الفصل 1: طالب جديد

"هاه ..هاه.. هاه، تبا.. لقد تأخرت".

"انه يومي الأول ومع ذالك انا متأخر.. سحقا"..

"ليتني استمعت لما قاله يامازاكي سان وركبت السيارة".

ركض ريو بأقصى سرعته, سترته ترفرف خلفه و حقيبته تتارجح بعنف على كتفه,

استمر بالركض و النظر الى ساعته كل بضع ثوان بإحباط متزايد حتى بدأت بوابة المدرسة بالظهور

"وصلت اخيرا".وقف للحظة يلتقط أنفاسه, ومرر اصابعه بين شعره البني المشعة

ليرتبه بسرعة وسحب طرف القميص وادخله في بنطاله…ثم ابتسم و نزع سترته و ارتداها بنصف الطريقة.

"لنصنع بعض الانطباعات".

دخل المدرسة بكل ثقة يمشي ببطء كأنه لم يتأخر حتى أن بعض الطلاب رمقوه بنظرات استغراب

"انظر الى غريب الاطوار ذاك يرتدي سترته بنصف الطريقة"

لم يعرهم ريو اهتماما واستمر في البحث عن الفصل.

"وجدته".

وضع يده على الباب وأخذ نفسا عميقا ثم وضع ابتسامته المعتادة.

"صباح الخير! اسف على التاخير!".

كل العيون التفتت اليه البعض بدا مندهشا و البعض الاخر ضحك بخفة, رفعت المعلمة حاجبيها ثم قالت:

"اه,صحيح…هذا الطالب الجديد الذي اخبرتكم عنه بالأمس"..

"اقدم لكم , تاكاهاشي ريو".

انحنى انحناءة سريعة وقال بمرح :

"هيه, تشرفت بمعرفتكم جميعا !".

توجه إلى المقعد الذي اشارت اليه المعلمة في الخلف, و مرر نظره على الوجوه سريعا إلى أن وقعت عينه على الفتى بجانب النافذة دو الشعر الداكن والنظرات الباردة "هارو".

جلس في مقعده و بحث في حقيبته ليجدها فارغة لا يوجد فيها الى حاملة الأقلام, فقد نسي كل شيء بسبب تأخره.

قال في نفسه وهو يبتسم لإخفاء توتره

"كم انا احمق".

رن الجرس

نهض من مكانه وقام بالتمدد كما لو كان نائما طوال الحصة

مجموعة من الطلاب بدأوا بالتجمع حوله يسألونه اسئلة عشوائية

"هل أنت من عائلة تاكاهاشي الشهيرة ؟".

"عائلة تاكاهاشي ! اذن انت غني".

"هل يمكنني مصافحتك ؟".

"كم سيارة تمتلك ؟".

"هل تعيش في قصر؟".

حوصر ريو بالأسئلة من كل اتجاه ولم يعرف من أين يبدأ فلم يجد حلا سوى الابتسام في صمت كعادته

"هاي.. جميعكم, انتم تزعجون الطالب الجديد"...

"تاكاهاشي سان اعتذر نيابة عن الجميع ".

"لا..لا بأس هذا امر عادي".

"أقدم لك نفسي انا سايتو شون رئيس الفصل, سررت بلقائك".

"وانا ايضا".

رن الجرس مجددا وبدأ الجميع بالعودة إلى أماكنهم. دخل هارو الفصل دون ان يلاحظه احد وتبعته المعلمة لاستكمال الحصة

ريو كان يراقبه في صمت ويستشعر هالته المتفردة عن الجميع

"هاي تاكاهاشي سان ". قال الطالب في المقعد المجاور وهو يلوح بيده.

"اه, مرحبا".

ابتسم ابتسامة واسعة واشار بإبهامه على نفسه. " انا ناكاجيما كايتو, يمكنك مناداتي بكايتو".

ابتسم ريو هو الآخر بعفوي ومد يده للمصافحة ."وانا ريو سررت بمعرفتك, اذا ما الامر؟"

"اه..انه مجرد فضول فقط لكن, من اي ثانوية أتيت ؟".

"كنت ارتاد ثانوية خاصة في ميناتو".

"هاه, اذن لما الانتقال إلى هنا؟ أعني… ". عدل كايتو نظارته ثم اضاف "هذا المكان جيد لكن ليس بنفس المستوى".

ابتسم ريو بهدوء ونظر إلى هارو الذي كان يقلب صفحات دفتره ببطء."لنقل انه كان جزءا من أوامر والدي…قال اني بحاجة الى التركيز اكثر".

"يبدو أن والدك صارم".

لم يرد ريو على كلام كايتو و تجاهل الأمر قائلا :

"اريد فقط تجاوز المرحلة الثانوية دون ان افقد عقلي".

ضحك كايتو بخفة على كلام ريو ورد عليه."اجل افهم ذلك ".ثم أضاف.

