الفصل 0 : نوكي هارو

رن المنبه تمام الساعة الخامسة صباحًا.

فتح ناوكي عينيه قبل الصفارة الثانية. لم يكن بحاجة إليها حقًا، فجسده قد حفظ إيقاع الصباح في هذا المنزل الهادئ.

"أخ... انه الصباح مجددًا."

أطفأ المنبه بسرعة، وقام من فراشه ليبدأ روتينه المعتاد. دخل الحمام وغسل وجهه ثم حدق في انعكاسه في المرآة: شعره أسود كثيف وغير مرتب، يغطي جزءًا من عينيه الداكنتين، وتحت عينه اليمنى شامة صغيرة واضحة.

"أنا هارو... ناوكي هارو والدي من اختار لي هذا الاسم، أو هكذا قالت لي أمي. أعيش في طوكيو مع والدتي، وأنا طالب في الصف الثالث من المرحلة الثانوية، في مدرسة دايتشي."

"هارو! الفطور جاهز!"

صوت أمه، أكيكو، وهي تناديه.

"هذه أمي، أكيكو. أعظم أم يمكن لأي شخص أن يحلم بها. دائمًا ما اعتقدت أنني محظوظ لأن لدي أمًّا مثلها. امرأة ذكية، قوية ويمكن الاعتماد عليها".

"تعال، لقد حضرت لك وجبتك المفضلة... كل بالهناء."

"آه... لذيذ" بل وطباخة ماهرة أيضًا.

بعد أن أنهى فطوره، وقفت أمه أمام الباب وهي ترتدي معطفها وتُعدل نظارتها.

"أنا ذاهبة إلى العمل الآن، أراك مساءً."

"رافقتكِ السلامة."

"يجب أن أدرس بجد وأحصل على وظيفة جيدة.

لن تحتاجي إلى العمل بعد ذلك، أعدكِ. أنا آسف... فقط تحمّلي قليلًا بعد." قال محدثا نفسه.

جمع الأطباق بسرعة وغسلها، ثم أسرع إلى غرفته للبحث عن حقيبته. ارتدى حذاءه قرب الباب، ومرّ بسرعة بجانب الطاولة الصغيرة في الممر.

هناك، وُضعت صورة قديمة لثلاثة أشخاص: والده، والدته، وهو طفل صغير.

نظر إليها للحظة، ثم صرف عينيه دون اهتمام.

"والدي، ناوكي هيروشي، اختفى حين كنت في العاشرة من عمري... سبع سنوات مضت. كلما سألت أمي عنه، قالت إنه اختفى ولم يتمكنوا من إيجاده. لكنني لم أقتنع قط."

"هناك احتمالان فقط: إما أنه مات في ظروف غامضة، أو أنه تركنا ورحل."

هز رأسه بخفة، كأنه يحاول طرد الفكرة .

"على كل حال، لم يعد ذلك مهمًا. لم يتبقّ الكثير حتى يُعتبر ميتًا رسميًا. لكن أمي... لا تزال متعلقتا به وتنتظر عودته".

"مؤلم... أن تفقد شخصًا تحبه، ولا تعرف أين اختفى أو إن كان حيًا."

نزل درجات السلم مسرعًا.

"واه! إنها السابعة تمامًا! سأتأخر!"

ركض هارو حتى محطة القطار، وحالفه الحظ بأن القطار لم يغادر بعد.

وقف بين الزحام بصمت، صوت الهواتف، والهمسات، وحفيف الصحف في كل مكان.

وصل إلى المدرسة قبل الجرس بخمس دقائق. مرّ عبر البوابة الرئيسية دون أن يلتفت لأحد، مع أنه يعرف أن العيون تتبعه.

"ذاك هو ناوكي هارو..."

"سمعت أنه حلّ الأول في اختبار القدرات الأخير!"

"بالتأكيد هو مرة أخرى."

"ربما لا ينام حتى..."

