الفصل المئتان والسادس والأربعون: جبل الطين الأصفر
____________________________________________
سار الجمع خلف يي سوي فنغ، محلقين إلى الأمام، وما هي إلا برهة حتى بلغوا مركز الأطلال. كان المكان قد غدا بؤرة للفوضى المطلقة، حيث انتشرت شقوق الفراغ العميقة في كل مكان، وتلوت خيوط لا حصر لها من القوانين وتشابكت معًا، بينما كان أثير الفوضى البدائية يتهادى في الأجواء. إن أدنى غفلة في هذا المكان قد تكلف حتى الإمبراطور الخالد حياته.
وقف يي سوي فنغ في الفراغ، يحدق في مشهد الفوضى الممتد أمامه، وفي تلك اللحظة، تأكد من صحة تخمينه. إن هذه الفوضى العارمة التي تعم الأطلال هي بالفعل نتيجة اصطدام عالم آخر بعالم الخالدين. لقد استشعر من بين قوانين الفوضى هنا قانونًا آخر لا ينتمي إلى عالم الخالدين، ولكنه كان قويًا إلى أبعد الحدود.
كان القانونان يتشابكان في صراع عنيف لا يقبل التوافق، ولعل هذا الصدام هو ما تسبب في ذلك الانفجار الكوني الهائل. وفي خضم هذا الانفجار، دُمر العالم الجديد، وتحول قصر وان لينغ الخالد الذي كان يومًا ما منيعًا إلى مجرد أطلال، ليتلاشى أثره في نهر التاريخ السرمدي الذي لا ينضب. زفر يي سوي فنغ نفسًا خفيفًا، متسائلًا في قرارة نفسه، أي كائنات مرعبة تكمن خلف عملية ارتقاء العوالم؟
"سيدي، ما اكتشفناه من الطين الأصفر كان هناك." قال ليو رو نيان وهو يشير بإصبعه نحو فجوة فوضوية.
ألقى يي سوي فنغ نظرة، فاخترقت عيناه حجب الفوضى وكشفت له المشهد الكامن خلفها. هناك، كان يربض عالم صغير مقفر، وفي مركزه، ينتصب جبل أصفر بهدوء وسكون، جبلٌ تكون بالكامل من الطين الأصفر. كان جبل الطين الأصفر يمتد على مساحة مئة متر، وبتقدير أولي، تجاوزت كتلته ملايين الأطنان!
لم يستطع يي سوي فنغ إلا أن يصمت أمام هذا المشهد المهيب. راودته فكرة إيقاظ شياو هي ليرى هذا الجبل، ويراقب بعدها انفعالاته، فلا يدري إن كان سيغمره الفرح أم سيصيبه الانهيار.
"سيد يي، يبدو المكان قريبًا جدًا، لكن أثير الفوضى يعترض الطريق، وشقوق الفراغ تنتشر في كل مكان، مما يجعل العبور شديد الخطورة." تحدث ليو رو نيان بجدية، ثم أضاف: "إن قطع الطين الأصفر التي حصلنا عليها في المرة السابقة كانت مجرد شظايا متناثرة في الفراغ، وقد تمكنا من سحبها بشق الأنفس."
"إذا أردت الدخول إلى هناك، فلا بد من توخي أقصى درجات الحذر." قال يي سوي فنغ بهدوء: "لنذهب ونلقي نظرة."
بعد أن أنهى كلامه، أطلق ضوءًا إلهيًا أحاط بمن خلفه لحمايتهم، ثم تقدم بهم مخترقًا الفوضى التي أمامه مباشرة. كادت هذه الخطوة الجريئة أن تصيب ليو رو نيان بالشلل من شدة الخوف، وارتسمت على وجهه ألوان شتى من التعابير، وكأن تحذيره لم يكن سوى هباء منثور. همّ بأن يذكّر يي سوي فنغ مرة أخرى بأن تلك هي الفوضى التي يرتعد منها حتى الإمبراطور الخالد!
