زُفَّت دنيرس تارجاريَن إلى گال دروجو في خليطٍ من الخوف والأبَّهة الهمجيَّة في حقلٍ واسعٍ يقع وراء أسوار پنتوس، فالدوثراكي يؤمنون بأن كلَّ حدثٍ جللٍ في حياة الرجل يجب أن يقع تحت السَّماء المفتوحة. كان دروجو قد دعا الگالاسار التابع له كله لحضور زفافه وجاءوا جميعًا، أربعون ألفًا من مُحارِبي الدوثراكي وأعداد لا تُحصى من النسِّاء والأطفال والعبيد. خيَّموا خارج أسوار المدينة ومعهم قُطعانهم الضَّخمة، مشيِّدين قصورًا من العُشب المجدول وآتين على الأخضر واليابس، ليُثيروا المزيد من التوتُّر في نفوس أهالي پنتوس الطيِّبين مع كلِّ يومٍ يمرُّ.

- "لقد ضاعفَ زملائي الماچسترات عدد حَرس المدينة"، قال لهما إليريو ذات ليلةٍ من وراء أطباقٍ من البطِّ المشوي بالعسل والفلفل البرتقالي الحرِّيف في الإيوان الذي كان ملكًا لدروجو. كان الگال قد انضمَّ إلى گالاساره وتركَ إيوانه لدنيرس وأخيها حتى الزِّفاف.

قال السير چورا مورمونت ساخرًا: "يَحسُن أن يُعقَد قران الأميرة دنيرس سريعًا، قبل أن يُسَلِّموا نِصف ثروات پنتوس للمُرتَزِقة ومُبارزي البراڤو". كان الفارس المنفي قد قدَّم سيفه لأخيها في اللَّيلة التي بيعت فيها داني إلى گال دروجو، وقد قبلَ ڤسيرس بترحاب، ومنذ ذلك الحين ومورمونت يُرافِقهما طوال الوقت تقريبًا.

ضحكَ الماچستر إليريو بخفَّةٍ من وراء لحيته المتشعِّبة، لكن ڤسيرس لم يُكَلِّف نفسه حتى عناء الابتسام، وقال: "يُمكنه أن يأخذها غدًا إذا أرادَ"، ثم رمقَ داني التي خفضَت بصرها وهو يُردِف: "طالما أنه سيدفع الثَّمن".

لوَّح إليريو بيده بحركةٍ فاترة وتألَّقت الخواتم على أصابعه السَّمينة، وقال: "أؤكِّد لك أن المسألة منتهية، ثِق بي. لقد وعدَك الگال بالتَّاج، ولسوف تناله".

- "نعم، لكن متى؟".

- "عندما يُقَرِّر الگال. سوف يحظى بالفتاة أولا، وبعد زفافهما عليه أن يقود موكبه عبر السُّهول ليُقَدِّمها إلى الدوش گالين في ڤايس دوثراك. بعد ذلك ربما، إذا كان الطلامع يؤيِّد الحرب".

كان ڤسيرس يتميَّز غيظًا وأعماقه كلها تموج بفراغ الصَّبر، فقال: "أبولُ على طالع الدوثراكي. المُغتَصِب يجلس على عرش أبي، فكم ينبغي أن أنتظر؟".

هَزَّ إليريو كتفيه العظيمتين قائلا: "لقد انتظرت معظم حياتك أيها المَلك العظيم، فما الفارق إذا مرَّت بضعة شهورٍ أخرى، أو بضعة أعوامٍ أخرى؟".

أومأ السير چورا، الذي كان قد سبق له السَّفر شَرقًا حتى ڤايس دوثراك، برأسه موافِقًا وقال: "أنصحك بالصَّبر يا جلالة المَلك. الدوثراكي لا يرجعون في كلمتهم، لكنهم يفعلون الأشياء حسب وقتهم هُم. من الممكن أن يتوسَّل رجلٌ أدنى شأنًا معروفًا من الگال، لكن لا ينبغي أبدًا أن يتجرَّأ على توبيخه".

قال ڤسيرس بعدوانيَّة: "صُن لسانك يا مورمونت وإلا أمرتُ بقطعه. إنني لستُ رجلا أدنى شأنًا، إنني سيِّد المَمالك السَّبع. التنِّين لا يتوسَّل".

