صوت زفيره وشهيقه العالي أخذ ينخفض شيئا فشيئاً .. يحاول أن يستجمع نفسه ناظرا لجثة زوجته المعلقة بالحبال أمام عينيه وهو جاثٍ علي الأرض .. حاول النهوض من مكانه زاحفاً نحوها وعينيه مملوءتين بالدمع .. ومشاعر الغضب والأسي الممتزجة تكاد تمزقه.

شيئا فشيئا قام بإنزالها من مكانها .. ونظر نظرة بؤسٍ في عينيها المغمضتين.. ثم ببطء ضمها إليه ..

فانج المشتعل غضباً يبحث في قلبه عن منجي من مأساته.. وفي مخيلته تظهر صور عائلته .. والده وأخيه ومعالم الفرحة علي وجوههم .. ويزداد غضبه ويطبق علي أسنانه وتهتز قبضته قائلا: انتظروا فقط .. سنري من سيضحك أخيراً.

وفي مكان أخر ليس ببعيد .. ملجأ السيده تانيا يحترق أمام أعين الصبية الأيتام وعدد كبير من العامة يتأملون الحدث شديد الغرابة.

بوجي .. ماريو .. زاك وفتي آخر يقفون أمام الملجأ محاولين تهدئة من نجي من صغار الأطفال.. لا تقلق يا صغيري .. سيكون الأمر علي ما يرام.. وكلمات أخري أخذوا يرددونها.. لكن!

من خلفهم ظهر رجل يلبس قناعا لونه وردي رُسم علي القناع ابتسامة عريضة.. ومن خلف القناع صوت يقول .. بوجي ! أحضر الباقين .. سنرحل !

وهنا بوجي يشير بعينيه نحو ماريو الذي تفهم الوضع هو وزاك والفتي الآخر.. والجميع من العامة ينظرون لهذا الرجل متسائلين من يكون.

وفي مكان ما بالعاصمة فصل الرجل الأولاد الأربعة الكبار عن الباقين ثم أخذهم ليتحدث لهم علي انفراد.

أظن أنكم علمتم مسبقا من أكون .. قال الرجل .

ماريو : أيها المعلم. السيدة تا-

وهنا قاطعه الرجل كاشفا عن قناعة وظهر وجهه الذي خطًّ خط أسود من أول عينيه حتي نهاية وجهه أثر البكاء. إنه فانج.

نعم .. لقد فارقت الحياة!! لا تبكوا الآن

بوجي : لا وقت للبكاء ! أيها المعلم . من بحق الجحيم قد يتمنا للمرة الثانية!

أتريد أن تعرف. أتريد أن تثأر . أتريد أن تنتقم .

نعم .. وسأموت لأجل ذلك .

حسنا اتبعوني .. ثقو بي . هبو أنفسكم لي . وسننتقم معا .

والفتيان الأربعة عدا بوجي .. منهارون من البكاء .. ثم غلت دماؤهم مع كلمات فانج . ورفعو أعينهم نحوه وكل منهم مطبق علي أسنانه من الغيظ .. سمعا وطاعة أيها المعلم.

ثم قال زاك : ولكن كيف سنتصرف في شأن باقي الأولاد جميعم صغار السن للغاية . وغير واعين بعد.

لا تقلق أنا سأتصرف .. قالها وهو متجه نحو كرسي له . جلس ووضع رأسه بين يديه .. مفكرا مفكرا مفكرا مفكرا .. حتي ومضت عينه وبرقت .. قائلا : وجدها !! ..

وبالفعل في تلك اللحظة كان فانج قد رسم خطة مستقبلية عمرها عشر سنوات !!

يا تري ما هي معالم هذه الخطة وكيف ستسير ..

بوجي يتقدم نحو فانج .. أيها المعلم نحن سنفعل ما بوسعنا للإنتقام للسيدة تانيا .

ورد عليه فانج .. نعم ستفعلون .. إني أؤكد لكم ذلك .

حسنا استمعو إلي .. بخصوص الأطفال الناجين .. سأقوم ببناء ملجأ جديد لهم لكن سأقوم برعايتهم بشخصية جديدة تحت هذا القناع..

