بزغَ النَّهار صافيًا باردًا، مع شيءٍ من الجفاف في الجَوِّ يشي بدُنُوِّ نهاية الصَّيف. كانت المجموعة التي تضمُّ عشرينًا منهم قد تحرَّكت مع مطلع الفَجر، ليكونوا شاهِدين على إعدام رجلٍ بضرب عُنقه، وركبَ بران معهم وكلّه حماسة جعلَته يكاد لا يطيق الثَّبات في مكانه. إنها المرَّة الأولى التي يتمُّ اعتباره فيها كبيرًا بما يكفي لأن يذهب مع السيِّد والده وأخويه ليشهَد تنفيذ عدالة المَلك. كان العام التاسع من الصَّيف، والسَّابع من حياة بران.

كان الرَّجل قد سيقَ إلى معقلٍ صغير في التِّلال.

قال روب إنه من الهَمج، أحد من أقسَموا بسيوفهم لمانس رايدر مَلك ما وراء الجِدار، ما جعلَ الشُّعيرات تنتَصب على ساعِد بران، وتذكَّر الحكايات القديمة التي ترويها لهم العجوز نان عندما يجتمعون حول نار المستوقَد، وتحكي فتقول إن الهَمج قومٌ قساة، نخَّاسون وقتَلة ولصوص، يُعاشِرون العمالقة والغيلان، ويسرقون الفتيات الصَّغيرات في جوف اللَّيل، ويشربون الدَّم من قرونٍ مصقولة. تقول الحكايات إن نساءهم جامعنَ "الآخَرين" أثناء اللَّيل الَّطويل ليُنجِبنَ ذُرِّيَّةً من الأطفال أنصاف البَشر بشعي الخِلقة.

لكن الرَّجل الذي وجدوه مقيَّدًا من يديه وقدميه إلى سور المعقل الخارجي كان مُسِنًّا هزيلا، يزيد طولاً عن روب بكثير. كانت قضمة الصَّقيع قد اقتنصَت أُذنيه وأحد أصابعه، وكان يرتدي الأسود من قمَّة رأسه حتى أخمص قدميه ككلِّ الإخوة في حَرس اللَّيل، فيما عدا أن فرو ثيابه كان ممزَّقًا وملطَّخًا بالشُّحوم.

خرجَ البُخار كثيفًا مع أنفاس الرِّجال والخيول على حَدِّ سواء في هواء الصَّباح البارد، وأمرَ السيِّد والده بأن تُقطَع الحبال التي تُقَيِّد الرَّجل وأن يُجَرَّ إليه. جلسَ كلٌّ من روب وچون ثابتَيْن بقامتيهما الطَّويلتين على متن حصانيهما، وبران بينهما على حصانه القزم يُحاوِل أن يبدو أكبر عُمرًا من السَّابعة، يُحاوِل أن يتظاهَر بأنه رأى كلَّ هذا من قبل. كانت رياحٌ خفيفة تَهُبُّ من بوَّابة المعقل، وفوق رؤوسهم خفقَت راية آل ستارك أبناء وينترفل، التي تُصَوِّر ذِئبًا رهيبًا رماديَّ اللَّون يَركُض في حقلٍ أبيضَ كالثَّلج.

جلسَ أبو بران بِوَقاره المعتاد على حصانه وخُصلات شَعره البُنيِّ الطَّويل تتحرَّك مع الرِّياح. كان الشَّيب قد وخطَ لحيته المشذَّبة بعناية، ليجعله يبدو أكبر من سنوات عُمره الخمس وثلاثين. تصدَّرت نظرة متجهِّمة عينيه اليوم، ولم يبدُ على الإطلاق كالرَّجل الذي اعتاد على الجلوس أمام الناَّر في المساء والكلام بهدوءٍ عن عصر الأبطال وأطفال الغابة. رأى بران أنه خلعَ وجه الأب ووضعَ وجه اللورد ستارك سيِّد وينترفل.

