4 - الطوفان الرابع

{حطم جدار الموت يا طوفان نوح، و اغسل تراب الأرض واكتسح الحدود، و اكسر حديد السجن للقمر الحزين و اقلب جذور العالمين؛ أنت الكساح و الكفاح الغضب و الإجتياح، انت البداية و النهاية الموت و النجاة}


♦♦♦♦


منتصف الليل - منزل كاثرين

مستلقية على فراشها تتأمل سقف غرفتها المتشقق بهدوء، الصمت كان و ما يزال رفيقها الأزلي تعد دقات الساعة التي تزامنت مع نبضات قلبها بينما تقلب ذهنيا كلام جوي عندما كانا في المقهى، شعرت و كأنها في فلم بوليسي، كل شيء متشابك و معقد لدرجة جنونية، كانت في الحقيقة ترى الأمر بسيط و لكنه الآن يبدوا لها أصعب من أصعب شيء، و كأن الطوفان كان طوال الوقت عليها و ليس العكس، و مثل مقتطفات شريط سينمائي بدأت ذاكرتها تعيد عليها حوارها معه في المقهى..

- الأمر أكبر مما كنا نتصور، أيا كان متورطا في القضية فإنه قادر على التحكم بالشرطة في الدول الأخرى حتى!.

كلام جوي أدهش كل شعره على بدنها، لدرجة أجبرتها على تغيير وضعية جلوسها، وجهه لم يكن يحمل اي تعبير يمكنها فهمه لذلك إزدردت ريقها الذي جف فجأة و سألته بوجه هلع :

- ما الذي تقصده؟.

فورما سألته تلفت حوله بقلق خشية أن يستمع أحدهم إليه و بعدها وجد الكل منشغلا بنفسه تنهد ليبدأ الحديث :

- حسب ما عرفته من عائلتها، كاتي كانت تتحدث معهم مرة كل أسبوع و لكن فجأة في الأسابيع الأخيرة قبل 'إنتحارها' كما يزعمون كان يبدوا عليها القلق و الخوف طوال الوقت، حتى ان والدتها قالت أنها اتصلت عليها لتخبرها بأنها يجب أن تقول لها شيء ما قريباً و لكن ذلك القريب لم يأتي لأن كاثرين بعدها بيوم إختفت.

- شيء؟ ما كان ذلك الشيء الخطير الذي قلب حالها؟!. سألته و أنقطعت أنفاسها في إنتظار إجابته ليتمتم بحذر :

- تماما هذا هو السؤال! ما كان ذلك الشيء الذي جعل الشركة تصر على أنها قد إنتحرت؟ خصوصاً و انهم قالوا بانهم لاحظوا اختفاء كاتي في الساعة الثالثة ليلاً و شنوا حملات بحث عنها في السفينة، الا ان بعض الركاب قالوا بانهم لم يكونوا على علم باختفاء احد افراد الطاقم سوى عندما رست السفينة في الميناء، كذلك هناك بعض الأشخاص يقولون بانهم قد شاهدوها تسير في اروقة السفينة حوالي الساعة الخامسة والنصف الامر الذي يؤكد بانها لم تختفي في الثالثة، و كذلك اختفت اغراضها باكملها و لم يتبقى من ثيابها سوى بنطال ممزق و خف.

صمت ثقيل حطت غربانه فوق رأسيهما، رفع جوي نظره عن الطاولة الخشبية نحو كاثرين ليجدها كطير ارتطم رأسه بالزجاج ثم تناولته أيد بشرية فجلس رابضا مذعورا غير قادر على الحركة املا في انقاذ نفسه بعدم حركته، شعر بالقلق على صديقته فهذه هي أول مرة يرى الإنكسار في عينيها، و لكنها لم تكن لتسمح لذلك المرض بالتفشي بين ثنايا روحها أبداً، لذلك و بحركة سريعة هزت رأسها لتنفضه و قالت بهدوء أرعبها كما أرعبه.

- حسنا فهمت، و لكنك كنت تتحدث عن حكومات و دول؟!.

