سَرْسَرَة!
من بين شقوق الصخور، ظهر جسم طويل وزحف نحو الأمام. كان هذا الجسم المتلوِّي هو ثعبان، لكنه لم يكن ثعبانًا عاديًا كما نعرفه.
الثعبان الذي كان يزحف على الأرض بلسانه الطويل المتلوِّي لم يكن لديه عيون ولا آذان. ومع ذلك، كان يتحرك بمهارة في الظلام، يعرف طريقه جيدًا.
كان يتجنب الصخور ويمر فوق الحفر. هكذا استمر الثعبان في زحفه نحو هدفه.
كان هدفه هو شق صغير في الصخرة على الجانب الآخر. وضع الثعبان رأسه في الشق وبدأ في إدخال جسمه الطويل.
بينما كان الثعبان يجذب جسمه للحصول على دفع إضافي، فجأة، تم ضغط جسده بقوة هائلة تحت رأسه مباشرة. في تلك اللحظة، رفع الثعبان رأسه بدهشة.
كركر!
مع صوت مروع، تم تمزيق رأس الثعبان بالكامل. جسد الثعبان الذي فقد رأسه بشكل مفاجئ بدأ يهتز بشكل جنوني. لكن اليد القوية التي كانت تمسك بجسده لم تتحرك.
كَرْكَرَة! كَرْكَرَة!
في الظلام، كان هناك شخص ما يمضغ رأس الثعبان.
كان الرجل مختبئًا بشعره المتشابك الذي يغطي وجهه ولحيته الطويلة التي تصل إلى صدره، مما جعل ملامح وجهه غير واضحة.
كان الرجل عاريًا تمامًا. ربما بسبب عدم تعرضه للشمس لفترة طويلة، كانت بشرته شاحبة للغاية.
لكن على عكس بشرته البيضاء، كان جسده قويًا بشكل استثنائي. عضلاته المتطورة بدت كأنها أسلاك ملتفة بإحكام، وعظامه البارزة كانت تشبه المطارق الحديدية.
بينما كان يمضغ الثعبان، كانت عضلات جسده تتلوَّى بشكل مذهل. كان يشعر بقوة هائلة تنبعث من حركات عضلاته.
قضى الرجل نصف ساعة تقريبًا في تناول الثعبان بالكامل، من الرأس إلى الذيل، دون ترك أي جزء، حتى العظام والقشور.
نهض الرجل بعد أن مسح فمه من بقايا الثعبان. عندها، كانت عيناه تلمعان في الظلام.
مثل وحش يترصد فريسته في الظلام، كانت حدقتا الرجل مفتوحتين على مصراعيهما، قادرة على التقاط أي ضوء حتى لو كان ضئيلاً.
بدأ الرجل يمشي.
كانت خطواته مميزة للغاية.
دَوِي! سَرْسَرَة! دَوِي! سَرْسَرَة!
كانت قدمه اليمنى تضرب الأرض بينما تتبعها اليسرى بسلاسة. هذا النمط الفريد في المشي جعل خطواته تبدو غريبة.
ترك الرجل الكهف الضيق ووصل إلى فضاء جوفي واسع. كان الكهف كبيرًا بما يكفي لعيش مئات الأشخاص. كانت هناك عدة جواهر "يا مينغ جو" مضيئة في السقف.
مرر الرجل يده عبر شعره، كاشفًا عن وجهه الشاحب. كانت عيناه السوداوان وشفتاه المغلقتان بإحكام تعطي انطباعًا قويًا عنه. كان هذا الرجل هو "دام هو".
كان لا يزال على قيد الحياة في "تشن جينغ ما أوك"، لكن بملامح أكثر خشونة وصمت.
لم يكن يعرف كم من الوقت مضى. ربما كانت سنوات، وربما أكثر.
ظن "دام هو" أنه قد مضى على الأقل خمس سنوات، حيث توقف جسده عن النمو.
كان توقف النمو دليلاً على أنه أصبح بالغًا. لكنه لم يكن يعرف عمره بالضبط.
توجهت أنظار "دام هو" نحو جانب من الفضاء الجوفي. رغم مرور الزمن، كانت كميات هائلة من الأتربة والصخور الضخمة لا تزال تسد المدخل.
تجاوز "دام هو" الصخور والأتربة واتجه نحو الجهة المقابلة. كان هناك أيضًا كهف صغير.
