41 - الضربات الاستِباقية

'يبدو أن كلامَه لم يكُن أكثر مِن فُقاعةٍ فارِغة'

كانت تالين تتمنى رؤية آيدين يُذل الأمراء كما أخبرَها سابقاً، لكنه لا يملِك حتى الشجاعة على المشاركة في الاختبار، لذلك استجابَت لِبعض التلاميذ وشكّلَت معهم فريقاً خاصاً.

تشكّل أكثَر مِن ثمانين فريق واستعدّوا للدخول إلى أرض الاختبار فتم إعطاء كل واحد منهم رمزاً خاصاً، تقدّم بعدَها أحد المشرفين وقال

"هذه البوابة ستنقلكم إلى أرضٍ مغلقة للاختبار لمدّة أسبوع، في الداخل.. لا توجد قوانين ولا مُراقبين للدفاع عنكم، ولا يستطيع مَن عُمره أكبر من خمسةٍ وعشرين عاماً أن يعبُر هذه البوّابة، قد تُصابون إصاباتٍ شديدة بِسبب الفخاخ والوحوش والظواهِر الطبيعية، لكن أكبَر الإصابات قد تكون بِسبب زملائكم التلاميذ عندما يسرِقون مِنكم الرموز التي تحمِلونها"

كانت لهجة المُشرِف قاسيةً على الجميع حتى بدأ بعض التلاميذ يُفكّرون في الانسحاب، إلا أنه قام بِطمأنتِهم قائلاً

"ومع ذلك.. لا يجِب أن تخافوا لِأن أرض الاختبار تملِك نِظاماً ذكياً يَحميكُم مِن خطر الموت بِطردِكُم إلى الخارِج في اللحظات الحرِجة"

صمت قليلاً ثم قال

"هل لديكم أسئلة قبل الدخول ؟"

صمت التلاميذ قليلاً حتى قال أحدُهم

"هل أرض الاختبار هي نفس المكان الذي يُختبَر فيه التلاميذ القُدامى ؟"

أجابَه المشرف

"أرض الاختبار موجودةٌ في مكانٍ فضائي معزول ليس فيه ليلٌ أو نهار، ويتمّ نقلُكم إليها باستخدام قانون الفضاء الذي لا يُجيدُه أحدٌ في قارتِنا في هذا الزمان، قام مؤسّس مدرسة أروان بصِناعة هذه الأرض وترك خلفَه كميةً كبيرة مِن الطاقة لِتشغيلها، وهو الذي وضع لها قوانينَها التي تعمل بِها منذ قرون، وهي بِالطبع نفس أرض الاختبار لباقي التلاميذ الآخرين، لكن صعوبة الفخاخ والظواهر الطبيعية تختَلِف حسب السنة الدراسية التي أنتم فيها، وحتى اختبارُكم اليوم سيكون أسهل مِن اختبارِكم بعد ثلاثة أشهر أخرى, أما الوحوش القوية فيتّم تقيِيدُها تلقائياً حسب مُستوى التلاميذ"

انتهى مِن الشّرح ولَم يسأله أحدٌ آخر فقال

"سيتمّ تشغيل البوّابة الآن، ويجب عليكم الدخول فريقاً تِلو آخر، وكل فريقٍ سيظهر في مكانٍ عشوائي"

ابتعدَ المُشرِف مِن أمام البوّابة وانتظَر لِبعض الوقت حتى خرجَت أشعّةٌ قوية من البوّابة وصنعَت ما يُشبِه سطحاً مائياً أزرق اللون، وبعد استِقرارِها.. طلب المُشرِف مِن الفِرق أن تدخُل فبدأت تقفِز الواحِدة تِلو الأخرى، وبعد ثوانٍ قليلة.. بدأت تظهر الفِرق في أرضٍ مُغلقة لها سقفٌ ضبابي لا يَبتعِد عن رؤوسِهم بِأكثر مِن مائة متر، لكن مِساحة المنطقة كانت واسعةً وتحتوي على الكثير من السهول والتلال الصغيرة رغم أنها تبدو مصنوعةً وليسَت طبيعية.

