"وداعاً يا رايفوس"

تغيّرَت تعابير رايفوس عندما سمِع هذا لِأنها نفس العبارات التي قالها آيدين عندما قتل تالين، رفع طاقتَه واستعدّ لِقتلِه قبل أن يفعَل شيئاً، إلا أن طاقةً زرقاء قد أحاطَت بِه دون أن يشعُر، وفي لمحة عينٍ كان قد اختفى من القاعة، تنهّد آيدين ثم نظر إلى المفتاح الذي يتحكّم بِه في أرض الاختبار، وفجأة.. بدأ جسدُه ينهار حتى سقط على الأرض مغشياً عليه، وكانت آخر فِكرةٍ في عقلِه

[فايري.. تعرفين ما عليكِ القيام بِه]

تقرأ فايري كل ما يُفكّر فيه آيدين، لذلك تعلم ما هي الخطّة الرئيسية وما الذي ينتظِرُه آيدين منها، وبِما أنها تستطيع القيام بعِدّة مهامّ في نفس الوقت فقد بدأت العمل على الخُطّة في الوقت الذي كانت تُصلِح فيه الثّقب الذي تركَته تالين في كبدِه.

...................

في أروان.. وبالقرب من البوابة التي دخل مِنها التلاميذ.. كان الوقت فجراً ولم يكُن بِالقرب من البوابة إلا مشرفٌ واحد، وفجأة.. ظهر ضوءٌ أزرق قوي مِن البوابة، قام المُشرِف مِن كُرسيّه لاستقبال الجريح الذي أخرجَه النّظام، اختفى الضوء الأزرق فظهر رايفوس مُعافى ولا يعاني من أية جروح، نظر إلى المشرف قليلاً ثم قفَز نحو الساحة بِسرعةٍ كبيرة مُعتمِداً على الطاقة، وكان لا يزال مستواه مرتفعاً بِسبَب التقنية الخاصة والطاقة الذهبية التي يستخدِمها الأمراء حيث يزداد مُستوى تدريبِهم لفترةٍ مؤقتة، لذلك لم يستَطع المشرف إيقافَه وسؤاله عن سبب خروجِه، نظر إليه المشرف قليلاً ثم قال

"هل يشعر بِالخجل لأنه أول مَن خرج ؟"

سبب هروب رايفوس هو رغبتُه في البحث عن ترياقٍ للسّم، فهو لا يعلم بِأن آيدين قد كذَب عليه ولم يقُم بِتسميمِه، لذلك قرّر الاتجاه إلى المنطقة التابعة لدولة فلوريم ثم الاتصال بأبيه لِيُرسِل له أفضل الأطباء لمُعاينَته، أما إذا بقي في أرَوان وأخبرَهم عن آيدين وما قام بِه فقد يضيع سرّ البِلّورة البنفسجية، وهذا شيءٌ لن يقوم بِه أميرٌ أول مُدرّب على خِدمة دولتِه قبل أي شيءٍ آخر.

...................

بعد فترة طويلة.. استيقَظ آيدين بِسبب الألم، استعاد إدراكَه وقال

[ما الذي يحدُث لي ؟]

قالت فايري

{قُمتُ بإصلاح الثقب في كبدِك، لكني لا أستطيع إعطاءك المزيد مِن أدوِية الألم}

أقام نفسَه بِصعوبةٍ حتى جلَس ثم قال

[كم مرّ من الوقت ؟]

قالت

{خمسة عشر ساعة}

تنهّد ثم تصفّح الجُرح مِن الخارِج فوجَد بأنه قد اختفى بِسبب جِلدِه الصناعي، أخرَج زجاجة عصيرٍ بارِد ثم شرِب منها قليلاً قبل أن يبدأ بالتقيّؤ، رمى الزجاجة وجمَع رِجلَيه إليه ثم بدأ يُفكّر لِوقتٍ طويل، وأخيراً قال

[هل جهّزتِ ما طلبتُه مِنك ؟]

قالت

{نعم، يُمكِنك استِخدامُه متى شئت}

نظر نحو البِلّورة البنفسجية ثم قال

[هل أستطيع تخزينَها ؟]