خفضَ السير چورا بصره باحترام، بينما ابتسمَ إليريو بغموضٍ ومزَّق جناحًا من البطَّة، وسال العسل والدُّهن على أصابعه وغاصا في لحيته هو يَقضُم من اللَّحم الطَّري. لم تَعُدْ هناك تنانين، فكَّرت داني وهي تَرمُق أخاها، وإن لم تجرؤ على أن تقولها بصوتٍ أعلى من صوت أفكارها.

على أنها رأت تنِّينًا في منامها في تلك اللَّيلة. كان ڤسيرس يضربها، يؤلمها، وكانت عاريةً والخوف يجعلها تتصرَّف بخَرَق. جرَت منه، لكن جسدها كان ثقيلا بطيئًا، وهوى ڤسيرس عليها بضربةً أخرى، فتعثَّرت وسقطَت. كان يَركُلها ويَصرُخ: "لقد أيقظتِ التنِّين!"... يَركُل ويَصرخ: " أيقظتِ التنِّين! أيقظتِ التنِّين!". أغرقَت الدِّماء فخذيها، وأغلقَت عينيها وانتحبَت... ثم، وكأنها استجابة لها، دوَّى فجأةً صوت تمزيقٍ مرعب وقعقعة نارٍ عظيمة، وعندما فتحَت عينيها مرَّةً أخرى كان ڤسيرس قد اختفى وارتفعَت أعمدة هائلة من اللَّهب في كلِّ مكان، وفي وسطها كان التنِّين. دارَ برأسه الضَّخم ببطء، وعندما وقعَت عيناه المتَّقدتان عليها استيقظَت ترتجف وتتصبَّب عَرقًا. إنها لم تَشعُر قَطُّ بمِثل هذا الخوف......

إلى أن جاءَ يوم زفافها أخيرًا.

بدأت المراسم عِند الفَجر واستمرَّت حتى الغَسق... يوم بلا نهايةٍ من الشُّرب والعربدة والعراك. أقيمت منصَّة قويَّة من الخزف بين قصور العُشب المجدول، وعليها جلسَت دنيرس إلى جوار گال دروجو ليُطِلا من عَلٍ على بَحر الدوثراكي الثَّائر. لم تكن قد رأت كلَّ هذه الأعداد من الناَّس في مكانٍ واحدٍ من قبل، ولا أناسًا مخيفين شديدي الغرابة كهؤلاء. قد يتسربَل سادة الخيول بالأقمشة الثَّمينة ويتضمَّخون بالعطور الفوَّاحة عندما يزورون المُدن الحُرَّة، لكنهم يعودون إلى عاداتهم القديمة كلما كانوا في الخلاء تحت السَّماء المفتوحة. الرِّجال والنِّساء على حدٍّ سواء كانوا يرتدون صُدَرًا من الجِلد الملوَّن فوق الصُّدور العارية، وأغطيةً للسِّيقان من شَعر الخيل موثقةً بأحزمةٍ من الحلقات البرونزيَّة، ودهنَ المُحارِبون جدائلهم الطَّويلة بالشَّحم من حُفر الشِّواء.

كانوا يلتهمون لحم الخيل المشوي بالعسل والفلفل بشراهةٍ شديدة، ويشربون حتى الثُّمالة من حليب الفَرس المخمَّر، ويُلقون دعاباتهم الخشنة على بعضهم بعضًا من بين المَشاعل بأصواتهم الخشنة الغريبة على سمع داني.

أجلسوا ڤسيرس أسفلها مباشرةً، وقد بدا متألِّقًا في معطفه الجديد المصنوع من الصُّوف الأسود ذي التنِّين القَرمزي على صدره، وجلسَ إليريو والسير چورا إلى جواره. كان مجلسهم مجلس احترامٍ كبير، أسفل خيَّالة دم الگال مباشرةً، لكن داني ميَّزت الغضب في عيني أخيها الأرجوانيَّتين. لم يكن يروق له أن يجلس أدنى منها، وبدا أنه يستشيط غضبًا كلما قدَّم العبيد كلَّ طبق طعامٍ إلى الگال وعروسه أولا، ثم يُقَدِّمون له ما يَرفُضانه. هكذا لم يكن أمامه غير أن يَترُك سُخطه يشتعل في أعماقه، وهكذا فعلَ ومزاجه يُصبِح أكثر سوادًا مع كلِّ ساعةٍ تمرُّ يتلقَّى فيها إهانةً لشخصه

