50 - جِنس المُحقّقين

[ما هو السحر ؟]

أجابتهُ فايري

{السحر هو ضد العِلم، وهو فنٌّ قديم جداً يَعتمِد على استِدعاء مخلوقاتٍ شبحية مِن عالمٍ آخر لِتنفيذ مهامّ مُعيّنة مُقابِل سعرٍ ما، يُمكِنك القول بأنه مثل نِظام الاستئجار حيث تطلُب مِن الأجير فِعل شيءٍ ما لأجلِك مُقابِل مبلغٍ من المال، لكن مخلوقات العالم الآخر لا تتعامل بِالمال وإنما قد تطلُب طلباتٍ غريبة، وعلى ما يبدو فإن الشخص الذي استدعى هذا المخلوق لا يتحكّم فيه وإنما استخدمَ تعويذةً جاهِزةً مِن راهبٍ آخر، لذلك لم يُرجِعوك إليهِم وإنما رمَوك في حُفرة الجحيم لِأن هذه هي أوامِر التعويذة}

صمت آيدين لأنه لم يتوقّع وجود مثل هذا العالم الغريب، وما لا يَعلمُه هو أن قائد الرهبان قد حصل على تِلك التعويذة من أحد رهبان المحكمة العُليا، وكانت التعويذة مُرتفِعة المُستوى ومُخصّصة لِقذف المُجرمين في حُفرة الجحيم، ومع ذلك كان عليهِم تقديم سِعرٍ آخر حتى يَعثروا على مكان آيدين الماهِر في الاختباء لِأن التعويذة مُخصّصةٌ للطرد فقط وليس للبحث.

سألها آيدين مرةً أخرى

[لماذا طلبتِ مني الهروب من ذلك الشبح وليس البقاء والقتال، هل هو قويٌّ إلى هذه الدرجة ؟]

قالت

{لا يُمكِن القتال بِالطريقة العادية ضد المخلوقات التي يتِم استِدعاؤها لِأنهم لا يملِكون أجساداً مادّية}

عبس وقال بِحُزن

[هل تقولين بِأني لا أستطيع الهروب مِن الرهبان ؟]

قالت

[ترَك لك عمُّك طريقةً تجعلُك حصيناً ضد السحر، لكن استِخدامَها سيجعلُك في قائمة أكثر أعداء العالم المطلوبين]

قهقه ثم قال

[وهل تعتقِدين بِأني الصديق الحميم لهذا العالم المقيت ؟]

......................

بعد ثلاثة أشهُر من انهيار مدرسة أرَوان.. دخل تحالُف الخمسة زائد واحد مرحلةً جديدةً حيث ظهرَت عشر عائلاتٍ جديدة من جِنس النبلاء واندمجَت خمس عائلات مَلكية وصارَت عائلةً واحدة، ولِتسهيل الأمر فقَد تمّ سَجن مُدير أرَوان والملوك الخمسة تمهيداً للمُحاكمة، أما باقي الأمراء فقد فتحوا باب الزواج بين عائلات أمراء الدول الخمسة حتى تصير عائلةً حقيقية لها مصدر طاقةٍ ذهبيةٍ مُوحّد، وبِهذه الخُطوة الجريئة.. ارتفعَت مُستوياتهم التدريبية وظهرَت عِدّة أسماء مُرشّحة للحُكم.

في هذه اللحظة.. وصل شابٌّ فوق العشرين مِن عُمرِه إلى الدولة الجديدة التي صار اسمُها دولة أرَوان بِنفس اسم عاصِمتِها، وكان الشاب يَملِك عينَين دائريتَين واسِعتَين وأنفاً حاداًّ وأذنَين صغيرَين، وله شعرٌ أحمر قصير يُغطّي جبهتَه الواسِعة، زار الشاب المقرّ المؤقت للسلطة ثم اجتمَع بجِهاز الشرطة القديم الذي كان يعمَل في أرَوان واستفسَر مِنه حول حادثةٍ صغيرةٍ حدثَت في إحدى الحدائق العامة، ولِتذكير مُدير الشرطة.. عرض عليه الشاب تسجيلاً مُصوّراً لِعجوزٍ عاري الجسد، وكان هذا هو آيدين بِشَكل عمِّه عِندما هرَب من الشرطة مُباشرةً بعد وصولِه إلى أرَوان.

