26 - عالم حيث تكون في رواية.

في الأصل لم يكن رايلين شخصاً كثير القراءة. ليس الأمر وكأنه كان يكرهها ،لا. بل لأنه لم يكن يملك الوقت و المال لإضاعته علي قراءة الكتب و الروايات.

بدلاً من تضييع وقته في القراءة كان من الأفضل له العمل لجني المال و الدراسة في وقت الفراغ.

ثم لماذا قرر فجأة قراءة رواية "سياف ديكونل"؟

وتضييع ماله و وقته؟

ببساطة لقد كانت هدية قدمها له صديق....

لم تكن الرواية حتي من نوعه ،لكنه استمر في قراءتها بسبب ذلك الصديق .

"سياف ديكونل"

انها رواية ويب تتكون من 1265 فصل ، رواية تسلسلت لمدة عامين ،في البداية قرأها رايلين بسبب إلحاح ذلك الصديق....لكن مع الوقت وجد نفسه يتعلق بها بأحداثها وشخصياتها و بطلها.

رغم ذلك لم تدم تلك المشاعر كثيرا ،فبعد وفاة ذلك الصديق لم يعد رايلين يتطرق للرواية ،قرر رايلين دفن الرواية في قلبه مع ذلك الصديق.

هل لانه كبر و تعلم كيف ينسي؟ ام لانه لم يرغب في أن ينسي؟

قرر رايلين أن ينبش في ذاكرته واخرج الرواية التي دفنها في أعماق قلبه ، رغم ذلك كان الأمر مختلف.....فبعد كل هذه السنوات التي مرت علي موت صديقه ،لم تكن المشاعر هي نفسها عندما قرأ الرواية لاول مرة مع صديقه...لقد كان فقط مجرد شوق وحزن ، لقد كانت هذه هي المشاعر التي سيطرت على رايلين عندما أعاد قرأت الرواية للمرة الأولى بعد وفاة صديقه.

لا بأس يمكن للإنسان أن ينسي!

علي اي حال لقد كبر رايلين الان وتعلم كيف ينسي...لم تعد تلك المشاعر تعني له شيئا الأن.

بنسبة لرايلين لم تكن رواية " سياف ديكونل" رواية يمكن أن يحبها....لكنها لم تكن رواية يمكن أن يكرهها بالكامل.

*****

لحسن الحظ ومع تجاهل النظرات الغريبة للناس التي يطلقونها من حين لآخر علي كاسبر أثناء سيرة بشكل عشوائي في الممرات مع ملابس داميه ،ممزقة وشعر أشعث استطاع كاسبر الوصول إلي غرفته بأمان بمساعدة الخريطة الموجودة علي ساعته الذكية.

كلاك-!

كلاك-!

ما أن أغلق كاسبر باب شقته خلفه الا وقد سمع صوت القفل يتم إغلاقه اتوماتيكيًا.

تنهد كاسبر بينما قام بارجاع شعره للخلف .

من صوت الباب الذي قد تم اغلاقه بالقفل كان بإمكانه أن يخمن أن الحجز قد بدأ، وأنه لن يستطيع الخروج من الغرفة الا عندما تنقضي الفترة المتفق عليها للحجز.

علي اي حال لم يكن هذا مهماً بالنسبة لكاسبر فقد احتاج بعض الوقت لتنظيم أفكاره. وكان الحجز لاسبوع هو افضل فرصه يمكن استغلالها لتنظيم أفكاره.

عبس كاسبر.

وبدون تردد اتجه نحو الحمام ، كانت رائحه الدماء تلوث أنفه، كان بحاجة للاستحمام و الاهتمام بجروحه.

وقف تحت الدش، كان يعلم ذلك. من الخطأ الاستحمام قبل أن يهتم بجروحه ،لكنه لم يستطع منع نفسه من الاستحمام...كان ملوثًا، كان عليه الاستحمام...لكن لم يكن يعلم هل تستطيع المياه وحدها محو عفنه...؟

'اه...انا حقا لا اعرف شيئاً...'

مد يديه ناحية الصنبور وفتحه، لم يخلع حتي ملابسه...لا يهم أراد فقط أن يستحم.

ششششش

تساقطت المياه علي شعره، بلطف وكأنها تتداعبه نزولاً الي أصابع قدمه.

****

كم مضي من الوقت؟ لم يكن يعرف.