أسئلةٌ أُلقِيَت وإجاباتٌ أُعطِيَت في بَرد الصَّباح، لكن فيما بَعد لم يستطِع بران أن يتذكَّر الكثير مما قيل. في النهاية أعطى السيِّد والده أمرًا، فجَرَّ اثنان من حرسه الرَّجل المهزول إلى جِذع شجرة الصُّلب المقطوع في منتصَف السَّاحة، ودفعا رأسه إلى أسفل ليستقرَّ على الخشب الأسود القاسي، ثم ترجَّل اللورد إدارد ستارك وجاءَه تابِعه الشَّخصي ثيون جرايچوي بسيفه. كان السَّيف -الذي أطلقَ عليه أبوه اسم "جَليد"- عريضًا كَيَدِ رجلٍ وأطول من روب نفسه، النَّصل من الفولاذ الڤاليري المطروق بالتَّمائم القديمة وداكِن اللَّون كالدُّخَّان. لا شيء في العالم أمضَى من الفولاذ الڤاليري.

خلعَ أبوه قُفَّازيه وناوَلهما لچوري كاسل قائدَ حَرس أهل بيته، ثم أطبقَ على السَّيف بكلتا يديه وقال: "باسم روبرت الأول سليل عائلة باراثيون، مَلك الأنداليِّين والروينار والبَشر الأوائل، سيِّد المَمالك السَّبع وحامي البلاد، بأمر إدارد سليل عائلة ستارك، سيِّد وينترفل وحاكِم الشَّمال، أحكمُ عليك بالموت"، ورفعَ سيفه العظيم عاليًا فوق رأسه.

اقتربَ أخو بران غير الشَّقيق چون سنو منه أكثر، وهمسَ: "أبقِ حصانك تحت السَّيطرة، ولا تُشِح بنظرك. أبونا سيعرف لو فعلت".

أحكمَ بران سيطرته على حصانه القزم ولم يُبعِد ناظريه.

بترَ أبوه رأس الرَّجل بضربةٍ واحدةٍ واثقة، وتناثرَت الدِّماء على الجَليد حمراء كالنَّبيذ الصَّيفي، وتراجعَ أحد الخيول رافعًا قائمتيه الأماميَّتين، واضطرَّ الرجال لتقييده كي لا يفرَّ. لم يستطِع بران أن يُبعِد بصره عن الدَّم الذي أخذَ الجَليد المحيط بجِذع الشَّجرة المقطوع يتشرَّبه بنهم، لينتشر فيه الأحمر بسرعةٍ أمام عيني بران. ارتطمَ الرَّأس المبتور بجِذر نباتٍ سميك بارز من الأرض وارتدَّ متدحرجًا بالقُرب من قدمي جرايچوي.

كان ثيون شابًّا أسمرَ نحيلاً في التَّاسعة عشر من عُمره يجد تسليةً في كلِّ شيء، فضحكَ ووضعَ قدمه على الرَّأس ثم ركله بعيدًا.

- "أحمق!"، تمتم چون بصوتٍ خفيض كي لا يسمعه جرايچوي، ووضعَ يده على كتف بران الذي التفتَ رامقًا أخاه غير الشَّقيق وهو يقول بِرَزانة: "أحسَنت". كان چون في الرَّابعة عشر من العُمر، وكثيرًا ما شهدَ تنفيذ العدالة.

بدا الجَوُّ أكثر برودةً خلال طريق العودة الطَّويل إلى وينترفل، على الرغم من أن الرِّيح كانت قد هدأت وارتفعَت الشَّمس في السَّماء. ركبَ بران مع أخويه ليسبقوا المجموعة بمسافةٍ طويلة، وحصانه القزم يُكافِح لمُجاراة سرعة الحصانين الآخَرين.

