"لا أجرؤ على تجاوُز شخصٍ بمِثل مهاراتِك.. سيد آيدين"

كان رايفوس هادئاً رغم الموقِف الذي وُضِع فيه، استغربَ آيدين مِن هدوئِه لِأن هذا يعني بأنه واثقٌ من نفسِه، لكن هدوء رايفوس لم يستمرّ لِوقتٍ طويل، حيث انتبَه إلى شيءٍ ما فتغيّرَت تعابيرُه وصرخ

"هل.. هذه بِلّورةٌ بنفسجية ؟"

ابتسَم آيدين ثم قال

"نعم، وهي موجودةٌ تحت مدرسة أرَوان، هل تُريد جزءً مِنها ؟"

صمت رايفوس قليلاً ثم ابتلَع ريقَه وقرّر بِأنّ عليه الخروج مِن هُنا مهما حدث، لِأن هذه المعلومة ستجعَل مكانتَه أعلى مِن جميع إخوتِه عِندما يُبلِغ أباه بهذا الاكتشاف، لكنّه لم يُبيِّن جشعَه حيث يجب عليه جمع المعلومات أولاً، لذلك سأل بِدهاء وهُو ينظُر إلى سقف القاعة

"إذن فنحن تحت مدرسة أرَوان ؟"

أومأ آيدين ثم قال

"نعم، وسأعطيك مِفتاح الدخول إلى هذه القاعة إذا شِئت، بالإضافة إلى جزءٍ مِن هذه البلّورة"

قطّب رايفوس جبينَه قليلاً ثم قال

"ولماذا قد تُعطيني مثل هذه الثروة ؟"

إذا حصلَت دولة فلوريم على مثل هذه البِلّورة فسيكون بإمكانِها احتِلال باقي دول التحالُف في بِضع سنين، وجزءٌ مِنها سيجعلُها أقوى بالتأكيد، لذلك سيكون غريباً أن يمنحَها له آيدين بعد كل ما كان بينهُما من عداوة، تنهّد آيدين ثم قال

"لأنك ستُقدّم لي خِدمةً كبيرةً في المُقابِل"

صمت رايفوس طويلاً لِتحليل ما قالَه آيدين، وأخيراً قال

"وماذا عن سوء الفهم الذي كان بينَنا ؟"

يعلَم رايفوس بأن آيدين يعرِف مَن الذي استهدفَه سابقاً، لذلك سيكون غريباً أن يتّفِقا ويتحالَفا، لكن آيدين قال

"كما قُلت فهو مُجرّد سوء تفاهُم، ويُمكِنُنا المُضِي بعد أن يَستفيد كِلانا مِن هذه الصفقة"

قال رايفوس بِتشكُّك

"ما هي الصفقة ؟"

قال

"ستقتُل الأميرة فلورا والأمير سامهي لِأجلي، لا يهُمّني كيف ستفعلُها أو إن كان سيراك أحدٌ أم لا، المهم هو أن تفعلَها قبل الخروج من أرض الاختبار"

قال رايفوس بدون تفكير

"تُريد تَوريطي مع دولتَي فلوريان و الجبال الصفراء ؟"

ابتسَم آيدين بِخُبثٍ ثم قال

"ليس لديك أيّ خيارٍ آخر، فإما تقتُلهما وتأخُذ ثلاثين في المائة مِن البِلّورة البنفسجية مُقابِل الصداقة التي ستمنحُها لي دولتُك، وإما تموت أنت أيضاً"

استغربَ رايفوس فأخرَج آيدين زُجاجةً صغيرةً ثم قال

"لقد سقيتُك سُماًّ لا عِلاج له، وسيبدأ عملَه بعد ثلاثة أيام، وهذا هو الترياق الخاص بِه، اقتُل سامهي و فلورا أولاً ثم ارجِع إلي حتى نُناقِش سِعر تِرياق السّم وثلاثين في المائة من البلّورة البنفسجية"

ارتجفَ رايفوس قليلاً لأنه لم يعتقِد بأن آيدين قد اتّخَذ مِثل هذه الاحتياطات، ومع أن آيدين لم يَسقِه أي سمٍّ إلا أن طريقة تمثيلِه قد كانت مُقنِعةً جداً، لذلك صدّقَه وبدأ يُفكّر فيما سيقولُه، وبعد تفكيرٍ تصنّع الحَزم وقال

