" هاه؟ "
كانت كلمات نيندا كالرعد في أذني آزار و هولزين ، تقدم هولزين إلى الأمام و أمسك نيندا من عنقه و صرخ
" هذه ليست مزحةً لعينةً مضحكة!! "
بالكاد أستطاع نيندا فتح فمه و التحدث
" أ-أنها الحقيقة ، إذا كنت لا تصدق يمكنك الذهاب هناك و التأكد! "
بالنسبة لآزار ، كان يقف في مكانه و عيناه التان كانتا لامعتين قد أصبحتا مشوشتان ، يبدو الأمر كما لو أنه لم يعد ينظر في هذا المكان ، لسببٍ ما ، عادت ذاكرته إلى آخر محادثةٍ أجراها مع الشيخ الثالث قبل أن يغادره
– لا تقلق ، أنا سأكون بخير داخل الطائفة و لن يصل احدٌ الي ،...و أيضاً بعد أن وصلت لهذه المرحلة لا تتعجل و تتهور ، و يجب عليك شرح وضعك لشين نو إذا أردته أن يساعدك ، يجب عليك أن تثق به ، و لا تنسى...
– لا تنسى أنني دائماً سأكون خلفك ، مهما واجهت من صعوبات و أخطار ، تذكر أنك تمتلك معلماً سيذبح العالم إذا وقف ضدك
لسببٍ ما...
نزلت دمعةٌ صافيةٌ من عين آزار ، كما لو أن العين كانت تفكر بأنها لن تستطيع رؤية هذا الشخص مرةً أخرى
لكنه في الثانية التالية صر أسنانه و صرخ
" هولزين!! ، لنذهب بسرعة لأخذ أسرع وحشٍ طائر! "
لم ينتظر رد هولزين و ركض بأسرع ما يملك نحو داخل المنطقة العسكرية ، دفع هولزين نيندا على الأرض و ركض خلف آزار ، كان شين نو بالطبع يتبعهم ، لكنه كان يفكر في شيءٍ آخر على ما يبدو ، كانت عيناه غير مركزةٍ على ما يحدث أمامه
لم يستغرق آزار وقتاً طويلاً و وصل للمكان المخصص للوحش الطائرة ، لم يشرح الأمر للجندي و ركب مباشرةً على أسرع وحشٍ وجده ، قبل أن يصرخ الجندي أوقفه شين نو و أخبره أن يخبر قائد الوحدة أن شين نو يستخدمه
ركب الثلاثة على الوحش بسرعةٍ و أنطلقوا للعودة إلى المحافظة بأسرع ما يستطيعون ، كانت الرحلة بهذا الوحش ستسغرق أربعة أيام
في أثناء الرحلة ، كان آزار جالساً على ظهر الوحش الطائر بينما تمر ذكرياتٌ و أحداثٌ مختلفة داخل عينيه ، كان يصر أسنانه و يقبض قبضتيه إلى أن نزف الدماء ، كان يشعر بشعورٍ حارقٍ في صدره ، لكنه ما زال يضع بعض الأمل عليه ، ما زال يتمنى أن الشيخ الثالث لم يمت
' أرجوك... '
' أرجوك كن بخير... '
' لن أستطيع تحمل خسارتك أنت أيضاً '
كان يصلي و يتمنى من كل قلبه ، لم تكن حالة هولزين أفضل منه و كانت قبضتاه حتى أكثر دموية من آزار بسبب الضغط عليهما ، لكن الأثنين تمسكا ببعض الأمل لكي تكون المعلومات خاطئة
هكذا مرت الأربعة أيامٍ كأنها أربعةُ سنواتٍ بالنسبة للاثنين ، عندما وصل هولزين لمكانٍ قريبٍ من طائفته نزل و توجه بمفرده ، و توجه آزار و شين نو نحو طائفتهم القديمة ، طائفة حافة الجبل
حلق الوحش بسرعةٍ عالية ، أستطاع الأثنان على ظهره أخيراً رؤية الجبل الذي بنت عليه الطائفة مقرها ، لكن ما وقع في عينهما لم تكن مباني الطائفة الجميلة و الضخمة
أمامهم ، كان كل ما تبقى من الطائفة هو الكثير من المباني المدمرة و المحترقة ، و الجثث المنتشرة في كل مكان ، كان جبلاً مصنوعاً من الجثث حرفياً