على الرغم من جلوسها وسط هذا الحشد الهائل من البَشر، شعرَت داني بوحدةٍ لم تختبر مِثلها قَطُّ. كان أخوها قد قال لها أن تبتسم، فابتسمَت حتى أوجعها وجهها وتجمَّعت الدُّموع رغمًا عنها في عينيها، وبذلَت داني قصارى جهدها كي تُخفيها، لأنها تعلم جيِّدًا كم سيغضب ڤسيرس إذا رآها تبكي، وتَشعُر بالرُّعب من ردِّة فعل گال دروجو. جيء إليها بأصنافٍ وأصنافٍ من الطَّعام، قِطع من اللَّحم المشوي والسجق الأسود الثَّخين وفطائر الدَّم التي يصنعها الدوثراكي، ولاحقًا قُدِّمَت لها الفاكهة ويخنة العُشب السُّكَّري ومعجَّنات لذيذة من مطابخ پنتوس، لكنها رفضَت تناوُل أيِّ شيء. كانت معدتها مضطربةً تمامًا، وكانت تعرف أنها لا تستطيع الاحتفاظ بأيٍّ من هذا الطَّعام في أحشائها.

لم يكن هناك من تُحَدِّثه. كان گال دروجو يصيح بالأوامر والدُّعابات لخيَّالة دمه ويضحك على ردودهم، لكنه نادرًا ما التفتَ إلى داني الجالسة إلى جواره. لم تكن هناك لُغة مشتركة بينهما، فهي لم تكن تفهم كلمةً من الدوثراكي، والگال لم يكن يعرف إلا بضع كلماتٍ من الڤاليريَّة الهجينة التي يتكلَّمونها في المُدن الحُرَّة، ولا كلمة واحدة من عاميَّة المَمالك السَّبع. كانت لتُرَحِّب بالكلام مع إليريو وأخيها حتى، لكنهما كانا جالسَيْن أدنى منها بمسافةٍ طويلة.

هكذا جلسَت بثوب زفافها الحريري ترشف ببطءٍ من كأس نبيذٍ محلَّى بالعسل، خائفةً من الأكل وتُكَلِّم نفسها. أنا دم التنِّين. أنا دنيرس وليدة العاصفة، أميرة دراجونستون، من دم ونسل إجون الفاتِح.

كانت الشَّمس قد شقَّت رُبع طريقها في السَّماء لا أكثر عندما رأت الرجل الأول يموت. كانت الطُّبول تدقُّ وبضع نساء يَرقُصن للگال، وتفرَّج دروجو عليهنَّ بلا تعبيرٍ على وجهه، وإن تتبَّعت عيناه حركتهنَّ، وبين الحين والآخر كان يُلقي حليةً برونزيَّة لهنَّ كي يتشاجرنَ عليها.

كان المُحارِبون يتفرَّجون كذلك، وأخيرًا خطا أحدهم إلى داخل الدَّائرة وجذبَ واحدةً من الرَّاقصات من ذراعها، ثم دفعها أرضًا واعتلاها في مكانها كما يعتلي الفَحل الفَرس. كان إليريو قد أخبرَها بأن شيئًا كهذا قد يَحدُث، وقال لها: "الدوثراكي يتزاوجون كالحيوانات التي في قُطعانهم.

ليس هناك شيء اسمه الخصوصيَّة في الگالاسار، وهُم لا يفهمون الخطيئة والخجل كما نفعل نحن".

أبعدَت داني عينيها عن الجِماع الجاري أمامها وقد شعرَت بالرُّعب لمَّا أدركَت ما يَحدُث، لكن مُحارِبًا آخَر تقدَّم إلى داخل الدَّائرة، ثم الثالث، وسرعان ما لم يعد هناك سبيل للإشاحة ببصرها. ثم أمسكَ رجلان بالمرأة نفسها... سمعَت داني صيحةً، ورأت أحدهما يدفع الآخَر، وفي غمضة عينٍ كان كلٌّ منهما قد أخرجَ الأراخ الذي يحمله، النَّصل الطَّويل الحاد كالموسى الذي يجمع بين السَّيف والمِنجل. بدأت رقصة الموت والمُحارِبان يدوران ويَشُقَّان الهواء بسلاحيهما، يثبان على بعضهما بعضًا ويُلَوِّحان بالأراخين فوق رأسيهما ويتبادلان الشَّتائم، بينما لم يتدخَّل أيٌّ من الحاضرين على الإطلاق.

