11 - // // //—الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

وقف كاو وظهره إلى الباب، محدقاً في الممشى الوسطي في دار العبادة.

قال سكريتش: هل أنت واثق من هذا؟ كانت الغربان جاثمة على مقعد خشبي مجاور.

تمتم كاو: «لا، لكن عليّ التجربة».

جلس كرامب في الجهة الأمامية من دار العبادة، تحت الهيكل الأبيض للرمز الديني المفقود. جلس بطريقة مترهلة على طاولة المذبح الفارغة، وجعل ساقيه تتدليان على الجانب. قال المتكلم مع الحمامات: «هل أنت جاهز؟».

صرخت ليديا من الأعلى: «هيا، كاو!».

صرخ بيب من جانبها: «لقّنه درساً كرامب».

قال كاو: «أنا جاهز».

صفر كرامب تماماً مثلما فعل في العش، وسُمع صوت خفقان قوي للأجنحة، فيما هبطت مئات الحمامات من فتحات السقف وحطّت حول قدميه.

قال غلام وهو يميل رأسه: حسناً، كان هذا جميلاً.

قال سكريتش وهو يخبئ عينيه تحت جناحه: لا أستطيع النظر.

مدد كاو ذراعيه، وأمر الغربان بأن تأتي إليه. أحسّ بالدفء نفسه يتراكم داخل معدته؛ تماماً مثلما أحسّ سابقاً. يستطيع فعل هذا.

مدد كرامب ذراعه اليسرى، وطارت كل الحمامات الموجودة في تلك الجهة دفعة واحدة، وخفقت أجنحتها مثل السوط. طارت مباشرة صوب كاو.

تشتت تركيز كاو، وصرخ عالياً: «أوقفها!».

صرخ سكريتش: جيرانيمو!

طارت الغربان الثلاثة في الهواء، لكن طيور الحمام تغلبت عليها خلال ثوانٍ قليلة. وسط عراك الريش والصيحات، شعر ميلكي وسكريتش وغلام بالعجز الكلي. وأجبرتها الحمامات على الهبوط أرضاً، وملأت ضحكة بيب العالية كل الأجواء.

قالت ليديا: «ليس هذا عادلاً! لم يملك كاو الوقت لاستدعاء غربانه».

كان كرامب لا يزال جالساً على الطاولة، وبدا مرتاحاً جداً.

قال: «هل تظنين أن أتباع الرجل الدوّام سيمنحون كاو الوقت الكافي؟ أنت محظوظة لأنها مجرد حمامات ودودة. كانت كلاب جاوبون ستمزّق هذه الغربان الثلاثة إرباً من دون شك».

استمرت الغربان في مواجهة وزن الحمامات وسط عجز تام. أراد كاو الركض وركل الطيور المزعجة بعيداً، لكنه عرف أن هذا سيعني الاستسلام. لذا، أجبر نفسه على التركيز، لجذب الغربان إليه مجدداً.

قال كرامب: «أنا آسف بشأن ذلك». ووقف على الطاولة محركاً يديه كما لو أن المعركة قد انتهت. «لكن، يمكنك الآن رؤية...».

أحسّ كاو بالقوة تزداد في أحشائه. أحسّ بالغربان تحتشد، وقال لنفسه مع ابتسامة إنها آتية.

انفتح الباب بقوة كبيرة، وأحسّ كاو بالنصر عند رؤيته الصدمة على وجه كرامب. وقف الخارق الأكبر سناً على قدميه، فيما تدفقت عشرات الأشكال السوداء أمام كاو، وتوجهت مباشرة صوب طيور الحمام. انتظر كاو إلى أن وصلت إليها، ثم مدد ذراعه اليسرى صوب كرامب. تحركت الغربان على شكل موجة سوداء لمهاجمة خارق الحمامات، وخفقت أجنحتها صعوداً ونزولاً.

صرخت ليديا: «هيا كاو!».

قال بيب: «انتبه!».

صفق كرامب بيديه معاً، فطارت بقية طيور الحمام على شكل متشابك أمامه. اختفى كرامب تماماً وراء الستارة رمادية اللون.

