يتوسع قفصه الصدري إلى أقصى ما لديه و يدخل هواء إلى رئتيه . بينما يسيل قطرات من العرق في جبته لكي تبلل شعره الأشعث الذي كان على غير العادة ذو طول متوسط . هذا أخر ما كان يهمه .

ينظر إلى يده بينما يلهث بقوة .. مازال ممسك بها .

{ هل راودك الكابوس مرة أخرى } تكلم صديقه الضخم إدوارد لو . لقد كان مستعدا لهذه الكلمات من قبل .كان يعلم بأن الكابوس سوف يأتي مرة أخرى اليوم و سوف يأتي غدا . مثل شخص يستعد لطلوع الشمس لم تمضي ليلة لم يأتي فيها ذلك الكابوس .

صمت إدوارد قليلا ثم أكمل كلامه { فان ... هل استعدت شيء من ذاكرتك ؟ } .

حرك فان رأسه بالنفي و ظل ممسك بقبضة من حديد على يده ...

{ حسنا .. هناك قنينة ماء أريدك أن تشربها و تعد لنوم ... الغد لدينا يوم متعب. أتمنى أن لا تأتي تلك الخرقاء } . أنهى إدوارد كلامه .عاد لنوم ... على خلاف مظهر الضخم و القوي .فهو ليس عصبي بل هادئ و يكره التطفل كثيرا . و هذا ما جذب فان فيه و جعله صديق له .. و شريكه في السكن

{ ماذا لو أخبرتك أنني أتيت من عالم أخر تماما ؟ } تكلم فان بصوت الذي يشبه الهمس .

{ سوف تكون أحمق لأنك أتيت لهنا ؟ } رد إدوارد بينما لم يغير وضعيته ...

{هل تؤمن بعالم ما بعد الموت ؟ } سأله فان مرة أخرى .

{ همم ... لا أكترث .. إن وجد أو لا .. كل ما يهمني كيف أعيش و حسب } رد إدوارد و كأنه لم يفكر بأمر إطلاقا .. أو أنه فكر فيه من قبل. أيا يكن فقد كانت إجابة سريعة .

تنهد فان ثم قال { لما حكمت على عالمي السابق أنه سيء ..بمقارنة بهذا .. أنا لم تره و لم تعرف عنه شيء . ماذا لو قلت لك أني كنت كلبا بشريا . يطلب منه فيفعل .أيا تكن الطرق .. على أقل أنا هنا حر }

صمت قليل ثم انفجرت قهقهة إدوارد من فمه .. لم يكبت نفسه .بل أطلق العنان لحنجرته لتنهض الجيران و القطط في الشارع ..و بينما يضحك قال { . أنت .. بدون مانا . و تم إيجادك مرمي على ضفة النهر . . و أغلب الظن أنك تعرضت لحادثة مروعة أو صدمة جعلتك تفقد ذاكرته .. هذا معتاد جدا . خاصة لأطفال الحروب .و فوق هذا أنت تعمل ككناس في المركز ... أنت مازلت كلب عن عجوز تاي .. لهذا أنسى كل شيء و ركز على حياتك ... لا أدري إن كان ما تقوله حقيقيا أو لا ... لكن حياتك السابقة لن تعطيك أمولا } و ثم يعود صمت المكان .

رفع فان يده بقوة و نظر إلى تلك الجوهرة .. أخر ما يذكره هو أنه دخوله إلى منزله بعد مهمة شاقة .. ثم ضوء أبيض ناصع ... على أغلب أنها قنبلة مزروعة .. أو طلقة رصاصية من قناصة . مهما يكن . لقد كان عمله سابقا مليء بمخاطر و الموت في كل لحظة ..

بعد ذلك الضوء الأبيض . هناك فقط ذكرى تبلل بماء و مجيء بعض فرسان بدروع من القرون الوسطى لحمله .

عالم أخر تماما ... يا لها من نكت بارد ..

جسده مثل ما هو . في عالم الأول أو هذا . الشيء الوحيد متغير هو ملابسه . و وجود الجوهرة الصفراء التي ظل ممسك بها منذ أن أتى إلى هنا ... في بادئ أمر لم يفهم ما حل به . كل شيء كان غريب من ملابس إلى الدروع حتى لون الشعر . كانوا يتكلمون بنفس اللغة تقريبا لكن الكتابة مختلفة .و هذا ما زاد ارتباكه .و من جيد أنه لم يقاتل أحدهم حينها .

لسببين . أولها أنه لم يكن في وضع مهدد لحياة و الثاني بسبب المانا . و هي نوع من الطاقة الحياة تستخدم في السحر و بدون أي حيلة ...صمت فان ذلك اليوم . و كل شيء تحرك وحده .. تم أخذه لطبيب...أو كما يقولون عنه المعالج ..ثم شخصه بأن لديه فقدان لذاكرة و هو أمر معتاد . و لكن مستوى المانا كان تقريبا لصفر . أشبه بميت

تم إطلاق اسم فان عليه و جعله يعمل كناس في المركز .. كل هذا حدث قبل شهر.