دخل "دام هو" الكهف دون تردد.
كان الكهف ضيقًا ومظلمًا للغاية. لكن الظلام لم يكن له أي تأثير على "دام هو".
كان يعرف الطريق جيدًا، حيث عبر هذا الطريق مئات، إن لم يكن آلاف المرات. كان يتذكر كل حجر يتدحرج على الأرض وكل نتوء على السقف.
كان الكهف متعرجًا ويمتد بلا نهاية. استمر "دام هو" في السير بصبر.
بعد مدة من الزمن، وصل أخيرًا إلى هدفه.
كانت مساحة صغيرة بحجم غرفتين. كان هناك رف كتب مصنوع من الحجر يحتوي على حوالي عشرين كتابًا.
فتح "دام هو" صندوقًا قديمًا بجانب الرف الحجري. أضاء الضوء الخافت. داخل الصندوق، كانت هناك جوهرة "يا مينغ جو" بحجم قبضة الطفل.
أخذ "دام هو" الجوهرة في يده وأمسك بأحد الكتب من الرف الحجري. تحت الضوء الخافت، برز عنوان الكتاب.
"ثلاثية الفنون القتالية".
كان الكتاب قديمًا ومهترئًا.
قلب "دام هو" صفحات الكتاب بسرعة. لم يكن يتذكر عدد المرات التي قرأ فيها هذا الكتاب. ربما مئات، وربما آلاف المرات. كان يعرف كل شيء عن هذا الكتاب.
كان المكان الذي يوجد فيه يسمى "مانماكو".
كان في السابق سجنًا لأعداء الطائفة الشيطانية. لكن بعد دخول محاربي الطائفة إلى "تشن جينغ ما أوك"، أصبح مكانًا لتخزين كتب الفنون القتالية.
قبل أن يصل "دام هو"، كان هناك مئات الكتب القتالية. لكن عندما غادر محاربو الطائفة، أخذوا معظمها.
ما تركوه كان يُعتبر غير مهم.
من بين هذه الكتب، كان هناك كتب مثل "ثلاثية الفنون القتالية"، "ركلة الشيطان"، و"قبضة الضغط العريض".
في البداية، لم يستطع "دام هو" أن يصدق حظه عندما وجد هذه الكتب.
كان الوقت يمر ببطء شديد في هذا المكان. كان اليوم يبدو وكأنه عشرة أيام.
كان "دام هو" سعيدًا بوجود شيء ليقرأه ويمضي به وقته. منذ ذلك الحين، كان يزور "مانماكو" ويقرأ الكتب كلما سمحت له الفرصة.
قرأ وقرأ.
في النهاية، حفظ الكتب عن ظهر قلب، ثم بدأ في البحث عن معاني خفية فيها. كانت هذه الكتب جزءًا من كيانه.
لكن "دام هو" بدأ في قراءة "ثلاثية الفنون القتالية" والكتب الأخرى مجددًا.
في الظلام، كانت عيون "دام هو" مفتوحة على مصراعيها.
بعد فترة طويلة، خرج "دام هو" من "مانماكو".
هذه المرة، اتجه نحو كهف أضيق وأكثر رطوبة من "مانماكو".
كان الكهف ضيقًا جدًا ومظلماً، وكان الهواء يهب من الجانب الآخر.
كان الهواء باردًا وقويًا، وكأنه همسات الشياطين، يجتاح جسد "دام هو" العاري.
عندما وصل إلى نهاية الكهف، كانت هناك قطع من الصخور المكسورة متناثرة في كل مكان. كانت هذه الصخور محطمة بفعل قوة بشرية.
كان "دام هو" هو من حطمها.
تذكر "دام هو" ذلك اليوم الذي اكتشف فيه المكان.
كان قد نفدت حبوب "بيك جوك دان" وكان جائعًا لأيام.
في ذلك الوقت، كان جائعًا لدرجة الجنون. كان يعتقد أنه سيموت. كان جائعًا لدرجة أنه كان على استعداد لأكل ذراعه إذا استطاع.
كان عليه أن يجد شيئًا ليأكله.
أكل الطحالب التي تنمو على الجدران. بهذا، استطاع بالكاد البقاء على قيد الحياة وهو يبحث بشكل يائس عن طعام.