انتهى القتال بسرعةٍ كما بدأ. ارتجفَ الأراخان معًا أسرع من قُدرة داني على المتابَعة، وأخطأ أحد الرَّجلين خطوته، وصنعَ الآخَر قوسًا في الهواء بأراخه وهو يهوي عليه. انغرسَ الفولاذ في اللَّحم فوق خاصرة الدوثراكي مباشرةً، وشقَّه من عموده الفقري إلى سُرَّته لتنسكب أمعاؤه على التُّراب. سقطَ الخاسر ميتًا، والتقطَ الرَّابح أقرب امرأة –ليست من كانا يتشاجران عليها أصلا -واعتلاها في مكانها، بينما جاءَ العبيد وحملوا الجثَّة بعيدًا واستأنفَ الباقون الرَّقص.

كان الماچستر إليريو قد حذَّر داني من هذا أيضًا، وقال لها: "زفاف الدوثراكي الذي يمرُّ من دون ثلاثة قتلى على الأقل يُعَدُّ حدثًا مملا". لابُدَّ إذن أن بركةً خاصَّةً قد حلَّت على زفافها، فقبل نهاية اليوم كان دستة من الرِّجال قد سقطوا قتلى.

مرَّت السَّاعات واستفحلَ خوف داني، إلى أن صارت تُقاتِل رغبتها في الصُّراخ بكيانها كله. كانت خائفةً من الدوثراكي الذين بدت عاداتهم غريبةً وحشيَّة جدًّا، كأنهم دوابٌّ يرتدون جِلد البَشر دون أن يكونوا بَشرًا على الإطلاق. وكانت خائفةً من أخيها، مما قد يفعله بها إذا خذلَته. أمَّا أكثر ما كان يخيفها هو ما سيَحدُث اللَّيلة تحت النُّجوم، عندما يُسَلِّمها أخوها للعملاق الذي جلسَ يشرب إلى جوارها بوجهٍ قاسٍ ثابتٍ كقناعٍ من البرونز.

أنا دم التنِّين...

عندما انخفضَت الشَّمس في السَّماء أخيرًا، صفَّق گال دروجو بيديه، فصمتَت الطُّبول واللَّغط والاحتفال تمامًا. نهضَ دروجو وجذبَها لتقف إلى جواره، فقد حان وقت تقديم هدايا العروس. بَعد الهدايا، كانت تعلم، بَعد أن تغيب الشَّمس، سيحين وقت الرُّكوب الأول ثم دُخلتها.

حاولَت داني تنحية الخاطِر جانبًا، لكنه أبى أن يُفارِقها، واحتضنَت نفسها محاوِلةً أن تكفَّ عن الارتجاف.

أهداها أخوها ڤسيرس ثلاث وصيفات، وكانت داني تعرف أنهنَّ لم يُكَلِّفنه شيئًا، ولابُدَّ أن إليريو هو من جاءَ بهنَّ. إيري وچيڬوي كانتا فتاتين من الدوثراكي لهما بشرة بلون النُّحاس وشَعر أسودَ وعيون بشكلِّ حبَّات اللَّوز، ودوريا كانت فتاةً لايسينيَّة ذات شَعرٍ أشقر ناعمٍ وعينين زرقاوين.

قال لها أخوها وهُنَّ يُقَدَّمن إليها واحدةً تلو الأخرى: "هؤلاء لسنَ خادمات تقليديَّات يا شقيقتي العزيزة. إليريو وأنا اخترناهنَّ خصِّيصًا لكِ. إيري ستُعَلِّمك ركوب الخيل، وچيڬوي ستُعَلِّمك لُغة الدوثراكي، وستُرشِدك دوريا إلى ممارَسة فنون الحُب الأنثويَّة"، ولاحَت على شفتيه ابتسامة رفيعة وهو يضيف: "إنها شديدة البراعة. إليريو وأنا يُمكننا أن نُقسِم على ذلك".