"لِأجل البلّورة البنفسجية.. سأقتل جميع أمراء الدول الأخرى وليس فقط سامهي و فلورا، لكني لا أدري كيف سأفعلُها دون أن أُكشَف"

وفي هذه اللحظة.. تحرّكَت تالين مِن مكانِها، نظر إليها الاثنان فبدأت تتحامَل على نفسِها حتى وقفَت، حملَت سيفَها وتقدّمَت نحو رايفوس ثم قالَت بِغضب

"أمير فلوريم، ستدفَع ثمن جرائمِك اليوم"

رفعَت سيفَها وتقدّمَت نحوَه فلاحظ آيدين كمّية الغضب الذي تحمِلُه تِجاه رايفوس، ما يعني بأن لديها حِقداً قديماً مع الأمراء، لكنّه لن يسمَح لها بِتدمير خُطّتِه بِالتأكيد، لذلك اعترَض طريقَها وقال

"ليس الآن يا تالين، فأنا أحتاج إليه في المُستقبل"

عبسَت تالين بشِدّةٍ قبل أن تتوقّف عن التقدّم، ابتسَم آيدين نحو رايفوس ثم قال له

"يبدو بأن هناك خطراً آخر على حياتِك غير السمّ الذي في جسدِك، هل تُريد منّي أن أدعكُما لِوحدِكما لِبعض الوقت ؟"

عبس رايفوس بشدّةٍ قبل أن يتنهّد ويقول

"حسناً.. سأقتُل الأميرة فلورا والأمير سامهي، لكن يجِب أن يبقى هذا طيّ الكِتمان"

أومأ آيدين ثم قال

"بالطبع، ما دُمتَ صديقاً لي فلَن أدع أحداً يعلَم هذا، تالين أيضاً ستفعل مِثلي، أليس كذلك يا تالـ.."

وقبل أن يُكمِل حديثَه.. شعر بِأن شيئاً حاداًّ قد اخترَق جسدَه مِن الخلف، احمرّت عيناه وشعر بألمٍ حادٍّ في قلبِه، ليس لِأن السيف قد أصابَ قلبَه وإنما بِسبب وقوعِه في الغدر مرّةً أخرى، حيث كان هذا مِن فِعل تالين رغم جروحِها وحالتِها الصحّية، طعنَته مِن الخلف قبل أن تسقُط على الأرض لأن الضربة قد أخذَت منها كل قوّتِها، تدخّلَت فايري بِسرعة

{تمّ ثقب كبدِك، أستطيع عِلاجَك.. لكنّك تحتاج إلى مكانٍ آمِن للتعافي، سيُغمى عليك خِلال أقل مِن خمس دقائق}

كان آيدين في حالةٍ نفسيةٍ صعبة، فهو لم يتوقّع بِأن تالين ستفعَل مِثل هذا بعد أن قام بإنقاذِها، استدار نحوَها وقال بِألمٍ وغضب

"لماذا"

قالَت بِنبرةٍ جادّة وكأنها غير نادِمة

"لن أسمَح لك بإيذاء سيدي سامهي، لقد اعتنَى بي أنا وأخي مُنذ قُتِلَت عائلتي، ومع أنه اتّخذني كجاريةٍ له إلا أني أدين له بِكُل شيء"

فهِم آيدين أخيراً بِأنها تكرَه الأمراء الذين قتلوا عائلتَها وليس كل الأمراء، وربما كان عدوها الوحيد هو أمراء دولة فلوريم، صمت قليلاً ثم قال بِنبرةٍ حزينة

"لماذا يجِب أن تكون الأمور هكذا ؟
لماذا لا يوجد شخصٌ واحِد لا يغدِر بي في النهاية ؟
تباًّ لك يا تالين،
تباً لك ... تباً لك ... اللعنة عليك يا تالين ... اللعنة عليك ... اللعنة ... اللعنة ..."