أدى هجوم الغربان إلى فصل بحر طيور الحمام مباشرة في الوسط، فتبعثرت الطيور في كل الاتجاهات.

ثم وقعت طيور الحمام دفعة واحدة على الأرض.

اختفى كرامب.

قال كاو: «ماذا؟».

«مجرد خدعة». صدح صوت كرامب في أذنه.

استدار كاو حول نفسه ليجد المتكلم مع الحمام واقفاً على المقعد الخشبي قربه.

سأل: «كيف فعلت هذا؟».

أجاب كرامب: «القليل من الخفة، الأمر يستلزم الكثير من التدريبات». فتح سترته وخرجت دزينة حمامات من داخلها. هجمت على كاو، وراحت تنقره وتخدشه، وتدفعه بمحاذاة المقعد الخشبي إلى أن ارتطم أخيراً بالجدار الحجري ولم يستطع التحرك. كانت صيحات الحمام عالية جداً؛ حيث واجه صعوبة في التفكير. حرّك ذراعيه بطريقة عشوائية، فيما حاول تغطية وجهه وإبعاد الحمامات عنه، لكن عددها كان كبيراً جداً. أراد استدعاء غربانه، لكنه لم يستطع حتى فتح عينيه للبحث عنها. لقد انكمش العالم ليصبح أجنحة خافقة وطيوراً صارخة وخدوشاً مؤلمة في كل مساحات بشرته المكشوفة.

صرخ: «أرجوك... أرجوك، دعها تتوقف!».

بلمح البصر، توقف هجوم الحمام، وانهار كاو على الجدار خجلاً، فيما عادت طيور الحمام إلى الروافد الخشبية. أما الغربان الأخرى فقد اختفت، ولم يبقَ سوى غربانه الثلاثة الوفية جاثمة على المقعد الخشبي، وبدت منزعجة وإنما غير مصابة.

صرخ بيب: «هاهاها! فاز كرامب!».

توجّه كرامب صوب كاو ومدّ له يده قائلاً: «سامحني. لم يكن يجدر بي البدء بالاستعراض».

بالكاد استطاع كاو النظر مباشرة إلى عيني المتكلم مع الحمام، لكنه سمح له برفعه إلى الأعلى. كانت يداه وذراعاه تنزف، لكن الخدوش لم تكن عميقة.

قال سكريتش: محاولة جيدة.

أضاف غلام مع شيء من السخرية: جهد قوي.

اقترب سكريتش من الغراب الأكبر سناً. لقد بذل ما بوسعه.

زمجر كاو قائلاً: «لكن أفضل ما لديّ لم يكن جيداً كفاية». نظر إلى الأعلى، وشاهد ليديا تحدّق فيه، وبدت عيناها مليئتين بالتعاطف.

قال كرامب ببساطة: «لا، لم يكن كذلك. إذا واجهت أتباع الرجل الدوّام الآن فستموت، وكذلك غربانك، وستنتهي سلالتك الخارقة».

نظر كاو إلى سكريتش وميلكي وغلام، وأدرك أنها مستعدة للموت من أجله، لكنها مجرد ثلاثة طيور. ومهما كان عدد الطيور التي نجح في استدعائها اليوم، لا يزال ذلك غير كافٍ.

لذا، سأل كرامب: «كيف استدعيت هذا العدد الكبير؟».

قال المتكلم مع الحمام: «بفضل قوة الإرادة، والكثير من التمرين. أنا خارق منذ وقت طويل أكثر منك، ولطالما عرفت المخاطر التي نواجهها».

قال كاو: «إذاً، علّمني».

قال كرامب: «يستغرق الأمر شهوراً، لا بل سنوات من التدريب المكثف. لا يوجد وقت كافٍ للقيام بذلك».

قال كاو: «أستطيع التعلم بسرعة». محاولاً أن يبدو واثقاً من نفسه أكثر ممّا يشعر به فعلاً.

ابتسم كرامب. «حتى لو استطعت كاو، فأنت لست مقاتلاً. الأشخاص الذين نواجههم وحوش، ولا يملكون أية رحمة».

انضمت ليديا وبيب إليهما عند أسفل السلالم. كانت شفتا ليديا مزمومتين على شكل خط حازم.