اعتاد على مثل تلك الهمسات طوال السنوات الثلاث الماضية لذى لم تكن تزعجه.

دخل فصله وتوجّه إلى مقعده بجانب النافذة. وضع حقيبته، وأخرج دفتر الملاحظات.

فتح الكتاب على الصفحة 110. الدرس الحالي الدي أنهى حلّه منذ البارحة.

دخل بعض الطلاب، نظروا نحوه للحظة، ثم تجاهلوه.

لم يكن له أصدقاء. لم يسعَ لذلك الحدوث. لا أحد فهمه، ولا هو حاول أن يُفهم نفسه لأحد.

جلس وحده، كالعادة.

دخلت المعلمة، ونادت على الفصل:

"صباح الخير، افتحوا كتبكم على الصفحة 110... إلا إذا كنتم ناوكي، فربما أنهيتم المقرر بأكمله!"

ضحك خفيف عمّ الفصل.

"هكذا هو الحال بالنسبة لي..."

"عادةً، من يحتل المرتبة الأولى في المدرسة يكون فتى وسيمًا، محبوبًا، محاطًا بالأصدقاء. لكنني مختلف."

"أنا فاشل تمامًا في تكوين أي علاقات. لهذا أنا دائمًا وحدي."

أدار عينيه نحو الطلاب الآخرين، يتحدثون ويضحكون.

"يبدو أن القمة لا تناسب الجميع..."

"لكن... عليّ أن أستمر."

"من أجل والدتي، فقط من أجلها."

في تلك اللحظة، فُتح باب الفصل فجأة.

"صباح الخير، آسف على التأخير!"

التفتت الأنظار فورًا نحو الباب، بما فيها هارو نفسه—بشكل غير معتاد.

دخل فتى بشعر بني مشعث، يحمل حقيبته بيد واحدة، ويرتدي سترته بنصف الطريقة.

كان يبتسم ابتسامة واسعة وهو يتقدم نحو المعلمة بثقة، كأن التأخير لا يعنيه أبدًا.

"آه، نعم... هذا الطالب الجديد الذي أخبرتكم عنه بالأمس."

قالت المعلمة، وهي تشير إليه.

"أقدم لكم: تاكاهاشي ريو. انتقل إلى هنا هذا الأسبوع، آمل أن تساعدوه على التأقلم."

"هيه، تشرفت بمعرفتكم جميعًا!"

قالها بمرح، وانحنى انحناءة سريعة، وسط ضحك خفيف من بعض الطلاب.

"يمكنك الجلوس هناك، في الخلف."

في طريقه رمق هارو الجالس بجانب النافد بنظرة استغراب

و جلس في المقعد الأخير، دون أن يبدو عليه أي توتر.

لا كتاب، لا دفتر، لا قلم. فقط ابتسامته العريضة التي لم تفارقه.

مرّت الحصة الأولى بهدوء. المعلمة كانت تشرح، والطلاب بعضهم مركز، والكثير شارد.

أما هارو، فكان يقرأ من كتاب الفيزياء بدلًا من متابعة الدرس.

"هذا بسيط جدًا... لماذا لا يسرّعون الوتيرة قليلاً؟"

همس لنفسه وهو يقلب الصفحة.

من حين لآخر، كان يسمع صوت ضحكة خفيفة من الخلف.

لم يكن بحاجة للالتفات ليعرف أن صاحبها هو الطالب الجديد.

بعد الحصة، بدأ الفصل يمتلئ بالهمسات مجددًا.

"هل رأيت كيف رد على المعلمة؟"

"هه، شكله غبي لكنه لطيف."

"سمعت أن عائلته غنية جدًا!"

أما هارو، فكان يستمع اليهم في صمت.

في الاستراحة، خرج إلى سطح المدرسة، كعادته. كان المكان الوحيد الذي يستطيع أن يفكر فيه بوضوح.