عندما بحث المُدير في أرشيف القضايا.. أخبرَ الشابَّ بِأن الشرطة لم تُحقّق في ذلك الأمر بِسبب حادِثة تسلّلٍ مِن المحطّة حيث كان كلّ رجال الشرطة مَشغولين في المُطاردَة، لذلك لم يكُن مُدير الشرطة يعرِف أكثر مِمّا يوجَد في هذا التسجيل الذي نُشِر على الشابِكة قبل أشهُرٍ ولم يلقَ رواجاً كبيراً.

بعد يأس الشاب من المُدير.. وقَف وقرّر المُغادرة، لكنّه توقّف قليلاً وبدأ يُفكّر قبل أن يقول

"ماذا عن حادِثة التسلّل تِلك.. هل كان صاحِبُها عجوزاً أيضاً ؟"

قال المُدير باحترام

"انتظِر قليلاً سيد رامسي، سأبحث في الأرشيف عن تسجيل المُطاردة"

كان رامسي مِن جِنس المُحقّقين كما هو واضحٌ مِن التعديلات التي تمّ إجراؤها على عينَيه وأذنَيه وأنفِه، وقد تم إرسالُه مِن قارةٍ عظيمة بعد اكتِشاف أنظِمة الرّصد العالمية وجود شَبهٍ بين أحد أشهر المطلوبين عالمياً وذلك العجوز العاري، ومع أن الشبَه كان مُقتصِراً على الملامِح فقط وليس على شكل الجسد إلا أن الأمر كان يستحقّ الاهتمام، لذلك أرسلوا رامسي للبحث في الأمر كآخر اختِبارٍ له قبل التخرُّج، ومع ذلك.. لم يَعتقِد رؤساؤه بِأن القضية تستحق، ولو علِموا بِما حدث فِعلاً لما أرسَلوا مُجرّد تلميذ.

عرض المُديرُ أحداث المُطاردة عبر شاشةٍ كبيرةٍ حيث بدأَت مِن مُغادرة آيدين للمحطة بِشكلِه القديم وهو يلبِس ثياب المُوظّفين، طاردَه الحرّاس وكانوا يحمِلون أدوات تصويرٍ مُثبّتة على أكتافِهم، وبعد أول انعِطاف.. التقوا بِالعجوز الذي يلبِس ثياباً فاخِرة، وقف أحدُهما وتحدّث معه ثم انصرَف، نظر رامسي نحو مُدير الشرطة فوجَد وجهَه أسوداً لِأن هذا العجوز هو نفسُه العجوز العاري في الحديقة، والاختلاف الوحيد هو اختِفاء ثِيابِه، ابتسَم رامسي ثم قال

"يبدو بأن شيئاً هاماًّ قد فاتَكُم، أعطِني نُسخةً من هذا التسجيل ثم أوصِلني إلى الحاكِم حتى أستفسِر مِنه حول بعض الأمور"

تنهّد المُدير ثم قال

"حاكِم مدينة أرَوان في تِلك الفترةِ قد تم سَجنُه بعد إنشاء الدولة الجديدة، ومع ذلك أستطيع أخذَك إليه"

استغرَب رامسي قليلاً ثم سأل

"سقطَت الدولة القديمة بعد ظهور هذا الشخص في أرضِكم ؟"

أومأ مُدير الشرطة بِرأسِه فقال رامسي

"مُثير للاهتمام، أطلِعني على تفاصيل ما حدث"

......................

في كهفٍ عميق.. كان آيدين جالساً على الأرض يَمتصّ الطاقة مِن بعض أجزاء البِلّورة البَنفسجية، وكان يَعيش في هذا المَنجم طيلة الأشهُر الثلاثة الماضية ولا يصعَد إلى الأعلى إلا لشِراء الطعام مِن المتجر بِسبب انعِدام الإرسال في الأجزاء العميقة مِن المنجم، نجح خلال هذه الفترة القصيرة في رَفع تدريبِه إلى مُستوى الطمع، وهذا فيما يخصّ مركز الطاقة الرئيسي بعد وصولِه إلى قمة المُستوى الثالِث مِن تقنية الظلال التسعة وصار يستطيع إنشاء ثلاث نُسَخ مُشابِهة له، وكانت المهارة التي حصل عليها هي تبديل الأماكِن مع نُسَخِه الثلاث بِمجرّد فِكرة.

