كأن الشتاء قد فرض سطوته على الغابة، حيث غطت الثلوج كل شيء بطبقة بيضاء ناعمة ليبدو العالم باهتا بلا ملامح، حمل الهواء برودة قاسية تسربت إلى العظام كإبر جليدية بينما تساقطت حبات الثلج ببطأ.
في تلك الليلة تخللت نسمات الليل نفحات خفيفة من زهور الجيبسوفيلا. امتدت الأغصان الرفيعة كأذرع هشة تتمايل تحت ضوء القمر، فيما تراقصت الأزهار البيضاء الصغيرة كنجوم ضائعة في بحر من الظلال. كان وجودها ساحرًا، لكنه أيضًا موحش، وكأنها شاهدة صامتة على ما يحدث الليلة في هذا المكان المهجور.
على طريق تراكمت عليه طبقات الثلوج كخيط شاحب وسط العتمة، لم يكن هناك سوى صدى خطوات صغيرة تتسارع بين الأشجار. يشاركه لحظاته المتوترة فراغ بارد وصقيع يلتهم كل شيء.
توقفت خطواته حينما تمكن منه التعب، قدماه الصغيرتان خانتاه أراد الصراخ لكن لم يكن هناك سوى همسة مرتعشة تنفلت من شفاهه المتجمدة نظر إلى السماء الداكنة للمرة الأخيرة قبل أن يسحب إلى العتمة حيث تدركه الحقيقة القاسية وهو يدفع إلى الهاوية. العالم لن يلاحظ غيابه........لأنه كان السبب !!
┊ ⋆ ┊ ☽ ⋆。˚ ┊ ☁︎
- الحاضر -
خلال فترة الإستراحة، تعم الفوضى أرجاء المدرسة، مجموعات متنوعة للطلاب بملابس موحدة يجتمعون في الساحة حيث تشتعل النقاشات حول الدروس أو أحدث الأخبار والشائعات، بينما البعض الآخر يتوجه حيث المقصف لتناول الطعام وهناك الفئة الإنطوائية التي تشغل زاوية مخصصة لهم حيث يفضلون العزلة مع كتاب أو هاتف.
داخل أحد فصول السنة الأخيرة من الثانوي حيث الطابق الثاني، بقي آرثر رفقة إبن عمه وصديقه الوحيد سام الذي يصدر أصوات صاخبة تَنُمُّ على حماسه وشغفه الشديد أثناء لعبه على الهاتف، تنهد آرثر للمرة الرابعة بعد أن يأس من قريبه ومحاولته إسكاته، بعد أن كان مسنِدا جبهته على سطح الطاولة إستقام بجذعه العلوي لتتضح ملامحه الناعمة لكنها حادة في ذات الوقت، بأنف مستقيم وشفتين منحوتتين بدقة، تتزينان بتعبير غامض من البرود واللامبالاة، بشرته البيضاء وشعره الأزرق الداكن تنساب خصلاته بسلاسة كأمواج ليلية هادئة. عينيه البحريتين غامضتين تخفيان في عمقهما أسرار لم تُروَ بعد، حضوره محاط بهالة من الغموض يصعب تجاهله.
مازاده جاذبية ذلك القرط الكريستالي الذي يتدلى برقة من أذنه اليسرى، كان التصميم بسيطا لكن أنيقا سلسلة فضية رفيعة تتصل بحجر كريستالي مصقول بعناية. في بعض الزوايا يعكس لونا خافتا ينسجم تماما مع لون شعره وعينيه، كأنه قطعة من روحه مجسدة في شكل زينة.
حينما شعر سام بحركة صديقه أبعد هاتفه، بملامح هادئة تخفي صخبه السابق. خصلات شعره البنية طويلة نسبيا تصل لأسفل رقبته بلون يشبه خشب الجوز الدافئ تحت ضوء الشمس، لم يكن شعره مستقيما بل يحمل موجات خفيفة تزيده جاذبية، أما عيناه فكانتا زمردتين، خضرة ناعمة لكنها عميقة في الضوء تكتسب بريقا خافتا أشبه بوهج أوراق الشجر في أوائل الخريف، حضوره كان يحمل توازنا دقيقا بين الجدية والدفء.
