[ما الذي يحدُث لي يا فايري ؟]

صاح بِهذا ثم سقط أرضاً وبدأ يَتلوّى مِن الألم، قالت فايري

{يبدو بِأنه صِراعٌ بين العناصِر، الأمر قد يكون خطيراً جداً، لكني لا أستطيع مُساعدتَك بِأي شيء}

لا تستطيع فايري التحكّم في مراكِز الطاقة البدائية لذلك لا تستطيع المُساعدة، ومع ذلك كانَت تُراقِب حالتَه الجسَدية عن كثَب، استمرّ حال آيدين بين تغيّر الهالات داخلياً وخارجياً لِأكثر مِن عشر دقائق قبل أن تتّخِذ فايري قراراً فردياً بِتغذية جَسدِه بِالمزيد مِن الطاقة، وذلك لِأن ما حدث كان بِسبب تغذية جَسدِه بالطاقة خلال الأيام الماضية، ومع أن نتائج قرارِها غير محسوبةٍ إلا أن حالة آيدين لن تسمَح له باتّخاذ القرارات العقلانية.

بدأت تضخّ الطاقة في جسدِه مُباشرةً كما كانت تفعَل في بِداية تدريبِه، لكنها هذه المرة كانت تستخدِم البِلّورات البنفسجية وليس الحمراء، وفي نفس الوقت كانت تحمي أعضاء جسدِه من تقلّب الهالات الحارقة أحياناً والصاعِقة أو البارِدة في أحيان أخرى، لكن آيدين لم يستحمِل على ما يبدو حيث سقط أرضاً وفقد الوعي، وهذا في العادة أمرٌ سيء جداً للمُتدرّبين لِأن فقدان الوعي يعني ترك الطاقة تتصرّف عشوائياً، لكنه لم يكُن يتحكّم في طاقتِه من الأساس، لذلك لم يختلِف الأمر كثيراً حتى بعد دخولِه في حالة غيبوبة.

....................

بعد شهرٍ ونِصف.. وصل رامسي إلى حُفرة الجحيم والتقى بِالمسؤول الأعلى، وسبَبُ مَجيئِه هو تتبُّع خيوط القضية، حيث بدأ بالاطّلاع على ما فعلَه آيدين في أرَوان والرسائل التي كان ينشُرها في الشابِكة والترويج المادي الذي كان يُروّج بِه للرسائل، وكل هذا جعَل رامسي يتيقّن بأن آيدين شخصٌ خطير ويستحقّ التتبُّع، وبعد فشل تتبُّع آثارِه في الشابِكة لِأن خدمات النشر كانت تتِم انطلاقاً من السوق السوداء.. قرّر تتبُّع هوية ذلك الشخص المُتسلّل إلى أرَوان، ما جعلَه يصِل إلى بلدة كوبير حيث كان يعيش آيدين مع عمّه.

بعد التحقيق في بلدة كوبير لِعدّة أيام.. وجد أخيراً حيث كانت المكتبة، لكن الذي وجدَه كان حُفرةً كبيرةً وعُصارةً معدنيةً وكأن شمساً قد سقطَت هُناك وأذابَت كل شيء، وكانت هذه الأساليب معروفةً لدى المُحقّقين لذلك علِم بِأن الشخص المطلوب قد محا آثارَه جيداً، لذلك رفع التقرير إلى قادتِه بِسرعةٍ لِأن الناس قد تعرّفوا على صورة صاحب المكتبة وأقروا بِأنه هو نفسُه صاحِب مُلصق المطلوبين عالمياً، وكان ردّ القادة هو أن يُكمِل التحقيق ريثَما يُرسِلون خبيراً آخر للوقوف على ما حدث.