فتساءل زاك .. ولم قد تخفي شخصيتك الحقيقية عنهم؟

حسنا .. فقط شيء ما في نفسي. كل ما سنقوم به في هذه اللحظة هو العودة للشرق .. وبحسب تطورات الأمور هناك سأطلعكم علي الخطوة التالية . لقد بدأنا!!

وبعد عدة أيام اشتري فانج مكانا حوله علي أطراف العاصمة. وحوله بعد ذلك إلي ملجأ.

أنت يا ذا الشعر الغريب! ألم يحن موعد إخبارنا باسمك بعد؟ تساءل بوجي.

أنا ..ناظرا للأسفل .. أنا لا أملك اسماً!

ضحك بوجي مبديا استسهاله للأمر.. إذن نعطيك اسما هنا والأن.

كلا ! إجابة سريعة من الفتي ذو الشعر الغريب. أريد أن أستحق اسمي . سأسعي للحصول عليه !

أوه. يبدو أن صمتك ليس صمت غبي بل صمت حليم. علق ماريو.

حسنا أيا يكن .. لابد لنا من طريقة نناديك بها بسهوله. ألا توفقني الرأي .. زاك واضعا يده علي كتف الفتي ..

افعلو ما تريدونه ! أنا لن أعترض علي أي لقب. وترك المكان وخرج.

أخي زاك.. اقترب أحد الفتيان الصغار من زاك .. ليس بأخيه ولكن جرت العاده أن ينادي صغار الملجأ الأولاد الأربعة الكبار بذلك .

ماذا تريد بروس ؟

إنه كاسبر .. لم يتوقف عن البكاء .. حاولنا كثيرا معه لكن دون فائده!

كاسبر؟! .. همم. حسنا تعال بروس سوف نري ماذا يستطيع أخوك أن الكبير أن يفعل؟

إذن مالذي يزعجك يا صغيري؟ زاك حاملا كاسبر الصغير للأعلي ؟

لكنه لا يتوقف عن البكاء.

إنها أخته لقد .. حسنا .. أنت تعرف .. لقد احترقت داخل الملجأ مع الأخريات ومن كان معهم بداخل الملجأ حينها.. كنا نلعب بالخارج وقتها وعندما عدنا ...

اهتز جسد زاك بالكامل.. واقشعر بدنه ..

ومن ثم وضع كاسبر علي الأرض وعينه مليئة بغضب عارم! استمر ذلك لقترة قصيرة .. ثم ابتسم فجأه لكاسبر .. الذي استهجن الموقف وتوقف عن البكاء للحظات ..

سيتولي أخوك زاك أمر الأشخاص السيئين وسيعاقبهم حتما! لذا فلتسترخي أنت وتتجاوز الأمر .. كن رجلا أتسمعني !

ح.. حاضر !

لقد تحدث .. بروس مبتهجا!

اللعنة! ستدفعون الثمن أيها الملاعين !

هوي زاك .. المعلم يطلبك !

حسناً.. أنا قادم . ثم يباشر بالمغادرة وإذ بيد كاسبر تمسك بيده .. والتقت عيناهما .

هذا وعد !! أخي زاك !

نعم .. هذا وعد !!

***

ماريو .. ستبقي أنت هنا مع الأطفال .. سأرسل عدد من المربيات عندما يستقر الوضع قليلا .

حسنا أيها المعلم . رحلة سعيدة .

هوي أنظروا هناك ..

والتفت الجميع إلي اليمين .. شخص ما بالكاد يسير .. يتجه نحوهم ..

انطلق زاك فزعا نحوه بسرعة .. جهزوا سريرا في الحال .. هذا بون ! لقد .. لقد نجي !

تماسك بون ! هوي بون !

وبشكل شديد الغرابة .. ضحك بون ضحكة هستيرية عالية للغاية .. وسط ذهول الجميع.

ذلك الفتي .. لقد فقد عقله؟! .. تعجب بوجي .

علي أي حال أدخلوه بسرعة .. سأحاول علاجه ! .. أمر فانج .

***

فتح بون عينيه ببطء والجميع حوله منتظرين أن يفيق بالكامل ..

لقد شاهدت الأمر أليس كذلك ؟.. سأله فانج ؟

اقشعر بدن بون وبدأ بالصراخ !

لا بأس اتركوه هنا مع ماريو .. لا وقت لدينا .. سنرحل للشرق في الحال .