لكنه في اللحظة التالية، لم يستطع أن ينطق بحرف واحد. لقد رأى بأم عينيه أثير الفوضى يتطاير بعيدًا بمجرد اقترابه من يي سوي فنغ، ليصطدم بكتل الفوضى البعيدة وينفجر، فاتحًا بذلك ممرًا واضحًا. لقد أثار هذا المشهد الخارق دهشة ليو رو نيان وجعله يتمتم في قلبه بإجلال: 'إنه إله حقًا!'
لم يلقِ يي سوي فنغ بالًا لأفكار الآخرين، فقد اعتاد مثل هذه المواقف، ولم يعد يرى جدوى من الشرح. سلك الممر الذي شقّه للتو عبر الفوضى، وفي غمضة عين، اقتحم ومن معه ذلك العالم الصغير. وبعد أن ولجوا إليه، أدرك حقيقة الأمر، فهذا المكان لا علاقة له بعالم الخالدين، ولم يكن عالمًا صغيرًا تم ابتكاره، بل كان عالمًا حقيقيًا قائمًا بذاته.
شعر وكأنه عاد إلى مدينة السحاب، ولولا شقوق الفراغ المنتشرة حوله، لكان من المستحيل استشعار وجود عالم الخالدين. أدرك يي سوي فنغ أن هذا هو العالم الذي حاول الارتقاء والاندماج مع عالم الخالدين، وهو الذي تسبب اصطدامه في تدمير قصر وان لينغ الخالد العظيم، بينما انهار هو نفسه ولم يتبق منه سوى هذه البقعة المقفرة، الخالية من أي أثر للحياة.
لم يبق هنا سوى جبل الطين الأصفر. تنهد يي سوي فنغ بصوت خافت، ثم هبط مع رفاقه أمام الجبل. وفجأة، علت صرخة دهشة من الإمبراطور ون تشانغ.
"يا إلهي، هذا هو..."
التفت يي سوي فنغ فرآه جاحظ العينين، يحدق في الجبل وقد اعتلت وجهه صدمة لا توصف.
"هل تعرفه؟" سأل يي سوي فنغ بفضول، فربما هذا العجوز الذي عاش مئات الآلاف من السنين يعرف بعض الأسرار الخفية.
قطب الإمبراطور ون تشانغ حاجبيه واقترب أكثر من جبل الطين الأصفر يتفحصه بعناية، ثم قال بصوت عميق: "هذه الهالة وهذه الهيئة... تبدو وكأنها... تربة الخلق!"
رفع يي سوي فنغ حاجبيه. إن أفضل أنواع التربة تُعرف في الواقع باسم تربة وان لينغ، وهي كنز سحيق أسطوري. وبعد أن قام بتحليل قوانين الطين الأصفر في السابق، توصلت التحليلات إلى نتيجة مماثلة. لكن جبل الطين الأصفر الذي أمامه الآن ليس هو تربة الخلق الحقيقية، أو بالأحرى، ينقصه شيء ما.
لم يرَ يي سوي فنغ تربة الخلق الحقيقية من قبل، لكنه قرأ في الكتب القديمة أنها كنز سماوي لا نهائي، وقوانينها الداخلية مكتملة، فهي أعجوبة من أعاجيب الخلق. أما هذا الطين الأصفر، فرغم أنه يفيض بالحياة ويحمل العديد من خصائص تربة الخلق، إلا أنه لا يزال ناقصًا قليلًا. حتى لو لم تكن الفوضى تعتريه، فإنه لا يرقى لمقارنته بتربة الخلق الحقيقية.
بدا الأمر وكأنه كان في طور التطور ليصبح تربة الخلق، ولكنه للأسف فشل في الخطوة الأخيرة، ومن المرجح أن تكون تلك النقطة الحاسمة هي لحظة دخوله إلى عالم الخالدين. لم يستطع يي سوي فنغ إلا أن يتنهد بحسرة، فلا بد أن هذا العالم كان مزدهرًا للغاية، لكنه سقط في آخر خطوة على طريق المجد.