رفعت حاجبها الأيسر بستنكار و هز رأسه بينما تسللت يده إلى كوب المياه ليتجرع نصفه ثم يقول :

- ذلك لأنني عرفت بأن السفينة محجوزة حتى هذه اللحظة على السواحل المكسيكية حيث رفضت الحكومة تفتيش السفينة او التحقيق باي شيء و ذلك بسبب أن ملكية السفينة تعود إلى الحكومة الإنجليزية و بذلك يسقط عنهم حق التدخل، و حتى تأتي السفن من إنجلترا سيأخذ ذلك ما يقارب الأسبوع، عندها سيكون إي إحتمال لبقاء أي أدلة شبه مستحيل.

ها هو أول باب يصفع أمام وجهها و لكن لا باس ستحطمه و ستدخل ستفعل مهما كانت العواقب.

تنهدت بينما أخذت أصابعها النحيلة ترسم أشكالا وهمية على الطاولة لتحكي لجوي عن ما حدث لها مع المحقق و المبلغ الضخم الذي طلبه منها لينبهها الأخير على أمر غريب ذكره المحقق.

- دون ان نحتسب كاتي هناك مئة و واحد و سبعون حالة إختفاء و مع احتسابها هناك مئة و إثنان و سبعون حالة، و حسب كلامك هو قد قال مئة و ثلاث و سبعون حالة إختفاء!!.

توسعت حدقتا عينيها الزرقاوتين في دهشة صادمة و سرعان ما عقدت حاجبيها متفكرة، كيف ذلك؟ هل هناك حالة لم يسمع بها احد من قبل؟، حالة غامضة و الوحيد الذي يعرف بأمرها هو المحقق الذي لا تملك المال الذي طلبه!.

مررت كفها على سائر وجهها المتجهم بينما إشغلت في التفكير بحل ما ليقاطع جوي حلقة تفكيرها المفرغة قائلاً :

- لقد ترك لي والداي قطعة أرض بعيدة، لو قمت ببيعها سوف أحصل على ذلك المبلغ و زيادة، عندها يمكنك أن تدفعي للمحقق.

- كلا! تلك الأرض هي أخر ما تبقى لك من أرثك المسلوب لن أدعك تضيعه. بصرامة أخبرته و قهقه بخفة ليرد بجدية مباغتة :

- و حياة أخر من تبقى لك من دمك في خطر كاث!.

حينها فجأة و بشكل غير متوقع و نادر خطرت ببالها فكرة مجنونة، فكرة قد تضعهما في السجن و لكن لا ضير في المحاولة، و توقعت رفض جوي تلك الفكرة جملة و تفصيلا و لأجل ذلك أخبرته بانها ستحضر المال بطريقتها الخاصة و من ثم غادرت بعد أن أتفقا على الذهاب إلى مكتب المحقق مع خيط الفجر الأول.

الآن ها هي ذا مستلقية تنتظر تسلل أشعة الشمس الدافئة بين جدران غرفتها البادرة و من طرف عينيها تلمح تلك الحقيبة المفتوحة التي كانت تربض ساكنة مكانها بصمت، مليئة بنقود نقود لا يعرف أحد سواها من أين جاءت.

♦♦♦♦


الساعة 4:15 فجراً - أمام بناية مكتب المحقق

سيارات رجال الشرطة في كل مكان و الشريط الأصفر الذي يحيط بالبناء الذي يتواجد به مكتب المحقق كروز كيرت يخبرك بصمت عن الذي حدث، تفجير داخل المكتب اودى بحياة محقق في أواخر الأربعين و التفاصيل غير واضحة حتى الان.

في اخر الرصيف وقف كل من جوي و كاثرين يراقبان الموقع بدهشة، تبادلا النظرات للحظات من دون تصديق و تلقائياً أعادا النظر الى تلك الحقيبة السوداء و التي كانت تحوي المال المطلوب.

- يا الهي لطفك و رحمتك!.

تمتمت كاثرين و بهلع غطت فمها و هي تراقب تلك البقايا المتفحمة التي يتم نقلها نحو عربة خاصة بينما يوتجه المحققين للدخول الى مسرح الجريمة، ليوقف جوي احدهم.