وخرج فانج ومعه كل من زاك .. بوجي والفتي ذو الشعر الغريب.

حسنا لنذهب !

ثم ظهر دائرة الجايبو حول فانج ودخل الفتيان داخلها .. وفي لحظات كانوا أمام البوابة الرئيسة .

لاحظهم أحد الجنود علي السور وأسرع بالمناداه ..

لقد وصل ! السيد فانج أمام البوابة ! افتحوا الباب ! ..

حسنا يا أولاد تصرفوا بشكل طبيعي وإلا لن يكون الأمر سهلا عليكم .

وبينما فانج ومن معه يمرون متجهين نحو قصر أسرة غانزو..

أسمعتم بذلك .. يقولون أن زوجته قد قتلت .

لا يبدو عليه ذلك !

أعرف .. لم يشاهد أحد لحظاتها الأخيرة .. لكن أتعلم .. ربما ظلت تصرخ طالة النجدة ..

هوي سيسمعونك !

نحن نسمعكم جيدا أيها الحثالة ! علق زاك في نفسه.

اهدأ زاك .. أمامنا وقت طويل لنعتاد علي الأمر. بوجي واضعا يده علي كتف زاك .

اللعنة!

أوه. يا له من مبني مرتفع ! إذن هذا هو القصر ؟!

ودخلوا جميعا .. وعليوجوه الأولاد تعابير الذهول .. فلم يسبق لهم رؤية شيء كهذا..

هوي ! أريد أن أمتلك مثل هذا يوما .. بوجي ضاحكا بشكل مريب!

ما الذي تهذي به بوجي ؟ انظر لنا .

صمتا !! لقد وصلنا.

** صوت باب القاعة الرئيسة يفتح تدريجيا مستقبلا فانج والبقية **

** صوت مرتفع **

تعال بني ! لقد فعلت الصواب! .. روبيرت مناديا فانج!

اتجه فانج نحوه .. ووجد غانزو جالسا علي كرسي الأب وبجانبه روبيرت واقفا.. وعلي جانبيهما مستشارو القصر.

تلاقت عينا فانج وغانزو للحظة لكن فانج كان أول من أشاح بنظره .. ووجهه إلي روبيرت!

أعلن تنازلي عن المنافسة علي منصب الأب ! ومشاركتي في فعاليات الأسرة بشكل أكثر بروزا كما طلبت.

لكن !! .. القلعة الشمالية واستقلالها عن قصر العائلة.. نصف الأسهم التجارية للعائلة .. استمرار رحلاتي للعاصمة علي ما كانت عليه .. هذه هي مطالبي.

لك ذلك بني !

** تعالت أصوات من بالقاعة احتفالا بإعلان غانزو رسميا أبا لأسرة روبيرت سابقا **

وهنا .. جثا فانج وجثا من معه علي ركبهم .. وخفضوا رؤوسهم أمام غانزوا .. ورفع غانزو يديه وضمهما معا .. وقال .. تهاني الحارة سياده الأب.. أعلن تممام الولاء والطاعة لسيادتكم علي أن تقبل بشروطي التي سبق وذكرتها ..

** حسنا أخي فانج .. لك ما تريد .. تستطيع الإنصراف **

أبي .. أبي ..

** صراخ طفل يتعالي في القاعة الرئيسة وهو يمغطي بسائل أسود يحجب رؤيته **

** يصطدم الفتي بفانج **

آخ .. أنا آسف ..

يحرك فانج عينيه نحو الفتي لكنه لا يستطيع رؤية ملامحه بسبب السائل.

جين !! تعال ! ليس مسموحا لك بالدخول هنا! تردد والدته !

كريستينا !! خذي الفتي من هنا حالا. أمرها غانزو!

وبينما كريستينا تأخذ الفتي إذ بفانج يرمقهما بنظرة مريبة !

***

** ليلة ذلك اليوم بعد وصولهم للقلعة الشمالية **

إذن مالخطوة التالية أيها المعلم ؟ .. تساءل بوجي؟

غدا.. سنخرج خارج المملكة .. و ... سنبحث عن البربر!!!


2017/09/14 · 382 مشاهدة · 1417 كلمة
Odacchi
نادي الروايات - 2024