[ضواحي المستوطنات العشوائية]

عند الأطراف، المستوطنات العشوائية تتكاثر كأورام خبيثة. البشر هنا لا يعيشون… فقط ينجون. بالكاد.

الأزقة ضيقة، مكتظة بأجساد هزيلة. نيران ضعيفة تتراقص وسط الرياح الباردة، ووجوه شاحبة تفتش في الفراغ عن شيء... أي شيء، فقط لتأجيل النهاية.

البعض يساوم، البعض يراقب، والبقية؟ ينتظرون دورهم في قائمة الموت الطويلة.

---

وقفت أمام كوخ بائس تتدلى فوقه لافتة بالكاد تستحق أن تُسمى "حانة".

الهيكل؟ مجرد صفائح معدنية مهترئة، تصارع السقوط. الطاولات؟ نجت من حرب أو اثنتين. الكراسي؟ تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لم أكترث. دفعت الباب بحدة، وهتفت بنبرة ساخرة:

"هااااي، أيها العجوز! أما زلت تتنفس؟"

الصمت.

كان المكان خاليًا من الزبائن، فالناس لا يتوافدون إليه إلا ليلًا، حين يضيق بهم الواقع فيبحثون عن مهربٍ يسكرهم عن إحباطهم.

سحبت كرسيًا متهالكًا، جلست وانتظرت.

لم يطل الأمر. اخترق صوت خشن، متبرم، السكون:

"لماذا الصراخ؟ كدتُ أفقد أذني، أيها المعتوه."

وأخيرًا، ظهر صاحب الصوت.

ذراعان معقودتان، ملامح متجهمة، عين واحدة تلمع بدهاء، والأخرى؟ زائفة، ميتة.

"ولا تنادني بالعجوز! لدي اسم، وإن لم تكفّ، فسأبيعك قطعةً قطعة في السوق السوداء!"

ابتسمت بخبث، غير مبالٍ بتهديداته الفارغة.

"لو لم أستفزك، لما خرجت بهذه السرعة."

زفر بضيق، مستسلمًا للهزيمة المعتادة. لا جدوى من الجدال معي.

"أجل، أجل… اختصر، لا وقت لدي."

نظرت حولي إلى الحانة المهجورة، رفعت حاجبًا بسخرية.

"آه أجل، واضح أنك مشغول جدًا." بينما أفكر 'على الأقل اكذب بضميـر، أيها الوغد.'

الضوء الخافت كشف ملامحه أكثر.

بنية ضخمة، وجه مليء بالندوب كخريطة حرب منسية، عين واحدة تشتعل بالحياة، والأخرى؟ مجرد فراغ بارد.

اسمه؟ سيراكلوف.

في البداية، لم يكن سوى شخص آخر في هذا المستنقع. ثم، لسبب ما، أنقذ حياتي من عصابة. منذ ذلك اليوم، أصبح بيننا "دين غير مسدد" وفي الوقت نفسه أصدقاء ربما.

لم أقل شيئًا. فقط أخرجت خرقة سوداء وألقيتها على الطاولة.

---

سيراكلوف التقطها، تفحصها بعناية.

دماء شبه جافة، بقايا جلد ممزق، أربع سيقان نحيلة.

بقايا غنيمتي الأخيرة.

سيراكلوف لم يكن مجرد صاحب حانة. كان تاجرًا في السوق السوداء، يبيع كل شيء: جلود الوحوش، العظام، الآثار، وحتى الأسرار.

أما أنا؟ مجرد نملة تحاول التقاط الفتات من بين أنياب الذئاب. لكنه كان كافيًا لإبقائي على قيد الحياة.

ألقى نظرة عابرة على الخرقة، تمتم بازدراء:

"يا فتى، جلبتَ قمامة مجددًا… وتريد مالًا أيضًا؟ متى ستتعلم إحضار شيء يستحق؟"

ابتسمت ببراءة مصطنعة، أسندت رأسي على يدي، وقلت بنبرة مفعمة بالشفقة:

"لا بأس… فقط أعطني أي شيء. انظر في عيني، ألا تشفق على هذا الفتى المسكين؟"

رفع حاجبه، تأملني للحظة… ثم تنهد.

"أنت وقح كما أنت دائمًا… حسنًا، لنرَ كم تساوي هذه القمامة."

اختفى للحظات، ثم عاد.

ألقى ثلاث عملات باردة على الطاولة.

العملة؟ نجمة على وجه، جمجمة شبه بشرية على الوجه الآخر.

"عملة جيرو." أغلى ما قد يمتلكه شخص في هذا الحي القذر.