- عذرا سيدي، ما الذي حدث للتو؟.

- هل تعرف صاحب ذلك المكتب؟.

- اجل سيدي، كان يفترض أن أسلمه مبلغ من المال مقابل اتعابه.

اخرج جوي كاثرين من الموقف و اخذ يحاور المحقق دون ان يدخلها به بينما بقيت عينيها معلقة بالعربة التي يقبع بها الجثمان المتفحم.

- للأسف سيدي المحقق كروز فارق الحياة إثر انفجار في مكتبه.

- ماذا؟!، تقصد بان تلك الجثة المتفحمة...

- للاسف... تعازي الحارة لكلاكما.
اخبرهما محركا قبعته قليلاً بحركة عزاء نبيلة كادت أن تفقد كاثرين اعصابها لتلكمه لكنها اكتفت بمراقبة إبتسامته المزيفة بينما بقيت هي قابضة على يدها تناشد الصبر والسلوان، ليسير بعدها ذلك المحقق نحو مسرح الجريمة مخلفا من ورائه لوحة تراجيدية تحكي تلاشي الأمل و تحطم الأحلام و الخذلان الموجع.

- تعازينا على المعلومات المهمة.

علق جوي مشدوها و هو يمسح بيديه على وجهه في حركة توتر تلقائية بينما بقيت هي تمحلق في الفراغ الذي خلفته الشاحنة التي كانت تحمل جثمان المحقق الذي مات معه السر.

- ضاع كل شيء! احترقت المعلومات. على حين غرة إنهارت كاثرين جزعة، حائرة بين الضحك أو البكاء أو ربما الغضب، عرفت بحق بأن من قال شر البلية ما يضحك كان صادقاً، حالها كان مزريا لدرجة دفعت جوي الى استعادة رباطة جاشه لمساندتها.

- أستمعي الي لنذهب الان من هنا و لنفكر في حل ما ربما قام بإخفاء المعلومات في مكان اخر ربما ليست في المكتب.

حاول اعادة الامل اليها و نجح بالفعل اذ انها نهضت مسرعة متوجهة سيارة الاجرة التي كانت تنتظرهما في الجوار حتى أنها لم تنتبه لذلك الرجل النحيل الذي كان يسير بالقرب منهما و صدمته.

- اعُذُرني.

أخبرته متفاجئة تبعثرت خصلات شعرها لتغطي عينيها و لكن و رغم ذلك عيناه الحادة ذات اللون الفريد شدت إنتباهها، ليست هي بمفردها بل و إنتباه جوي أيضاً و ربما أي أحد قد شاهدها، أزالت شعرها من على وجهها و رأته بشكل أفضل، لم يكن يتفرد سوى بتلك النظرات الحادة و ذلك اللون الفريد في عينيه سوى ذلك كان شخصاً عادياً، نحيل بشعر أجعد قصير يتوشح السواد بالكامل.

- لا مشكلة.

ببرود أجابها بينما يحدق بها بنفس تلك النظرات الحادة المتوهجة و حمحمت هي برتباك لتلتفت و تكمل طريقها صوب السيارة بينما تبعها جوي و هو يلقي نظرة أخيرة على ذلك الشاب الغامض للذي ظل واقفاً في مكانه يحدق.

لسبب ما عندما نظر إليها مباشرة بعينه تلك شعرت بالخوف و كأنه و من خلال تلك النظرة عرف كل شيء عنها و كانه قام بسلب أغوارها في لحظات دون أن يبذل مجهوداً، إنقبضت معدتها و هي تتذكر نظرته و تنهدت برتباك بينما تتسائل ترى ما الذي كانت تخطط له للتو؟.

❃❃❃❃


{هل حاز هذا الفصل على اعجابك؟ إن فعل ما رأيك بالتصويت و اضافة تعليق لطيف لدعم القصة
ما النقاط التي اعجبتك و ما النقاط التي تحتاج إلى تعديل؟
كل تعليق مهم حتى و ان كان ناقد فهو مهم}


2017/10/22 · 338 مشاهدة · 1397 كلمة
Jska12
نادي الروايات - 2024