"بالمناسبة.. ما رأيك في الفصل ؟".

"امم, الوضع طبيعي جدا حتى الآن, لكن "...

"ذلك الفتى هناك بجانب النافذة, يبدو مختلفا".

"اه..انه ناوكي هارو, الأول في هذه الثانوية. هو هادئ دائما ولا يحدث احدا الى ان كان امرا بالغ الاهمية".

"مثير للاهتمام". قال ريو في نفسه ثم اتكأ الى الخلف.

"ما الامر".

"لا شيء فقط افكر في التحدث معه في وقت ما".

قال كايتو وهو يبتسم بسخرية."حظا موفقا لكن قد تكون آخر مرة تتحدث فيها إليه".

"ماذا تقصد بذلك".

"لقد سبق وحاولت التحدث معه, لكن ذاك الفتى يمتلك نظرات مريبة!"...

"توحي بأنه لايهتم بمن أنت وما تقوله..لا بل أكثر من ذلك! لقد تحدث إلى من خلال عينيه قائلا"من أنت لتحدثني".

"أنت تبالغ".قال ريو باستهزاء.

"هدا غير صحيح!".

"حسنا لا بأس سأحاول فقط".

مر الوقت المتبقي من الحصة وريو نائم على مقعده في الخلف حتى رن الجرس.

بدأ الطلاب في جمع أغراضهم للمغادرة بينما ريو الذي لم يحضر شيء, انطلق مباشرة الى الباب للخروج .

"هاي..ريو, ما رأيك ان نذهب معا إلى المنزل". قال كايتو.

"حسنا سأنتظرك في الممر".

وقف ريو إلى جانب الحائط, بينما ذهب ناكاجيما كايتو ليتولى أمرا كلفته به المعلمة.

"اعتقد اني قد حققت أول صداقة لي, نظرا لأنه يومي الأول هنا".قال ريو في نفسه وهو ينظر الى الطلاب يمرون عبر الممر من أمامه. ثم أضاف مبتسما وبصوت مسموع."أنه تقدم ملحوظ".

اسند ظهره الى الحائط, واطلق تنهيدة ثم قال بصوت جاد يغلب عليه الحزن."اتمنى ان يكون اختياري صائبا".

فجأة سمع صوت صراخ ات من فصله, فانطلق مسرعا ليرى مايجري.

"هل جننت؟!"صرخت إحدى الطالبات.

كانت رأيت ما يجري مستحيلة فمجموعة من الطلاب قد اصطفوا حول باب الفصل, لكن ريو كان طويلا بما يكفي ليلمح هارو واقفا بين مقاعد مرمية و الفتى الضخم يامادا الذي تلقى لكمة على وجهه يتألم في صمت على الأرض.

"لا اهتم ان تحدثت عني بسوء، لا يهمني إطلاقا!"...

"لكن أن تتفوه بمثل تلك الترهات عن امي، هذا لا يغتفر!".

افعل ذلك مرة أخرى وسأتأكد من دفنك حيا".

انطلقت كلمات هارو الى مسامع الجميع فاقشعرة أبدانهم من الدهشة. ذاك الطالب الهادئ, الذي نادرا ما يسمع صوته. يقف الآن بين الجميع ويظهر جانبا من شخصيته لم يعلم أحد بوجودها على الإطلاق.

وقف ريو بين الحشد يشاهد بصمت, وينظر إلى هارو بدهشة و الى أعينه الغاضبة.

"هدى الفتى…مثير للاهتمام".قال وهو يبتسم ابتسامة خفيفة.

....

"هاي…ريو! اسف على التاخير". قال كايتو وهو يركض في الممرات ليصل بسرعة.

"اهلا".

"اسف لقد وكلت بعمل اضافي اخر".

"لابأس…لاكنك قد فوتت امرا مثيرا".

"ما الأمر؟".أردف كايتو.

"الطالب ناوكي هارو ويامادا كينجي قد تشاجرا في الفصل!".

"هيي! يامادا وهارو تشاجرا ؟!"...

"هذا أمر نادر الحدوث".

"على اين".قال ريو وهو ينظر الى هاتفه."لقد راسلني خادم العائلة قال انه سياتي ليقلنا…لنذهب".

سارت السيارة بصمت وسلاسة,وسطحها الاسود يتلألأ تحت ضوء الشمس الخافت.

جلس ريو بجانب النافذة وعيناه مثبتتان على العالم المتدفق من حوله.جلس كايتو بجانبه صامتا غير متاكد ان كان عليه قول شيء.

الجو داخل السيارة كان مختلفا تماما. ريو الذي كان يبتسم طوال الوقت اختفت ابتسامته ونبرته المرحة. من يجلس بقرب النافذة الآن شخص مختلف.