قال كاو: «لا نستطيع الاستسلام. لا يمكننا الاختباء فقط!».

قال كرامب: «ألا يمكننا؟ ابق هنا معنا. سنكون بأمان».

قالت ليديا لكرامب بصوت قاسٍ: «سيعثرون علينا». شعر كاو لوهلة أنها الراشدة، فيما كرامب هو الولد.

سأل كرامب بنبرة دفاعية: «وكيف تعرفين ذلك؟ أنا وبيب لم يزعجنا أحد من قبل».

غضبت ليديا. «السبب في ذلك ربما أن أحداً لا يبحث عنكما. يوجد ثلاثة منهم هناك. ومن يعلم؟ فقد ينضم إليهم آخرون أيضاً. قد تتمكنان من الاختباء لفترة، لكن الأمر بحاجة إلى هفوة واحدة، وسيهجمون بالتأكيد».

ساد الصمت في دار العبادة، وأحسّ كاو بعجز تام.

تمتم كرامب: «سرت أخبار من قبل؛ أخبار عن خارقين أقوياء جداً حيث استطاعوا التحول إلى الحيوانات التي يسيطرون عليها».

سأل كاو: «أهي مجرّد أخبار؟».

أجاب كرامب: «حسناً، لم ألتق يوماً واحداً منهم. أنا أتدرّب منذ أن كان عمري خمسة عشر عاماً ولم أصل إلى هذه المرحلة بعد».

قالت ليديا وهي ترفع ذقنها إلى الأعلى بطريقة متحدّية: «أنت لا تعرف الطريقة ربما».

قال كرامب وقد تورّد وجهه غضباً: «اسمعي، أنت لا تعرفين شيئاً عن هذا. فأنت لم تخسري أصدقاء وأحباباً، أو كائنات عزيزة عليك بقدر عائلتك».

أجابت ليديا: «في الواقع، بلى». للحظة، اختفت الجرأة من تعابيرها. «أفعى مامبا قتلت كلبي بنجي. وقد كان أفضل صديق لي في العالم».

حدّق فيها كرامب، ثم أصبحت نظرته أكثر لطفاً، وقال بهدوء: «آسف لسماع ذلك. لكن الجوهر يبقى نفسه. لا نملك أملاً هذه المرة».

قال كاو: «علينا المحاولة على الأقل».

سأل بيب: «ونتعرّض للقتل!؟ ما الجدوى من ذلك؟».

أجاب كاو: «سنموت في أية حال إذا طاردونا».

قاطعته ليديا: «وهم يعرفون أين أعيش. إنهم يعرفون أين تعيش عائلتي».

قال كاو: «هذا صحيح. إذا لم تساعدنا، فسنكون أنا وليديا في مواجهتهم بمفردنا».

قال سكريتش وهو يقفز على الجهة الخلفية للمقعد الخشبي: سنرافقك أيضاً!

قال غلام وهو ينظر إليه بارتياب: حقاً؟ ثم خفق بجناحيه. أعتقد أنه يجدر بنا ذلك.

أمسك كاو بيد ليديا وتوجّها صوب باب دار العبادة.

ناداهما بيب: «اسمع، أنت بالكاد تستطيع السيطرة على ثلاثة غربان. ها أنت الآن تتكلم وكأنك فيليكس كوايكر الذي يملك حيوات عدّة!».

تجمّد كاو في مكانه. كوايكر. أحسّ أن ليديا قد أحكمت قبضتها على يده.

قال وهو يستدير: «من هو فيليكس كوايكر؟».

هزّ كرامب كتفه وقال: «خارق القططة. يقال إنه يملك تسع حيوات، وإنه موجود منذ بضع مئات الأعوام».

نظر كاو بسرعة إلى ليديا وقال: «علينا التحدث إليه».

هزّ كرامب رأسه. «لن تحصلا على أية مساعدة منه. فكوايكر العجوز ليس ودوداً جداً. وهو لم يشارك في الصيف المشؤوم، بل حبس نفسه في قصره، ولم يتعاط مع أي من الفريقين».

قال كاو: «لكنه في بلاكستون؟».

