1 - رماد الحرب العظمى

1914م – ألمانيا • الحرب العظمى

الغزو الأمريكي اجتاح الأراضي الألمانية.

لم تكن الحرب مجرّد معركةٍ بين جيوش،

بل كانت طوفانًا من الدماء يبتلع الأبرياء قبل الجنود.

السماء ملبّدة بالدخان، والمدن تحترق كأنها تتنفس الرماد.

في كل شارع جثث متناثرة،

وفي كل بيتٍ تُروى مأساة جديدة.

الدماء تسيل على التراب، مختلطةً بالغبار والدخان.

وسط هدير المدافع وصراخ الجنود، ظهر ضابطٌ برتبةٍ عاليةٍ مشيرًا إلى منزلٍ أمامه:

"ويلدريد! تحرّك، هذا المنزل يجب أن يسقط الآن!"

ابتسم ويلدريد بثقة، ورفع بندقيته قائلًا:

"حسنًا، اعتمد عليّ."

بالفعل، هجم الجندي الأمريكي ويلدريد على المنزل، وكسر الباب بقدمه.

رأى رجلًا وزوجته يرتجفان من الخوف . .

التقط الرجل عصًا كانت مرمية، وركض بجنون نحو ويلدريد صائحًا:

"لن أموت بسهولة! ستلقى حتفك معي!"

ضحك ويلدريد باستهزاء، وأطلق النار على الرجل.

سقط وهو ينزف دماءً غزيرة، فانهارت زوجته وركضت نحو جثّته الملقاة وهي تبكي بحرقةٍ شديدة، وتصرخ باكيةً على فراق زوجها:

"لماذا؟ لماذا يحدث كل هذا؟!"

وبينما تبكي، كان هنالك طفلٌ يراقب المشهد بحرقةٍ من أسفل السرير.

طفلٌ لا يتجاوز عمره الأربع سنوات، ينظر إلى المجزرة التي تحدث لوالديه ودموعه تذرف بلا توقف،

واضعًا يديه على فمه لكي لا يُسمع صوته .

وبعد موت الرجل وبكاء زوجته، التفتت لكي تصرخ في وجه ويلدريد وتسأله عن سبب قتله للناس، لكنها تفاجأت به يوجّه السلاح نحو رأسها.

ملامح الخوف تعلو وجهها، والدموع تسيل بلا توقف.

ابتسم ويلدريد وقال ببرودٍ قاتل:

"لا تقلقي سيدتي . . ستلتقيان قريبًا."

أطلق النار عليها بلا رحمة.

تطايرت الدماء على الجدران، واخترقت الرصاصة رأسها تاركةً أثرًا تقشعرُ له الأبدان.

عندها لم يتمالك الطفل نفسه، وهرع راكضًا نحو أمه الميتة.

لم يكترث لويلدريد، فقد كان كل ما يراه هو جسد أمه البارد.

ناداه ويلدريد قائلًا:

"هيه! يا فتى!"

التفت الطفل باتجاهه، وكان يرجف من الخوف، عاجزًا عن التوقف عن البكاء.

قال ويلدريد ببرودٍ أكثر قسوة:

"لا تبكِ . . ستلحق بهما قريبًا."

لكن قبل أن يضغط الزناد،

تجمّد في مكانه . .

رأى في وجه الطفل ملامح ابنه الذي مات،

وتذكّر كيف كان يعذّبه بقسوته وعنفه المفرط.

ارتبك ويلدريد، وشعر بالذنب ينهش صدره.

كم من عائلةٍ بريئةٍ أُهرقت دماؤها بلا سببٍ يُذكر؟

وبينما هو غارقٌ في صراعه الداخلي،

سمع صوت جنديٍّ يقترب وينادي باسمه:

"ويلدريد! لم أعتد رؤيتك تتأخر بتصفية الناس، ما الذي يحدث لك؟!"

وقبل أن يصل الجندي إلى المكان،

أمسك ويلدريد بالعصا التي كان يحملها والد الطفل،

وانقضّ عليه بحركةٍ خاطفةٍ وأفقده الوعي دون أن يراه.

نظر إلى الطفل محتارًا . .

هل يقتله أم يتركه؟

لكن لو تركه وحيدًا، سيأتي جنديٌّ آخر وينهي حياته.

قرر أنه سيكفّر عن خطاياه بحماية هذا الطفل وتربيته.

حمل الطفل بقوة، والطفل في حالة صدمةٍ لا يُدرك ما الذي يحدث.

ركض ويلدريد نحو الباب، وتأكّد من خلوّ المكان،

ثم اندفع عبر الدخان دون توقف.

ظلّ يركض في الأزقةِ ، بين الجثث المتناثرة حتى وصل إلى أسوار المدينة،

لكنّه سمع خطوات جنديٍّ آخر تقترب.

فكّر سريعًا، ثم قرر مباغتة الجندي وقتله.

نجح في ذلك، وبرّر لنفسه ما فعل قائلاً:

"لو تركته حيًّا، سيقتل المزيد من الأبرياء."

