"اِبتعِدوا عنّي ... دعوني أرحَل ... أرجوكم"

استغرَب آيدين مِن الصرخة لأنها كانت مِن فتاةٍ تحت ضغطٍ كبير وليس مُجرّد تنمُّر وإزعاج، اقتربَ بِهدوءٍ من الحدَث فرأى ثلاثة تلاميذ يُحيطون بِزميلةٍ لهُم، ومِن أشكالِهم فقد كانوا مِن جِنس القوات الخاصة حيث كانت لديهِم آذانٌ قصيرة وأعيُنٌ مِثل الصّقر، وبعد مُراجعَة ذِكرياتِه لاحظَ بِأنهم لم يكونوا بِهذا الشكل قبل وقتٍ قريب، ما يَعني بأنهم قد اختاروا الانضمام إلى جِنس القوات الخاصة بعد مُغادرتِه.

مع أن الفتاة كانت تصرُخ بِقوّةٍ إلا أنهُم استمرّوا في رَبطِها وتكميمِها في حين قال أحدُهم

"لا تقلقي يا جميلة، سيَعتَني بِك الأمير سامهي جيداً"

فهِم آيدين بِأن شيئاً غريباً قد كان يحدُث، لذلك قرّر تركَ مُهمّتِه إلى وقتٍ آخر حتى يُراقِب ما يفعلونَه، استخدَم حواسّه لِرؤية وسماع كل شيءٍ في مِساحةٍ واسِعة، لذلك استطاع رؤية العديد من التلاميذ وهُم يتجاهلون ما يحدُث للفتاة وكأن الأمر لا يعنيهِم.

بعد تنقّلِه مِن منطقةٍ لِأخرى لأكثر من ساعة.. حصل آيدين أخيراً على فِكرةٍ عامة حول ما يحدُث، حيث قام النبلاء تحت مُباركة الأمراء بإرسال أتباعِهم لإحداث نشاطٍ خاص يُعذّبون فيه التلاميذ من الأجناس الضعيفة والذين لا يملِكون هوّياتٍ تحميهِم، وكانوا لِحدّ الآن قد أمسَكوا بِأكثر من مائة تلميذ، ابتسَم آيدين حين رأى كل هذا ثم عاد نحو وسط أرض الاختبار للقيام بِما كان يُريد القيام بِه منذ البداية.

سلَك في طريقِه الأماكِن الفارِغة من التلاميذ لأنه لا يُريد أن يحتكّ بهِم في الوقت الحالي، وصل بعد ساعةٍ إلى تلّةٍ صغيرة تعلوها صخرةٌ عِملاقة، استخدَم المفتاح الذي دخل بِه ففُتِح بابٌ صغير مثل الباب الخارجي، دخل عبر الباب فوَجد سُلّماً يقود إلى الأسفل، نزَل فوَجد نفسَه في قاعةٍ دائريةٍ تتوسّطُها بِلّورةٌ بنفسجيّةٌ بِحجم الطاوِلة، استغرَب منها فقالت فايري

{بلّورةٌ بنفسجية بِهذا الحجم لا يجب أن توجد في قارةٍ صغيرة، يبدو بأن مؤسّس أرَوان قد أتى مِن قارةٍ عُظمى}

سأل آيدين باستغراب

[هل هي بلّورة طاقة ؟]

قالت

{نعم، وتُستخدَم لإدارة الآليات العِملاقة، لكن شويلّو لم يكُن في خِزانتِه أو ذاكِرتِه أي إشارةٍ على دليل التحكُّم فيها أو الآليات التي تمنحُها الطاقة}

عبس آيدين ثم قال

[هل تقولين بأننا قد أتينا إلى هنا دون نتيجة ؟]

كانت خطة آيدين هي قطع الصلة بين أرض الاختبار والبوابة التي دخل منها التلاميذ حتى يقتُل مَن شاء دون أن يقوم النظام بإخراجِه، أجابَته فايري

{بِما أن جوهرة الطاقة موضوعةٌ في مكانٍ واضح فيُمكِنُنا كسرُها ومَنع الطاقة عن آليات أرض الاختبار، لكني لا أعلم ما الذي سيقَع عِندَما نقطَع الطاقة}