في مكانٍ ما.. ظهر الأمراء الثلاثة وتصفّحوا المِنطقة ثم قال رايفوس

"هل جهّزتُما الأتباع ؟"

قال الأمير سامهي

"جميع النبلاء مُتحمّسون وسيأتون بأتباعِهم من باقي الأجناس، هذه هي فُرصَتنا لِنُعلِّم هؤلاء القِردة بعض الدروس"

ضحِكَت فلورا بِطريقةٍ خبيثةٍ على غير عادتِـها ثم قالَت بِخُبث

"هذا المكان لا يتبَع قوانين أرَوان، سيكون من الجيد البدء الآن حتى يتسنّى لنا الكثير من الوقت للعبث معهم"

صمت رايفوس قليلاً ثم عبس وقال

"تذكّرا بأن هذه مهمّةٌ كلّفنا بِها الملوك الخمسة لِتذكير مُدير أرَوان بأنّنا الحُكّام الحقيقيّون، وأنه توجد الكثير من الطّرُق للعبث معه، وحتى إخواننا في السنوات المُتقدّمة سيفعلون نفس الشيء في اختِباراتِهم"

قالت فلورا بِبعض القلق

"لكن.. ألَن يؤثّر ما سنفعلُه على جِنسِنا ؟"

ابتسم رايفوس ثم قال

"هذا مكانٌ معزول ولن يعلَم أحدٌ ما سيحدُث هُنا، ما دُمنا لا نقتُل أحداً فلا بأس بأي شيءٍ آخر، وما علينا إلا إنكار تآمُرِنا الجماعي مع أنه لا يوجد قانونٌ يمنعُه أيضاً"

............................

في هذه اللحظة.. كان آيدين تحت أحد الجسور القديمة بالقُرب من المدرسة، وكان يبحث عن شيءٍ ما في جِدار الجِسر، وبعد دقائق ابتسَم وأخرج قُرصاً أسود ثم وضعَه على حجرٍ مُميّز في الجِدار، وفجأةً.. ظهر ضوءٌ خافِت قبل أن يتّسِع و يظهَر داخِلَه بابٌ دائريٌّ صغير، دخل عبرَه فوجد نفسَه في نفقٍ طويل جداً، أُغلِق الباب تِلقائياً وعاد وكأنه لم يُفتَح أبداً لأنه يعمل بالطاقة ويُموِّه على الناظِر لِيظهر وكأنه مُجرّد جِدار، تنهّد آيدين ثم قال

[هذه مُغامرةٌ كبيرة جداً، هل أنتِ مُتأكّدةٌ بأن شويلّو هو الوحيد الذي يعرِف حول هذا الباب ؟]

قالت فايري

{شويلّو هو تلميذ مُؤسِّس أرَوان، لذلك.. هو الوحيد الذي يعرِف أسرار المدرسة}

كان مُؤسّس أرَوان قد بنى المدرسة في أرضٍ أجنبية حصل عليها بالقوّة، لذلك لم يكُن يثِق في سكّان هذه الأرض، بسبب هذا.. كانت جميع أعمالِه على يد شركاتٍ أجنبية أتى بِها مِن وسط القارة، حيث حفر أولاً حفرةً عِملاقة لِتكون أرضاً للاختبار على غِرار المدارِس المُتقدّمة في باقي الدول العظيمة، وبعد انتهاء الحفر.. تمّت تغطية الحُفرة بِسقفٍ خاص يعمل بالطاقة ثم بُنِيَت المدرسة فوقَه، ولم يعلَم أحدٌ بِأن أرض التدريب موجودةٌ أسفلهُم وليسَت في فضاءٍ معزول كما يعتقِدون، وكل هذا لِأن منطقةً نائية مثل هذه لن تكون لديها الطاقة اللازِمة لإرسال الطلاب إلى مكانٍ بعيد، كما أن مُؤسّس أرَوان لم يكُن يملِك المال الكافي لِمُناطحة المدارِس المُتقدّمة، ومع ركاكة الكِذبة إلا أنها قد انطلَت على الجميع كما يبدو.

علِم آيدين بِوجود هذا النفق الخَفي الذي صُنِع لِغرض الدخول إلى أرض التدريب في حال تعطّلت البوابة، ولِسببٍ ما فقد بقي النفق خارِج جُدران المدرسة، وحتى شويلّو لم يفتَحه مِن قبل لِعدم حاجتِه إليه، ورغم أنه كان في ذاكِرتِه العميقة إلا أن فايري قد استطاعَت الحصول على المعلومات الخاصة بِه، واليوم قرّر آيدين العبَث مع أرَوان بِطريقتِه الخاصة، حيث قرّر ألا يمنَح دول التحالُف أي وقتٍ للراحة منذ أرادوا قتلَه، لذلك قرّر توجيه العديد مِن الضربات الاستِباقية مثل التي يعمل عليها اليوم.