في نهاية هذا البحث اليائس، وجد هذا المكان. شعر بالهواء يتسلل من خلال شق في الصخرة. كان هناك فراغ خلف الصخور.
حطم "دام هو" الصخور ووجد مساحة جديدة. كانت تلك المساحة أمامه الآن.
كانت مساحة واسعة بحجم عشر غرف تقريبًا. كانت مليئة بالماء.
لم يكن مجرد بركة صغيرة من الماء من تقطير الصواعد، بل كان مكانًا تتدفق فيه المياه.
لاحظ "دام هو" السمك المتوهج في البركة.
كان السمك شفافًا لدرجة أن عظامه كانت واضحة، وكانت العظام تتوهج بشكل غريب. لو لم يرها بنفسه، لما صدق ذلك.
قفز "دام هو" في البركة.
كان الماء باردًا لدرجة أن عظامه كانت ترتجف. كان الألم شديدًا وكان قلبه ينبض بجنون.
لكن "دام هو" تحمَّل الألم وبدأ يسبح في الماء. تفرق السمك المتوهج بسرعة، لكن لم يستطع الهروب من يد "دام هو".
بعد وقت قصير، خرج "دام هو" من البركة، يحمل سمكة في يده.
بدأت السمكة تتلوى في يده. بدأ "دام هو" يأكل السمكة. لم يكن هناك شيء لإشعال النار، لذا كان عليه أن يأكلها نيئة.
كان "دام هو" ممتنًا لأنه يمكنه على الأقل أن يأكل شيئًا.
أكل السمكة بالكامل، باستثناء الرأس. كان ينظر إلى رأس السمكة بشيء من الأسى.
لم يكن يعرف منذ متى تعيش هذه الأسماك هنا أو كيف وصلت إلى هنا. لكن المهم هو أن السمك تطور ليعيش في هذا المكان.
ألقى "دام هو" رأس السمكة على جانب البركة وانتظر بصبر.
بعد لحظات قليلة.
سَرْسَرَة!
سمع "دام هو" صوتًا خافتًا، ورأى حشرة تزحف من بين الصخور.
كانت حشرة غريبة تشبه الخنفساء، لكنها كانت تتوهج مثل السمك.
بدأت الحشرة تأكل رأس السمكة.
كَرْكَرَة! كَرْكَرَة!
في هذا المكان المغلق، كان الصوت يتضخم بشكل كبير.
جلس "دام هو" على ركبتيه يراقب الحشرة. كانت الحشرة منشغلة بالأكل ولم تهتم بوجوده.
عندما أكلت الحشرة جزءًا من رأس السمكة، ظهرت حشرة أخرى من بين الصخور.
ابتسم "دام هو" قليلاً.
كانت الحشرة الثانية جندبًا، وكانت تتوهج مثل الخنفساء.
كان الجندب نوعًا آخر من الحشرات المتكيفة مع الظلام. نظر الجندب إلى الخنفساء بنظرة حذرة.
راقب "دام هو" بتشوق تفاعل الخنفساء والجندب.
في هذا الفضاء الجوفي، كانت الحشرات والأسماك تتطور لتبقى على قيد الحياة. كانت الحشرات تأتي هنا رغم علمها بخطر الأسماك المتوهجة.
إذا ماتت السمكة، تصبح غذاءً للحشرات. كانت المنافسة بين الحشرات شديدة بسبب نقص الغذاء.
لكن المعركة بين الخنفساء والجندب كانت الأكثر إثارة لاهتمام "دام هو".
هاجم الجندب الخنفساء بأرجله الأمامية التي تشبه المناجل. كانت حركاته حادة مثل مقاتل محترف.
في لحظة، مالت الخنفساء بجسمها، فتجنب الجندب الضربة. تمايل الجندب تحت تأثير الهجوم الفاشل.
ثم دفعت الخنفساء الجندب بجسمها الثقيل.
رفرفت أجنحة الجندب ليبتعد عن الخنفساء.
تبع ذلك مواجهة جديدة وهجوم آخر.
هذه المرة، كانت الضربة أكثر تعقيدًا.
رفرفت الخنفساء بأجنحتها بسرعة كبيرة، مما أدى إلى إبعاد هجوم الجندب.
كانت عيون "دام هو" تلمع في الظلام.
"أقوى درع..."