1 - الطوفان الأول

{ الطوفان: هو فيضان عظيم ، سَيْل مُغْرِق، ماء غالب يغشى كلّ شيء. }


♦♦♦♦




أحد اليالي المقمرة - وسط المحيط


سارت و الخوف يحيطها في اروقة تلك السفينة الضخمة، لم ينتبه لاختفائها الكثير فالجميع كان يحتفل راقصا في القاعة السفلية، رغم ذلك كانت خائفة من ان يراها احدهم، تشعر بالقرف من نفسها، و تود فقط لو تنتهي!

ما ذلك اليوم المشؤوم الذي قررت فيه العمل على متن تلك السفينة؟!

ضربت رأسها بالجدار المعدني مراراً و تكرارا تلعن نفسها على غبائها، تحاول التفكير في حل، و لكن من ذلك الشخص الذي سينقذها عداه؟ استنشقت بعمق محاولة السيطرة على جسدها و من ثم و بأصابع مرتجفة ادخلت الرقم متصلة على ذلك الرقم المميز.

انبثقت الرنة الأولى من سماعة الهاتف... فالثانية...
و مع كل رنة يتثابط نبضها مع وهيج شعلة املها الضئيلة و لكنه و اخيراً في الثالثة اجاب.

- آلو.

بدأت التحدث معه، و هناك في اعماق قلبها كانت تعرف بان الكارثة ستقع الليلة، و انها سترحل مع ركب المختفين المئة و واحد و سبعين، و ان لا احد سوف يتمكن من ايجادها، لقد انتهت فإلى أين ستهرب في عرض المحيط؟!.

♦♦♦♦


السبت 29 يوليو - 8:15

- هذه هي كل المعلومات التي تمكنت من الحصول عليها. اخبر الرجل الاربعيني العشرينية التي تجلس امامه بينما يمد اليها ملفا ازرق عبر الطاولة.

- يوجد بها ايضا عنوانها صحيح؟. سألته بينما تتفحص الملف بلهفة بينما سحب نفسا طويلاً من سيجارته محاولا اخفاء ضيقه فهذه المرة العاشرة التي تعيد عليه نفس السؤال.

- نعم، مبارك لك أنسة كاثرين ستتمكنين الان من مقابلة شقيقتك بعد كل تلك السنوات.

- اتحرق شوقاً للقائها، سيد كروز أتعتقد بأنها ستقبلني؟. سالت و قلب كروز عينيه داخلياً متعجبا من قصة الشباب مع التفكير الكثير ، ما سيحدث سيحدث سواء فكرت فيه و اخذت تتامل ام لم تفعل، فما فائدة بذل كل تلك الطاقة على القلق؟

- سؤال كهذا لست انا الذي يجيب عليه. اخبرها بينما ينفث الدخان من فمه بكل برود لتحدق به بخيبة، فهو رجل بارد كما الجليد فعلا.

- ممل و رسمي كعادتك، حسنا تفضل في هذا الظرف توجد كل مستحقاتك. اخبرته بينما تخرج ظرف ابيض من حقيبتها لتمده نحوه بينما تنهض لينهض الاخير بينما يفتحه و يتفحص محتوياته

- بالتوفيق سيدة كاثرين، سررت بالتعامل معك. اخبرها و هو يمد يده لمصافحتها

- شكراً جزيلا، و السرور متبادل. اجابته بينا تصافحه بدورها قبل ان تغادر.

بقلب مضطرب النبض خرجت من مكتب المحقق كروز كيرت ، الذي ذهبت اليه فور جمعها للمبلغ كبير الذي طلبه منها من اجل ان يجد لها شقيقتها الصغرى، و التي انفصلت عنها منذ فترة الطفولة في دار للأيتام.

حسب ما اخبرها كروز، فشقيقتها الان تدرس في جامعة عريقة و تعيش مع والديها الذين تبنياها، و هي الان و من اجل زيادة دخلها تعمل في عدد من الأعمال الجزئية.

"مثلي" تمتمت بشيء من السعادة لانها تتشارك مع شقيقتها في موضوع الاعمال الجزئية، على الاقل هناك شيء متشابه بينهما.

توقفت لتطالع الملف الذي احتوى معلومات شقيقتها الكاملة بابتسامة متحمسة، خيالها يصول و يجول في راسها مصوراً لها اكثر من سيناريو مختلف عن لقائهما، ترى هل ستتقبلها؟ أصلاً هل ستتذكرها ؟ هي لا تدري، و لكنها تتامل ذلك فهي و منذ الطفولة تكفلت بحماية شقيقتها، كانت بمثابة البطلة الخارقة لها؛ لم تكن تشعرها بفقدان والديهما مطلقا، و لكنها اجبرت على التخلي عنها، من اجل ان تحظى بحياة افضل من حياة الميتم.

و لحسن الحظ شقيقتها الان تعيش حياتها جيداً مع عائلتها الجديدة.

بعد وضع الملف في حقيبتها دلفت الى المقهى الذي تعمل فيه، بينما انشغلت يديها بعقد شعرها على شكل ذيل الفرس.