قدَّم السير چورا مورمونت هديَّته لها قائلا بلهجةٍ معتذِرة: "إنها هديَّة صغيرة يا أميرتي، لكنها كلُّ ما يستطيع منفيٌّ فقير تدبيره"، ووضعَ أمامها كومةً صغيرةً من الكُتب القديمة، فرأت أنها قِصص وأغانٍ من المَمالك السَّبع مكتوبة باللُّغة العاميَّة، وشكرَته من أعماق قلبها.

غمغمَ الماچستر إليريو بشيءٍ ما، فتقدَّم أربعة عبيد ضخام الجثَّة إلى الأمام حاملين صندوقًا ضخمًا من خشب الأَرز مزيَّنًا بالبرونز. فتحَته داني، فوجدَت أكوامًا من أفخم أنواع المخمل والإستبرق التي تُنتِجها المُدن الحُرَّة... وعلى الوجه، بين ثنايا النَّسيج، استقرَّت ثلاث بيضات ضخمة. أطلقَت داني شهقةً. كانت البيضات أجمل شيءٍ رأته في حياتها بلا نظير، كلُّ واحدةٍ منها تختلف عن الأخرى وقد زُخرِفَت بألوانٍ غنيَّةٍ للغاية، حتى أنها حسبتها قشورًا من الجواهر للوهلة الأولى، وكانت كبيرة الحجم للغاية لدرجة أنها استخدمَت يديها معًا كي تحمل واحدةً منها. رفعَتها داني برقَّةٍ متوقِّعةً أنها ستجدها مصنوعةً من نوعٍ خاص من الپورسلين أو المينا، أو حتى من الزُّجاج المنفوخ، لكنها كانت أثقل من كلِّ هذه الأشياء، كما لو أنها مصنوعة بالكامل من الحَجر الصُّلب. كان سَطح القشرة مغطَّى بحراشف صغيرةٍ للغاية تألَّقت في نور الشَّمس الغاربة كمعدنٍ مصقول وهي تُقَلِّب البيضة بين أصابعها.

واحدة منها كانت ذات لونٍ أخضرَ داكِن به بُقع برونزيَّة صغيرة برَّاقة تظهر وتختفي حسبما كانت داني تُديرها، والأخرى ذات لونٍ أصفرَ شاحب به خيوط ذهبيَّة، والأخيرة سوداء قاتمة كبَحر منتصَف اللَّيل، وإن كانت حيَّةً بتموُّجاتٍ ودوَّاماتٍ قرمزيَّة. سألت بصوتٍ خافتِ امتلأ بالدَّهشة: "ماذا تكون؟" أجابَ الماچستر إليريو: "إنها بيضات تنِّين من بلاد الظِّل وراء آشاي.

لقد حوَّلها الزَّمن إلى أحجار، لكنها لا تزال تتَّقد جمالا".

- "سأصونها دائمًا". كانت داني قد سمعَت حكاياتٍ عن بيض التَّنانين، لكنها لم ترَ واحدةً قَطُّ، ولا كانت تحسَب أنها سترى. كانت هديَّةً ثمينةً للغاية، لكنها كانت تعرف أن إليريو قادر على الحصول عليها ببساطة، فقد حصَّل ثروةً من الخيول والعبيد لقاء دوره في بيعها إلى گال دروجو.

قدَّم خيَّالة دم الگال لها الأسلحة التقليديَّة الثلاثة، ولقد كانت أسلحةً رائعةً حقًّا. أهداها هاجو سوطًا جِلديًّا طويلاً ذا مقبضٍ من الفضَّة، وكهولو أراخًا فاخرًا مرصَّعًا بالذَّهب، وڬوثو قوسًا ثنائي المنحنى مصنوعًا من عظام التنِّين يفوقها طولا. كان الماچستر إليريو والسير چورا قد علَّماها الرَّد التقليدي لرفض هذه العطايا: "هذه هديَّة تليق بمُحارِبٍ يا دم دمي، وأنا مجرَّد امرأة، فدع السيِّد زوجي يحملها نيابةً عني"، وهكذا تلقَّى گال دروجو نصيبه من هدايا العروس بدوره!

