3 - الطوفان الثالث

{و لصرخة الطوفان شوق يؤرقنا وصخب في النفوس}


♦ ♦♦♦


الساعة 12:30 ظهراً


جلست على كرسي قبالة النافذة، تتأمل الحياة المستمرة رغم كل المصائب المتتالية.. سكينة غريبة غشيت روحها المعذبة، أخذت تفكر في حال شقيقتها الآن و هي ترمق الحركة الدائرة في الخارج لتفور دمائها مجددا.


هي تعلم جيدا بان مشكلة التحكم بالغضب التي تعاني منها قد تتسبب في كارثة، هي حتى تفكر في احراق منزل آل إدواردز و كل شركاتهم، ان عرفت بانهم المتسببين فيما حدث لكاتي.

تنهيدة عميقة حاولت معها اخراج كل قلقها و اضطراباتها لتنهض بعدها و تلتقط معطفها الأزرق الباهت من على سريرها، و بخطوات رشيقة غادرت شقتها متوجه صوب مكتب المحقق كروز، في داخلها قلق كبير من ردة فعله فهي تعرف بانه لا يهتم باي شيء، لطالما قال بان الحياة مجرد عبث و هراء مضني، هو لا يهتم حتى لو اشرقت الشمس من مغربها او سقط نيزك فوق راس اعز شخص لديه، انه رجل لا يهتم سوى بالأموال الشيء الذي لا تملكه كاثرين على الإطلاق.

لكنها ستجد طريقة لإقناعه حتى لو بالقوة، لا شيء يستحق التاني و التصرف بلطف لاجله.

♦♦♦♦


الساعة 1:00 مكتب المحقق كروز


- هل قلت لي آل إدواردز؟.


سأل كروز بدهشة و هو يعتدل في جلسته سريعاً بعد ان كان متاكئا على كرسيه المكتبي الوثير.

- نعم.

- هل جننتي يا آنسة؟! هل تعرفين من هم هؤلاء، إن دخل الفرد منهم في السنة يفوق دخل دول!.

اخبرها بجدية فالذي تتحدث عنه جنون مطلق كان احدهم يخبرك بأنه سيقف صامدا امام سَيلٍ عُبَاب.

- و ما دخل ذلك بي و بكاتي!! سيد كروز لا تقل لي بانك لم تسمع بكل حوادث الإختفاء الكثيرة تلك، قل لي اين ذهب كل اولائك التعساء؟ اليس آل إدواردز من هم وراء حوادث الإختفاء تلك!! و التي كانت ضحيتها الأخيرة شقيقتي كاتي؟ كيف اذا تتصرف و كانك لم تسمع بتلك الحوادث؟!.

- اساسا انا عدو البحار من يومي و بصراحة لا اهتم لما حدث لاي احد اختفى على متن تلك السفينة و من ضمنهم شقيقتك، لكن...

سكت قليلا ليشعل عقب سجارة اخرجه من حافظة سجائره المعدنية

- لكن ماذا؟.

سألت بفضول و هي تراقبه يبعثر الدخان عبر الهواء بأنفاسه ليبتسم بهدوء.

- حسنا لقد كانت القضايا المئة و ثلاث و سبعون مثيرة للأهتمام، لا يمكنني ان انكر بأنني قد حشرت أنفي قليلاً هنا و هناك و قد عثرت على بعض الأشياء المثيرة للأهتمام.

اخبرها و تهللت اساريرها فرحاً بعد لفظه لجملته الأخيرة و لكنه سرعان ما أحرق فرحتها و بعثرها مع رماد سيجارته قائلاً

- لكنك تعرفين، أن لكل طلب سعراً، و معلومات حصرية كهذه تتخطى حاجز الألف يورو بمراحل.

- كم تريد؟.

سالت و شعور الاختناق يحط على صدرها

- مئة ألف فقط.

قال و خيل لها لوهلة ان اللعاب يسيل من فمه

- كم قلت؟!.

بدهشة و استنكار سالته ليرفع حاجبه بغرور و يجيبها بعجرفة

- كما سمعتي يا آنسة.

تنهدت داخلياً و هي تنظر اليه بشيء من الحقد، ذلك الرجل العجوز لا يهتم حقا سوى للمال

- هل تقبل بدفعة أولى؟ .

- دفعة ماذا؟.

سأل ساخراً و اطلق ضحكة عميقة ثم اكمل متهكما.

- هل تمازحينني؟ هل ابيع لك عقار او سيارة بالتقسيط؟! إن كنتي لا تملكين المال اذا غادري و التزمي الصمت مثلك مثل أهالي الذين فقدوا من قبل شقيقتك.

- حسنا لكن أمهلني حتى المساء لأجمع لك المال.

- لديك كل الوقت، فهذا العجوز لن يذهب لمكان، فقط احضري الاموال و ستأخذين المعلومات.