قال روب: "المتهرِّب ماتَ بكرامته". كان طويل القامة ذا منكبين عريضين وينمو يومًا بعد يوم، تتجلَّى فيه قسمات أمِّه، البشرة البيضاء والشَّعر الكستنائي والعينان الزَّرقاوان، تلك الملامح التي تُمَيِّز آل تَلي أبناء ريڤررَن. "كان يتحلَّى بالشَّجاعة على الأقل".

قال چون سنو بهدوء: "لا، لم تكن شَجاعة. لقد ماتَ من الخوف. كان هذا واضحًا في عينيه يا ستارك". كانت عينا چون رماديَّتين داكنتين جدًّا لدرجةٍ جعلَتهما أقرب إلى السَّواد، ولا يفوتهما الكثير. كان في مِثل عُمر روب، لكن لا تشابُه كان يجمعهما، فچون نحيل بينما روب مفتول العضلات، كئيب الملامح بينما روب بهيُّ الطَّلعة، رشيق خفيف الحركة بينما أخوه غير الشَّقيق قويٌّ سريع.

لم يتأثَّر روب بكلام چون، وقال ساخرًا: "فليأخذ "الآخَرون" عينيه! لقد ماتَ ميتةً جيِّدة... هل تُسابِقني إلى الجسر؟".

- "لك هذا"، قال چون وهو يهمز حصانه ليندفع إلى الأمام، فزعقَ روب مُطلِقًا سُبَّةً وانطلقَ الاثنان على الطَّريق، روب يضحك ويصيح وچون صامت ومنتبه، ونثرَت حوافر حصانيهما وابلًا من الثَّلج وهما ينطلقان.

لم يُحاوِل بران أن يتبعهما، فلم يكن حصانه القزم ليستطيع اللِّحاق بهما. لقد رأى عيني الرَّجل الأشعث، وكان يُفَكِّر فيهما الآن. بعد فترةٍ غابَ صوت ضحكات روب، وخيَّم الصَّمت على الغابة من جديد.

كان مستغرقًا جدًّا في أفكاره، لدرجة أنه لم يسمع بقيَّة أفراد المجموعة وهُم يقتربون إلا عندما وجدَ أباه يتحرَّك إلى جواره، ويسأله بلهجةٍ لم يغب عنها اللُّطف: "بران، هل أنت بخير؟".

أجابَ بران رافعًا عينيه: "نعم يا أبي". كان السيِّد والده، وقد تدثَّر بالفرو والجِلد وامتطى جواده الحربيَّ الضَّخم، يبدو كعملاقٍ يَرمُقه من أعلى. "روب يقول إن الرَّجل مات بشَجاعة، بينما يقول چون إنه كان خائفًا".

سأله أبوه: "وما رأيك أنت؟".

فكَّر بران قليلا، ثم قال: "هل من الممكن أن يكون رجل ما شُجاعًا وهو خائف؟".

أجابَ أبوه: "ليس من الممكن أن يكون الرَّجل شُجاعًا إلا وهو خائف. هل تفهم لِمَ فعلتُ ما فعلتُ؟".

قال بران: "لأنه كان هَمجيًّا. إنهم يختطفون النِّساء ويبيعونهنَّ لـ "الآخَرين"".

ابتسمَ أبوه قائلا: "لابُدَّ أن العجوز نان كانت تحكي لك قصصها مرَّةً أخرى. الحقيقة أن هذا الرَّجل كان ناقضًا للعهد، متهرِّبًا من حَرس اللَّيل، وليس هناك رجل أخطر ممن هُم مِثله. المتهرِّب يعلم أنه سيدفع حياته ثَمنًا إذا قُبِضَ عليه، ولذا لا يتورَّع عن ارتكاب أيِّ جُرمٍ كان، مهما كان آثمًا. لكنك لم تفهمني. السُّؤال لم يكن عن سبب موته، بل لِمَ كان عليَّ أن أفعلها بنفسي".