صمت آيدين قليلاً ثم اقترَب من البلّورة البنفسجية، وفجأةً.. أحسّ بِالمِفتاح الذي دخل بِه يتفاعَل معها، قرّبَه منها فخرجَت منه أشعّةٌ قوية تُعمي العين حتى قالت فايري

{ضع المفتاح فوق البلّورة}

وضعَه فوقَها فتزايدَت الأشعّة حتى ظهرَت أشكالٌ ومُجسّماتٌ مَصنوعةٌ من الطاقة، قالت فايري

{يبدو أنها لوحة التحكّم في أرض الاختبار، يُمكِن قطع الطاقة وفكّ القيود على الوحوش وصُنع الفِخاخ والظواهِر الطبيعية..، هناك الكثير من الخيارات، دَعني أشرح لك كل شيء}

بدأت فايري تشرَح له كل صغيرةٍ وكبيرةٍ حول ما يُمكِنُه القيام بِه، ثم اكتشفَت بأنهما يستطيعان الوصول إلى لوحة التحكّم عبر المفتاح باستخدام الطاقة الذهنية، وبعد نِصف ساعة.. ظهرَت على وجهِه ابتِسامةٌ خبيثة وقال

[يبدو بِأن الخطّة الرئيسية يجِب أن تتغيّر]

أنهى دِراسة كل شيءٍ ثم عدّل على بعض الخِيارات قبل أن يخرُج ويتّجِه إلى حيث يوجد الأمراء مع أسراهُم، وصل إليهِم وراقبهُم مِن بعيد فوَجد بأن أتباعهُم يُعذّبون التلاميذ ويتحرّشون بالتّلميذات بعد أن كوّنوا فريقاً مليئاً بِالأقوياء، كان الأمراء الثلاثة واقفين في مكانٍ بعيد ويقِف النبلاء حولَهم، وبين الفَينة والأخرى يأتي أتباعُهم بِبعض التلاميذ للسخرية مِنهم

"هذا درسٌ لكم أيها الحُثالة، هل تعتقِدون بأن أجناساً ضعيفةً مِثلكُم يُمكِن أن يتساوَوا معنا فقط لأننا ندرُس في نفس المدرسة ؟"

"لا تُعذّبوهم كثيراً حتى لا يقوم النّظام بإخراجِهم"

"أجلبوا الجميلات إلى الأمراء والنبلاء"

وفي هذه اللحظة.. عاد خمسة أتباعٍ من جِنس القوات الخاصة، وكانوا يحمِلون بين أيديهِم فتاةً رقيقة مليئة بِالجروح، نظر إليها الجميع فقال سامهي بِعبوس

"لِماذا جرحتُموها بِهذا الشكل ؟"

قال التابِع

"هذه العاهرة قويةٌ جداً، ولولا تعاوُنِنا لما استطَعنا الإمساك بِها"

ضحِكَت فتاةٌ أخرى كانت بين ذِراعَي أحد النبلاء فانتبَه إليها الجميع، شعَر النبيل بِالإحراج فسألها

"لِماذا تضحكين يا سايسي ؟"

كانت هذه هي سايسي التي تحرّشَت بِـ آيدين في وقتٍ سابِق، ابتسمَت بِطريقةٍ خبيثةٍ وهي تنظُر إلى الفتاة المجروحة ثم قالت

"هذه هي تالين التي أضاءت خمسة أضواءٍ في الاختبار، عِشنا في نفس الغُرفة لِبعض الوقت، وهي عنيدةٌ جداً رغم أنها مُجرّد جارية"

قطّب النبيل جبينَه ثم قال

"جارية ؟"

استغرب الجميع لأن العبيد لا يُسمَح لهم بالدراسة والتدريب أو أي شكلٍ من أشكال الحياة المُتاحة للمواطنين، فحتى وإن كان المُواطِن أضعف جنسٍ إلا أن جِنس العبيد هو الأكثر ضُعفاً، لكنّه لا يُحسَب بِسبب إرادتِه المفقودة، قالت سايسي

"هي تظن بأني لم أعرِف حقيقتَها، لكنّها جاريةٌ هارِبة، ولدَيها وَشم العبيد على ظهرِها"

انتفَض سامهي وأراد أن يقول شيئاً، إلا أنه توقّف عندما حدث شيئٌ غير مألوفٍ حيث انطفأت الأضواء وساد الظّلام في كامل أرض الاختبار، لم يعلَم أحدٌ ما يَجري حتى سمِعوا صرخاتٍ تأتي من حيث كانت تالين، وكان هذا مِن فِعل آيدين لأنه لم يرغَب أن يصِل الأمر إلى إذلالِها بِنزع ثِيابِها، لكن هذا لم يكُن السبب الوحيد وإنما كان قد جهّز المِفتاح الذي يحمِلُه للتحكّم في أرض الاختبار لِغرضٍ آخر تماماً.