عبر آيدين مِن خلال النفق حتى وصل إلى بابٍ آخر فقام بِفتحِه بِنفس المفتاح، دخل فوجَد نفسَه في غارٍ كبير يقود إلى الخارِج، لكنّه تجمّد مكانَه حين رأى دُباًّ عِملاقاً نائماً وسط الكهف، ويبدو بِأنه مِن الوحوش التي تستخدِم الطاقة لِأن شكلَه كان قد تغيّر بِطريقةٍ غريبة، حيث كان على ظهرِه جِلدٌ قاسٍ له أشواك، وعلى رأسِه قَرنٌ مُشوّه ولا يصلُح للقتال، وهذا يحدُث بِسبب تعامُل الحيوانات مع الطاقة البِدائية بِطريقةٍ عشوائية عكس البشر، ومع أنهم لا يُورّثون هذه التطويرات الجسدية لأبنائِهم إلا أنها تُساهِم في جعلِهم أكثر قوّة.

وقف آيدين في مكانِه طويلاً حتى قرّر التسلّل مِن الكهف لِأن عليه الذهاب إلى مكانٍ ما وسط أرض الاختبار، اقترَب من الدّب بِهدوءٍ بينما يُمسِك خِنجرَيه، وفجأةً.. فتح الدّب عينَيه وكشّر عن أنيابِه نحو آيدين، قفز هذا الأخير إلى الخلف واستعدّ للمُواجهة قبل أن يُلاحِظ بأن الدّب كان مُثقلاً ولا يستطيع الحركة، تصفّحَه طويلاً حتى رأى طوقاً في عنُقِه، حينها قالت فايري

{حسب ذِكريات شويلّو فإن المدرسة هي التي تضع هذه الأطواق على الوحوش حتى تتحكّم بِها، وهذا الدّب ليس مُناسِباً لِتلاميذ السنة الأولى، لذلك تمّ ربطُه وإثقالُه إلى أن يَنتهي الاختبار}

فهِم آيدين ما يحدُث أخيراً حيث تقوم المدرسة بِصيد الوحوش ووَضعِها هنا بعد تقيِيدِها بالأطواق لِتكون مادةً للاختبار، ابتسَم في وجه الدّب المأسور ثم وجّه إليه ضربةً بِـ "النصل الخفي"، وكانت هذه هي التّقنية التي تدرّب عليها في المستوى الثاني من تقنية الظلال التسعة، وطريقة عملِها هي توجيه ضرباتٍ خفيّة عن بُعد، وفعلاً.. ظهر جرحٌ على وَجه الدّب دون أن يَظهر الهجوم رغم أن خِنجَر أيدين كان على بُعد مترٍ تقريباً.

صرخ الدّب وأراد الهجوم إلا أن آيدين أرسَل بِضع ضرباتٍ أخرى نحو عينَيه وفقأَهُما، وبعد أن أعماه.. لم يعُد بالنسبة له أكثر مِن حقيبة تدريب، قتلَه ثم قال

[هل أستطيع أخذ مركز الطاقة الخاص بِه كما أفعل بالبشر ؟]

قالت فايري

{الوحوش لديها نِظام طاقة مُختلِف عن البشر بِسبب أجسادِهم البِدائية، حيث تجتمِع الطاقة في أجساد الحيوانات المُباركة على شكل بِلّورةٍ صلبةٍ تكون عادةً في الرأس، يتمّ استِخدام البلّورات الوحشية في التدريب والصناعة وغيرِها، لكن حجمَها ونوعَها هُما اللذان يُحدّدان قيمتَها، وفي الغالب أن هذا الدّب لا يملِك واحِدةً في جسدِه}

اقترب آيدين مِن رأس الدّب وشقّه بالخِنجر فوجد فيه بِلّورةً بيضاء صغيرة بِحجم الظُّفر، وكانت كمية الطاقة التي تخرُج مِنها قليلةً جداً، قالت فايري

{هذا الدب مُجرّد وحشٍ من الدرجة الأولى، لذلك لا تُساوي هذه البلّورة شيئاً تقريباً}

خزّنها آيدين ثم غير شكلَه وخرَج من الكهف، قرّر في البداية أن يتوجّه إلى وسط أرض التدريب، لكنه توقّف عِندما سمع صوت فتاةٍ تصرُخ

"اِبتعِدوا عنّي ... دعوني أرحَل ... أرجوكم"

2020/03/10 · 850 مشاهدة · 1237 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024