إرتسمت بسمة بهية وهادئة على شفتيه متحدثا: « حضيت بكابوس؟ »
آرثر الذي تأملت عيناه الفراغ أمامه هامس: « ليس بالأمر الجديد أنا معتاد »
تنهد سام مغيرا الموضوع بقوله: « آاه ، ذلك الوغد مايكل من أعطاه حق التدخل في شؤوني بينما والدي لايهتمان أبدا، ألا يفترض به أن يتعلم الأخوة الحقيقية من جاك إذ أنهما مع بعض طيلة الوقت »
: « شخصيتان متعاكستان إن صداقتهما معجزة بحد ذاتها فلا تطلب الكثير »
تردد صوت أنثوي هادئ وجميل، دون أن ينتبه كانت تقف بجانبه وكأنها إنعكاسه في مرآة زجاجية ناعمة لكن نسخة تحمل لمسة من الرقة التي تخفي خلفها قوة هادئة. خصلات شعرها البني إنسدلت بسلاسة على كتفيها وتصل إلى خصرها تحمل نفس لون خشب الجوز الدافئ، لكن بنعومة تشبه خيوط الحرير تراقصت فيه موجات خفيفة، عيناها كانتا نسخة مطابقة لعينيه زمردتين غارقتين في بحر من التأمل لكن نظرتها كانت مختلفة فيها شيء من الحلم لمسة تمزج بين الغموض والشفافية في آن واحد، بشرتها بيضاء ناعمة كانت تشبه ضوء القمر في ليلة صافية، في تعابيرها كان هناك توازن دقيق بين اللطف والحدة، بين الرزانة والحرية.
قابلها آرثر بإبتسامة هادئة متسائلا: « ظننتك عادرتِ أليس لديك مسابقة؟ »
بدلته نيكس ذات الإبتسامة مجيبة إياه: «بالفعل، كنت متجهة للخارج حينما سمعت بعض الإشاعات وكانت مثيرة للإهتمام»
راقب سام تعابيرها بفضول قائلا: « أوه، وماهي تلك الإشاعات؟ »
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
حيث الظلام والضباب الأرجواني، بين الكهوف اللنهائية والغابات المسكونة. سماء حالكة السواد وأرض تغزوها الورود السامة، هناك تجد الأرواح الهائمة بين المعذب والغاضب، حراس أزليُّون وجنس حي ينتمي ويتأصَّل في عالم الأموات بقوى سحرية مظلمة أقوى وأشدُّ قسوة ذلك هو العالم السفلي " زيريا "
تحت قيادة إلريك " أراميس " الحاكم المطلق للعالم السفلي، يسيطر على قوانين الموت والجوهر الروحي للكائنات، غامض لايتدخل إلا عند الضرورة.
وسط ظلام أبدي يمتد قصر بُنيَ من حجر الأوبسيديان الأسود الذي يبتلع الضوء. تبدو جدرانه كأنها حية بوابة عملاقة منحوتة من المعدن الداكن نقشت عليه اللهجات الأبدية وحكايات الماضي، عند الإقتراب من البوابة تهمس الرياح بأصوات الأرواح الهائمة تحذر القادمين من ساكن القصر.