أجاب كرامب: «نعم. يعيش في غورت هاوس. إنه مكان كبير جداً في هيريك هيل؛ حيث الأبراج العالية والأبراج الصغيرة وما شابه. وهو يجمع كل ما له علاقة بتقاليد الخارقين؛ أشياء جديرة بالتذكر، كتباً، كل أنواع الأشياء. ويعرف عن تاريخ الخارقين أكثر مما يستطيع معظم الأشخاص تذكره».

قالت ليديا: «أعرف المكان. يقول الجميع إن الرجل الذي يعيش هناك مجنون».

قال كرامب: «ليس هذا بعيداً جداً عن الحقيقة، إذا أردت رأيي».

قال كاو بحماسة: «لكنه يستطيع مساعدتنا ربما».

أجاب كرامب وهو يهزّ رأسه: «ليس مولعاً بالزائرين. من الأفضل لك أن تركز على مهاراتك، وتتعلم الدفاع عن نفسك، وتحول دون إلقاء القبض عليك».

كانت ليديا تراقب كاو وقد عبست قليلاً. عرف بماذا تفكر: لماذا لا تخبره عن ورقة الآنسة والاس؟

هزّ لها كتفه، آملاً ألا يلاحظ كرامب ذلك. لماذا يجدر به إخبار المتكلم مع الحمام كل شيء؟ حسناً، لقد وفّر له كرامب المأوى، لكن الأمر اقتصر عند هذا الحد. كان واثقاً من أن المزيد من الأجوبة موجود مع خارق القططة، المختبئ في هضبته فوق النهر. لقد تعب من المفاجآت، وتعب من الأشخاص الذين يقولون له ما يجدر به فعله، وأراد أن يكون مسؤولاً عن نفسه، ولو لمرة واحدة.

تنهد كرامب. «اسمع، لماذا لا تبقيان الليلة هنا. اختبئا حتى الصباح، ثم يمكننا الحديث مجدداً».

أومأ كاو برأسه موافقاً؛ لكنه في قرارة نفسه كان يخطط لأمور أخرى.

كاو يحلم.

إنه الكابوس نفسه كما في السابق، وإنما ها هو الآن يراقب الرجل الغريب الطويل والشاحب وهو يطرق على باب منزل أهله. لمع ضوء القمر على خاتم العنكبوت في يده.

صرخ كاو: «لا تجيبا». لكن لم يخرج أي صوت من شفتيه، وفُتح الباب وحده.

إنه الرعب الذي حملته غربانه بعيداً عنه. لكن الآن، وللمرة الأولى، أدخلته غربانه إلى الداخل، خلف الرجل الغريب.

خلف الرجل الدوّام.

وانغلق الباب بقوة خلفه.

رأى كاو والديه، يقفان جنباً إلى جنب أمام مائدة غرفة الطعام. ثمة كوبان من الماء نصف ممتلئين عليها، ويجثم غراب واحد قربهما. نظرت والدة كاو إلى الرجل الدوّام من دون أي خوف، والتفّت طيات فستانها الأسود حولها مثل جناحي غراب، كما لو أنها تتحكم في الهواء حولها.

قالت عبر أسنانها المطبقة: «اخرج من منزلي». لاحظ كاو العرق يتلألأ على جبينها؛ كما لو أنها تبذل جهداً كبيراً. «لن أخبرك عن مكانه». ونفض الغراب ريشه دليل موافقة.

صرخ والد كاو: «لا تقترب أكثر». كان واقفاً قرب زوجته، حاملاً قضيباً من الموقد.

اكتفى الرجل الدوّام بالابتسام، وسأل: «وما الذي تنوي فعله بهذا؟». بدا صوته وكأنه آتٍ من القبور. وأومأ في اتجاه القضيب.

نظرت والدة كاو إلى زوجها. «أرجوك، عليك الخروج من هنا الآن. الآن. لا علاقة لك أبداً بهذا».

قال لها: «لن أتركك».

قالت والدة كاو: «أستطيع تدبر أمر هذا الوحش». وأبقت عينيها مركزتين على الرجل الدوّام. إلا أن صوتها بدا متعباً.

قال الرجل الدوّام: «لا أعتقد ذلك. ليس من دون غربانك».