بقي رامسي لِأكثر من أسبوعٍ في بلدة كوبير وعرَف بِأن صاحِب المكتبة كان يتواصل مع العديد من الأشخاص وأنه كان طيب القلب وغير ذلك من الأمور، لكنّهم لم يأتوا على ذِكر آيدين لأنه في نظر السكان كان مُجرد مُشرّد لا يستحقّ الذكر، وفي نفس الوقت لم يتعرّف أحدٌ على آيدين بذلك الشكل الذي خرَج بِه من بلدة كوبير وتسلّل بِه إلى مدينة أرَوان، وهذا صنع فجوةً في تحقيقات رامسي حتى قرّر المُغادرة لِأن التحقيق قد توقّف، لكنّه في هذه اللحظة.. أتاه اتّصالٌ من قائدِه يطلُب مِنه ضرورة التحقيق في طفلٍ على علاقةٍ بِصاحب المكتبة، ويجب أن يكون الطفل في الخامسة عشر مِن عُمرِه على الأكثر، وهذا أعاد الحياة إلى مجرى التحقيق لِأن صانِع المشاكِل في أرَوان كان أيضاً في نفس العُمر.

لم يُخبِره قائدُه بِهوية هذا الطفل لِأنه لا يعلَم أيضاً كونَها معلومةٌ مُرسلَة مِن جِهاتٍ عُليا، وحتى يَمنَع رامسي مِن السؤال.. أخبرَه القائد بِأنه قد تم اعتِمادُه مُحقّقاً رسمياً بعد وصولِه إلى كل هذه المعلومات، وأن مُستقبلَه سيكون باهِراً إذا توصّل إلى شيءٍ آخر يُفيد القضية، لذلك بدأ جولةً أخرى من التحقيق حول طفلٍ في الخامسة عشر من سكان بلدة كوبير، وبعد عدّة أيام.. وقع على اسم "الطفل المحروق" حيث أخبروه بِأنه ظهر قبل سنواتٍ وعاش مُشرّداً بينَهُم وأن الإشاعات تقول بِأن عائلتَه قد تمّت إبادتُها على يد أحد النبلاء، وكان هذا عكس ما يذكُره آيدين لأنه كان يظنّ بأن عائلتَه قد كانت من سكان بلدة كوبير وليس مُجرّد نازحٍ إليهِم.

بعد البحث في شخصية الطفل المحروق.. وصل إلى أنه كان مُنعزِلاً لا يتواصل مع أحد إلا نادراً، وجميع أفعالِه كانت لا تدل على اكتئابٍ حاد، وهذا جعل الجميع ينفِرون مِنه أو يتنمّرون عليه، لكن هذا لم يمنَع رامسي من الاهتمام بِه لأنه شخصٌ ظهر من العدم ثم اختفى أيضاً في العدم، خاصةً أن تاريخ اختِفائه مُتزامِنٌ مع تاريخ تسلُّلِه إلى أرَوان، ونفس الشيء بالنسبة لِتاريخ حادثة النار الشرِسة التي حوّلت المكتبة إلى حُفرةٍ من المعادِن الذائبة.

بعد جمع هذه المعلومات.. عاد رامسي إلى أرَوان ثم ركِب سفينةً خاصةً من ميناء ساردينا واتّجه بِها نحو جزيرة حُفرة الجحيم والتي كانت مُتواجِدةً بين ثلاث قارات صغيرة مثل القارة التي توجَد فيها أرَوان، واليوم وصل وتحدّث مع رئيس السجن فأخبرَه بأنهم لم يستقبِلوا أحداً في الزنزانة المُخصّصة لسُجناء التعويذات منذ أكثر مِن سنة، كما لا يوجد أي سجينٍ عُمرُه تحت العشرين، ناهيك عن الشاب الذي رأى صورتَه قبل قليل، وهذا يُنافي ما أخبرَه بِه قائد الرهبان في دولة أرَوان الحديثة، لذلك طلَب مِن رئيس السجن زِيارة تِلك الزنزانة الخاصة، وبعد بحثٍ وتحليل.. اكتشَف آثار الحِمض تحت التراب، ابتسَم بِخُبثٍ ثم قال

"هل فقدتَ بعض الحرّاس قبل خمسة أشهُر ؟"