ابتسم فان . من كان يعتقد أن أمور سوف تنتهي هكذا .؟؟

و وسط ظلام ما بين قضبان .ضحك بنشوة و قال { من كل البشر . أنت أخر من يدرك النهاية ؟}

في تلك الصبيحة نهض فان و غسل وجهه بالماء و عاد لإيقاظ إدوارد ...كان نومه خفيف لكنه طويل . يكفي عطسه لكي توقظه .. حمل فان كأس الماء و سكبه على وجه إدوارد . كانت هذه أحد عاداته

أكمل عمله . و لبس ملابس الصفراء من كتان و حمل مكنسته ..و تنهد ...

قبضات قوية تضرب الباب ..لم يكن أد يريد هذا . لكن هذا هو القدر .يجب أن يطلع الصباح ثم الليل و الهناء ثم الإزعاج

{ هل يجب أن أنهض في هذا الوقت تحديدا ؟؟ } إدوارد هادئا بينما كان يتكلم و حسب تجربة فان طوال ثلاثة أسابيع . فهذا الهدوء لن يدوما طويلا .

أنقلع الباب من مكانه و دخلت تلك الفتاة الرقيقة المدرعة . شعرها قصير و أحمر بينما جسمها أشبه بأعواد متلاصقة أو مرأة خرجت مجاعة أو حلم كل تلميذ دالة رياضية بدون منحنيات .. كل تلك الأوصاف تنطبق على إريكا لو . ابنة عم إدوارد و أكثر شيء مزعج له .

نهض إدوارد و قال { سوف تدفعين ثمن الباب .} صمت و ذهب من الجهة المقابلة .. انسحاب تكتكي لمصلحة العامة . فلو نشب شجار هنا و هذا معتاد بينهما –كون إريكا من المستفزة لأبعد الحدود – فهذا لن ينفع أحد .

ناهيك عن الخسائر المسبقة الذكر –الباب-

فان الآن وحيد في ساحة المعركة .... تلك المعارك التي لا يجيدها .و التي يخسرها دوما .

{ هل هناك شيء ما ؟؟ الجميع يبدوا بائسا } تكلمت إريكا . لم تكن تمثل . الأحمق لا يعرف أنه أحمق أبدا .

{ بإستثناءكي لا يوجد شيء أخر .} رد فان ب تمتمة بسيطة .

{ لا تغازلني هنا }

تبا

{ ما جديد هذا اليوم ؟؟ }

{.. لا تغير الموضو.. لكن .دقيقة . كيف عرفت . أن هناك أخبار جديد }

{ أنتي هنا كل يوم إما جمع أخبار أو نقلها ...لقد اعتدنا هذا . }

ابتسمت قليلا ثم قالت { سوف يأتي اليوم شخص مهم إلى المركز ..و ممكن أن أترقى إلى فارسة ذات نجمة }

{لست مكترثا } مشى فان نحو ما كان باب سابقا و خرج إلى الباحة .. كان هناك قليلا من منازل هنا و هناك بينما كان منزل على سفح جبل يطل على المدينة .ضخمة .في منتصفها توجد قلعة و على أفق يطل نهر وسط بحر من الغابات .. ذلك النهر الذي وجد فيه فان أول مرة .

صوت خطوات يتسارع نحو أذن فان . ثم صراخ { هل هناك شيء حول ذاكرتك ؟}صرخت

{لا . و أنسي أمر تماما }

{ أنا فضولية حول هذا }..

{أنسي أمر و حسب }

أحس فان بنوع من سخرية القدر .. رد كان بنفس كلام إدوارد ..لا معنى لذلك الماضي .

أكمل فان مشيه .. المركز و هو مكان يتدرب فيه الشباب ليصبحوا أما معالجين أو فرسان أو سحرة . هناك تصنيفات كثير. و يبدوا أن بشر طوروا السحر مثلما طور البشر العلم في عالمه السابق .... هناك الكثير من المجالات المتلاصقة ببعض .

{ ألا تخاف أن يدخل سارقون لبيتك } تكلمت إريكا بجانبه .. لقد كانت تتتبعه .

{ لا يوجد ما يمكن سرقته و حتى إن وجد أنتي تدفعين الثمن .} رد فان ببرودة .و في عقله . أنه إذ لم يسأل هي سوف تسأل . لهذا أكمل كلامه .{ لما تردين أن تصبحي فارسة ..يمكنكي أن تصبحي طباخة وحسب }

سؤال غبي . كررها فان في عقله .. هذا أشبه بدبابة بشرية ذات حجم صغير .. لا يوجد أفضل منها لكي تكون حارس بوابة .حجرية .. و أيضا .. ألم أجد إلا الطبخ .. من كل المهن . هذا مستحيل عليها . إلا إذا كانت تطبخ لحم مهروس.

{ أستطيع أن أكون زوجتك و فارسة في نفس الوقت لهذا لا تقلق أبدا }

في تلك اللحظة أقسم فان أنه لن يسألها مدام يملك عقل يفكر به ...في تلك ظهر اللعين الخائن الذي ترك صديقه في حرب وحده ... ظهر إدوارد و كان قد سبقهما لدخول إلى المدينة .