كانت رؤيته ضبابية... هل كان ذلك بسبب المياه الساخنة ؟ هل حجب البخار رؤيته أم أن عينيه في الأصل أصبحت ضبابية من التعب..؟

لم يكن يعرف....

كان فقط متعباً. ربما كان ليغفو لو لم يلسعه جرحه من حين لآخر بسبب المياه الساخنة التي تلامسه.

'تمام. هل حان وقت الخروج ؟'

خوفاً من أن يغفو أو يفقد وعيه بدون علم في الحمام، و أثناء الاستحمام، قرر كاسبر الخروج.

تقطير... تقطير...

كانت المياه الممتزجة بالدماء تقطر من كاسبر،

علي الرغم من استحمامه لفترة طويلة إلا أن هذا لم يمنع الدماء من التدفق. فقد كان يملك جرحا مفتوحاً في يده ورقبته.

كانت المياه تثقل ملابسه لذلك بحرص وحذر حتي لا يؤذي جرحه أكثر من ما هو متأذي قام بخلع سترته وباقي ملابسه العلوية حتي لم يتبقي إلا قميصه الابيض، الملطخ بالدمام، والذي أصبح شفافاً الان بسبب المياه.

قرر تخفيف ملابسه لانه لم يرغب في أن تتبلل الشقه أثناء بحثه عن ملابس ولأنه لم يكن يعلم أن كان هناك منشفه أو لا لم يرغب في التجول عارياً. لذلك قام بتخفيف ملابسه.

نظر كاسبر حوله بحثا عن منشفه، ثم تنهد عندما التقت عيناه بنفسه في المرآة.

التقي بنفسه كـ"كاسبر" التي أصبحت مألوفة وكانت غير مألوفة في نفس الوقت...

شعر احمر مبلل يصل الي كتفيه، عيون سوداء بدت وكأنها تمتص جميع الضوء في هذا العالم ولا تعكسه، بشره بيضاء شاحبة، فك حاد واعين ضبابية متعبة...

في هذا الوجه لم يستطع كاسبر رؤية الشعر البني الداكن و العيون البنية العادية التي كانت تمتلكها نفسه القديمة "رايلين"

جعله هذا الوجه المألوف و الغير مألوف يتذكر مره اخري اي نوع من العالم هو هذا الذي سقط فيه..

هل هذا العالم هو حقا عالم ينتمي لرواية؟

عالم يبدأ مع ولادة البطل وينتهي بموته؟

عالم حيث يدور فقط حول الشخصية الرئيسية؟

'لا، أنه عالم أكثر تكاملا.'

علي الرغم من أنه قضي أسبوعاً فقط في هذا العالم إلا أنه أدرك أنه كان أكثر تكاملا من أن ينتمي إلى عالم رواية حيث تدور أحداثه حول الشخصية الرئيسية. كان الأشخاص العاديين الذين قابلهم أثناء المشي يشهدون علي ذلك، الشخص العشوائي الذي كان يهدده يشهد علي ذلك.... الحادث الذي حدث اليوم ولم يتم تسجيله في الرواية يشهد على ذلك.

نعم، أنه عالم حيث تملك فيه جميع الشخصيات غرورها الخاص...حتي بدون الشخصية الرئيسية كانوا جميعهم يملكون أفكارهم الخاصة وحياتهم المختلفة. أثناء تجوله عودتًا لغرفته كان علي كاسبر أن يقف قليلا ويحدق في الأشخاص العشوائيون الذين يتحدثون أو يمشون، حتي أن بعضاً منهم توقف وبدأ ينتقد كاسبر علي نظراته الغريبة نحوهم...

أن كان هذا عالماً حقا في رواية فلماذا يوجد اشخاص لم يتم ذكرهم في الرواية ؟ لماذا يتنفسون؟ ما الهدف من وجودهم ؟ لماذا يمتلكون غرورهم الخاص بعيدا عن الشخصية الرئيسية ؟

الرواية...أنه مكان حيث يجب أن تسطع الشخصية الرئيسية وتتألق أكثر من غيرها، لا مكان لأشخاص عشوائيين..ما لم يكن شريرا أو شخصيته جانبية تسمح للبطل أن يتألق.

تماماً حيث تسطع جميع الاضواء في المسرح علي الشخصيات الرئيسية و الممثلين الداعمين، علي باقي العالم إلا يظهر، علي باقي العالم أن يغرق في الظلام.