في الداخل، تمتد قاعة العرش الشاسعة بأرضية من زجاج بركاني وأعمدة شاهقة منحوتة بهيئة كائنات ملتوية ومعذبة بملامح مشوهة بينما يتربع العرش الأبدي وسط ألسنة اللهب الأسود الذي يتراقص بصمت كصمت إلريك الذي يجلس بهدوء يثير الرهبة في الأنفس ومن خلال عيناه الأرجوانيتين القاسيتين يتمعن النظر بتابعه كمن يتربص بفريسته تحدث بصوت رخيم لكنه قاس فخرجت كلماته كما لو أنها تخرج من أعماق هاوية مظلمة « إذا إنها خيبة جديدة »
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
وطن الأشباح الهائمة والغربان المحلقة أسفل السحب الداكنة، أرض شهدت حركة آلاف الأرواح من كل الأصناف فلن توجد غير مملكة الشؤم من يستقبل الفقير والغني على حد سواء...تترآى لك خيالات الأساطير التي تتلوها الجدة من خلف الزقاق الضيق لكل شخص تجرأ وخطى على أرضية الكريستال العجيبة...ببهجة لا تتناسب مع حديثها تؤكد رؤيتها للعجائب وتحثك على التجربة لكن مايقال وسط الأحياء الفقيرة ومايتداول من أفواههم أن تلك الأساطير ليست سوى......كذبة.
وسط الغابة المتجمدة، يرتفع القصر الكريستالي الأسود كظل متجمد في قلب العدم، جدرانه مصنوعة من ليل متحجر يعكس ضوء القمر الفضي لكنه لايعكس الدفء أبراجه الشاهقة ترتفع في السماء حيث تلامس الغيوم المثقلة بالثلج، تتدلى من شرفاه بلورات جليدية تتلألأ كخناجر مسنونة. بوابته الضخمة منحوتة من حجر أسود لمَّاع نحت من قلب الظلام نفسه عليه نقوش تتوهج بلون قرمزي.
داخل القصر تمتد ردهات واسعة تغمرها هالة باردة أرضياتها من كريستال نقي يعكس خطوات العابرين يتربص بكل من يدخل. في الأرجاء تنتشر الأعمدة السوداء بينما تتلوى كجذوع ملتوية، أثناء الليل لايرى سوى وهج شموع حمراء خافتة تعكس صورة حية لظلال طويلة تتراقص كأشباح سجينة في زوايا القصر، أما النوافذ العريضة تطل على غابة تحتضر تحت وطأة الشتاء الأبدي.
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
بمجرد أن تخطت الأبواب الزجاجية اللامعة لشركة فلورانس أحد الشركات الرئيسية واللامعة بمملكة الكريستال، سمعت الأصوات الغاضبة وهي تتردد من الطابق الأول إلى البهو الفسيح في الطابق السفلي أين تتوسطه نافورة تعكس ضوء الثريات المتلألأة في السقف العالي تخطو بهدوء على الرخام الفاخر تعبر الممرات بسلاسة أين أصبح الصوت أكثر وضوحا، بعد لحظات قصيرة دلفت أحد المكاتب العصرية الراقية، أمام الباب الزجاجي وقفت هناك كأنها تحفة منحوتة من نور القمر، تجسيد حي للجمال خصلاتها الشقراء تنساب كأمواج ذهبية مع كل حركة أنا عيناها فهما أعجوبة بحد ذاتها خضرة فاتحة نقية كزمرد صاف يخالطها وميض فضي خافت، نظراتها آسفة بين الحدة والرقة، بشرتها ناعمة كارير مسائي نقية بلون الفجر حين يلتقي الضوء بالندى، شفاهها منحوتة بدقة تتلون بوهج وردي رقيق. لم تبدو كإمرأة في أواخر الخمسينات بل بدت كأنها شابة يافعة في أوجِّ شبابها وريعانها تلك هي أستريد ملكة الكريستال ومالكة شركة فلورانس أجمل إمرأة بالمملكة.