تنهد فان .

{ أريد أن أصبح مثل المقدس إيروس ...و أحميه .. لقد أدخل العالم كله في سلام دائم و لم تحدث حروب كبرى منذ سنين .. لكن قبل مدة .. تدمرت مدينة الهلال أسود بكامل ..كل السكان صاروا رماد ..حسب ما قاله بعض التجار الذي شهدوا الحادثة من بعيد ... النار كأن تأكل كل شيء و أصوات رعد دوت مكان لكن بدون سحاب ..الآن جميع في حالة استعداد .. يا لها من مهارة مخيفة } إجابة إريكا عن السؤال .


في تلك اللحظة دخل فان المدينة و رأى الناس هناك

.ما يميزهم هو شعورهم الملونة ك فتاة ذات ضفيرة زرقاء و فتى ذو شعر أحمر و أخر عادي بشعر أسود و معهم ملابسهم الغريبة . دروع معدنية . ملابس مسرحية و أخرى أرستقراطية .و بعضها متكون من ثوب طويل .. هذا ما يميز طائفة الدينية الحاكمة في البلاد .

حسب ما عرفه فان من وجوده هنا و طبعا المصدر هو فتاة .. فإن المدعو إيروس قد أوقف حرب بين ثلاثة ممالك و جمع سلطة قوية من الشعب الذي بدأ لمجيء لديانته .المسالمة في وقت الحرب ..مما أعطاه قوة كبيرة على أعتباه .حرفيا يقال أنه أقوى ساحر في كل الممالك . أيا يكن مملكة –باي- إحداها ...

{ إذا ماذا عن ذاكرتك ؟ } سألت إريكا .

لم يجب فان و أكمل مشيه ....ذاكرته .. أنه من عالم أخر و انتقل إلى هنا . فقط .كل ما في أمر أنه ليس من هنا ... أي شخص منطقي مثل إدوارد سوف ينزع هذا كلام من رأسه .احتمال أن يكون صديقك يمزح أكبر منه أنه يقول الحقيقة ... لكن هذا لن يعمل مع مخيخ إريكا .

..مرت بعض الدقائق ثم وصلوا إلى مدخل المركز .. كان هناك علم أحمر يرفرف يحمل رمز نسر مضموم الجناحين و مهمة فان في هذا المكان هو كنس و حمل قمامة بينما إدوارد عمل تقطيع اللحم في المطبخ و أما إريكا فهو الثرثرة و التدريب بما أنها تملك كمية هائلة من المانا و لسان سليط .

{ وداعا } صرخت إريكا و ذهبت تجري نحو ساحة . و لوح لها فان بيده متمني لها أن تموت في مكان ما .

...أرتاح فان و أكمل طريقه في مسار أخر و عبر السور الحجري و دخل إلى كوخ شبه منعزل في زاوية الداخلية للحصن .

{مرحبا أبي } تكلم فان بنوع من أدب .هذا الشخص هو من أعطاه المنزل و دبر له العمل هنا و هو من أنقذه قرب النهر .. وهو من أعطاه اسمه "فان" و صار حاليا أبوه بالتبني ..

{ هل هناك أخبارك عن صحتك } تكلم العجوز تاي

{لا شيء جديد }

{هناك قائد سوف من طائفة إيروس سوف يأتي ليبحث عن موضوع مدينة هلال الأحمر .. أريدك أن تتلكم معه .. يمكن أن يكون هناك شيء يفيدك }

{ يمكنك أن تذهب لعملك الآن } ... كان يتكلم بدون أن يغير جلسته أو يستدير

خرج فان من كوخ مع مكنسته و بدأ العمل ..الكنس بين الممرات و الساحة بعد خلو التلاميذ .. عمل ممل بمقارمة مع سابقه ... بينما هو كذلك .. أخرج العجوز تاي ورقة مرسوم عليها وجه فان و في أسفل كتب بخط عريض . مطلوب حي فقط .


هاااه .... هووه ...بووم

صوت مزيج لضربات و صرخات إنفجارات . دوى المكان .. هذا هو التدريب في المركز .

أما فان فقد كان شبه راكع على قدميه ّ... قبل دقيقة أتته نوبة قلبية .كل شيء صار مشوش ..و استعمل المكنسة ليرتكز عليها ... لقد أحس أن دمه توقف عن الحراك و أن داخل صدره حرق من نار .

تنهد بقوة و أدخل يده في جبيه و تحسس الجوهرة مجددا .. لم يكن يعرف لما يفعل هذا و لكنه يفعل ...

و من على أطراف المدينة قرب ..أعلى قمة جبل . وقف شاب بملابس شبه ممزقة و رثة . يحمل خاتم مربوط بورقة طائرة .. .. كانت الورقة تطفو في الهواء و تتجه نحو القلعة .

{ لقد وجدتكي .. سارو .. } كان الشاب يذرف الدموع حينها ...ثم بعد ثواني تسقط الورقة بفعل الجاذبية ..و ينزل الشاب من على الجبل .















.


2018/08/25 · 345 مشاهدة · 1992 كلمة
KRX
نادي الروايات - 2024