قالت

{يجِب أن تكسِرها أولاً، لكني أخشى أن يسقُط السقف عليك لأنه يعمل بالطاقة}

كان سقف أرض الاختبار كبيراً وبِدون أعمِدة، وكان يعتمِد على الطاقة كلياً، لذلك ستكون مُجازفةً إذا أخذ البِلّورة الآن، فكّر في الأمر طويلاً ثم قال

[هل تستطيعين تقدير كمية الطاقة التي يحتاج إليها السّقف حتى يبقى في مكانِه لِيومٍ واحِد ؟]

صمتَت فايري قليلاً ثم قالت

{ربما ستكون عشرة ملايِين بِلّورة حمراء كافية لِهذه المُدّة}

اتّسعَت عيناه عِندما سمِع هذا الرقم وبدأ يُفكّر في كمية الطاقة التي تملِكُها هذه البلّورة البنفسجية ما دامَت تعمَل مُنذ قرون، وبعد تفكيرٍ قال

[إبدئي بشِراء البلّورات الحمراء، سنُغادِر هذا المكان عِندما ننتهي]

بعد ثلاث ساعاتٍ أخرى.. انتهى آيدين أخيراً مِن وضع جبلٍ من البلّورات الحمراء في مكان البلّورة البنفسجِية التي كسرَها وخزّن أجزاءها، ساعدَته فايري لإيصال أرض الاختبار بِمصدر الطاقة الجديدة ثم خرج من القاعة بعد أن أخذ نظرةً أخيرةً على جسد تالين، أطفأ الأنوار عبر لوحة التحكّم المُدمَجة في المِفتاح حتى لا يراه أحدٌ وهو يخرُج، وصل إلى كهف الدّب ودخل إليه ثم قام بِبعض التعديلات على أرض الاختبار وهو يقول

[أتمنى أن ينجَح هذا حتى لا يُقتَل الأبرياء]

مع أن آيدين قد تمّت خِيانتُه مِن أم روشان ثم مِن شويلّو والآن من تالين.. إلا أنه عاتَب نفسَه على سذاجتِه بدل أن يتحوّل إلى قاتلٍ جماعي، وهذا بِسبب التربية الأخلاقية التي حصل عليها مِن عمِّه، لذلك لا يُريد قتل الأبرياء حتى وإن كان هذا يعني إنقاذ المُجرمين أيضاً، أما الدّرس الذي تعلّمَه مِمّا حدث له فهو أنه لا يجِب أن يثِق إلا في نفسِه، وعليه أن يطرُد أي فِكرةٍ غبيةٍ مثل الحصول حليفٍ موثوق مائة بالمائة، وهذا هو أصلاً ما كان يُدرِّبُه عليه عمُّه لِسنواتٍ حيث كان يطلُب مِنه ألا يثِق في أيٍّ كان حتى وإن بدا موثوقاً جداًّ.

انتهى من الإعدادات ثم اختار آخِر إعدادٍ وهو إخراج التلاميذ، لكنّه اختار بعِنايةٍ ولَم يُخرِج الجميع حيث أشعَل الأضواء فصار يرى وجوه التلاميذ في ذِهنِه عبر الطاقة الذهنية المتّصِلة بالمِفتاح، ومِن بَين أكثر من ستمائة تلميذ.. اختار حوالَي أربعمائة فقط، أما الآخرون فقَد تركَهُم هنا لِأنهم سيخدُمون خُطّتَه وهُم أمواتٌ أفضل مِن بقائهِم على قيد الحياة.

أخرَج المُختارين ثم أطلَق سراح الوحوش المُكبّلة لعلّها تقوم بالواجِب قبل أن ينهار السّقف، استدار وفتَح النفق الذي يؤدي إلى أسفل الجِسر الخارجي، سلكَه على حذرٍ حتى خرَج فوجَد بأن الأجواء هادئةٌ لأن الوقت كان قريباً من الفجر، ومع أنه كان مجروحاً ويتألّم إلا أنه استحمَل واتّجَه نحو الغَرب حيث توجد غابةٌ كبيرة مُتّصِلة بِدولة تاليمار.

...................