تنبه الطرفين المتخاصمين لحضورها فإلتزاما الصمت ليعمًّ الهدوء أخيرا، يترقبان ردة فعلها لكن ماقابلهم كانت إبتسامة تمزج بين الغموض والدفء
تعلقت نظراتها بمن يقابلها وريث جمالها وجاذبيتها أكبر أبنائها يعكس ماضيها في صورة رجل. خصلاته الشقراء تنحدر بانسيابية، لكنها ليست ذهبية كالشمس مثل شعرها، بل ممزوجة بظلال أكثر عمقًا، كأن الليل لامس الفجر وترك أثره عليه أما عيناه، فقد ورث لونهما من أمه، لكنه أضاف إليهما شيئًا خاصًا به-خضرة زمردية مشوبة بلهيب خافت، كأن في أعماقه تشتعل شرارات تمرد خفي ملامحه مرسومة بدقة مزيج بين حدة النبلاء ونعومة السلالة الراقية خط فكه حاد، أنفه مستقيم، وابتسامته بين الخبث والجرأة، بنيته ممشوقة، لكنها ليست ثقيلة، بل منحوتة كتمثال يوناني.
بصبر كبير يوحي بحكمة عميقة سئلته: « ماسبب هذا الغضب؟ »
قطب ليون حاجبيه بإنزعاج قائلا: « تقول أنني لست مسؤولا وأفتقر للرجولة مما أدى لضياع أطفالنا وسلوكهم طرقا ملتوية، والدتي هل يبدو هذا ككلام مقبول يسهل تجاوزه أو إبتلاعه؟ »
طرح تساؤله في الأخير بنبرة تهكمية تحمل كما هائلا من الغضب المكبوت بينما سخرت المرأة الواقفة بجانبه هامسة: « وغد منافق » ولم تكن سوى زوجته كاميليا
كانت تجسد البساطة في أجمل صورها، جمال لا يصرخ، بل يهمس بهدوء. خصلات شعرها البنية تنسدل بحرية، ليست مثالية التصفيف، لكنها تحمل تلك الفوضوية الطبيعية التي تمنحها سحرًا خاصًا، كأنها نسمات خريفية تعاند ترتيب الرياح.
عيناها بنيتان، لكن البني فيهما لم يكن عاديًا، بل عميقًا، دافئًا كخشب قديم يحفظ في خطوطه أسرار السنين، يعكس أحيانًا وهجًا كهرمانياً حين يلامسه الضوء. ملامحها بسيطة، لكنها تحمل لمسة من الحنين، كأنك رأيتها من قبل في حلم قديم. شفاهها لا تتصنع الابتسام، لكنها حين تفعل، تتوهج بعفوية صادقة، كأنها لحظة نادرة تضيء العالم للحظات، بينما غضبها حينما يتأجج كأن وحشا قدم من أساطير مندثرة إستيقظ ويتوعد بالدمار لكل من يقف في طريقه.
عادة تحب التأنق ببذخ لايناسبها وكأنها تهرب من حقيقة لايعرفها أحد سواها أما بهاذه اللحظة فكانت تتأمل زوجها وكأنها تتخيل آلاف السيناريوهات لمقتله على يديها وبوحشية.
تقدمت أستريد ناحية أحد المقاعد الجلدية الأنيقة تجلس بهدوء تتأملهما للحظات لتشير لهما أن يجلسا قبالتها فرضخا لرغبتها ينتظران منها الحكم بينهما فلا أمل لإنتهاء النزاع إلا بوجودها وبالفعل إستمرت بطرح الأسئلة: « ثم مالذي جعلك عزيزتي كاميليا تقولين مثل هذا الكلام القاسي لزوجك؟ لابد من وجود سبب »
لم تكن لتنحاز لأي طرف مهما حدث فالعدالة شعارها ومبدئها الأساسي، في المقابل تحدثت كاميليا مباشرة دون مراوغة: « يفترض بي حضور حفلة صديقتي بحلول الآن ولست براغبة لإضاعة وقتي في الشجار معه بأمور كررتها للمرة الألف مما يجعلني عاجزة بحق » تنهدت بتعب وإنزعاج تردف قائلة: « قبل ساعة أتتني رسالة وفي عالم السنين بأكمله لايوجد سوى المدارس الثلاثة الراقية التي ترسل رسائلها في برقيات بدل البريد الإلكتروني.........»