تلقَّت هدايا أخرى كثيرة من الدوثراكي الآخَرين، من أخفافٍ وجواهر وخواتم فضيَّةٍ لشَعرها، وأحزمةٍ من الحلقات وصُدَرٍ ملوَّنةٍ وصُوفٍ ناعم، وحرائرٍ ملساء وقدورٍ من العِطر وريشٍ وإبرٍ وقوارير صغيرةٍ من الزُّجاج الأرجواني، وفُستان مصنوعٍ من جِلد ألف فأر.

قال الماچستر إليريو معلِّقًا على الهديَّة الأخيرة بَعد أن شرحَ لها كنهها: "هديَّة ممتازة يا گاليسي، تجلب الحظَّ السَّعيد". تضخَّمت كومة الهدايا أمامها كثيرًا، هدايا أكثر مما كانت تتخيَّل، هدايا أكثر مما يُمكنها أن تريد أو تستخدم.

وأخيرًا جاءَ گال دروجو بهديَّته لها. رانَ الصَّمت المتوقَّع شيئًا فشيئًا بدايةً من مركز المخيَّم حتى ابتلعه كله ودروجو يتحرَّك من جوارها، وعندما عادَ تفرَّق حشد مقدِّمي الهدايا من أمامه وهو يقود الفَرس إليها.

كانت مُهرةً شابَّةً بهيَّة المنظر خفيفة الحركة. كانت داني تعرف عن الخيول ما يكفيها لأن تُدرِك أنها ليست دابَّة تقليديَّة، وثمَّة شيء ما فيها جعلَ أنفاسها تحتبس فعلا. كانت ذات لونٍ رماديٍّ كبَحر الشِّتاء، وعلى عُنقها شَعر بلون الدُّخَّان الفضِّي.

مدَّت يدها بتردُّدٍ وربَّتَت على عُنق الفَرس ومرَّرت أصابعها في فِضَّة شَعر عُنقها.

قال گال دروجو شيئًا بالدوثراكي ترجمَه لها الماچستر إليريو قائلا: "يقول الگال: فضَّة كفضِّة شَعرك".

تمتمَت: "إنها جميلة".

قال إليريو: "إنها فخر الگالاسار. الأعراف تقضي بأن تمتطي الگاليسي فَرسًا تليق بمكانتها إلى جوار الگال".

تقدَّم دروجو ووضعَ يديه حول خصرها، ورفعَها بسهولةٍ تامَّةٍ كأنها طفلة ووضعَها فوق سَرج الدوثراكي التقليدي النَّحيل، الأصغر حجمًا بكثير من كلِّ سَرجٍ رأته من قبل. جلسَت داني في مكانها مرتبكةً للحظات، فلم يُخبِرها أحد بشيءٍ عن هذا الجزء. سألَت إليريو: "ماذا أفعلُ؟".

كان السير چورا مورمونت هو من أجابها: "أمسكي العِنان وتحرَّكي بالمُهرة. ليس من الضَّروري أن تبتعدي".

متوتِّرةً أمسكَت داني بالعِنان ووضعَت قدميها في الرِّكابين الصَّغيرين.

لم تكن تجيد قيادة الخيل لتلك الدَّرجة، فقد قضَت فتراتٍ أطول بكثير تُسافِر على متن السُّفن والعربات والهوادج من تلك التي قضَتها على ظَهر حصان. دعَت ألا تقع وتُهين نفسها، ومنحَت المُهرة أخفَّ وأرقَّ لمسةٍ لديها برُكبتيها.

وللمرَّة الأولى منذ ساعاتٍ نسيَت خوفها، ولربما للمرَّة الأولى على الإطلاق.

تحرَّكت المُهرة ذات اللَّونين الرَّمادي والفضِّي بمشيةٍ ملساء كالحرير، وأفسحَت الجموع الطَّريق أمامها وقد تركَّزت العيون كلها عليهما.

وجدَت داني نفسها تتحرَّك بسرعةٍ أكبر مما أرادَت، وإن ملأها هذا بالإثارة بدلا من الخوف. ثم إن المُهرة بدأت تُهَروِل، وارتسمَت ابتسامة واسعة على ثَغر داني، بينما تفرَّق الدوثراكي من أمامهما. أضعفُ ضغطةٍ بقدميها، أخفُّ شدَّةٍ للعِنان، وتستجيب المُهرة في الحال. حثَّتها على الرَّكض، وبدأ الدوثراكي يصيحون ويضحكون وهُم يقفزون بعيدًا عن طريقها. عندما دارَت بالمُهرة لتعود، رأت حُفرة نارٍ أمامها في طريقها مباشرةً. كانت والمُهرة مطوَّقتين من الجانبين، ولا مكان يَصلُح للتوقُّف، وفي هذه اللَّحظة ملأت دنيرس شجاعة لم تعرفها من قبل قَطُّ، وتركت للمُهرة العِنان.