ومع ذلك، فإن ظهور شيء يقترب من تربة الخلق في نهاية ارتقاء عالم ما، لا يزال يثير دهشته. لا عجب أن إمبراطور قصر الخالدين التسعة قال إن في ارتقاء العوالم يكمن سر بلوغ مرتبة الإمبراطور الخالد. فإذا كان من الممكن أن تظهر تربة الخلق، فمن الممكن حقًا أن يحدث ما هو أبعد من مرتبة الإمبراطور الخالد.
"هذه ليست تربة الخلق، وليس لها فائدة عظيمة." هز يي سوي فنغ رأسه قائلًا.
إن القوانين التي تعتري هذا الطين الأصفر فوضوية للغاية، وقد غيرت جوهره، مما يجعله غير قابل للاستخدام من قبل المتدربين. ربما وحده شياو هي، بسبب حالته الخاصة، يستطيع تحويله إلى ما يحتاجه. بعد أن فهم طبيعة الطين الأصفر، طاف يي سوي فنغ حول الجبل يتفحصه. وفجأة، وجد شيئًا غريبًا على الجانب الآخر من الجبل.
حلق يي سوي فنغ عاليًا، ليجد على قمة جبل الطين الأصفر عشًا غريبًا يستقر هناك. كان هيكل العش مبنيًا من الطين الأصفر نفسه، ولكن من الواضح أنه خضع لتعديل صناعي، وكان يشع بإيقاع هادئ وسماوي، إيقاع لم يكن مخصصًا لأي كائن حي.
'عشٌ يُستخدم لتغذية إرادة السماء.' أدرك يي سوي فنغ جوهره على الفور وأصيب بالدهشة.
لقد تم إعداد هذا العش خصيصًا لإرادة السماء. فلو وُضعت روح إرادة السماء في هذا العش، لتسارعت وتيرة تطورها إلى مستوى مرعب. إن تمكن سلالة وان لينغ الخالدة من فعل شيء كهذا هو أمر مذهل حقًا. فلا عجب أنهم تمكنوا من اتخاذ الخطوة الأخيرة على طريق ارتقاء عالمهم.
حاول يي سوي فنغ تحفيز التشكيلات المنقوشة على العش، فوجدها لا تزال سليمة وقابلة للاستخدام.
"يبدو أن الحظ يحالفك." تمتم يي سوي فنغ باستهزاء، ثم أخرج شياو هي من عالمه الخاص، وكان رأسه متدليًا، لا يزال غارقًا في نوم عميق. هذا العش مناسب تمامًا لشياو هي، لكن الأمر يتطلب إجراء بعض التعديلات على التشكيلات الموجودة عليه لتناسب مسار الداو الخاص به.
'التشكيلات مجددًا.' لم يستطع يي سوي فنغ إلا أن يشعر بصداع خفيف. كانت التشكيلات في هذا العش أعلى مرتبة بعدة درجات من تلك التي وجدها في أطلال أسرة شيه شيان الإلهية. إن تحليلها بالكامل، بالاعتماد على مستواه الحالي في فن التشكيلات، قد يستغرق عقودًا على الأقل. شعر يي سوي فنغ بالعجز، وكان يراوده شعور دائم بأن شخصًا ما يتلاعب بالخيوط في الخفاء، وهو أمر مزعج للغاية.
لحسن الحظ، في طريقه إلى هنا، كان قد حصل على عدد كبير من مخططات التشكيلات عالية المستوى. ومن المفترض أن يكون تحليل تشكيلات هذا العش سهلًا للغاية بعد كل شيء. بعد تفكير لبرهة، هبط يي سوي فنغ من الجبل وقال: "لدي أمر أود إخباركم به."