بعد نصف ساعة.. كان الجميع يتخبّطون ولا يعلمون ما الذي يحدُث، وفجأةً.. عادَت الأضواء وبدأ الجميع يتفقّدون ما حدَث قبل أن تتغيّر تعابيرُهم عِندما رأوا بِأن الأربعة من القوات الخاصة قد تمّ ذبحُهم، صرخ بعضُهم من الخوف

"لماذا لم يطرُدهم النظام قبل أن يموتوا ؟"

"هل كذِبوا علينا في المدرسة ؟"

"ربما حدث خللٌ ما، وإلا فلِماذا انقطعَت الأضواء ؟"

استمرّوا في الصراخ حتى انتبَه أحد سامهي إلى شيءٍ أكثر أهمّية، صرخ في الجميع

"أين الأمير رايفوس ؟"

بعيداً عن الجميع.. كان آيدين قريباً من الوصول إلى الصخرة العملاقة، وكان يحمِل تالين على كتفِه الأيسَر بينما يجرّ جسَد رايفوس مِن قدمِه، لكنّه صنع حاجزاً من الطاقة الذهنية تحتَه حتى لا يتضرّر باحتِكاكِه مع الأرض، كما أن هذه الطريقة لن تترُك آثاراً خلفَه، وممّا يبدو فقد كان رايفوس نائماً بِسبب المُخدّر الذي رشّه بِه آيدين، حيث بدأ بِتخديره واختِطافِه أولاً قبل إنقاذ تالين.

أدخَل الاثنَين إلى القاعة المَخفية ثم قيّد الأمير رايفوس بِالأغلال وأخَذ جميع أغراضِه، تركَه على الأرض ثم التفَت إلى تالين فقالَت فايري

{إنها تُعاني من فقدان الدماء، يجب عليك إغلاق جراحِها الكبيرة}

فتح آيدين الخِزانة وأخرَج اللوازِم الطبّية ثم بدأ يُعالِجُها بِصمغٍ عُضوي مُخصّص لإغلاق الجراح، كان يتعامل معها بِهدوءٍ وكأنها ليسَت فتاةً حيث حصل على قوة تركيزٍ كبيرة بعد استِعادة مركز الطاقة الذهنية، ويبدو بِأنها لم تُمانِع ما يفعلُه، بل وتظاهرَت بِأنها ليسَت في وعيِها تقليلاً للإحراج، انتهى مِن تضميدِها وجعلَها تشرِب بعض المُضادات الحيوية ثم لوّح بِيدِه فظهَر سيفُها الذي استعادَهُ لِأجلِها، وضعَه بِالقُرب مِنها ثم اقترَب مِن الأمير رايفوس، أخرَج عِطراً مُميّزاً وجعلَه يشمُّه فبدأ يستفيق بِبطء، نظروا حولَه ثم إلى آيدين الذي كان بِالوجه الذي يعرِفُه قبل أن تتغيّر تعابيرُه عِندما رأى الأغلال في يدَيه.

ابتسم آيدين نحوَه ثم لوّح بِيدِه فظهر كرسيٌّ على الأرض، فتح رايفوس عينَيه لِأن مِثل هذه المهارة لا يملِكُها الأشخاص العاديون، خاصةً أنه لم يُخرِجه من حقيبة التخزين النادرة وإنما مِن الفراغ، جلَس على الكُرسي ثم نظر إليه طويلاً قبل أن يقول

"ها قد التقينا مرةً أخرى ولا زِلتُ مُتفوّقاً عليك يا رايفوس"

عبس رايفوس قليلاً قبل أن يبتسِم ويقول بِدهاء

"لا أجرؤ على تجاوُز شخصٍ بمِثل مهاراتِك.. سيد آيدين"

2020/03/11 · 825 مشاهدة · 1162 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024