تشدد قلب آزار و أصبحت الحرقة في صدره أقوى ، لكنه ما زال يتمسك ببعض الأمل و ينزل الوحش في ما تبقى من وسط الطائفة ، نزل الأثنان على الأرض و أخذ آزار بالركض و الصراخ
" الشيخ الثالث!! "
" الشيخ الثالث!!! "
" أين أنت!! ، أنا آزار!! "
كان صراخه يائساً و ثقيلاً ، كان يركض في كل مكانٍ بينما يصرخ بأعلى صوته مع إضافة الزو ، كان شين نو يتبعه و ينظر يميناً و يساراً ، عندها لاحظ شين نو حركةً بين بعض الجثث
" آزار! ، اتبعني "
نادى على آزار و ذهب للتحقق من هذه الحركة ، وصل الأثنان لكومةٍ من الجثث ، يبو أنها جثث التلاميذ ، أبعد شين نو بعض الجثث جانباً ليلاحظ جسداً ممزقاً نصفه ، كان صاحبه حياً بالكاد ، لكنه سيموت في أي لحضة ، لكن المفاجئة كانت أن هذا الشخص هو ليميو! الشخص الذي أتى مع شين نو من مدينة الكهف!
عندما رأى ليميو أن هناك شخصاً قد وجده ، لمعت عيناه قليلاً ، و عندما لاحظ أنه شين نو صديقه الذي أتى معه من مدينة الكهف و الذي كان يلقبه بصامت ، بدأت عيناه بذرف الدموع بينما يتحدث بالكاد
" شي-ين ن-نو ، أ-أنا لا أ-أريد الم-موت... "
لقد تذكر شين نو بالطبع هذا الشخص ، لكنه لم يهتم بهذا حالياً و سأل
" بالطبع سأنقذك يا ليميو ، لكن هل يمكنك أن تخبرني مالذي حدث هنا و أين الشيخ الثالث؟ "
لم تتوقف عينا ليميو عن البكاء و بدأ الضوء فيهما يضعف و يضعف ، لكنه ما زال يتحدث بالكاد
" أ-ألشيخ ال-الثالث ، كا-ان يقا-تل قر-رب مسكن-نه... "
لم يعد هناك ضوءٌ في عيني ليميو ، لقد مات ، يبدو أنه كان يقاتل للحياة حتى آخر نفسٍ يملكه ، لكنه قد أستنزف كامل الزو في جسده بالفعل ، لذلك لم يعد يستطيع أيقاف النزيف
أستطاع آزار سماع ما قاله و بدون أن يضيع أي وقت ، توجه لمسكن الشيخ الثالث ، كان شين نو يتبعه بأستمرار
كان آزار يتقدم بسرعةٍ فائقة ، لكنه كان يشعر أنه مع كل خطوةٍ يتخذها ، كانت الحرقة في صدره تزداد قوة ، كان الأمر كما أن قلبه بدأ ينزل في نوعٍ من المستنقع ، حتى أن الضوء في عينيه بدأ يتلاشى و يتلاشى ببطئ ، لكنه ما زال ، ما زال يضع الأمل في عينيه و يتقدم ، لقد كان يصلي في قلبه بأستمرارٍ و يتمنى
' أرجوك كن بخير '
' أرجوك '
' أرجوك '
' أرج- '
توقف آزار عن التمني ، لقد توقف أيضاً عن الركض ، في الواقع لقد توقف جسده بالكامل عن التفكير و التحرك و تجمد في مكانه بينما عيناه متسعتان و تحدقان في المنظر الذي أمامه
أمامه على بعد عشرة خطواتٍ تقريباً ، كان يوجد جسدٌ مرميٌ على الأرض ، كان الجسد خاملاً و بلا حركةٍ بينما تتواجد حفرةٌ في بطنه ، كان صاحب الجسد يملك بعض التجاعيد القليلة التي توضح أنه كان يبتسم بمودةٍ كثيراً بينما لحيته كانت مشبعةً بالدماء ، في الواقع كان الجسد بأكمله مشبعاً بالدماء
كان أنعكاس منظر هذه الجثة واضحاً في عيني آزار ، لقد أختفى بالفعل أي أثرٍ للنور في عينيه و أستبدل الفراغ مكانها ، لقد وقف آزار هناك لبضعةِ ثواني متجمداً في مكانه
ثم... أتخذ خطوةً بأتجاه الجثة ، ثم أتخذ الخطوة الثانية
الخطوة الثالثة
الخطوة الرابعة
...