'إذا لماذا ؟ لماذا تتنفس الشخصيات التي من المفترض ألا تكون موجودة ؟ لماذا تخرج الأحداث عن النص؟ لماذا يلمع العالم بعيدا عن الشخصية الرئيسية ؟'

هل هذا يعني أن كاسبر أخطأ هذا العالم بعالم الرواية التي كان يقرأها ؟ لا. كان لقائه اليوم مع هارولد أكثر من اللازم ليخبره أن هذا العالم هو نفسه، نفس عالم الرواية التي كان يقرأها قبل اسبوع.

ثم لماذا ؟ لماذا يمكن لعالم كان من المفترض أن يكون خلف شاشة هاتفه أن يتنفس ؟

لماذا العالم حي لهذه الدرجة... لماذا يستطيع كاسبر أن يشعر بالألم...

حتي كاسبر نفسه كان شخصية لم يفترض أن تكون موجودة في الرواية... لماذا كان يتنفس؟

ثم...وعلي هذا الأساس لم يستطع كاسبر إلا أن يبني فرضية مجنونه...ربما كانت أمله اليائس في البحث عن طريقة جديدة للهرب من هذا العالم المجنون والعودة إلى عالمه.

ماذا أن لم يكن هذا العالم هو حقا رواية ؟

ماذا أن قام شخص ما بتسجيل الأحداث التي ستحدث في المستقبل لهذا العالم في هيئة رواية ونشرها في عالم "رايلين"

تماماً كما استطاع "رايلين" الانتقال الي هذا العالم في هيئة "كاسبر" ماذا أن استطاع ذلك الشخص أيضاً الإنتقال إلي عالم "رايلين" ونشر احداث هذا العالم كرواية ؟

اليس هذا أكثر منطقية من قول أن عالم الرواية والذي يتكون من كلمات وحروف وتم بناؤه على أفكار شخص ما، تحول فجأة الي عالم حقيقي وانتقل إليه "رايلين"؟

'لا يمكن لعالم بني علي افكار شخص ما أن يتحول لحقيقة. '

نعم، كان علي كاسبر أن يؤمن بذلك...كان عليه أن يؤمن ليستطيع العوده.

قام كاسبر بشد قبضته.

ثم كل ما عليه أن يفعله الان هو أن يجد المؤلف ويعرف كيفيه العودة لعالمه.

باعتبار أن الأحداث التي سجلها المؤلف لم تحدث بعد هذا يعني أن المؤلف لم ينتقل الي العالم "رايلين" بعد، ولم يقم بتسجيل الأحداث.

هل هذا يعني أن "رايلين" انتقل الي الماضي، حيث لم تحدث جميع الأحداث في الرواية ولم يقم المؤلف بتسجيل الأحداث كرواية أو الانتقال الي عالم "رايلين" بعد؟

'ثم هذا سهل، علي فقط أن أجد المؤلف واجعله يخبرني علي الطريقة التي استطيع فيها العوده الى عالمي.'

رغم ذلك فلم يكن الأمر سهلاً حقا كما قال كاسبر، فكيف له أن يعرف من هو الكاتب من بين عشرات الشخصيات التي تم ذكرها في الرواية ؟ لا، في المقام الاول هل تم ذكر شخصية المؤلف في الرواية ؟

هل كان الشرير ام الشخصية الرئيسية ؟ باعتبار أن العالم يتم ذكره من وجهة نظر الشخصية الرئيسية، هل هذا يعني أن آرفين هو المؤلف؟ ولكن أن كان آرفين حقا هو المؤلف، فكيف له أن يعلم افكار ومشاعر باقي الشخصيات ؟ هل يتم تسجيلها مثلما يقوم المؤرخون بتسجيل كتب التاريخ؟

"ااه!"

شعر كاسبر بالاحباط وقام بقشط شعره المبلل مما أسفل في تناثر قطرات المياه في كل مكان وزاد إحباطه.

لم يكن يعلم حقا أن كانت افتراضيته صحيحة أم أنها مجرد امل كاذب أراد التمسك به...ربما هذا العالم حقا هو عالم رواية تحول فجأة الي عالم حقيقي...

علي اي حال مهما كان...كان علي كاسبر أن يتمسك بفرضيته و أن يمسك بالمؤلف!

2023/11/26 · 375 مشاهدة · 1418 كلمة
Kiara
نادي الروايات - 2025