بياض اللّوح المتربّع على عرش اهتمام الماكثين في الغرفة ، صوت احتكاك الأقلام على الورق ، صوته الغليظ – أستاذ- الذي يتلفّظ بما لا يهم بالنّسبة لي كطالبة متمرّدة داخليّا

الصّف الثّاني ، وما كان لي منه المقعد الثّاني ، وددت لو كان بجانب النّافذة ، رغم هذا لم أمنع نفسي من السّماح لحدقتي بالوثوب خارجا جارّتان معهما كلّ ما اختلج في نفسي من ملل

في تلك الصّورة المألوفة خارجا لا يوجد ما يغني البصر ، ما يتراء لي عبر اللّوح الخشبي المؤطّر للزّجاج المصقول ، مبنى مواز لنظري أنا التّي في الطّابق الثّالث ، ومع مشهده المتصدّع أرى الدّرج الذي يوصل إليه وما يحيطه من حشائش يابسة على الهضبة الصّغيرة

أكثر ما يريح البصر من هذه الأشياء التّي أكل عليها الزّمن وشرب هي شجرة تتراقص أوراقها الخضراء مع حركة الرّياح، أتساءل لما هي هكذا؟

لطالما تبنّينا منذ الصّغر معلومة ترسّخت في عقولنا الصّغيرة ألا وهي أنّ الخريف حيث تذبل تلك الأوراق الجميلة النّظرة وتتساقط ، لكن هذه... أتحاول الصّمود؟ أم أنّ رياح الشّتاء لم تعصف بها؟ بل وأنّ أوراقها تتساقط في موسم غير موسمها؟

كان هذا ما يؤرّقني في حصّة التّاريخ جالبة النّعاس الذي عشق مفارقتي ليلا يحمّلني مشقّة الاشتياق إليه وأشعّة الشّمس مختبئة تحت ستار السّحب

بالحديث عن الأزمنة الصّارمة، يبدوا أنّ هذه المساحة الرّثة التي تدعى ثانويّة الآن كانت فيما مضى ثكنة ، لا أستغرب ذلك ، فهيكلتها هي التّي لا شكّ في أنّها توضّح الأمر ، فحتّى الأبواب الخارجيّة ، هي قضبان من حديد صدئ متآكل تغلق بالأقفال ذات الطّراز القديم

اضطررت للخروج من أفكاري التّافهة والعودة للواقع مع اندلاع جرس الحرب ، فتعالى صوت تضارب الأقدام على بلاط القاعات والرّده

مع أنّي لم أبرح مكاني فهو المكان الأكثر أمانا وراحة في هذه الحضيرة ، هكذا أسمّيها فلا يوجد من يستحقّ الاحترام و التّقدير هنا بما فيهم من تلاميذ وبعض الأساتذة على الأرجح

دقائق وها هي ذي حصّة من تأمّل النّافذة قد بدأت، لست من محبي البقاء على الكرسي، الاستماع للمحاضرة بتمعّن، تدوين ملاحظات، رغم ذلك أفعل

إنّها ضروريّات الحياة كما يقول البالغون، الدّراسة، العمل، ثم الزّواج من عائلة جيّدة، وبالنّسبة لفتاة مثلي في مثل هذه القرية البعيدة عن الحضارة، فالشّائع الزّواج من رجل ما، والعمل طوال حياتك كآلة إنجاب وخادمة للأسرة

لكنّي قطعا لا أريد لحياتي أن تنتهي بين يدي شخص ما فهي ملكي، قد يكون الشيء الوحيد الذي يبقيني أرتاد مثل هذه المدرسة، وأدرس بقليل من الجهد، فمجرد الحصول على درجة مقبول كاف، فما الضّير من الكسل؟

بعقليّة كهذه، أيّامي باتت روتين ممل، لا يوجد اختلاف كبير بما حدث أمس وما يحدث اليوم وما سيحدث غدا، أو هذا ما اعتدت اعتقاده قبل الخلود للنّوم كلّ ليلة، أنتظر دائما قدوم اللّحظة التّي ينطبق عليها مثل

القشّة التي كسرت ظهر البعير

حتّى أصبحت عادة لدي كلّما غادرت إحدى ساقيّ باب المنزل التّفكير بجملة واحدة وهي

"هل سيحدث شيء مميّز اليوم؟"

مجرّد فضول قد يجعل من تحمّل اليوم لآخر رمق ممكن ، قد يظهر من هذا أنّي فتاة منطوية لا أخالط أحد

أحيانا تتسلّل إلى فكري بعض الظنون عن كوني مختلة ، فلما قد يشغلني طوال الحصّة البحث عن الطّريقة الأمثل لقتل أستاذ اللّغة مثلا ؟ ، ولماذا قد أريد أن تنفجر المدرسة أو أن يتأذّى أحدهم فجأة فنعفى نحن من بقيّة الفصول؟

وبمرور الوقت ، أدركت أنّني فقط كبقيّة الطلاب أفكّر مثلهم ، إنّه أمر بديهي كالعبارات البسيطة التي نقولها وليست ذات مغزى عميق مثل

"سأموت من الضّحك" أو كـ "هذا فظيع"

نحن البشر بطبيعتنا نقول أشياء لا نعنيها ، فليس الأمر أنّنا سنموت فعلا من كثرة الضّحك، رغم أنّها حقيقة علميّة أنّه ممكن ، ببساطة نحن لا نفكّر عميقا بكلامنا ، سطحيّون نحبّ عيش اللّحظة ، وفقط التّذمر على كلّ جيّد وسيّء نواجهه

وبعيدا عن نظرّياتي الفلسفيّة ، دخلت أخيرا الآرك الأخير من هذه الحياة العاديّة، ما أردت عيشه منذ أمد، صوّر فقط في قصص خيال، مرحلة حيث تصنيف حياتي " العادي" سيتغيّر ، اليوم الذي ابتسمت فيه فعلا لتحمّسي لشيء ما

أقصد بهذا.... اليوم الذي حدث وانقسم ظهر البعير بقشّة ، يوم المعجزة بالنّسبة لي! ، لقد كان فظيعا!

2021/10/16 · 76 مشاهدة · 645 كلمة
Mira
نادي الروايات - 2024