فهمت أستريد ماتحاول قوله لتقاطعها قائلة: « مجددا إنه بخصوص الأولاد وبما أنك غاضبة أتسائل أي مصيبة إفتعلوها »
أمالت كاميليا رأسها للأمام تتأمل يديها بشرود لحظي قبل أن تقول بهدوء شديد: « مشكلة كبيرة لقد أرسلت الرسالة من طرف المدير مباشرة مما يجعل الوضع حساسا لابد أن جلالة الملك سيغضب بشدة حينما يقرأ محتوى الرسالة وحينما أخبرت زوجي العزيز بأن الرسالة مرفقة بإستدعاء لنا للحضور إلى المدرسة طلب مني الذهاب بمفردي قائلا أنه مشغول» أنهت كلامها بنظرات حادة وجهتها لليون الذي رمقها ببرود.
نقرت أستريد بأصابها الرقيقة العاجية على مسند الكرسي لتقول: « بخصوص جلالته لاداعي للخوف سأتكفل بإيصال الرسالة له أما من ناحية الإستدعاء، ليون لست الوحيد المشغول كاميليا أحد الرؤساء التنفيذيين في الشركة وحضورها مهم رغم ذلك لم تتوانى أبدا في تولي مسؤولياتها، عليك الذهاب »
دون مقدمات تحدث ببرود: « لن أذهب أنا حقا مشغول رغم ذلك سأكون عادلا بدوري وفي المرة القادمة التي تتطلب حضورنا أعدك أنني سأذهب بمفردي دون الحاجة لإتعابك، هل هذا جيد؟ »
وقفت كاميليا تغادر المكتب دون إجابته مما جعل أستريد تحدق بإستياء ناحية إبنها: « تصرفاتك تجعلني خائفة من المستقبل حيث لا أرى الضوء المشرق الذي رئيته سابقا في علاقتكما وهذا سيء، ألا توافقني الرأي؟»
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
قبل أن تتحدث نيكس قال سام بملامح متوترة: « حسنا الإشاعات ليس عني أليس كذلك؟ »
قهقهت بخفة قائلة: « يالك من جبان حسنا لم تتصدر العنوان الأساسي للإشاعة هذه المرة لذا هنيئا لك »
تنفس بهدوء وراحة قائلا: « يالها من معجزة في الواقع نقاطي لهذا الفصل كانت كارثة وظننت أنني سأجد منشورا جديدا يهدد الراسبين بالطرد »
صدمت نيكس هامسة: « أنت تمزح أليس كذلك؟ » تأملت ملامحه التي إنقلبت لهدوء ينمُّ عن الخزي بينما إبتسم آرثر بهدوء يتجنب إبداء تعليق يجعل الموقف أسوء.