ووثبَت المُهرة الفضيَّة من فوق اللَّهب كأن لها جناحين.

وعندما توقَّفت داني أمام الماچستر إليريو قالت: "قُل لگال دروجو إنه أهداني الرِّيح". ملَّس الپنتوشي السَّمين على لحيته الصَّفراء وهو يُكَرِّر كلماتها بالدوثراكي، وللمرَّة الأولى رأت داني زوجها الجديد يبتسم.

غابَ آخِر شعاعٍ للشَّمس وراء أسوار پنتوس العالية إلى الغَرب في تلك اللَّحظة، وكانت داني قد فقدَت إحساسها بالزَّمن. أمرَ گال دروجو خيَّالة الدَّم بأن يأتوا بجواده، الذي كان فَح أحمرَ شديد الرَّشاقة، وبينما كان الگال يضع السَّرج عليه انسلَّ ڤسيرس مقتربًا من داني على متن مُهرتها الفضيَّة، وغرسَ أصابعه في ساقها قائلا: "أسعِديه يا شقيقتي العزيزة، وإلا أقسمُ أنك سترين التنِّين مستيقظًا كما لم تريه من قبل".

عادَ الخوف إليها عندئذٍ مع كلمات أخيها، وعادَت تَشعُر أنها مجرَّد طفلةٍ في الثالثة عشر من عُمرها لا أكثر، وليست مستعدَّةً على الإطلاق لما يوشك أن يَحدُث لها.

ركبا معًا والنُّجوم تنتشر في السَّماء، تاركَيْن الگالاسار وقصور العُشب وراءهما. لم يُوَجِّه گال دروجو لها كلمةً واحدةً وهو ينطلق بفَحله في الغَسق المحتشد، ورنَّت الأجراس الفضيَّة الصَّغيرة في جديلته. "أنا دم التنِّين"، همسَت لنفسها وهي تتبعه محاوِلةً استجماع شجاعتها. "أنا دم التنِّين. أنا دم التنِّين". التنِّين لا يخاف أبدًا.

بَعدها لم تستطِع التكهُّن بالمسافة التي قطعاها، لكن الظَّلام كان كام عندما توقَّفا عِند منطقةٍ معشوشبةٍ على حافَّة جدولٍ صغير. وثبَ دروجو من فوق حصانه، وحملها عن مُهرتها فشعرَت بأنها هشَّة كالزُّجاج بين يديه وأطرافها واهية كالماء. وقفَت هناك ترتجف عاجزةً في ثوب زفافها الحريري بينما ربطَ هو الحصانين، وعندما التفتَ ليَنظُر إليها بدأت تبكي.

حدَّق گال دروجو في وجهها وملامحه خالية من أيِّ تعبير، وبلُغة داني قال: "لا"، ومَدَّ يده ليمسح دموعها بخشونةٍ بإبهامه ذي الجِلد الغليظ.

قالت داني بدهشة: "هل تتكلَّم اللُّغة العاميَّة؟" كرَّر: "لا".

خطرَ لها أنه ربما يعرف تلك الكلمة فحسب، لكنها كانت أكثر مما حسبَته يعرف، وبشكلٍ ما جعلها هذا تطمئن بعض الشَّيء. مَسَّ دروجو شَعرها بخفَّةٍ ومرَّر أصابعه بين خصلاته الفضِّيَّة الشَّقراء وهو يُتَمتِم بشيءٍ ما بالدوثراكي. لم تفهم داني الكلمات، لكن كان ثمَّة دِفء في نبرته، رقَّة لم تتوقَّعها من هذا الرجل.

وضعَ أصابعه تحت ذقنها ورفعَ رأسها إليه كي تَنظُر في عينيه مباشرةً.