قال رئيس السجن

"نحن نستخدِم الكثير من السجناء كضُبّاط، لكنهم ينخرِطون أحياناً في مشاكِل السجناء الآخرين فيتمّ قتلُهم، لذلك نفقِد الضّباط باستمرار ولا نُسجّل ما يحدُث لهم لأنهم سُجناء أصلاً"

سأله رامسي مرةً أخرى

"كَم سفينةً للسجناء زارَتكم خِلال خمسة أشهُر ؟"

أجابه رئيس السجن

"ثلاثة"

همهم رامسي ثم قال بِعبوس

"الشخص الذي أبحَث عنه ماهرٌ في التنكّر، ربما يكون قد تسلّل إلى إحدى هذه السفن وغادر الجزيرة بالفِعل"

عبس رئيس السجن وقال وكأنه غير راضٍ

"نحن نُراقِب المُجرمين ليل نهار، ولا أظن بِأن طِفلاً مِثلَه سيَنجو مِن أعيُنِنا"

سألَه رامسي عِندما رأى غضبَه

"هل حدث شيءٌ مُريب في السجن مثل قَلب موازين القِوى القديمة أو أي شيءٍ آخر غير مألوف ؟"

هز رئيس السجن رأسَه بِالنفي ثم قال

"كل شيءٍ لا يزال كما هو مُنذ سنوات والعصابات الرئيسية لا زالَت تحكُم مناطِقها"

ابتسم رامسي ثم أخرَج رمز الاتّصال الخاص بِه وسلّمه لرئيس السجن وهو يقول

"كما قُلت لك فهو ليس هُنا، لكن.. ربما قد أكون مُخطئاً، دَع هذا الرمز معك واتّصِل بي إذا حدَث شيءٌ ما في المُستقبل"

....................

بعد بِضعة أيام.. فتح آيدين عينَيه وكان مُلقى على الأرض يُغطّيه الغُبار، أراد ابتِلاع ريقِه فوجَد بِأن حلقَه جافٌّ ومُتورّم، بقِي على حالِه لِبعض الوقت قبل أن يتحرّك بِهدوءٍ فقالت فايري

{جسدُك يحتاج إلى بعض الحركة لِيعود إلى ما كان عليه، لقد بقيتَ في غيبوبةٍ لِأكثر من شهرٍ ونِصف بِسبب اضطِراب عناصِر الطاقة في جسدِك}

لم يُجِبها آيدين وإنما ركّز على جسدِه فاتّسعَت عيناه وقال

[ما هذا ؟]

قالت فايري

{لقد خضع جسدُك لِتحوُّلٍ جديد حيث صارت مراكِز الطاقة مركزاً واحِداً، لكن حجمَه وشكلَه ليس شيئاً معروفاً في تاريخ التدريب، لذلك لا أدري إن كانت هذه ميزةً جيدةً أم لا، ومع ذلم فَمركز الطاقة ليس هو الوحيد الذي تغيّر وإنما حتى خطوط الطول الخاصة بِك قد اتّسعَت جميعُها بِشكلٍ غريب}

رفَع آيدين يدَه وأخرَج بعض الهالة فلاحَظ شيئاً غريباً حيث لم تعُد هالتُه سوداء مثل السابِق وإنما تحوّلت هالةٍ بيضاء، لكن الغريب هو أن التحكّم فيها بِتشكيلِها أو توجيهِها كان صعباً عليه، عبس وجهُه وقال

[هل فقدتُ جميع مهاراتي ؟]

قالت فايري

{أنا أيضاً لا أعلم ما يحدُث، لكن الهالة التي أخرَجتَها الآن ليسَت كأي طاقةٍ مُسجّلة في تاريخ التدريب}

صرخ عليها بِغضب

[تاريخ تاريخ تاريخ ... أليس لديكِ أي معلوماتٍ مُفيدة غير هذا ؟]

قالت

{ربما لدي نظريةٌ مُفيدة، لكنها ليسَت معلومةً مُأكّدة}

2020/03/14 · 976 مشاهدة · 1148 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024