لاحظ كاو برعب شديد أن النوافذ باتت مغطاة بشباك شاحبة: شباك عنكبوت. وعند الإصغاء بتركيز، استطاع سماع خفقان الأجنحة والبكاء اليائس لمئات الغربان التي حاولت اختراق النوافذ.

«إذا لم تخبريني بما أريد معرفته فلن تكوني مفيدة لي أيتها المتحدثة مع الغربان».

ترنّحت والدة كاو، وبات فستانها فضفاضاً عليها. استدارت صوب زوجها وقالت: «اركض حبيبي، أرجوك، اركض».

قال والد كاو وهو يمسك بيدها: «لا. أبداً».

قال الرجل الدوّام: «مثلما تريد. يمكنكما الموت معاً».

رفع يداً وفجأة أظلمت الغرفة كما لو أنه أطفأ الأنوار.

من الزوايا، بدأت ظلال داكنة تزحف. لا، ليست ظلالاً، بل إنها عناكب. المئات منها. خرجت من السقف أيضاً، ونزلت على الجدران وكأنها ستائر سوداء. حاول الغراب التحليق عالياً، لكنه بات مغموراً بالكائنات الزاحفة. اقترب والدا كاو أكثر فأكثر من بعضهما، وتراجعا صوب الطاولة. تحطم كوب ماء على الأرض. أراد كاو الاندفاع إلى الأمام، لكن الغربان منعته، وكان بمثابة شاهد عاجز. هناك مئات العناكب الآن، وتتحرك أرجلها مع بعضها في حركة واحدة. اقتربت من والديه على شكل سجادة من الكائنات السوداء اللماعة. كانت كثيرة جداً؛ لدرجة أنه استطاع سماع أصوات حركاتها.

راقب كاو العناكب فيما زحفت على أقدام والديه، ثم ارتفعت على أرجلهما. حاولا إبعادها عنهما، لكن عددها كان كثيراً. وقع القضيب أرضاً، وهبط بين العناكب بصوت خافت مكتوم. تلوّى والدا كاو وتحركا كما لو أن النار تحرقهما، فيما غطتهما العناكب، وأحسّ بذعرهما في عجزه الخاص. الأصوات الصادرة منهما لم تكن بكاء ألم، وإنما أسوأ. كانت صيحات ذعر قصيرة. زحفت العناكب على صدريهما وأكتافهما وعنقيهما.

أراد كاو النظر بعيداً، لكنه لم يستطع.

ها هما الآن يرفعان ذقنيهما إلى الأعلى؛ كما لو أنهما يغرقان ويبحثان عن الهواء. صرخ والده عالياً، ثم اختنق فيما دخلت العناكب فمه.

مع نفسها الأخير، تحدثت والدة كاو إلى الرجل الدوّام بصوت مكتوم: «لن تربح. سوف ترى». بعد برهة، أسكتتها العناكب. توجهت عيناها إلى كاو للمرة الأخيرة، وبدا أن هواء قوياً خرج منها، واتجه صوبه مثل الريح الهوجاء. استمر الأمر لجزء من الثانية قبل أن تعميها موجة أرجل العناكب و...

استيقظ كاو وهو يشهق. رأى أمامه عليّة دار العبادة، التي كانت مضاءة بالجمر المتوهج للنار في الموقد. اتكأ على مرفقه، وارتجف تحت البطانية البالية. لا يزال الكابوس يطبق عليه، ويتلف أعصابه. أغمض عينيه بقوة، محاولاً محو صور الكابوس.

هل ماتا هكذا فعلاً؟ بذعر مكتوم، مخنوقين بكائنات الرجل الدوّام؟ جثم ميلكي بصمت قربه وأمال رأسه. كانت عيناه الشاحبتان رطبتين. في تلك اللحظة، عرف كاو أنها الحقيقة.

كان كرامب نائماً على ظهره، ويخرج صوت صفير من شفتيه مع كل نفس. أما بيب فكان نائماً تحت البطانيات، مختبئاً بالكامل. عبر الروافد الخشبية، وضعت مجموعات طيور الحمام مناقيرها تحت ريشها السميك.

إذا أراد كاو الهروب فإنه الوقت المناسب.

2020/03/06 · 278 مشاهدة · 2093 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024