اخبرها و هو يعود ليرخي ظهره مستندا على الكرسي بينما يهرش ذقنه المنبت بيده اليسرى

- فهمت.

بحنق و وجه محتقن نهضت من مقعدها تتسائل عن كيفية جمع الأموال لذلك العجوز البغيض، للحظة فكرت في أجباره على اخبارها فقط و لكنها تراجعت عن قرارها بصعوبة، ستجعل ذلك الخيار للنهاية، على كل حال هو يستحق أن يقتل حتى.

فور خروجها وقفت على الرصيف قليلا تدس يديها داخل جيوب معطفها و تراقص أفكارها المبعثرة، ما الذي ستفعله الآن؟ و من أين ستحصل على ذلك المبلغ الضخم؟ و هل ستكون كاتي بخير طوال تلك الفترة؟

كل دقيقة تضيعها هنا تنقص من احتمالية بقاء كاتي على قيد الحياة.

فور مرور سيارة الأجرى السوداء رفعت يدها مشيرة إليها و دلفت سريعا طالبة من السائق التوجه نحو فرع شركة آل إدواردز للسياحة و الرحلات البحرية الرئيسي، لم يصعب عليها معرفة المزيد من العلومات
عنهم بعدما اجرت بحثاً عن خلفيتهم في محرك قوقل الشهير، عائلة كبيرة أربعة أشقاء و عدد كبير من الأبناء و الأحفاد لا شيء مميز جدا في نشاطات العائلة، يفضلون ابقاء تفاصيل حياتهم مخفية كحال معظم الأثرياء، المعلومة الوحيدة المثيرة للاهتمام حول تلك العائلة هو أن أحدى بنات الأخ الأكبر تشارلز إدواردز شنقت نفسها بعد أن قامت بقتل زوجها في شقتها في باريس، و الى الان لم يعرف احد السبب وراء تلك الحادثة بينما لم يصدر اي تعليق او رد من عائلة ادواردز حول تلك الحادثة و كأنها لم تحدث قط.


توقفت سيارة الأجرى اما المبنى لتنزل منها و تحدق مشدوهه بتلك البناية العملاقة التي تلامس قمتها السحاب، على ما يبدوا كروز لم يكن يبالغ عندما كان يتحدث عن ثروة تلك العائلة، فهذا البناء الشاهق يساوي نقطة صغيرة من بحر ثرواتهم الطائلة.


قبضت على حبل حقيبتها و زفرت بينما تقف امام بوابة الشركة وجها لوجه امام حراس الأمن.


- إي خدمة؟.


بصوت عميق و نبرة غليظة سال أحد الحارسين مفتولي الساعد و أزدردت ريقها


- أتيت إلى هنا للبحث عن وظيفة.


ألقت أول كذبة خطرت على ذهنها و تجعدت جبهة الحارس بستنكار


- وظيفة ماذا؟ هل ترين هذه الشركة مركز مجمع تجاري يعلن عن طلب وظائف مؤقتة يا هذه؟.


سالها ساخراً و للاسف نجح في استفزازها قليلاً


- لكن بعد الحادثة...


بدات تحاول ترتيب كذبتها و السيطرة على انفعالها و لكنه قاطعها بنبرة شبه ضاحكة


- الحادثة؟ هكذا اذا لا بد و إنك أحد أولائك الصحفيين الملاعين صحيح؟! ألم يصرح أفراد عائلة إدواردز بما لديهم؟ ألا تفهمون يا هذه.


حاول مد يده و دفعها و كانت على وشك فقدان أعصابها و لكن و لحسن الحظ يد صديقه اوقفته بينما أنزلت هي نظرها صوب يدها و بدات العد التنازلي لتهدئة نفسها


- من فضلك أكملي.


لاول مرة تحدث الحارس الثاني و الذي كتب على الدبوس المعلق على ثيابه الرسمية إسمه الذي كانت مهتمة بمعرفته عكس الحارس الأخر.


[شينويل جونسون]


- سيد شينويل، أنا باحثة عن عمل، سمعت بانه و بعد الحادثة فقدت الشركة عدد من موظفيها لذلك وددت ان أستعلم عن ما اذا وجدت اماكن شاغرة للعمل على متن خطوط رحلاتكم البحرية.


كذبت باحترافية مقنعة الحارس شينويل و ملجمة الحارس الاخر الذي تراجع لخطوة بعيداً عنها بخجل


- حالياً لم تعلن الشركة عن اي شيء لكن يمكنك ترك وسيلة للتواصل معك لدينا و سوف نحرص على ان نبلغك فور حدوث أي شيء.


برسمية أخبرها شينويل و هزت رأسها و هي تلعن حظها داخلياً، فلم تعد عليها كذبتها تلك بأي فائدة؛ فها هي ذي تركب سيارة الأجرة مجدداً لتعود خالية الوفاض.