لقد أختفت كل أحاسيس آزار حالياً و لم تبقى سوى الحرقة التي في صدره ، كلما أتخذ خطوةً للأمام بأتجاه الجثة ، زادت الحرقة التي في صدره بأضعاف ، في نفس الوقت كان يشعر كما لو أن كل خطوةٍ كانت كعبور السماء ، كان يشعر أن جسده ثقيلٌ جداً و لا تستطيع قدمه حمله للأمام أكثر ، لكنه ما زال يتقدم...
كلما تقدم ، كلما زادت الحرقة في صدره ، كلما شعر أن جسده أثقل ، كانت الذكريات تمر في عينيه بسرعةٍ ، بينما كانت عيناه تنزل دموعاً شواقة ، كما لو أنها تتمنى أن ترى مثل هذه الذكريات مجدداً ، لكنها تعلم أنها لن تستطيع بعد الآن...
– فالتأتي أيها الشقي لهنا!
– آه بالمناسبة قبل يومين من الآن أتاني خبرٌ ربما تهتم به ، لم أُخبرك به قبل مباراتك حتى لا تتشتت ، لكن الآن أظن أنه لا ظر بأخبارك
– حسناً قرر كما تريد ، لكن لا تنسى ان تأخذ راحةً من وقتٍ لآخر
– صحيحٌ ان التدريب مهم ، لكن صحتك أهم ، ماذا سأفعل إذا حدث لك شيءٌ سيء؟
...
' كنت دائماً ترعاني و تقلق علي من أقل الأشياء ، إذاً... '
' كيف.. '
' كيف سمحت لنفسك بالموت هكذا... '
' ألا تعلم...بأنني...سأتلم ألماً أكثر من الموت هكذا...؟ '
وصل آزار أمام الجثة بينما عيناه الميتتان كانتا تحدقان في الجثة و تجري الدموع منها بأستمرار ، سقط آزار على ركبتيه و وصلت الحرقة في صدره إلى مستوى لم يعد يستطيع أخفائها
" هاااااااااااااااا!!! "
لقد صرخ بأعلى صوته ، لقد أطلق كامل الحرقة التي في صدره و أطلق صراخاً يائساً و كارهاً
" لماذاااا!!! "
" لماذا أنتهى الأمر هكذا!! "
لقد غزا شعرو المرارة قلبه و لم تختفي الحرقة مهما صرخ و بكى ، كانت عيناه تذرفان الدموع بيأسٍ كما لو أنهما هما من حزنا على فقدان شخصٍ عزيز
" ألم تقل أنك ستكون دائماً خلفي!!! "
" ألم تقل أنك ستذبح العالم من أجلي!!! "
" إذاً لماذا!!! "
" لماذا!!! "
" لماذا تركتني هكذا!!! "
كان آزار يضرب رأسه بالأرض بأستمرارٍ أمام الجثة بينما يصرخ و يبكي ، كان شعور هذه الحرقة ينتشر في جسده ، لقد بدأ جسده يرتجف كما لو أنه مصابٌ بالضعف ، لقد كان ينظر للجثة أمامه و تلمع الذكريات في رأسه
لقد مرت الذكريات في رأسه بسرعة ، عندما كان الشيخ يدربه ، يربيه ، يعلمه ، يلعب معه ، يهتم به ، لقد مرت كلها أمامه في ومضة ، كلما تذكر أكثر زاد اليأس في صراخه و زادت معه هذه الحرقة
لقد كان يشعر بالضعف!! كان أهم شخصٍ في حياته أمامه ميتاً ، و لم يستطع فعل شيءٍ لتغيير هذا...