- صباح الخير كاثرين. حدثها الشاب القوقازي الذي كان يقوم بمسح الارضيات بابتسامة بشوشة

- صباح الخير جوي. أجابته بابتسامة بينما تتوجه إلى غرفة الاستراحة حيث خزانتها

- يبدوا بانك في مزاج جيد، هل وجدت المعلومات التي كنت تبحثين عنها؟.

- أجل، لقد وجد لي عنوانها، و ساذهب اليها بعدما انهي عملي.

- تهاني، اخيرا انتهى بحثك و سوف تجتمعين بشقيقتك.

- أجل اعلم، أنا متحمسة جدا جوي.

- لا تقلقي ستحدث الامور الجيدة اذا ما فكرتي بها دوماً. أخبرها بينما يعيد تعبئة عبوة اكياس السكر الصغيرة على الطاولة التي امامه

- حسنا اذا ماذا عنك؟ اخبرتني بانك ستذهب لمقابلة عمل اليوم.

تنهد جوي بأسى بينما يراقبها تتخذ مكانها خلف طاولة الحساب بعدما ارتدت مريلتها و ثبتت الدبوس الذهبي الذي نقشت عليه احرف اسمها

- للاسف، يحتاجون صحفي ذو خبرة، و لكن كيف ساحصل عليها ان لم يوظفني احدهم؟!.

- موضوع العمل في قسم الجرائم صعب كما تعلم، لكن لا تقلق مؤكد ستجد صحيفة تقدر موهبتك .

اخبرته بابتسامة مشجعة فبادلها الابتسامة ليرن بعدها الجرس المعلق اعلى باب المقهى معلنا عن دخول الزبون الأول.


♦♦♦♦


نفس اليوم الساعة 1:25


أسرعت بعد تبديل ثيابها صوب محطة القطارات لتتوجه صوب المنطقة التي تعيش فيها شقيقتها مع عائلتها الثانية، و التوتر كان رفيقها طوال تلك الرحلة القصيرة، فماذا لو لم تتقبلها شقيقتها كاتي؟

ما الذي ستفعله؟ هي بالتأكيد ستموت بسبب ذلك، لان كاتي كانت دائما السبب الوحيد لاستمرار كاثرين على قيد الحياة، هي تحبها كثيرا جداً لدرجة انها تشك احيانا ما اذا كانت هي والدتها؛ حتى ان كاتي في طفولتها كانت تناديها بأمي .

بعد ربع ساعة بعد وصول القطار بها الى المحطة توجهت مباشرة لاقرب سيارة اجرى متوجهة صوب حي "سفن سيستر" حيث يوجد المنزل رقم 302 منزل عائلة روجرز الذين تبنوها.

توقفت في اخر الطريق تطالع الى المنازل المتوزعة هنا و هناك بشكل متقابل، المكان قارس البرودة في هذه المنطقة التي يفترض أن تكون هادئة.

و لكن لما سيارات الشرطة تملاء الطريق؟

تأملت ارقام المنازل 299، 300، 301، 302!

لما سيارات الشرطة تقف امام منزل عائلة شقيقتها؟!

- كلا! أبنتي كاتي لن تفعلها!.

لماذا تصرخ تلك المرأة باسم شقيقتها؟

باقدام تشعرها و كانها عيدان من المعكرونة المسلوقة، تقدمت كاثرين ببطء صوب مكان تجمهر العديد من الناس.

تسمع همساتهم لكنها لا تكاد تصدق ما يقولونه

"كاتي اقدمت على الإنتحار!"

"ألقت بنفسها في عرض المحيط"

"لم يكن يبدوا بانها تواجه اي مشاكل"

"كيف تفعل ذلك بوالديها!"

- مستحيل..

همست كاثرين بغير تصديق، ما الذي سيجعل كاتي تقدم على الإنتحار؟!

نظرت صوب تلك السيدة الأربعينية التي كانت منهارة من البكاء بوجه محمر و محتقن و زوجها الذي كان يحاول الشد من ازرها رغم مجاهدته الصعبة لنفسه على الوقوف بسبب ساقه الواحدة.

رجال الشرطة الذين كانوا يسيرون نحو سياراتهم حاملين اغراض شقيقتها في صناديق من كرتون كتب عليه كلمة "أدلة" بخط اسود عريض.

و كان الارض قد مادت تحت ساقيها، و كان السماء تشققت و هوت فوق رأسها، دار عالمها بها و اغروقت عينيها بالدموع.

لا يعقل ما يحدث حولها!

كان من المفترض أن تقابل شقيقتها اليوم و تعيش ايامها المتبقية بسعادة معها، ان تراها تكبر بسعادة و تتزوج، ان تربي معها اولادها، ان تحتضنها على الأقل..

هوت الى الأرض كما هوت احلامها الى وادٍ سحيق أحاطتها الظلمات، و تلاشى الضوء الوحيد من حياتها.

نعم لقد ضربها الطوفان الأول


❃❃❃❃


{هل حاز هذا الفصل على اعجابك؟ إن فعل ما رأيك بالتصويت و اضافة تعليق لطيف لدعم القصة
ما النقاط التي اعجبتك و ما النقاط التي تحتاج إلى تعديل؟
كل تعليق مهم حتى و ان كان ناقد فهو مهم}


2017/10/22 · 388 مشاهدة · 1129 كلمة
Jska12
نادي الروايات - 2024