كان يقف شاهقًا فوقها كما يشهَق فوق الجميع. دَسَّ يديه تحت إبطيها ورفعَها وأجلسَها على صخرةٍ مستديرةٍ إلى جوار الجدول، ثم جلسَ على الأرض مواجِهًا إياها وقد ربَّع ساقيه من تحته، ليتلاقى وجهاهما على ارتفاعٍ واحدٍ أخيرًا، ومرَّةً أخرى كرَّر "لا".

سألته: "أهذه هي الكلمة الوحيدة التي تعرفها؟" لم يُجِبها دروجو. كانت جديلته الطَّويلة الثَّقيلة ملتفَّةً في التُّراب إلى جواره، وجذبَها من فوق كتفه اليُسرى وبدأ يخلع الأجراس من شَعره واحدًا واحدًا، وبَعد لحظةٍ مالت داني إلى الأمام لتُساعِده. ثم أشارَ لها دروجو بعد أن انتهيا ففهمَت إشارته، وببطءٍ وحذر بدأت تحلُّ جديلته.

استغرقَ الأمر وقتًا طويلا ظَلَّ يَرمُقها خلاله بصمت، وعندما انتهَت هَزَّ رأسه لينساب شَعره على ظَهره كنهرٍ من الظَّلام يلمع. لم ترَ شَعرًا طويلا كهذا من قبل، أو أسودَ غزيرًا هكذا.

ثم حانَ دوره وبدأ يُجَرِّدها من ملابسها.

كانت أصابعه رشيقة الحركة ورقيقةً على نحوٍ أدهشَها. خلعَ قِطع الثَّوب الحريري قطعةً قطعةً، بينما جلسَت داني في مكانها صامتةً بلا حراك تَنظُر في عينيه. لم تستطِع منع نفسها عندما كشفَ نهديها الصَّغيرين، فأشاحَت ببصرها وغطَّت نفسها بيديها، فقال دروجو: "لا"، ودفعَ يديها بعيدًا عن نهديها برقَّةٍ لكن بحزم، ثم رفعَ رأسها مرَّةً أخرى لتَنظُر إليه، وكرَّر: "لا"، فردَّدتها وراءه كالصَّدى.

ثم إنه أوقفها وجذبَها قريبًا إليه ليخلع قطعة الحرير الأخيرة. كان هواء اللَّيل باردًا على بشرتها العارية، وارتجفَت شاعرةً بالخَدر في ذراعيها وساقيها. كانت خائفةً مما سيَحدُث الآن، لكن للحظاتٍ لم يَحدُث شيء. جلسَ گال دروجو مربِّعًا ساقيه، يتأمَّلها وينهل من جسدها بعينيه.

بَعد قليلٍ بدأ يلمسها، بنعومةٍ أولًا ثم بخشونة. كانت تَشعُر بقوَّته العاتية في يديه، لكنه لم يؤلمها ولو مرَّة. وضعَ يدها في يده ومَسَّ أصابعها واحدًا تلو الآخَر، ومرَّر أصابعه على ساقها، ومَسَّ وجهها متتبِّعًا انحناءات أُذنيها ودائرًا حول شفيتها بإصبعٍ رقيق. وضعَ كلتا يديه في شَعرها ومشَّطه بأصابعه، ثم أدارها ودلَّك كتفيها، ومَرَّ بمفصل إصبعه على عمودها الفقري.

بدا كأن ساعاتٍ قد مرَّت عندما بلغَت يداه نهديها أخيرًا، فمسَّد الجِلد النَّاعم تحتهما إلى أن دغدغَها، وداعبَ حلمتيها بإبهاميه وقرصَ كلًّا منهما بين الإبهام والسبَّابة، ثم بدأ يجذبهما بخفَّةٍ شديدةٍ في البداية، ثم بقوَّةٍ بعد ذلك إلى أن انتصبتا وبدأتا تؤلمانها.

توقَّف حينئذٍ وجذبَها لتَجلِس في حِجره. كانت داني متقطِّعة الأنفاس الآن ووجهها متورِّدًا عن آخِره. طوَّق دروجو وجهها بيديه الضَّخمتين ونظرَ في عينيها وقال: "لا؟"، وكانت تعرف أنه سؤال.

أخذَت يده وقادتها إلى البُقعة المبتلَّة بين فخذيها، وإذ وضعَ إصبعه في داخلها همسَت: "نعم".

2019/11/29 · 372 مشاهدة · 3033 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024