لم يكن بران يملك إجابةً للسُّؤال، فقال بتردُّد: "المَلك لديه جلاد".

قال أبوه: "هذا صحيح، تمامًا مِثل ملوك آل تارجاريَن من قبله، لكن طريقتنا هي الطَّريقة الأقدم. إن دماء البَشر الأوائل ما زالت تجري في عروق آل ستارك، ونحن نُؤمن بأن من يُصدِر الحُكم ينبغي عليه أن يضرب بالسَّيف. إذا كنت ستأخذ حياة رجلٍ ما، فأنت مدين له بأن تَنظُر في عينيه وتسمع كلماته الأخيرة. وإذا كنت لا تطيق أن تفعل هذا، فمن المحتمَل أن ذلك الرَّجل لا يستحقُّ الموت. سيأتي يوم يا بران تكون فيه حامل راية روب، تتولَّى قلعتك الخاصَّة من أجل أخيك والمَلك، وسيقع واجب تنفيذ العدالة على عاتقك. عندما يأتي هذا اليوم، عليك ألا تجد متعةً في الأمر، لكن عليك ألا تعدل عنه كذلك. الحاكم الذي يختبئ وراء الدجالين المأجورين سرعان ما ينسى معنى الموت".

كان هذا عندما ظهرَ چون مرَّةً أخرى على قمَّة المرتفَع أمامهما يُلَوِّح بيديه ويُنادي: "أبي، بران، تعاليا بسرعة لتريا ما وجدَه روب!"، ثم اختفى من جديد.

تقدَّم چوري ليتحرَّك إلى جوارهما سائلا: "أهناك مشكلة يا سيِّدي؟".

قال السيِّد والده: "بلا شَك. هَلُمَّ، لنرَ ما عثرَ عليه ولداي هذه المرَّة"، وهرولَ بجواده وتبعه بران وچوري والآخَرون.

وجدوا روب على ضفَّة النَّهر شَمال الجسر، وچون إلى جواره على حصانه. كانت ثلوج أواخر الصَّيف قد سقطَت ثقيلةً مع دورة القَمر هذه، وغاصَ روب حتى رُكبتيه في البياض وقد رفعَ قلنسوته لتسطع الشَّمس على شَعره. كان يَحتَضِن شيئًا بذراعه، ويتكلَّم مع أخيه بصوتٍ خافتٍ مفعم بالإثارة. تحرَّك الرَّاكبون بحذرٍ عبر تيَّار المياه، يتلمَّسون طريقهم للعثور على موطئ قدمٍ ثابتٍ على الأرض غير المستوية. وصلَ چوري كاسل وثيون جرايچوي أو إلى الصَّبيَّين، وكان الثاني يضحك ويُلقي الدُّعابات وهو يتقدَّم. ثم إن بران سمعه يشهَق ويصيح: "يا للآلهة!" وهو يُكافِح للسيطرة على حصانه ويمدُّ يده إلى مقبض سيفه.

كان چوري قد استلَّ سيفه بالفعل، ويصيح وحصانه يتراجَع رافعًا قائمتيه الأماميَّتين من تحته: "روب، ابتعد عنه!"

رفعَ روب عينيه عن الشَّيء الذي يحتويه وقال عابسًا: "لا تقلق، لن تؤذيك. إنها ميتة يا چوري".

كان بران يشتعل فضو ولهفةً الآن، وكان يرغب في الدُّنُوِّ بحصانه أكثر، لولا أن أباه جعلَهم يترجَّلون عند الجسر ويقتربون على أقدامهم، فوثبَ بران من على حصانه القزم واندفعَ إلى حيث أخويه. حينئذٍ كان چون وچوري وثيون جرايچوي قد ترجَّلوا بالفعل، وقال الأخير: "ما هذا بحَقَّ الجحائم السَّبع؟".

قال روب: "إنها ذِئبة".

صاحَ جرايچوي: "مسخ! انظر إلى حجمها!"