جلس على الأرض، وأسند ظهره إلى الجدار، وفتح رواية كان قد بدا في قراتها منذ يومين.

لكن هذه المرة، بقي يحدّق في الصفحة دون أن يرى شيئًا كأن الكلمات التي قرأها لم يعد لها اي معنى.

"أحيانًا، أفكر لو أنني لم أكن عبقريًا... هل كنت سأعيش بشكل مختلف؟"

"هل كنت سأمتلك أصدقاء؟"

أغلق الكتاب ببطء، ثم رفع عينيه نحو السماء الرمادية.

"انا عبقري فاشل"...

"لكن لا وقت للأمنيات الفارغة. هذا العالم لا يعطيك شيئًا مجانًا."

"عليّ أن أستمر، حتى لو كنت وحيدًا."

رنّ الجرس مجددًا.

وقف، نفض الغبار عنه، وعاد إلى الفصل دون أن يشعر أحدًا بغيابه.

بعد انتهاء الحصة الأخيرة، كان الفصل قد بدأ يفرغ.

هارو، كعادته، يجلس في مقعده ويرتب كتبه بصمت، يتهيأ للرحيل.

لكن صوتًا جاءه من الخلف:

"انظر لذاك العبقري المنعزل هناك... ياله من متعجرف،

هو لم يحدث أحدا مند بداية السنة ".

"أيحسب نفسه عبقريا بالفعل ".

"سمعت ان والدته تعمل حتى وقت متأخر من الليل". همس احد الطلاب في الخلف.

"هاه! ايعقل انها...."

"هيه، ناوكي... سمعت ان أمك تعمل حتى وقت متأخر في الليل، ايعقل انها...انت تعرف، باعت شرفها؟".

"يامادا" الطالب المعروف بفمه الطويل، أحد الذين طالما تجاهلهم هارو.

لكن هذه المرة... لم يستطع تجاهله.

وقف، وأدار وجهه نحوه ببطء .

"ما الدي قلته؟".

"لماذا انت غاضب؟ أو يمكن ان ما قلته صح—".

قبل أن يكمل كلمته، كانت قبضة هارو قد اصطدمت بوجهه بعنف، أسقطته أرضًا كدمية.

تجمهر الطلاب من حولهما.

"هل جننت؟!" صرخت إحدى الطالبات.

"يا إلهي، هارو ضربه!" .

"نادو المعلمة حالا!" .

هارو، الذي لم يسمع صوته أحد من قبل، يقف الآن فوق خصمه، جسده يرتجف، وأنفاسه تتسارع.

"لا اهتم ان تحدثت عني بسوء، لا يهمني اطلاقا!"...

"لاكن ان تتفوه بمثل تلك الترهات عن امي، هدا لا يغتفر.

افعل ذالك مرة أخرى وسأتأكد من دفنك حيا".

كانت هذه أول مرة يظهر فيها هارو بهذا الشكل أمام الجميع.

وقف ريو تاكاهاشي بين الحشد يشاهد بصمت.

لم يقل شيئًا، فقط نظر إلى هارو وإلى تلك العيون الغاضبة.

"هذا الفتى... مثير للاهتمام."

قالها لنفسه، وابتسم ابتسامة خفيفة.

---------------------

ملاحظة 1:

-هدا الفصل هو لا يعد بداية للقصة لاكنني فقط اردت كتابه لتتوضح بعض الامور لذى القارئ و التي ستظهر في الفصل الدي يليه .

-لكل من سيتسائل "من هي الشخصية الرئيسية في هده الرواية؟", اعتقد ان الامر واضح ان قرأة ملخص الرواية....لكن ~( ̄▽ ̄)~

"ناوكي هارو , تاكاهاشي ريو" اجل الرواية لها شخصيتان اساسيتان.

-قراءة ممتعة (*^-^*)

2025/10/10 · 2 مشاهدة · 1152 كلمة
mossa3id
نادي الروايات - 2025