ثم تصنيفها الى ثلاث فئات وهي البرونزية و الفضية و الذهبية.

كانت 10 برونزات تساوي 1 فضية.

10 فضيات تساوي 1 ذهبية.

حدّقت إليهما، عبست. ليس لأنني أكره المال، بل لأنني تعرضت لاحتيال واضح!

"من تحاول النصب عليه؟ هذه تستحق 5 قطع فضية على الأقل! كدتُ أموت وأنا أحصل عليها، أطالب بأربع!"

حدّق إليّ بلا مبلاة، كأنني ذبابة تزعجه.

"حتى لو كان احتيالًا، ماذا ستفعل؟ ثم… من يهتم إن كنت متّ أم لا؟ خذ أموالك قبل أن أغيّر رأيي."

لم أتوقع أكثر. كنت فقط أختبر حظي...

في هذا المكان، إما أن تأخذ ما يُعطى لك… أو تصبح البضاعة التالية المعروضة للبيع.

سمعت أن بعض العصابات تخطف الأطفال لبيعهم في… لا بأس، لا يهم.

---

نهضت، رميت له إحدى العملات مجددًا، ونظرت إليه بجدية.

"هل هناك أي أخبار أو فرصة للدخول إلى ثيفرا؟"

تردد. نظر إليّ بريبة. عندما رأى الجدية في عيني، زفر وقال:

"في الحقيقة… هناك طريقة. لكن لا أنصحك بالمخاطرة."

"لا مشكلة. فقط تحدث."

كان صوتي باردًا، عزمي أقسى من الفولاذ. الهروب من هذا الجحيم هو الأولوية، لا يهم إن كان الدخول يتطلب القتل، التسلل، أو تزوير هوية.

نظر إليّ، رأى الحماسة في عيني، وأدرك أن نصيحته لا قيمة لها.

"وصلني عرض من المرتزقة، يحتاجون إلى خمسة عشر شخصًا من الضواحي للقتال في غارة بعيدة."

أخرج ورقة مهترئة من جيبه الأيسر، ورماها أمامي.

"اقرأ بنفسك. كل التفاصيل هنا."

أخذت الورقة، قرأتها بعناية. عرض تجنيد لخمسة عشر شخصًا، لقاء الطعام، الشراب، والأهم... تذكرة دخول إلى ثيفرا.

الصفقة مغرية. أكثر من كافية لجذب كل جائعٍ يائس في هذه الخرابة. لكن بالنسبة لي؟ لم يكن الطعام يهم. المدينة فقط هي هدفي.

ثم فكرة لبرهة...

'لم يذكروا الوجهة المحددة، ولا مدة المهمة، ولا نوع الوحوش التي يجب قتالها. المرتزقة لا يحتاجون جرذان الأزقة في غاراتهم. فلماذا يطلبون هذا العدد بالتحديد؟'

الإجابة واضحة: طُعم.

ابتلعت أفكاري بصمت. كان العرض أشبه بفخ واضح، أو صفقة محكومة بالخيانة.

تنهدت بعمق، ثم تساءلت:

هل أذهب؟ أم أنتظر فرصة أخرى؟

الأمان؟ أم المجد؟

كان من الواضح أنه فخ، لكنه كان الخيار الوحيد المتاح. وإن ضيّعت الفرصة الآن، فقد لا تتكرر مجددًا.

رفعت رأسي بحزم، فقد اتخذت قراري.

"سأذهب."

عندما سمع سيراكلوف إجابتي، بدا عليه عبوس طفيف، لكنه سرعان ما تنهد في أعماقه، متمنيًا لي التوفيق رغم قلقه.

قال بصوت هادئ: "آمل ألا نندم على قرارك... هل تحتاج إلى شيء آخر؟ اعتبره معروفًا صغيرا مني."

ابتسمت بسخرية وأجبته: "تتحدث وكأنني هالك لا محالة. أما عن كرمك، فهل يمكنك أن توصي لي بأحد يمكنه تزويدي ببعض المعدات؟"

لم يرد بكلمة، بل التقط قلمًا وسحب ورقة مهترئة، ثم خربش عليها شيئًا بسرعة.

"خذ... والآن اغرب عن وجهي."

أخذت الورقة دون تعليق، وقبل أن أغادر، دوّى صوته العجوز خلفي:

"كن حذرًا!"

رفعت يدي بإشارة تدل على أنني سمعته، ثم واصلت طريقي.

رفع هوب بصره إلى السماء الملبدة بالغيوم، أفكاره تتخبط في فوضى لا مفر منها.