دَقَّ قلب بران بعُنْفٍ في صدره وهو يخوض في التيَّار المائي ليقف إلى جوار أخيه.

كان الجسم الدَّاكن الضَّخم نِصف مدفون في الثَّلج الملطَّخ بالدِّماء، وقد تكوَّن جَليد خفيف على فروه الرَّمادي الخَشِن، وعلقَت به رائحة التعفُّن كعِطر امرأة. لمحَ بران عينين ميتتين يزحف فيهما الدُّود، وفمًا واسعًا مليئًا بالأسنان المصفرَّة، لكن الحجم هو ما جعله يشهَق. كان الشيء أكبر من حصانه القزم، يَبلُغ ضِعف حجم أكبر كلب صيدٍ في وَجار كلاب أبيه.

قال چون بهدوء: "ليس مسخًا، بل ذِئب رهيب. هؤلاء أكبر من النوع الآخَر حجمًا بكثير".

قال ثيون جرايچوي: "لم يَحدُث أن شوهد ذِئب رهيب جَنوب "الجِدار" منذ مئتي عام".

أجابَ چون: "ها أنا ذا أرى واحدًا الآن".

أشاحَ بران بعينيه بصعوبةٍ عن الوحش، وكان هذا عندما لاحظَ الشيء الذي يحتويه روب، فأطلقَ صيحة سرورٍ واقتربَ. كان الجرو عبارة عن كرةٍ صغيرةٍ من الفرو الأسود والرَّمادي وعيناه ما زالتا مغمضتين. دون أن يرى شيئًا كان يُمَرِّغ أنفه في صدر روب الذي يحتضنه، يبحث عن اللَّبن بين طيَّات ثيابه الجِلديَّة، ويُصدِر صوت أنينٍ حزين.

قال له روب: "هَلُمَّ يُمكنك أن تلمسه".

بتوتُّرٍ مَدَّ بران يده وملَّس على الجرو مرَّةً، ثم ابتعدَ بينما قال چون: "هاك"، ووضعَ أخوه غير الشَّقيق جروًا آخَر بين ذراعيه مضيفًا: "هناك خمسة منها". جلسَ بران في الثَّلج وضَمَّ الذِّئب الوليد إلى وجهه، وشعرَ بملمس فروه دافئًا ناعمًا على وجنته. غمغمَ هالن قيِّم الخيول: "الذِّئاب الرَّهيبة طليقة بعد كلِّ هذه السِّنين. هذا لا يروق لي على الإطلاق".

قال چوري: "إنها علامة".

قطَّب السيِّد والده جبينه قائلا: "ما هو إ حيوان ميت يا چوري". على أنه بدا منزعجًا، وتهشَّم الثَّلج تحت حذائه الثَّقيل وهو يدور حول الجثَّة متسائلا: "هل نعرف ما قتلَها؟".

- "ثمَّة شيء ما في الحَلق"، قال روب شاعرًا بالفخر لأنه وجدَ الإجابة قبل أن يُلقي أبوه السؤال حتى. "هناك، تحت الفَكِّ مباشَرةً". جثا أبوه على رُكبته وتحسَّس أسفل رأس الدَّابَّة الميتة، ثم انتزعَ شيئًا ورفعَه ليراه الجميع. كان قرن وعلٍ محطَّمًا يبلغ طوله قدمًا كاملا، أَسلاته المُدبَّبة متكسِّرة والدَّم يُغرِقه عن آخِره.

رانَ صمت مفاجئ على المجموعة، ورمقَ الرِّجال القرن بتوتُّرٍ ولم يجرؤ أحدهم على الكلام. حتى بران أحسَّ بخوفهم، وإن لم يفهم السَّبب. ألقى أبوه القرن جانبًا ونظَّف يديه في الثَّلج، ثم تكلَّم أخيرًا ليكسر صوته تعويذة الصَّمت: "إنني مندهش لأنها عاشَت بما يكفي لأن تضع صغارها".