في أرَوان.. كان مجموعةٌ من المسؤولين مُجتمِعين أمام بوابة أرض الاختبار، وكانوا يستجوِبون التلاميذ الذين خرَجوا فجأةً من البوابة ولم يكونوا يُعانون مِن أية جروح، وما هي إلا ثوانٍ قبل أن يسقُط المُدير من الأعلى حيث قفَز مِن مكانٍ بعيد حتى يصِل بِسُرعة، أعطاه المسؤولون تقارير تحقيقاتِهم فصمَت طويلاً قبل أن يقول

"وماذا عن الأمير رايفوس، ألَم يعُد إلى المدرسةِ بعد ؟"

قال أحد المُستشارين

"أخشَى أن هُناك شيئاً غريباً يحدُث، فالأمير غادر دون أن يقول شيئاً، والنبلاء الذين خرجوا.. جميعُهم ينتَمون إلى دولة فلوريم، أما الأميران سامهي و فلورا وباقي نبلاء الدول الأخرى فلَم يخرُجوا بعد"

كان هذا مِن فِعل آيدين حيث قام بِـإخراج نُبلاء دولة فلوريم مع التلاميذ الذين أخرجَهم، أما أتباعُهم فقد تركَهم لِأنهم لن يؤثّروا على خُطّتِه، كما أنه لم يعرِفهُم من الأساس لذلك تركَهُم مع مَن ترَك، كانت الطريقة التي اختار بِها هي الجِنس حيث أخرج المُواطنين والتجار وغيرِهم من الأجناس التي لا دخلَ لها بِمُخطّطات الأمراء، والذين تركَهم كانوا جميعاً من الأجناس التي تستخدِم القوة مثل الشرطة والمُخبِرين والقوات الخاصة.

قطّب المُدير جبينَه قليلاً قبل أن يسأل

"لِماذا لم تُرسِلوا أحد المُشرِفين الصّغار لِيستكشِف الأمر ؟"

عبس أحد المسؤولين ثم قال

"هذه هي المشكلة الرئيسية، فنَحن لم نعُد نتحكّم في البوّابة"

اتّسعَت عينا المُدير وصرخ

"ماذا ؟"

وقبل أن يُجيبَه أحد.. صرخ أحد المسؤولين مِن بعيد

"هُناك شيءٌ يُعرَض مثل المرة السابقة على القنوات المَحلّية للتحالُف"

ارتجَف المُدير لأنه لم يتعافى بعدُ من الفضيحة السابِقة، أمسَك اللوح الذي يحمِلُه المسؤول فاجتمَع عليه المُستشارون، وفي المقطَع.. ظهرَت صورةٌ ثابِتة كُتِب عليها

"قتلتُم السيد شويلّو وحصلتُم على إرثِه الوحيد، لكني لن أسمَح لكُم بِهذا، سأُعطيكُم سِتّ ساعاتٍ لإخلاء مدرسة أرَوان قبل تحويلِها إلى أنقاض"

تغيّرَت وجوه الجميع عندما قرؤوا هذا التهديد، وقبل أن يقولوا شيئاً.. حدثَت هزّةٌ أرضية تحت أقدامِهم، وكان هذا بِسبب الإعدادات التي أجراها آيدين على لوحة التحكّم حيث كل نِصف ساعةٍ تقوم آليات أرض الاختبار بإنقاص طول الأعمِدة خمس سنتيمترات، وسيبقى الأمر على هذا الحال حتى تٌستَهلَك كل الطاقة ويَنهار السقف نهائياً.

أمر المُدير بإجراء اجتِماعٍ طارئ ويجِب أن يحضُر الجميع إليه، خلال الاجتماع.. بدؤوا يُناقِشون جدّية التهديد وأسباب الهزّة التي تكرّرت مرةً أخرى قبل إجراء الاجتماع، بدأ بعض المُستشارين القُدامى يَصرخون على المُدير ويلومونَه بِسبب انقِلابِه على شويلّو بينما كان آخرون يَعرِضون نتائج التحقيقات التي أجرَوها في هذا الوقت القصير، صبر المُدير طويلاً قبل أن يقول

"هل تذكرون ذلك التلميذ آيدين ؟"

2020/03/12 · 769 مشاهدة · 1171 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024