ضربت الطاولة بقوة بكف يدها مما جعل إحدى خصلاتها تنسدل على جبهتها تغطي عينها اليسرى: « قبل قليل كنت تشتكي من مايكل والآن إتضح الموقف، لابد أنه علم بفعلك المخزي ووبخك ولازلت تملك الجرأة لتغضب منه وتطالبه بعدم التدخل »
تحدث آرثر أخيرا قائلا: « حسنا إنه لا يجرؤ يشتكي من خلفه فقط »
صدم سام لتعليق صديقه ليهمس بجانبه: « يالك من خائن أنت تهينني » نظر بعد ذلك ناحية توأمته الغاضبة ليبتسم بتوتر قائلا: « لن يحدث ذلك مجددا أعدك »
ببرود شديد قالت: « هل تجرأ؟ بالتأكيد لن يحدث »
كاد أن يتكلم لكن تعابيرها التي إنقلبت للطف أذهلته حيث أنه يعجز دائما على مجاراة تقلب مزاجها وتعابيرها قالت: « حسنا فالنتحدث عن الإشاعة »
آرثر: « حسنا تبدين متحمسة مما جعلني فضوليا تكلمي أسمعكِ »
نيكس: « قامت آيسرين وآيون بطقوس إستحضار في مكتبة المدرسة بالطابق السفلي مما أسفر عن تعرض بعض العمال هناك لإصابات خطيرة، لا أحد يعلم أي تعويذة طبقت بالضبط والأغرب هو نجاحها حيث يعلم الجميع أن التعاويذة تنجح فقط حينما تطبق من طرف السحرة »
إستمع كل من آرثر وسام بتركيز شديد ليقول للأخير مذهولا: « واو لذا وقع كلاهما في مشكلة كبيرة حيث تجاوزا قاعدتين محظورتين ألا وهما دخول المكتبة بالطابق السفلي والتي تمنع على الطلبة ومرخصة فقط للأستاذة والمدير أيضا والأخطر هو تطبيق تعويذة حيث يمنع على الطلبة إحضار طلاسم أو تفعيل التعاويذ »
عاد آرثر بظهره للوراء مستندا على الكرسي قائلا: « ليس فقط الطلبة يمنع على الجميع بعالم السنين تطبيق السحر أو التعاويذ بإستثناء السحرة، إذا خرج الموضوع خارج أسوار المدرسة سيواجهون مشكلة أكبر بكثير »
وافقته نيكس الرأي لتقول: « صحيح، أما أوليفر فهو مثلك أو ربما أسوء بما أنه تم إستدعاؤه لابد أنه رسب بنقاط أشد سوءا » وجهت حديثها الساخر لسام الذي تفآجأ نظرا للعلامات المرتفعة التي يحصدها أوليفر بكل مرة ولم يسبق له أن رسب في أحد الفصول.
تأمل آرثر تعابير سام المذهولة ليبتسم بخفة قائلا: « لابد أنك سعيد بما أنه يسخر منك دائما، على كل لابد أن العمة كاميليا غاضبة »
نيكس: « بالفعل لقد أٌستدعيت رفقة عمي لحضور المجلس التأديبي يبدو أن المدير يريد تجنيبهما مشاكل ضخمة وينهي الموضوع داخل المدرسة »
إرتسمت إبتسامة مستمتعة على وجه سام بينما يتأمل الفراغ بشرود وذلك مالاحظه كل من آرثر ونيكس التي ضحكت بيأس من تصرفات شقيقها.
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
تخرج كاميليا من سيارة بورش زرقاء ببدلة أرجوانية داكنة أنيقة تتناسب مع أقراطها بالإضافة إلى حذاء أسود بكعب عالي، تمشي بخطوات سريعة غاضبة.
⋆⌕˚❥˚⌕⋆
﴿ مدرسة إرنولد المرموقة أحد أعظم ثلاث مدارس في عالم السنين بينما تختص المدرستين بمرحلة الثانوي والجامعي كانت إرنولد مدرسة وجامعة عالمية تشمل جميع المستويات الدراسية يلتحق بها الأمراء والنبلاء من كل بقاع العالم أنجبت ملوكا وإشتهرت بفخرها وتاريخها العتيق تؤمن بالقوة والعلم. بمساحة كبيرة تشكل بلدا لوحدها بلد العلم والثقافة وجمال يجعل طلابها سائحين أكثر من كونهم متمدرسين ﴾
⋆⌕˚❥˚⌕⋆
صوت كعبها العالي هو كل ما يسمع في أرجاء المكان إذ أن كل الطلاب إلتحقو بأقسامهم بعد أن إنقضت فترة الراحة وحانت الفترة المسائية، توقفت كاميليا أمام باب ضخم صنع من خشب الماهوجني بلون مائل للإحمرار، ومن شدة غضبها فتحت الباب مباشرة مندفعة نحو مكتب المدير.