قال چوري: "لعلَّها لم تفعل. لقد سمعتُ قصصًا... ربما كانت ميتةً بالفعل عندما خرجَ الصِّغار منها".

علَّق رجل آخَر: "مولودون في قلب الموت. هذا حظٌّ أسوأ".

قال هالن: "لا فارِق. سرعان ما سيلحقون بها".

أطلقَ بران صيحة ذُعْرٍ بلا كلمات، بينما قال ثيون جرايچوي وهو يستلُّ سيفه: "يَحسُن أن يحدث هذا بسرعةٍ إذن. بران، أعطني إياه".

تلوَّى الشَّيء الصغير بين يديه كأنه سمعَ ما قيل وفهمه، وصاحَ بران بحدَّة: "لا! إنه لي!" قال روب: "ضَع سيفك في غِمده يا جرايچوي". للحظةٍ بدت لهجته آمرةً تمامًا كلهجة أبيهم، كلهجة الحاكم الذي سيصيره يومًا ما. "سنحتفظ بهذه الجِراء".

قال هاروين ابن هالن: "لا يُمكنكم أن تفعلوا هذا يا فتى".

وأضافَ هالن: "في قتلها رحمة لها".

نظرَ بران إلى السيِّد والده ناشدًا النَّجدة منه، لكنه لم يتلقَّ منه غير تقطيبةٍ وحاجبين معقودين. "هالن يقول الحَقَّ يا بُني. ميتة سريعة خير لها من الاحتضار جوعًا وبردًا".

- "لا!"، صرخَ والدُّموع تحتشد في عينيه، فأشاحَ بوجهه بعيدًا. لم يكن يريد أن يراه أبوه يبكي.

قال روب بعناد: "كلبة السير رودريك وضعَت مرَّةً أخرى الأسبوع الماضي. الوُلْدُ قليل هذه المرَّة، جروان صغيران فقط. سيكون في ضَرعها لبن كافٍ".

- "سوف تُمَزِّقهم إربًا إذا حاولوا الرِّضاعة منها".

قال چون فجأةً: "لورد ستارك". كان من الغريب سماعه يُخاطِب أباه بهذه اللَّهجة الرَّسميَّة، لكن بران رمقَه بأملٍ يائسٍ وهو يقول: "هناك خمسة جراء، ثلاثة ذكور وأنثيان"

- "وماذا في هذا يا چون؟ "

- "إن لديك خمسة أبناء شرعيِّين، ثلاثة أولاد وبنتان. الذِّئب الرَّهيب هو رمز عائلتك. من المقدَّر أن يحظى أبناؤك بتلك الجِراء يا سيِّدي". رأى بران التَّعبير على وجه أبيه يتبدَّل، ورأى الآخَرين يتبادلون النَّظرات. في هذه اللَّحظة أحبَّ چون من كلِّ قلبه، فحتى في عُمر السَّابعة أدركَ بران ما فعله أخوه. كان العدد صحيحًا فقط لأن چون استثنى نفسه. لقد أحصى الفتاتين، وحتى ريكون الصَّغير، لكن ليس النَّغل الذي يحمل لقب سنو، اللَّقب الذي تُملي الأعراف إطلاقه على كلِّ أبناء الشَّمال ممن لم يسمح حظُّهم بأن يولَدوا حاملين اسم عائلةٍ ما.

أبوهم أيضًا أدركَ ما فعله چون، وبهدوءٍ سأله: "ألا تريد واحدًا لنفسك؟".

- "الذِّئب الرَّهيب يُزَيِّن راية آل ستارك، وأنا لستُ منهم يا أبي".

رمقَ أبوهم چون بإمعان، واندفعَ روب ليكسر الصَّمت قائلا: "سأرعاه بنفسي يا أبي. سأُبَلِّل منشفةً بالحليب الدَّافئ وأجعله يمتصه منها".