كان في البداية يتحدّث بِحُزنٍ فقط، لكنه انتهى بِالصراخ بِجنونٍ على غير عادتِه حتى تدخّلَت فايري

{اهدأ الآن قبل أن تسوء إصابتُك، يجب أن تجِد مكاناً للاختباء}

بدأ آيدين يهدأ تدريجياً ثم مسَح عينَيه إلا أنه لم يجِد دمعةً واحِدة، ابتسَم على قساوة قلبِه وكأنه صار وحشاً لا قلب له، فحتى وإن لم تكُن بينهما أي علاقةٍ إلا أنه طِفلٌ في بِداية المُراهقة ويَميل طبيعياً إلى الجِنس الآخر، ومع أنه لم يُفكِّر في الأمر بجدّيةٍ إلا أن هدوء تالين كان قد أثّر عليه، ولو طال بهِما الأمر لرُبّما كان سيَكسِر القواعِد ويتقرّب مِنها، لكنّ فِعلها جعل قلبَه فارِغاً لِدرجة أنه حزِن بشدّةٍ دون حتى أن تدمَع عيناه، بِتفكيرِه في هذا.. بدأ يُقهقِه بِجنونٍ قبل أن يُخرِج قنينةً من الحِمض ويقول

"وداعاً يا تالين"

قال هذا ثم فجّر القنينة فوق جسدِها، وكان هذا هو الحِمض الذي يُذيب بِه الجُثَث، سقط الحِمض على جسد تالين فبدأَت تصرُخ بِشدّةٍ وهي تنظُر نحوَه بِالعين الوحيدة التي لم يُصِبها الحِمض، نظر إليها بِهدوءٍ بينما كان وجهُها يذوب مِثل الشّمع، وبعد نِصف دقيقةٍ مِن الصراخ.. ذابَت حُنجرتُها وثُقِبَت رِئتاها فصارَت لا تستطيع الصراخ، استدار آيدين نحو رايفوس وقال له بِنبرةٍ مُتعبَة

"سأُخرِجُك الآن لإنهاء المُهمّة، لا تنسَ جَلب رأسَيهِما خلال ثلاثة أيام"

نظر رايفوس إلى مكان إصابة آيدين وقد خرجَت منها دِماءٌ حمراء غامِقة، وكانت هذه إشارةً على إصابة الكبِد، ابتسم وقال

"يبدو بِأنك لن تعيش طويلاً بعد إصابة كبدِك، هذا ليس مُمتِعاً يا رجُل، فقد كُنت أُريد اللعِب معك حتى النّهاية، لكن.. سيكون عليّ قتلُك الآن"

قال هذا ثم رمى الأصفاد أرضاً مع أنها مُخصّصةٌ لِتقيِيد الخُبراء مِن مُستخدِمي الطاقة، استغرَب آيدين عِندما رأى طاقةً ذهبيةً قوية تخرُج مِن جسد رايفوس، وفي لمحة عين.. صار جسدُه يبعَث هالةً قويةً وكأنها تصدُر من شخصٍ في مُستوى الإظهار أو حتى مُستوى التمكّن، اهتزّت القاعة بِسبب تراكُم الهالة فضحِك رايفوس عِندما رأى عبوس آيدين ثم قال بِفخر

"هل تعلم لِماذا سيبقى الأمراء حُكّاماً على الدوام ؟"

رفع يدَه وأخرَج كرةً من الطاقة الذهبية ثم قال

"لأننا نملِك طاقةً مُختلِفةً عن جميع الأجناس، وهي تمنَح لنا إمكانية رفع مُستوى التدريب عِندما نكون في خطر"

عزّز كُرة الطاقة ثم قال

"أنا لا أعلم مِقدار قوّتِك، لكنّك لا تملِك أي فُرصةٍ للفوز عليّ حتى وإن كُنتَ في مُستوى الإثبات أو حتى مُستوى الارتقاء، لذلك أنصحُك بِتسليم الترياق بِهدوء وربما قد أُعالِج إصابتَك"

نظر إليه آيدين بِهدوءٍ رغم إصابتِه، ابتسَم عِندما ظهرَت كلمة "كذب" فوق رأس رايفوس، ورغم إصابتِه.. إلا أنه أتى بِخطّةٍ سريعةٍ حيث تراجع للخلف وبدأ يصرُخ

"توقّف ... لا تقتُلني ... أرجوك ... ألَم ترَ ما هو مكتوبٌ هُناك ؟
إذا أخذتَ هذه البلّورة البنفسجية فستنهار مدرسة أرَوان خِلال بِضع ساعات، هل تُريد قتل الآلاف مِن الأبرياء ؟"

استغرَب رايفوس بِشدّةٍ وعلِم بأن آيدين يَحيكُ خطّةً ما، لكنّه لم يفهَم ما الذي يقوم بِه، وأثناء ذلك.. هدأ آيدين وكأنه لم يكُن يصرُخ قبل قليل، ابتسَم وقال بِخُبث

"وداعاً يا رايفوس"

2020/03/12 · 741 مشاهدة · 1232 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024