كان شعور خسارة شخصٍ عزيزٍ عليك فجأة مئلماً جداً ، لقد ضعف صوت آزار من الصراخ بأستمرار ، لكن دموعه ما زالت تتدفق بأستمرار ، و عيناه ، كانت عيناه كما لو أنهما ميتتان بالفعل ، بعد أن صرخ لبضعة دقائق ، خف صراخه و تحدث بصوتٍ ضعيفٍ و عاجز
" أنا لا أبكي فقط لأنك ميت ، بالعكس ، فأنت قد أرتحت من هذا العالم البشع "
" لكنني أبكي على نفسي... "
" أبكي على نفسي لأنني أتذكر الذكريات التي مررت بها معك ، و أعلم أنني لن أستطيع أن أراك مجدداً "
" أشعر أن ظهري قد تحطم عندما أذكر أنك لست خلفي... "
" الأمر مؤلم... "
" مؤلمٌ جداً... "
بكى آزار بصمتٍ بينما يركع على ركبتيه أمام جثة الشيخ الثالث ، لم يملك شيئاً غير البكاء
خلفه ، كان شين نو يراقب كل هذا بصمت ، عندها ، أدار رأسه لليمين و اليسار للتحقق من المنطقة ، لاحظ صندوقاً محفوظاً داخل مكانٍ سري تحت أرض مسكن الشيخ الثالث ، لكنه الان أصبح مكشوفاً بسبب تهدم المكان ، أقترب منه و فتحه ليرى داخله ورقةً بيضاء ، يبدو أنها رسالة كتبها الشيخ الثالث قبل موته ، قرأها شين نو بصمت
– آزار ، عندما تقرأ هذه الرسالة ، هذا يعني أنني قد مت بالفعل...
– أعلم أنك ستبكي حتى لو قلت لك أن لا تبكي ، لكن لا حاجة ، الرجولة لا تعني أن لا تبكي ، بل تعني أن تبكي عندما تحتاج لهذا دون خجل...
– لن أكون موجوداً بعد الآن للأهتمام بك ، لذلك من الأفضل أن تصبح أقوى و تحمي نفسك ، و تذكر أن لا تكون متهوراً ، لكن لا تكن جباناً في نفس الوقت ، في النهاية أنت تلميذي
– أهتم بنفسك و لا تحزن على موتي طويلاً ، لا أريد ان يكون موتي عثرةً لك ، أريده أن يكون مقوياً لك ، أريدك أن تصبح أكثر قوةً و صلابة ، لا أريد أن يتم التنمر عليك و انا غير موجود
– هناك الكثير من الأمور التي أردت أن أقولها لك ، الكثير حقاً ، لكن أهمها هو ، هو أنني أريدك ان تعرف ، أنه مهما قال الناس عن أنك متبنى و لست أبني ، فأنا قد أعتبرتك كأبني حقاً من كل قلبي
– لقد كان شرفاً لي أن يكون لدي أبنٌ عبقريٌ مثلك ، حقاً ، أن هذا وحده يجعلني أستطيع الموت بسلام...
– الشيخ الثالث...والدك
أنتهت الرسالة
__________________________________
أتمنى أن الفصل أعجبكم ، في هذا الفصل حاولت أن أوصف شعوري الشخصي ، فأنا قد خسرت شخصاً عزيزاً علي قبل شهرين تقريباً ، لذلك أتمنى من كل شخصٍ يقرأ هذا الفصل أن يترحم له ، و أن يخبرني عن رأيه في الفصل
ملاحظة : أظن أنه واضح ، لكن سأقول هذا من أجل الذين لم يلاحظوا ، بعد هذا الفصل ، ستلاحظون تغيراً في شخصية آزار ، بالطبع لن يكون التغير الأخير...