هتفَ بران: "وأنا أيضًا!".

فكَّر اللورد إدارد مليًّا وهو يَرمُق أولاده، قبل أن يقول: "القول أسهل من الفعل. لن أسمح لكم بتبديد وقت الخدم في هذا. إذا كنتم تريدون هذه الجِراء، فعليكم إطعامها بأنفسكم، مفهوم؟".

هَزَّ بران رأسه إيجابًا بلهفة، وتلوَّى الجرو بين يديه ولعقَ وجهه بلسانٍ دافئ، بينما واصلَ أبوهم: "يجب أن تُدَرِّبونها كذلك. يجب أن تُدَرِّبوها لأن قيِّم وَجار الكلاب لن يدنو خطوةً من هذه الوحوش، أؤكِّد لكم هذا. ولتكن الآلهة في عونكم إذا أهمَلتموها أو عامَلتموها بقسوة أو أسأتم تدريبها. هذه ليست كلابًا تتسوَّل منكم مكافأةً وتبتعد بمجرَّد أن يَركُلها أحد بطرف حذائه. الذِّئب الرَّهيب يستطيع انتزاع ذراع رجلٍ من كتفه كما يَقتُل الكلب جرذًا. متأكِّدون من أنكم تريدون هذا؟".

قال بران: "نعم يا أبي".

وأيَّده روب: "نعم".

- "قد تموت الجِراء على أيِّ حالٍ رغم كلِّ ما تفعلونه".

قال روب: "لن تموت. نحن لن نَترُكها تموت".

- "احتفظوا بها إذن... چوري، دزموند، اجمعا بقيَّة الجِراء. حانَ وقت العودة إلى وينترفل".

لم يسمح بران لنفسه بأن يتنفَّس عبير الانتصار حتى امتطوا خيولهم وبدأوا يتحرَّكون. عندئذٍ كان جروه قد دَسَّ نفسه بالفعل بين طيَّات ثيابه يتدفَّأ به وقد صارَ آمنًا طوال الرِّحلة الطَّويلة إلى الدِّيار. كان بران يتساءل عن الاسم الذي سيُطلِقه عليه.

ثم توقَّف چون بغتةً في منتصَف الجسر.

سأله أبوهم: "چون، ماذا هناك؟".

- "ألا تسمعه؟ ".

كان بران يسمع الرِّياح بين الأشجار ووقع حوافر الخيول الثَّقيل على ألواح خشب الصُّلب المتينة وأنين الجرو الجائع، لكن أخاه كان يُصغي لشيءٍ آخَر.

ثم قال چون: "هناك"، واستدارَ بحصانه واندفعَ عائدًا على الجسر. شاهَدوه وهو يترجَّل حيث ارتمَت الذِّئبة الرَّهيبة ميتةً بين الثُّلوج، وشاهَدوه يركع، ثم بعد لحظةٍ كان عائدًا إليهم وعلى وجهه ابتسامة. "لابُدَّ أنه زحفَ بعيدًا عن الآخَرين".

قال أبوه وهو يَرمُق الجرو السادس: "أو أن شيئًا أبعده عنهم". كان فروه أبيضَ بينما فرو إخوته رمادي، وعيناه حمراوين كدم الرَّجل الأشعث الذي أُعدِم هذا الصَّباح. خطرَ لبران أن من الغريب فعلاً أن هذا الجرو وحده فتحَ عينيه بالفعل بينما لا يزال إخوته عميانًا.

قال ثيون جرايچوي باستمتاعٍ ساخرٍ كعادته: "أمهَق! هذا بالذَّات سيموت قبل الباقين".

رمقَ چون سنو تابِع أبيه الشَّخصي بنظرةٍ باردةٍ طويلة، وقال: "لا أظنُّ يا جرايچوي. هذا ملكي أنا".

2019/11/26 · 422 مشاهدة · 2502 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024