خلع ويلدريد الخوذة العسكرية

و تسلّق الجدار المرتفع الخاص بالمدينة،

وعند وصوله إلى الطرف الآخر، لاحظ أن الطفل فاقدٌ للوعي تمامًا منذ مدة .

فحمله على ظهره، وقال بصوتٍ منخفضٍ كمن يحدّث نفسه:

"ربما . . ستكون حياتك بدايةً جديدة لي أيضًا."

يمشي ويلدريد وهو يحمل الطفل على كتفيه، يعبران وِدْيانًا خضراء لم تصلها نيران الحرب بعد.

كانت الأرض هناك تبدو وكأنها لم تسمع صراخ الجنود، ولم تشتمّ رائحة الدم.

وحين وصلا إلى الغابة خلف الوديان، بدأت الشمس تميل نحو الغروب،

فاستيقظ الطفل من سباته، لا يزال عاجزًا عن إدراك ما حدث بفعل الصدمة.

يسأله ويلدريد بصوتٍ خشن متعب:

"هيه يا فتى! ما اسمك؟"

فيردّ الطفل بتلعثمٍ وارتجاف، لا يزال صوته محاصرًا بالخوف:

"ســ... سـانو."

حاول ويلدريد طمأنة سانو بأنه في أمان، لكن الطفل لم يتجاوز الصدمة التي جمدت قلبه قبل ساعات.

لم يكن يعلم سانو أنّ ويلدريد هو قاتل والديه،

إذ كان يرتدي خوذةً حربية تُخفي ملامحه ساعة ارتكاب الجريمة.

تغيب الشمس تمامًا، ويحلّ ظلام الليل البارد،

فيقرر ويلدريد أن يتوقف للراحة ويشعل النار ليتدفّآ بها.

جمع بعض الأغصان اليابسة، أشعلها، وجلس قرب النار المشتعلة.

شعر سانو بالجوع، لكنه لم ينطق بكلمةٍ واحدة بعد أن أفصح عن اسمه.

لاحظ ويلدريد ذلك، فابتسم بخفوتٍ وقال له بنبرةٍ هادئة:

"انتظر هنا، سأعود ومعي طعامٌ يؤكل."

ثم نهض متجهًا نحو عمق الغابة، تاركًا الصغير وحيدًا عند وهج النار.

يشعر سانو بالخوف بعد رحيل ويلدريد، نسيم الرياح أصبح كوحشٍ يزأر في أذنيه، يذكّره بأن العالم لم يعد آمنًا.

كانت الأجواء هادئةً حتى بدأ يسمع خطواتٍ تقترب ببطء…

التفت، فإذا بذئبٍ جائعٍ يخرج من بين الأشجار،

ينقضّ عليه بأنيابه في لحظةٍ خاطفة.

لكن، قبل أن يغرس الذئب مخالبه في جسد الطفل، دوّى صوتُ رصاصةٍ في الليل،

اخترقت صدر الذئب فسقط ميتًا.

ظهر ويلدريد من بين الظلال، وبيده المسدس، وجهه مغطّى بعرقٍ ودمٍ وندمٍ لم يعرف اسمه بعد.

كان قد عاد لأنه لم يجد شيئًا يؤكل،

لكن لحسن الحظ — أو ربما بقدرٍ غامض — عاد في الوقت المناسب.

جلس بجانب النار، تنهد وقال بصوتٍ منخفضٍ يحدث نفسه:

"من الجيّد أنني عدت… لو تأخرت قليلًا، لوجدت سانو جثةً هامدة،

ولفقدت ما تبقّى من إنسانيّتي."

ألقى نظرة على الطفل الذي بدأ يستسلم للنوم قرب النار،

تأمّل ملامحه الصغيرة التي يرقّدها التعب، ثم رفع عينيه نحو السماء.

كانت الغيوم تمزّق وجه القمر، كأنها تخجل من النور وسط هذا العالم المظلم.

تمتمَ ويلدريد:

"ما أغرب الحروب…"

"تزرع فينا الموت، ثم تلدنا من رحم الندم."

"كنت أقتل بلا سبب… والآن أخاف أن أفقد هذا الصغير،

ولا أعلم لماذا أنقذته أصلًا."

ثم هدأ كل شيء.

بدأ وهج النار يخفت شيئًا فشيئًا،

وغاصت ملامح الغابة في ظلامٍ كثيفٍ لا صوت فيه إلا أنفاس الصغير، ودموعه التي لم تتركه حتى في م

نامه .

هناك، تحت رماد النار وخيط بداية الفجر،

بدأ طريق جديد ... طريق لن يكون سهلًا ،

ولا يدرك ويلدريد

أن هذا الطفل سيكون خلاصه… أو نهايته.

نهاية الفصل الأول .

الفصل القادم يوم الجمعة

2025/11/04 · 12 مشاهدة · 944 كلمة
KANECKT
نادي الروايات - 2025