والآن… ماذا بعد؟

منذ بدأت تلك الأحلام الغريبة، فقد شيئًا أساسيًا—هويته. كان الأمر أشبه بانصهار عالمين داخل ذهنه، ماضيه وحاضره يتداخلان بطريقة عبثية.

من أنا؟ هل أنا هوب… أم زيلين؟

تلك الذكريات لم تكن مجرد أوهام عابرة، بل كانت شيئًا أعمق، شيئًا… حقيقيًا. كأنها طبقة أخرى من وعيه، جزء من كيان كان قد نسيه، أو ربما لم يكن له وجود في المقام الأول.

لكن هناك دليل واحد لا يقبل الجدل. شيء ظهر مباشرة بعد تلك الأحلام—الرقاقة.

وعلى ذكرها—

"أيها النظام، من الآن فصاعدًا، سيكون اسمك آدم."

تردد صوت بارد داخل عقله، نغمة ثابتة لا تخلو من الاصطناع:

[تم تغيير الاسم إلى "آدم". هل هناك شيء يمكنني مساعدتك به، أيها المضيف؟]

أخذ نفسًا عميقًا، مستجمعًا شتات أفكاره. ثم سأل، كما فعل عشرات المرات من قبل:

"من أنت؟ كيف دخلت إلى عقلي؟ وهل لك علاقة بذلك الحلم الغريب؟"

جاء الرد بنفس الهدوء، بلا تردد أو تفاعل:

[أنا مجرد ذكاء اصطناعي، النموذج 001. تم إنشائي وتصميمي لمساعدة المضيف في احتياجاته. يمكنك اعتباري كمبيوترًا متطورًا داخل عقلك، لكنني أكثر تقدمًا بمئة مرة من أي كمبيوتر عادي.]

[أما عن كيفية دخولي إلى عقلك، فذلك لأنك زرعتني بنفسك.]

[أما بخصوص الأحلام التي تراودك، فلا أملك أي بيانات عنها، ولا أرى لها أي علاقة بي.]

نفس الإجابة. نفس التناقض العالق في ذهنه كشوكة لا يمكن انتزاعها.

"زرعتني بنفسك"؟

هذا مستحيل. لم يكن هناك أي ذكر في ذكرياته—سواء في هذا العالم أو الآخر—عن رقاقة كهذه. لا تقنية، لا معلومات، لا أدنى تلميح. وإن كان العالم الآخر متقدمًا كما يتذكر، فكيف لم يسمع عن شيء مماثل من قبل؟

طرد تلك الأفكار. الآن، ليس الوقت مناسبًا للشكوك الوجودية. هناك هدف واحد عليه التركيز عليه—الدخول إلى مدينة ثيفرا.

---

ثيفرا.

ذلك الاسم الذي همس به كل مهمّشٍ في الضواحي، الحلم الذي تعلّق به الجياع واليائسون. أملٌ هشّ، يتأرجح بين الواقع والوهم.

لكنها كانت حقيقية.

من أي زاوية نظرت، بدت كمعجزةٍ تتحدى قوانين الطبيعة. أسوارها الشاهقة تفصلها عن العالم الخارجي، عن المستنقع الذي تعفّن خارجه، حيث يختبئ الجوع والموت في كل زاوية.

لكن خلف تلك الجدران؟

كانت تنبض حضارة غامضة.

مدينة من الفولاذ والزجاج، تعكس أشعة الشمس ببريقٍ بارد، كسراب لا يمكن لمسه. وفي قلبها… ذلك الهيكل العملاق—نصفه ناطحة سحاب تخترق الغيوم، ونصفه الآخر جبلٌ متحجّر، كأن كائنًا أسطوريًا حاول النهوض فتجمّد في مكانه.

كان ذلك المكان… ملاذًا.

لكن في النهاية، لم تكن سوى مدينة.

هناك قارات أخرى، دول أخرى، عوالم لم يسمع عنها

أحد هنا.

وهوب؟

عندما اندمجت ذكرياته، عندما بدأ يرى العالم من منظور مختلف، أدرك شيئًا واحدًا—كم كان صغيرًا. كم كانت رؤيته محدودة.

لكن الآن؟

لقد خطا أولى خطواته نحو المجهول.

نحو المجد… أو الهاوية.

الأيام وحدها ستكشف الحقيقة.

----

(رسالة المؤلف)

هذه الرواية مؤلفة لقد أخطأت تصنيفها على انها مترجمة. هل من حل؟

هل هناك أي ملاحظة عن الفصل.

2025/03/28 · 5 مشاهدة · 1323 كلمة
shadow
نادي الروايات - 2025