خلف عجلة القيادة, قاد يامازاكي اندو السيارة بدقة وثبات ولم يبدِ سوى إيماءاة خفيفة و ظل صامتا كعادته.

لم يتكلم ريو بأي كلمة منذ ان دخل. كانت أصابعه متشابكة و مرفقيه على ركبته. لم يكن ينتبه لما حوله فذهنه كان مشغولا بالتفكير في امور اخرى.

"سيكون والدي في مكتبه فور وصولي للمنزل"…

"لابد انه يراقب تحركاتي, وربما قد علم بتأخري هذا الصباح"...

"لا اعلم مالذي سأقوله له عندما التقيه".زفر ببطء وهو متكئ على المقعد.

"انا من اتخذت هذا القرار, وإن لم أنجح…لن اكون حرا بعد ذلك".

القى كايتو نظرة خاطفة على ريو الغارق في أفكاره و قال في نفسه."اذن, هذه هي صورته الحقيقية. الجانب الذي لا يظهره للآخرين"...

"لكن, تلك النظرة في عينيه. كانه يهيئ نفسه لأمر بالغ الأهمية"..

"ما نوع الضغط الذي يتعرض له هذا الرجل..؟".

توقفت السيارة في حي هادئ بجانب منزل متواضع بطابقين.

"سيد ناكاجيما لقد وصلنا الى منزلك".قال يامازاكي وهو ينظر اليه عبر المرآة الأمامية.

"اه, اجل". فتح ناكاجيما الباب وتردد للحظة وهو ينظر الى ريو الذي لم يتفاعل.

"اذن, اراك غدا. وشكرا على إيصالي". قال كايتو بصوت شبه مسموع.

لم يقل ريو شيء واكتفى فقط بالتلويح بيده, بينما يغلق كايو الباب لتنطلق السيارة مرة أخرى.

"حسنا". قال يامازاكي اخيرا, وعيناه لا تزالان على الطريق."كيف كان يومك الاول,سيدي الشاب؟".

ابتسم ريو ابتسامة خفيفة, وعيناه على الأفق."كان مختلفا, لكنني تمكنت من ذلك".

ابتسم يامازاكي هو الآخر."انت تخفي الكثير خلف ابتسامتك يا ريو-ساما".

مد ريو ساقيه ورفع رأسه محدقا في سقف السيارة.

"يامازاكي سان..انت الوحيد الذي يفهمني"...

"لدى فالحديث معك يكون سهلا".

"في اي وقت ريو-ساما...".أجاب الرجل الأكبر سنا بصوت دافئ."...يمكنك دوما الحديث معي بحرية".

"أعلم ذلك".قال ريو بابتسامة نادرة و حقيقية.

وصلت السيارة الى الممر الطويل لعقار تاكاهاشي, وهو مسكن حديث مترامي الأطراف, أنيق تحيط به حدائق مشذبة.

كانت السماء مرصعة بخطوط حمراء وبرتقالية مع غروب الشمس. توقفت السيارة قرب مدخل المنزل, وأغلقت البوابات العالية خلفهم بصوت معدني خافت.

خرج يامازاكي اولا ثم فتح الباب لريو كي يخرج بعده "تفضل".

التقط ريو سترته ووضعها على كتفه الأيمن ثم خرج من السيارة.

"من المرجح أن يسألك والدك عن يومك الاول, انصحك بالاختصار".

"اجل سأقوم بذلك"...

"فكل ما علي فعله الان هو تجاوز هذه المحادثة.وغدا, سابدا باثبات نفسي".

اتجه ريو نحو المدخل وعلى بعد خطوات من السيارة استدار."يامازاكي سان..".

"ماذا هناك سيدي الشاب".

قال ريو وهو ينحني انحناءة لائقة ورسمية."شكرا لك".

"على الرحب". انحنى يامازاكي هو الآخر.

هب نسيم في الفناء حاملا معه رائحة الصنوبر الخفيفة من أشجار الصنوبر التي تزين العقار.

وقف قصر تاكاهاشي شامخا امامه, مزيج مثالي من العمارة التقليدية و العصرية. كان المنزل صامتا من الداخل.

تجاوز ريو الممر دون تردد, كان يعرف إلى أين يتجه فلقد اعتاد على ذلك بعد كل شيء. داك الباب الخشبية الواسع في الطرف هو وجهته.

توقف أمام الباب بثبات ورفع يده اليسرى ليطرق, لكنها كانت ترتجف.

"اخترت هذا الطريق, وسأسلكه مهما اشتدت وعورته".

ضغط على قبضته برفق وطرق مرتين.

أجاب صوت عميق من الداخل:

"ادخل".

فتح ريو الباب وعيناه مركزتين على الشخص الجالس أمامه.

"انا مستعد".

2025/10/09 · 13 مشاهدة · 1454 كلمة
mossa3id
نادي الروايات - 2025