المستوى الأول جعلَه يفهَم كيف تعمَل التقنية وحصل فيه على مهارة صُنع النُّسَخ، والمستوى الثاني حصل فيه على مهارة النصل الخفي والتي تتَطوّر مع الوقت، والآن حصل على مهارة الاستبدال المُفيدة للهروب من الهجمات، ومع ذلك.. لم يكُن هذا هو ما حصل عليه فقط وإنما قام أيضاً بِتنمية خمسة مراكِز طاقة أخرى وعناصِرُها هي (النار - الجليد - البرق - الرياح - الماء)، وهذه المراكِز الخمسة.. صارَت جميعاً في مُستوى النشاط بعد استِهلاك كمياتٍ خيالية من الطاقة، لكنّه لم يُخصِّص لها أي تِقنياتٍ تدريبية بِسبب تركيزِه على تقنية الظلال التسعة.

بخِلاف التدريب.. كان آيدين يأخُذ دروساً حول فنٍّ قديم مُضاد للسحر، ليس فناًّ قتالياً وإنما هو مجموعةٌ من الأفعال التعبُّدية التي يجِب عليه القيام بِها كل يوم، ويتضمّن الأمر مجموعةً من التعاويذ التي يجِب عليه تلفُّظها بِلُغةٍ قديمة مُندثِرة، وهذا كان شيئاً تركَه له عمُّه مع فايري لِمواجهة الرّهبان في حال تصادُمِه معهم، لكن المُخطّط كان ألا تُخبِرَه فايري ما دام صغيراً لِأنه سيتحوّل إلى عدوٍّ للعالم إذا اكتُشِفَ أمرُه، لكن الظروف جعلَت فايري تكسِر هذه القاعِدة وتُعلِّمَه بِسبب استِهداف الرّهبان له.

في هذه الأثناء.. كان آيدين جالساً على الأرض يَمتصّ الطاقة بِشراهة، لكنّه لم يكُن يُخزّنها في مراكِز الطاقة وإنما كان يمنحُها لِجسدِه مُباشرة، وقد استمرّ على هذا الحال لعِدّة أيامٍ دون توقُّف، وفجأةً.. حدث شيءٌ غريب في جسدِه حيث بدأت مراكِز الطاقة البدائية تتقارَب مِن بعضِها البعض بِطريقةٍ غريبة، توقّف عن امتِصاص الطاقة وفتح عينَيه ثم قال

[ما الذي يحدُث ؟]

قالت فايري

{أنا لا أستطيع التواصُل مع مراكِز الطاقة البدائية الخاصة بِك حتى أعلم ما يحدُث}

صمت آيدين ثم أغلَق عينَيه مرةً أخرى وركّز على مراكِز الطاقة في مُحاولةٍ يائسةٍ لِمنعِها من الحركة، لكنّها واصلَت الحركة بِهدوء لأكثر مِن ساعة، عبس آيدين لأنها كانت تجتمِع حول مركز الطاقة الرئيسي الذي يُدرِّبُه بتقنية الظلال التسعة، وفجأةً.. أحسّ بِألمٍ حاد عِندما بدأ أحد هذه المراكِز يَقتحِم مركزَه الرئيسي، وما هي إلا دقائق قليلةٌ حتى بدأت باقي المراكِز تفعَل نفس الشيء، وهذا سبّب له آلاماً جعلَته يئنّ، امتلأ جبينُه بالعرق وشعر بالغثيان، ومع ذلك كان مُركِّزاً على ما يحدُث ولم يستسلِم للألم.

استمرّ على هذه الحال لِأكثر مِن نصف ساعةٍ قبل أن يشعُر بِهالةٍ حارّةٍ تُحيط بِجسدِه وجميع أعضائِه الداخلية، وفجأةً.. تحوّلت إلى هالةٍ بارِدةٍ قوية جعلَته يرتجِف، وما هي إلا ثوانٍ حتى حامَت حولَه زوبعةٌ هوائيةٌ صغيرةٌ تبِعَتها صعقةٌ خفيفة من البرق قبل أن تحوم حولَه هالةٌ مائية رطبة، وكانت كل هالةٍ تجعلُه يتأذّى بِسبب تعارُضِها مع الهالة السابقة حتى بدأ جسدُه يتشنّج بِطريقةٍ غريبة، ما جعلَه يصرُخ على فايري

[ما الذي يحدُث لي يا فايري ؟]

2020/03/13 · 693 مشاهدة · 1201 كلمة
abox33
نادي الروايات - 2024