 2025