♦♦♦♦


3 : 58 مساءً في المقهى


جلست على مقعدها المعتاد و أتصلت بجوي لتطلب منه اللقاء عند المقهى الذي يعملان به صباحاً و استغرق الأمر بضعة دقائق ليدلف جوي الى المقهى بخطوات سريعة شاقا طريقه صوب اخر طاولة من الجانب الأيسر و التي تمركزت كاثرين جالسة على الجانب الأيمن منها، ليجلس على المقعد المقابل لها بعد ان خلع وشاحه الصوفي و أشار بيده الى احد العمال ليومئ الأخير و يذهب لتحضير الطلب المعتاد.


- أرجوك أخبرني، بأنك قد حصلت على معلومات مفيدة؟.

- لحسن الحظ أجل، تمكنت من التحدث مع آل روجرز و جمعت بعض المعلومات.

بدا جوي التحدث و لكنه توقف فور قدوم النادلة و وضعها لكوبين من الشوكلاته الساخنة امامهما، بالإضافة الى قطعتين من كعكة الفانيلا.

- يبدوا بانك لم تتناولي شيئاً لذلك تناولي الكعكة على الأقل، أنت تحبين كعك الفانيلا.

- احبه... لكن هذا ليس وقته...

- ألم تكوني تقولين بانك ستجدين كاتي، و تنتقمين ممن قد يوذيها؟؟.

سألها بجدية

- صحيح؟.

سالت بستغراب محاولة استنباط الهدف من سؤاله الأخير

- اذا اخبريني كيف ستفعلينها و انتي لا تستطيعين حتى سند طولك؟!.

سأل و تبسمت بينما تشكر الرب بقلبها لأجل حصولها على مثل ذلك الصديق اللطيف، ما تزال تتذكر كيف إلتقت به في المرحلة المتوسطة عندما كان عرضة للتنمر، الطفولة القاسية التي عاشها و هو صغير تفوقها بمراحل فرغم انها كانت يتيمة مثله الا انها لم تعاني مثله هو، فقد كان طوال حياته بين ايدي عائلة والده الذين لم يرحموا يتمه ضعفه و قلة حيلته بل عذبوه و سرقوا ميراثه ثم القوا به عظاما، رغم ذلك ظل قويا، بل و أمدها بالقوة دائما؛ كان يتلقى العقاب عنها لكي لا تحرم من اللعب مع اقرانها في المدرسة و يغطي اخطائها في العمل، حتى انه كان يجمع الأموال لكي تدخل صفوف اليوغا و الكونغ فو و الاطباء النفسيين من اجل ان تتعلم السيطرة على اعصابها.

فور تذكرها لكل ذلك توسعت ابتسامتها و هي تحدق بوجهه الجاد

- و سأسند طولي بكعك الفانيلا و كوب شوكولاته ساخنة؟.

سالت مازحة و تلاشت تعابيره الجدية ليضحك بخفة

- حسنا يمكننا اعتبارها بداية كما يقولون التحلية ثم العشاء.

اخبرها و قلبت عينيها قبل ان تقول بسخرية

- إنهم يقولون عكس هذه الجملة جوي.

♦♦♦♦


مكتب المحقق كروز - منتصف الليل


على كرسيه الوثير ما زال يجلس حتى هذه الساعة المتأخرة


يراقب حركة بندول الساعة المعلق على الجدار بينما يبث مشغل الأسطوانات أغنيته المفضلة ليصدح صداها في سكون الليل

تغني بصوتها العذب و يردد معها بكل أنسجام

- Midnight not a sound from the pavement.
{منصف الليل لا صوت من الرصيف}


- Has the moon lost her memory? She is smiling alone .
{هل فقد القمر ذكراها؟ إنها تبتسم وحدها}


- In the lamp light the withered leaves collect at my feet.
{في ضوء المصباح تجمعت الأوراق الذابلة عند قدمي}


- And whind begins to moan.
{و الرياح بدأت في الأنين}


كانت تلك اخر كلماته و كان ذلك اخر صوت جميل أستمع اليه قبل أن يخترق سكون الليل صوت دوي انفجار من مكتبه احرق المكان و دكه معه.

بالتاكيد ستصبح تلك ذكرى لن ينساها القمر طويلاً في منتصف الليل.

الطوفان الثالث إنتهى


❃❃❃❃


{هل حاز هذا الفصل على اعجابك؟ إن فعل ما رأيك بالتصويت و اضافة تعليق لطيف لدعم القصة
ما النقاط التي اعجبتك و ما النقاط التي تحتاج إلى تعديل؟
كل تعليق مهم حتى و ان كان ناقد فهو مهم}


2017/10/22 · 364 مشاهدة · 1625 كلمة
Jska12
نادي الروايات - 2024