مكتب فخم بطراز فريد من نوعه جمع أصالة الفن القديم والحديث ليمزج بينهما، جدران بلون رمادي فاتح وأثاث بنفس اللون وما زاد المكان جمالا السجاد الذي إحتل أغلب الأرضية الخشبية والذي نقش بنقوش مميزة، كما توزعت المنحوتات واللوحات الفنية القيمة بشكل جميل.
على كرسي خشبي أسود جلس مدير مدرسة إرنولد رجل بمقتبل الثلاثين ، ملامحه منحوتة كالنقش على الصخر، حادة كأنها رسمت بريشة القدر نفسه، امتلك ذلك النوع من الجاذبية التي تفرض وجودها، جاذبية رجل لا يحتاج إلى إقناع الآخرين بقوته، لأن حضوره وحده كافٍ.
شعره الأسود ينسدل بانسيابية غير متكلفة، خصلات داكنة تعكس بريقًا خفيفًا تحت الضوء، كأن الليل نفسه قد صُهر ليصبح تاجًا على رأسه. أما عيناه، فكانتا أشد ما يلفت فيه، كهرمانيتان، مشتعلة بوميض غامض، تلمع كجمر تحت الرماد، تحتفظ بذلك البريق الحاد الذي يكشف عن عقل لا ينام أبدًا.
خطوط وجهه مرسومة بقوة، فكٌ حاد، أنف مستقيم، حاجبان داكنان يزيدان من حدة نظرته، وكأنهما يؤطران غموضًا لا يمكن كشفه بسهولة، ابتسامته مشوبة بشيء من السخرية، كأنها سلاح آخر يضيف إلى هيبته.
تحدث بصوت عميق لم يكلف نفسه رفعه حينما قال: « هل نسيت الآداب العامة حسنا لا مشكلة عندي بتذكيرك يفترض بكِ طرق الباب قبل دخولك لأي مكان ثم دوركِ لم يحٍن بعد »
ليشير بيده ناحية الباب يطلب منها بصمت أن تغادر مما جعل غضبها يشتد ولو أنها لم تكن تحمل إعجابا للرجل أمامها لإنقضت عليه تقتلع رأسه من جسده تتأمل دمائه وهي تتراشق لترسم وحة فنية
ضحك أركي وهو نائب المدير بهدوء حيث أن أفكارها السوداوية كانت واضحة من خلال ملامحها القاسية
بينما تنهد بنيامين يطرح كلماته جهرا بعدما رأى عدم إستجابتها لإشارته سابقا: هلا خرجت الآن حتى أستدعيك وتأكدي من قرع الباب في المرة القادمة.
𓂃𓏲𓆸 𓂂𓂃
وسط بحر من الورود الزجاجية، حيث تعكس بتلاتها الشفافة ضوء القمر كقطع من الكريستال المسحور، جلس شاب أمام بيانو عتيق بلون الليل. أنامله الرشيقة تنساب فوق المفاتيح كظلال راقصة، تعزف لحنًا غامضًا يتردد صداه في أرجاء الحديقة، كأنه همس الأرواح العالقة بين الزمن والضوء.
الهواء البارد يمرّ بين الورود، فيصدر منها رنين خافت، وكأنها تغني مع الموسيقى، بينما تتراقص ألوان الطيف على أسطحها الهشّة مع كل نغمة تُعزف. عينيه غارقتان في تأمل بعيد، كأنهما تبحثان في أعماق اللحن عن ذكرى ضائعة أو سرّ مدفون بين الظلال.
حين يصل إلى النغمة الأخيرة، يخيم الصمت على المكان، لكنه ليس صمتًا عاديًا؛ بل هو صمت مثقل بالحكايات، كأن البيانو، والورود، والليل نفسه قد توقفوا ليستمعوا إلى الأثر الأخير لذلك اللحن المجهول.
•─────⋅☾ ☽⋅─────•
يتبع........................⋆ 𓆩❀𓆪 ⋆